![]() |
مرحبا أختى الكريمة ... عود حميد
|
التعالي عن الصغائر ، والترفع عن الرذائل اسمع الى الوحي يخاطبك بأن ترتفع (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ)"آل عمران: الآية139" ، لا يصيبك إحباط ولا يأس ولا فشل ، وأنت تسجد لله ومعك القرآن ، وقد هديت الى تكبيرة الإحرام ، ومعك أخوة صالحون، ومعك دعاة وعلماء ، إن الله يحب معالي الأمور. واسمع الى على بن عبد العزيز الجرجاني الفقيه المحدث والقاضي الواعظ ، وهو يخبرك بعصارة حياته، وقد ترك الناس ،وأغلق الباب على نفسه في البيت ، لا يخالط كبيراً ولا صغيراً ، ويقول : أنست بوحدتي ولزمت بيتي فدام لي الهنا ونما السرور وأدبني الزمان فلا أبالي هجرت فـــلا أزار ولا أزور فلست بسائل ما عشت يوماً أسار الجيش أم ركب الأمير وهو الذي يقول: يقولون لي فيك انقباض وإنما رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما وما زلت منحازاً بعرضي جانباً من الذم أعتد الصيانة مغنماً إذا قيل هذا مشرب قلت قد أري ولكن نفس الحر تحتمل الظما ولم أقض حق العلم إن كان كلما بدا مطمع صيرته لي سلما ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي لأخدم من لاقيت لكن لأخدما أأشقى به غرساً وأجنبه ذلة إذا فابتياع الجهل قد كان أحزما ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما ولكن أهانوه فهان ودنسوا محياه بالأطماع حتى تجهما ومن سمو البخاري صاحب الصحيح رحمه الله يقول: رأيت في منامي الرسول صلي الله عليه وسلم وكأنه يرفع خطوة واضع رجلي أو قدمي مكان قدمه، فسألت أهل العلم وأنا شاب، قالوا: أنت تحفظ سنة الرسول عليه الصلاة والسلام! ويقول : ما اغتبت مسلماً منذ احتلمت!، فقل لي بالله يا من أكثر من الغيبة والوشاية والنميمة واستحلال الأعراض: كيف نقارن بينك وبين البخاري؟. وقال الشافعي صاحب الهمة العالية : ما كذبت منذ علمت أن الكذب يضر أهله!.. لا كذب في هزل ولا جد ، ولا ليل ولا نهار، ويقول وهو يحاسب نفسه : ما حلفت بالله صادقاً ولا كاذباً !..،وكان يعيش على كسرة الخبز، وامتلأ بيته باللخاف والجريد والصحف حتى كاد هو وأمه يخرجان خارج البيت، وهو يطلب العلم ويقول ـ وقد عرضت له القناطير من الذهب من هارون الرشيد ـ: أمطري لؤلؤاً سماء سرنديب وفيضي آبار تكرور تبرا أنا إن عشت لست أعدم خبزاً وإذا مت لست أعدم قبرا همتي همة الملوك ونفسي نفس حر تري المذلة كفرا! |
فما المجد إذاً ؟ قال اهل العلم : المجد والسمو في ثلاثة : أن تمرغ وجهك ساجداً لله ، وأن تأكل الحلال، وأن تكون سليم الصدر ، ثم لا يضرك ما فاتك من الدنيا من دورها وقصورها وذهبها. جلس محدث من المحدثين الكبار ـ ذكره الذهبي وغيره ـ، فرأي ألف عمامة أمامه، كلهم يكلبون الحديث ، مع كل عمامة قلم، مع كل قلم محبرة، مع كل محبرة كتاب، مع كل كتاب دفتر، فدمعت عيناه وقال: هذا والله الملك لا ملك المأمون والأمين ، ثم أنشد فرحاً: إني إذا احتوشتني ألف محبرة يروون حدثني طوراً وأخبرني ناديت في الجمع والأقلام مشرعة تلك المكارم لا قعبان من لبن وهذا تضمين رائع جميل ضمنه كثير من أهل العلم قصائدهم ، وأذكر على سبيل سمو أهل الهمم صلاح الدين ، فقد ذكروا أنه لم يمزح ولم يبتسم، فسأله أصحابه : مالك؟ قال: لا أمزح ولا أبتسم حتى أفتح بيت المقدس!.. وفتح بيت المقدس وصف معه الأمراء والعلماء والوزراء، وقام الخطيب شمس الدين الحلبي على المنبر فافتتح خطبته وأشار ـ بعد الحمد لله والحوقلة ـ لصلاح الدين قائلاً: تلك المكارم لا قعبان من لبن وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن يقول: أنت السيف، أنت المنتصر ـ بإذن الله ـ، أنت فخر الإسلام لا سيف ابن ذي يزن الجاهلي المشرك. وهنا يأتيك السمو من أهل الجاهلية، لكن يرشده الإسلام تحت مظلة التعالي على الصغائر والترفع عن الرذائل ، يقول الرسول صلي الله عليه وسلم لإبنة حاتم الطائي: (( لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه ))!، و(حاتم) قصة من البذل ، قصة من السمو ، قصة من الجود ، عندما تهب الرياح النجدية فتلعب بالبيوت، وينضوي البخيل كالكلب في بيته ، يخرج حاتم ويقول لغلامه: التمس لي ضيفاً فإن أتيت الليلة بضيف فأنت حر، ثم يقول له: أوقد فإن الليل ليل قر والبرد يا غلام برد صر إذا أتي ضيف فأنت حر! ويقول: أما والذي لا يعلم الغيب غيره ويحيي العظام البيض وهي رميم لقد كنت أطوي البطن والزاد يشتهي مخافة يوماً أن يقال لئيم فهل طوينا بطوننا وآلاف الجائعين في أفغانستان وفلسطين وكشمير والبوسنة؟، هل اقتصدنا في نفقاتنا وهذا حاتم في الجاهلية يقول: والله إني أطوي بطني، والله إني أترك الخبز واللحم لئلا يقال بخيل؟!، وهو لا يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً، فكيف بمن صلي الخمس، وصام الشهر، وحج البيت؟! وهذه قصة السمو من مدرسة حاتم: وما أنا بالساعي لفضل لجامها لتشرب ماء القوم قبل الركائب يقول حاتم في أخلاقياته الشريفة التي ذكره بها صلي الله عليه وسلم : أنا من صفاتي أني ما اسابق ، حتى بغلتي أعلمها الإيثار، بغلتي لا أقدمها تشرب الماء من الحوض قبل أصحابي، بغلتي أو حماري أو جوادي أعلمه الأدب لئلا يشرب قبل حمار الناس وقبل جوادهم، فقل لي عن نفسي ونفسك ونحن في دائرة الإسلام ودائرة السنة، هل آثرنا جيراننا، هل آثرنا الفقراء والمساكين؟ ثم يقول في أدب آخر ، أنثره ثم أنظمه ، يقول : إذا مشيت مع قوم وأنت على ناقة، ومعك زميل يمشي على الأرض ، فاركبه ،أو أنزل معه، لا تركب وهو يمشي!: إذا كنت رباً للقلوص فلا تدع رفيقك يمشي خلفها غير راكب أنخها فأركبه فإن حملتكما فذاك ، وإن كان العقاب فعاقب وقد جاء بها محمد صلي الله عليه وسلم ناصعة مشرقة طاهرة زكية لوجه الله ، فقال في صحيح مسلم : (( من كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، ومن كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له)). حدثني أستاذ في مكة قال: وجدت أن الثراء الفاحش مع قلة الدين والفسق إنما هو طغيان على الأمة ، وروي لي قصة طالب في مكة من ( تشاد)، معه سيارة مهلهلة لا تساوي خمسة آلاف ، قال: من حسن أدبه وسلامة صدره يوصل إخوانه وزملاءه إلي حاراتهم بهذه السيارة!.. قلت: فأين أهل الشبح ، وأهل الغناء والثراء، الذين يعيشون فحشاً وظلماً وغشاً في الضمائر؟.. إنها القلة مع الجود، وليست الكثرة مع البخل ، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول فيما يروي عنه : (( لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع)). أما عروة بن الورد فيقول: أوزع جسمي في جسوم كثيرة واحسو قراح الماء والماء بارد أتهزأ مني أن سمنت وأن تري بوجهي شحوب الحق والحق جاحد يقول : أنا نحيف وأنت سمين ، ومع ذلك فانا يحضر طعامي سبعة وثمانية، أما أنت فإنك وحدك!. صنعوا للربيع بن خيثم العالم الزاهد طعاماً خبيصاً ـ والخبيص من أجود الأكل ـ وكان الربيع جائعاً، فلما قدمواله الجفنة، إذا بمسكين يطرق الباب!، قال: ادخلوه فأكل , فصنع له أهله خبيصاً مرة ثانية، ولما قدموه ليأكل إذا بمسكين يطرق الباب قال: أدخلوه فأكل ، وكان المسكين الثاني اعمي، فقال له أهله: والله ما يعلم هل هو خبيص أو لا ...، قال : لكن الله سبحانه يعلم!. فقالوا له: كيف ذلك؟ قال: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)(الحشر: 9)، ثم قال ()لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )(آل عمران: 92). يقول أحد الخطباء في العصر العباسي : إذا أعجبتك وجبة شهية فقدمها للفقير، فإنك سوف تأكلها في الجنة، ولا تأكلها أنت فإنك سوف تلقيها في بيت الخلاء. وهذا من فقهيات سمو الهمم. |
تحدي المصاعب والانتصار على الأزمات قيد أبو وردي بسبب روايته الحديث ، وصدعه بكلمة الحق ، لكنه صبر واحتسب في ذات الله عز وجل، وعد ذلك مكسباً عظيماً فقال: انكر لي خصمي ولم يدر أن أعز ,احداث الزمان تهون فبات يريني الخصم كيف أعتداؤه وبت أريه الصبر كيف يكون! وابن رشيد الأندلسي وعظ النصاري في الأندلس فقيدوه ، ولطموه وجلدوه ، وحبسوه، فقال: إن كان عندك يا زمان بقية مما يهان بها الكرام فهاتها أم السؤال الذي يوجه لأصحاب السمو والمعالي من أهل الهمم العالية من العباد والزهاد وأهل الجهاد فهذا هو: قيل لابن عباس: كيف حصلت على هذا العلم؟ قال : بتوشد ردائي في القيلولة ، والريح تسف على وجهي من الرمل ومن وهج الصحراء ثلاثين سنة! وقالوا لعطاء : كيف حصلت على هذا العلم؟ قال: بتوسد فراشي في المسجد الحرام ثلاثين سنة !.. ثلاثون سنة لا يعرف بيته طلباً للعلم، أما طلبة العلم في هذا الزمان ـ إلا من رحم ربك ـ فإن أحدهم يدخل الى الجامعة أربع سنوات فأكثر ، ثم يخرج وهو جاهل، ثم يري أنه إمام الدنيا وحافظ العصر ، وخاتمة المجددين النبي صلي الله عليه وسلم يقول أخرهم في دخول للكلية: ودخلت فيها جاهلاً متواضعاً وخرجت منها جاهلاً دكتورا! وقيل للشعبي: بم حصلت على هذا العلم؟ قال: بسهر طير النوم من عيني، وبسهاد، وبتبكير كتبكير الغراب. نعم إن العظمة جهاد وسهاد وجلاد، ودموع واشلاء، قال المتنبي وهو على دنيا رخيصة ، ليس على تكبيرة إحرام ولا على عبادة: أطاعن خيلاً من فوارسها الدهر وحيداً وما قولي كذا ومعي الصبر! وأشجع مني كل يوم سلامتي وما ثبتت إلا وفي نفسها أمر تمرست بالآفات حتى تركتها تقول أمات الموت أم ذعر الذعر وأقدمت إقدام الآتي كان لي سوس مهجتي أو كان لي عندها وتر وتركك في الدنيا دوياً كأنما تداول سمع المرء أنملة العشر خذوا كل دنياكموا واتركوا فوادي حراً طليقاً غريبا فإنـي أعظمكـم ثـروة وإن خلتموني وحيداً سليبا لا يدرك المجد إلا سيد فطن لما يشق على السادات فعال لولا المشقة ساد الناس كلهمو الجود يفقر والأقدام قتـــال أبداً .. أبداً!! لأن انطلاقتنا الكبري من صلاة الفجر، من تكبيرة الإحرام النبي صلي الله عليه وسلم من حديث جندب بن عبد الله البجلي في مسلم: (( من صلي الفجر فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم من ذمته بشئ ، فإنه من طلبه أدركه كبة على وجهه في النار)).، ومن المحراب ننطلق إلي المعالي ، ومن لا يصلي الفجر والفروض الأخري جماعة ـ بلا عذر شرعي ـ فلا تظنه من أهل السعادة والسمو. |
السموّ فى طلب العلم
سمو في طلب العلم ونبي الله موسي عليه السلام ـ من قبل ـ ضرب أروع الأمثلة في طلب العلم ، وهو نبي معصوم يوحي اليه: ( لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً)(الكهف: 60). والزمخشري يقول في قصيدة ماتعة: سهري لتنقيح العلوم ألذ لي من ضرب غانية وطيب عناق ولأهل السنة سمة في هذا الباب، فخلوتهم مع صحيح البخاري ومسلم أحسن من ملك الدنيا جميعاً، واليك بعض النماذج السامية: طلب( شريك) العلم أربعين سنة، قال: طلبت العلم والله ما كان زادي في اليوم إلا كسرة خبز!.. وحضر في مجلس فيه وزير عباسي قد غاص في الركايا وفي الطنافس، فحدث بحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام ، فقال الوزير : (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ)(المؤمنون: 24) ، فقال له شريك ـ وكان سريع البديهة ـ: من اين تسمع بهذا وأنت تأكل الخبيص وتجلس على الطنافس ، وتغنيك الجواري؟!. وعرض به أحد خلفاء بني العباس حين قال له : أنت تحب عليا ، فأجابه : احبه حتى الدماغ ، فقال له : أواه من يوم عليك أظنك زنديق !، فقال شريك : الزنديق له ثلاث علامات، قال : ما هي ؟ قال: يترك صلاة الجماعة، ويشرب النبيذ، ويسمع الجواري!، قال: كانك تعرض بي وتلمح!، قال: ما ألمح لكن أقصدك!!. وابن عبد البر مكث مع كتاب التمهيد ثلاثين سنة ليلاً ونهاراً ، ثلاثون سنة مع الكتاب يفليه، يكتبه، ينسخه ، يشرحه، ثم يقول : سمير فؤادي من ثلاثين حجة وصقيل ذهني والمفرج عن همي ثلاثون عاماً والدفاتر صحبتي وقد صانني عن كل لهو وغفلتي ثلاثون عاماً كلما قلت قد كفي لأرتاح في داري وأحسو معيشتي أبت همتي إلا الصعود الى العلا إذا أنهد جسمي صارفي القلب قوتي |
صعود أبداً وتفوق دائماً دعاني أخي والخيل بيني وبينه فلما دعاني لم يجدني بقعدد فطاع عنه الخيل حتى تبددت وحتى علاني حالك اللون أسود طعان أمرئ آسي أخاه بنفسه ويعلم أن المرء غير مخلد وطيب نفسي أنني لم أقل له كذبت، ولم أبخل بما ملكت يدي وهون وجدي أن ما هو فارط أمامي وأني هامة اليوم أو غدا تردي ثياب الموت حمراً فما أتي لها الليل إلا وهي من سندس خضر فتي كلما فاضت عيون قبيلة دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر قال ابن عبد البر: أمر معاوية ألا يدخل أحد مكة إلا بإذنه ، فمر ابن ربيعة فقال له الجنود والحراس: من أنت : فقال لهم : بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعي بالأعز قال تعرفن الفتي؟ قلن نعم قد عرفناه وهل يخفي القمر؟! فأتي ابن ابي لهب ، فقالوا له : من أنت ؟ قال: وأنا الأخضر من يعرفتي أخضر الجلدة من نسل العرب من يساجني يساجن ماجداً يمل الدلو الى عقد الكرب فأتي ابن عمر وإذا الناس كنفتيه كالغمامتين، وإذا سائل يسأله : نحرت قبل أن أرمي؟!، قال: أفعل ولا حرج ، قال: حلقت قبل أن أنحر ؟! قال: افعل ولا حرج، فأخذ الناس يسألونه...، فقال معاوية: هذا والله هو الملك لا ملكي!.. وأمر الحراس فأذنوا له. لأن ابن عمر تخرج من مدرسة محمد صلي الله عليه وسلم الهادية ، الناضحة، أما مدرسة ابن أبي ربيعة وابن أبي لهب فمدرسةلاغية، تعتمد على الهيام والغرام، ومثلها مدارس الأغنيات والآهات والزفرات في القنوات، وفي كل زمان ومكان تضيع فيه الآيات البينات، والأحاديث الثابتات. |
تم بحمد الله ,,,
وبسم الله نختم |
Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.