انشقاقات وانشقاقات
كانت المشكلة التي تواجه الثورة الإريترية تكمن في تناحر قياداتها، والتوجهات اليسارية التي تسللت إلى الثورة بعد سنوات قليلة من تأسيس جبهة التحرير، فكان اليساريون والماركسيون وراء كل انشقاق وكل شرخ يحدث في صف الوطنيين؛ فالجبهة الشعبية لتحرير إريتريا تشكلت عام (1389هـ= 1969م) بعد انشقاقها على الجبهة الأم، وكان من زعمائها أسياس أفورقي وكانت توجهاته ماركسية. وتوسعت هذه الجبهة الشعبية لتصبح أهم منظمة تحريرية في البلاد، ثم انشق أفورقي عن القيادة العامة، وشارك في تأسيس "قوات التحرير الشعبية"، وحدثت حرب أهلية بين هؤلاء الثوار انتهت عام (1394هـ= 1974م) وبعد عام عقد مؤتمر الخرطوم بين هذه الفصائل المتناحرة، لكن هذه الاتفاقية لم تصمد طويلا، بل كانت سببا في انشقاقات أخرى، وأعلن أفورقي وأنصاره من المقاتلين رفضه للوحدة الفوقية التي تمت في اتفاق الخرطوم. وفي (صفر 1397هـ= يناير 1977م) انشق أفورقي عن قوات التحرير الشعبية، وأعلن تشكيل "الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا"، وعكس هذا الانشقاق الجديد انقساما ثقافيا؛ فأفورقي ذو توجهات يسارية مع كونه من أبناء الطائفة النصرانية، واستطاعت هذه الجبهة تصفية الانشقاقات الأخرى، وانفردت بالساحة في إريتريا. انقلاب إثيوبيا.. مراهنات خاسرة وفي عام (1394 هـ= 1974م) تغير نظام الحكم في إثيوبيا بعد المجاعة، وتولى عسكريون ماركسيون بزعامة "مانجستو هيلاماريام" مقاليد السلطة، وراهنت الجبهة الشعبية على تحقيق تفاهم ما مع النظام الجديد نظرا للتقارب الفكري بينهما، وتمت لقاءات بين الجانبين تحت رعاية الاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية، لكنها لم تتوصل إلى شيء واستمرت مقاومة الاستعمار الإثيوبي. وسجلت تقارير حقوق الإنسان في تلك الفترة من نظام مانجستو أنه يمارس حرب إبادة ضد مسلمي إريتريا، ويعمل على تغيير هويتهم نحو الشيوعية باتباعه سياسة الأرض المحروقة وتسميم الآبار ومصادرة المواشي والقضاء على أية إمكانات للبقاء على الأرض؛ فقام الإريتريون بتوحيد جهودهم وصفوفهم عام (1399هـ= 1979م)، وخاضوا حرب تحرير مريرة لتحقيق الاستقلال حققت خلالها انتصارات كبيرة وأرهقت نُظُم مانجستو. التحرير بعد 30 عامًا وتحالفت الجبهة الشعبية بزعامة أفروقي مع المعارضين الإثيوبيين بزعامة ميلس زيناوي تحت رعاية الإدارة الأمريكية في مؤتمر عقد بلندن نسق له وليام كوهين مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية، وذلك لإسقاط نظام مانجستو، وانتهى المؤتمر باتفاق رعته واشنطن يقضي باعتراف إثيوبيا بحق تقرير المصير للشعب الإريتري على أن يختار بين الوحدة والانفصال، مقابل أن يلتزم أفورقي بدعم زيناوي في سعيه للتغلب على مناوئيه السياسيين وتولي السلطة، وأن تسمح إريتريا عندئذ باستخدام إثيوبيا ميناء عصب وكذا مصوع للأغراض التجارية. ونجح الطرفان في إسقاط مانجستو، وتولى زيناوي حكم إثيوبيا، وأعلن استقلال إريتريا في (1 من ذي القعدة 1411هـ= 25 من مايو 1991م)، وتشكلت حكومة مؤقتة أجرت استفتاء عاما على الاستقلال تحت إشراف الجامعة العربية والأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية، وجاءت نتيجته 99% للاستقلال؛ فأصبحت إريتريا دولة مستقلة ذات سيادة في (1 من ذي الحجة 1413هـ= 23 من مايو 1993م)، ثم انتخب أسياس أفورقي رئيسا للبلاد. |
البيروني.. عالم حتى النفَس الأخير
(في ذكرى مولده: 2 من ذي الحجة 362هـ) كان البيروني عالمًا فذا، متعدد الجوانب، غزير الإنتاج، عظيم الموهبة عميق الفكر، فهو مؤرخ محقق وجغرافي مدقق، وفلكي نابه، ورياضي أصيل، وفيزيائي راسخ، ومترجم متمكن، بلغ من إعجاب الأوروبيين به أن قال عنه المستشرق سخاو: "إن البيروني أكبر عقلية في التاريخ"، ويصفه آخر بقوله: "من المستحيل أن يكتمل أي بحث في التاريخ أو الجغرافيا دون الإشادة بأعمال هذا العالم المبدع". وبلغ من تقدير الهيئات العلمية لجهود البيروني أن أصدرت أكاديمية العلوم السوفيتية في سنة (1370هـ= 1950م) مجلدًا تذكاريًا عنه بمناسبة مرور ألف سنة على مولده، وكذلك فعلت الهند. وأنشأت جمهورية أوزبكستان جامعة باسم البيروني في طشقند؛ تقديرًا لمآثره العلمية، وأقيم له في المتحف الجيولوجي بجامعة موسكو تمثال يخلد ذكراه، باعتباره أحد عمالقة علماء الجيولوجيا في العالم على مر العصور، وأطلق اسمه على بعض معالم القمر. استقبال الحياة استقبلت إحدى قرى مدينة "كاث" عاصمة خوارزم مولودًا ميمونًا هو أبو الريحان محمد بن أحمد الخوارزمي المعروف بالبيروني في (2 من ذي الحجة 362هـ= 4 من سبتمبر 973م)، والبيرون كلمة فارسية الأصل تعني "ظاهر" أو خارج. ويفسر السمعاني في كتابه "الأنساب" سبب تسمية أبي الريحان بهذه النسبة بقوله: "ومن المحتمل أن تكون عائلة أبي الريحان من المشتغلين بالتجارة خارج المدينة، حيث بعض التجار كانوا يعيشون خارج أسوار المدينة للتخلص من مكوس دخول البضائع إلى داخل مدينة كاث". ولا تُعرف تفاصيل كثيرة عن حياة البيروني في طفولته، وإن كان لا يختلف في نشأته عن كثير من أطفال المسلمين، حيث يُدفعون إلى من يعلمهم مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، ودراسة شيء من الفقه والحديث وهو ما تستقيم به حياتهم. ويبدو أنه مال منذ وقت مبكر إلى دراسة الرياضيات والفلك والجغرافيا، وشغف بتعلم اللغات، فكان يتقن الفارسية والعربية، والسريانية، واليونانية، وتلقى العلم على يد أبي نصر منصور بن علي بن عراق، أحد أمراء أسرة بني عراق الحاكمة لخوارزم، وكان عالمًا مشهورًا في الرياضيات والفلك. في طلب العلم أجبرت الاضطرابات والقلاقل التي نشبت في خوارزم البيروني على مغادرتها إلى "الري" سنة (384هـ= 994م)، وفي أثناء إقامته بها التقى بالعالم الفلكي "الخوجندي" المتوفى سنة (390هـ= 1000م) وأجرى معه بعض الأرصاد والبحوث، ثم عاد إلى بلاده وواصل عمله في إجراء الأرصاد، ثم لم يلبث أن شد الرحال إلى "جُرجان" سنة (388هـ= 998م) والتحق ببلاط السلطان قابوس بن وشمكير، الملقب بشمس المعالي، وكان محبًّا للعلم، يحفل بلاطه بجهابذة العلم وأساطين المعرفة، وتزخر مكتبته بنفائس الكتب، وهناك التقى مع "ابن سينا" وناظَرَه، واتصل بالطبيب الفلكي المشهور أبي سهل عيسي بن يحيى المسيحي، وتتلمذ على يديه، وشاركه في بحوثه. وفي أثناء إقامته بكنف السلطان قابوس بن وشمكير أنجز أول مؤلفاته الكبرى "الآثار الباقية من القرون الخالية"، وهو كتاب في التاريخ العام يتناول التواريخ والتقويم التي كانت تستخدمها العرب قبل الإسلام واليهود والروم والهنود، ويبين تواريخ الملوك من عهد آدم حتى وقته، وفيه جداول تفصيلية للأشهر الفارسية والعبرية والرومية والهندية، ويبين كيفية استخراج التواريخ بعضها من بعض. وظل البيروني في جرجان محل تقدير وإجلال حتى أطاحت ثورة غاشمة ببلاط السلطان قابوس سنة (400 هـ= 1009م) فرجع إلى وطنه بعد غياب، واستقر في مدينة "جرجانية" التي أصبحت عاصمة للدولة الخوارزمية، والتحق بمجلس العلوم الذي أقامه أمير خوارزم مأمون بن مأمون. وكان يزامله في هذا المجمع العلمي الرئيس ابن سينا، والمؤرخ والفيلسوف ابن مسكويه. عرف أمير خوارزم قدر البيروني فأحله منزلة عالية، واتخذه مستشارًا له، وأسكنه معه في قصره، وظل في معيته سبع سنوات، واصَلَ في أثنائها بحوثه في الفلك حتى استولى السلطان محمود الغزنوني على خوارزم وضمها إلى مُلكه، فانتقل إلى بلاطه، ورحل معه إلى بلاده سنة (407هـ= 1016م). في بلاط الغزنويين عاش البيروني في "غزنة" (كابول الآن) مشتغلا بالفلك وغيره من العلوم، ورافق السلطان محمود الغزنوي في فتوحاته الظافرة في بلاد الهند، وقد هيأ له ذلك أن يحيط بعلوم الهند، حيث عكف على دراسة لغتها، واختلط مع علمائها، ووقف على ما عندهم من العلم والمعرفة، واطلع على كتبهم في العلوم والرياضيات، ودرس جغرافية الهند من سهول ووديان وجبال وغيرها، إضافة إلى عاداتها وتقاليدها ومعتقداتها المختلفة، ودوّن ذلك كله في كتابه الكبير "تحقيق لما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة". وبعد تولي السلطان مسعود بن محمود الغزنوي الحكم خلفًا لأبيه سنة (421هـ= 1030م)، قرب إليه البيروني، وألحقه بمعيته، وأحاطه بما يستحق من مكانة وتقدير، حتى إنه عندما كتب موسوعته النفيسة في علم الفلك أطلق عليها "القانون المسعودي في الحياة والنجوم" وأهداها إلى السلطان مسعود الذي أحسن مكافأته، فبعث إليه بحمل فيلٍ من القطع الفضية، غير أن البيروني اعتذر عن قبول الهدية؛ لأنه يعمل دون انتظار أجر أو مكافأة، وظل البيروني بعد رجوعه من الهند مقيمًا في غزنة منقطعًا إلى البحث والدرس حتى توفاه الله. القانون المسعودي ويعد كتاب القانون المسعودي أهم مؤلفات البيروني في علم الفلك والجغرافيا والهندسة، وهو يحتوي على إحدى عشرة مقالة، كل منها مقسم إلى أبواب. وفي المقالة الرابعة من الكتاب جمع النتائج التي توصَّل إليها علماء الفلك في الهند واليونان والمعاصرون له، ولم يطمئن هو إلى تلك النتائج لاختلافها فيما بينها؛ ولذلك قرر أن يقوم بأرصاده الخاصة بنفسه، ولم يكتف بمرة واحدة بل أربع مرات على فترات متباعدة، بدأها وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين، حيث قرر أن يصنع آلته الخاصة ليرصد بها أعماله الفلكية، وليضع حدا لحيرته من تضارب نتائج علماء الفلك، وقام بتعيين الجهات الأصلية وتحديد الأوقات، ومعرفة فصول السنة، ورصد حركة أوج الشمس، وهو أبعد المواقع السنوية بين الشمس والأرض، وقام بقياس طول السنة على وجه دقيق، ودرس كسوف الشمس وخسوف القمر والفرق بينهما، وفسر أسباب ظهور الفجر قبل شروق الشمس باستنامة الغلاف الجوي، وبالمثل شفق ما بعد الغروب وأوقاتهما، وشرح الأسباب التي تمنع رؤية الهلال حتى مع وجوده في الأفق، وأوضح بالطريق الهندسي الحدود النسبية بين القمر والشمس، والتي عليها تعتمد ظروف رؤية الهلال ما لم تتدخل العوامل الجوية، وأوضح الفرق بين النجوم (الكواكب الثابتة) والكواكب السيارة، وابتكر البيروني الإسطرلاب الأسطواني الذي لم يقتصر على رصد الكواكب والنجوم فقط، بل استُخدم أيضًا في تحديد أبعاد الأجسام البعيدة عن سطح الأرض وارتفاعها. كما اخترع جهازًا خاصًا يبين أوقات الصلاة بكل دقة وإتقان. إسهاماته الحضارية الأخرى وتجاوزت بحوث البيروني مجال الفلك إلى مجالات أخرى تشمل الفيزياء والجيولوجيا والتعدين والصيدلة والرياضيات والتاريخ والحضارة. وتشمل جهوده في الفيزياء بعض الأبحاث في الضوء، وهو يشارك الحسن بن الهيثم في القوال: بأن شعاع النور يأتي من الجسم المرئي إلى العين لا العكس، كما كان معتقدًا من قبل. وورد في بعض مؤلفاته شروح وتطبيقات لبعض الظواهر التي تتعلق بضغط السوائل وتوازنها. وشرح صعود مياه الفوارات والعيون إلى أعلى، وتجمع مياه الآبار بالرشح من الجوانب، حيث يكون مأخذها من المياه القريبة إليها. وفي مجال التعدين ابتكر البيروني جهازا مخروطيًا لقياس الوزن النوعي للفلزات والأحجار الكريمة، وهو يعد أقدم مقياس لكثافة المعادن، وقد نجح في التوصل إلى الوزن النوعي لثمانية عشر مركبًا. وفي مجال علم الأرض وضع نظرية لاستخدام امتداد محيط الأرض، وقد أوردها في آخر كتابه "الإسطرلاب". واستعمل معادلة معروفة عند العلماء بقاعدة البيروني لحساب نصف قطر الأرض، وتضمنت بحوثه ومؤلفاته في هذا الميدان نظريات وآراء حول قدم الأرض وعمرها وما اعتراها من ثورات وبراكين وزلازل وعوامل تعرية. وله نظريات حول تكوين القشرة الأرضية، وما طرأ على اليابسة والماء من تطورات خلال الأزمنة الجيولوجية. وله بحوث في حقيقة الحفريات، وكان يرى أنها لكائنات حية عاشت في العصور القديمة. وما توصل إليه في هذا الصدد أقره علماء الجيولوجيا في عصرنا الحالي. ويقر "سميث" في كتابه "تاريخ الرياضيات" بأن البيروني كان ألمع علماء عصره في الرياضيات، وهو من الذين بحثوا في تقسيم الزاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية، وكان ملمًا بحساب المثلثات، وكتبه فيها تدل على أنه عرف قانون تناسب الجيوب، وقد عمل جداول رياضية للجيب والظل. وفي علم الصيدلة ألف كتابه "الصيدنة في الطب"، وهو يُعد ذخيرةً علمية ومرجعًا وافيًا في مجال الصيدلة، وهو ينقسم إلى قسمين: أولهما: هو ديباجة في فن الصيدلة والعلاج مع تعريفات وإيضاحات تاريخية مفيدة. وتمثل المقدمة إضافة عظيمة للصيدلة، وتناول في هذا القسم المسئوليات والخطوات التي يجب على الصيدلي أن يلتزم بها. ثانيهما: للمادة الطبية، فأورد كثيرًا من العقاقير مرتبة حسب حروف المعجم، مع ذكر أسمائها المعروفة بها في اللغات المختلفة، وطبائعها ومواطنها وتخزينها وتأثيراتها وقواها العلاجية وجرعاتها. وتفوق البيروني في مجال الجغرافيا الفلكية، وله فيها بحوث قيمة وهو يعد من مؤسسي ذلك العلم، ونبغ أيضًا في الجغرافيا الرياضية، وبخاصة تحديد خطوط الطول والعرض ومسافات البلدان، وله فيها عشرة مؤلفات، وجاءت أبحاثه في الجغرافيا الطبيعية على نسق رفيع ومستوى عال من الفهم. وله في فن رسم الخرائط مبتكرات كثيرة، فقام بعمل خريطة مستديرة للعالم في كتابه "التفهيم لأوائل صناعة التنجيم" لبيان موضع البحار، وله أبحاث كثيرة في كيفية نقل صورة الأرض الكروية إلى الورق المسطح، ومن كتبه في هذا الميدان: "تسطيح الصور وتبطيح الكور"، "تحديد المعمورة وتصحيحها في الصورة". وكان البيروني لا يستبعد نظريًّا احتمال أن يكون النصف الغربي من الكرة الأرضية معمورًا قبل اكتشاف الأمريكتين، وعند وصفه لتضاريس الأرض ومسالك البحار والمحيطات تكلم للمرة الأولى على أنه ليس ما يمنع من اتصال المحيط الهندي بالمحيط الأطلنطي جنوبي القارة الأفريقية على عكس ما كان شائعًا في ذلك الوقت. |
كتبه ومؤلفاته
ولم يكُفَّ هذا العالم لحظة عن البحث والدرس، وأثمرت هذه الحياة العلمية الجادة عما يزيد عن مائة وعشرين مؤلفًا، نقل بعضها إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية، وأخذ عنها الغربيون، واستفادوا منها، ومن هذه المؤلفات غير ما ذكرنا: - الرسائل المتفرقة في الهيئة، وهي تحتوي على إحدى عشرة رسالة في علوم مختلفة، وقد طبعتها دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن بالهند سنة (1367هـ= 1948م). - الجماهر في معرفة الجواهر، وهو من أهم مؤلفات البيروني في علوم المعادن، وطبع في حيدر آباد الدكن بالهند (1355هـ=1936م). - استخراج الأوتار في الدائرة بخواص الخط المنحني فيها، وطبع أيضًا بالهند. - جوامع الموجود لخواطر الهنود في حساب التنجيم. -تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن، وطبع محققًا بعناية المستشرق الروسي بولجاكوف، ونشره معهد المخطوطات العربية سنة 1962م. -في تهذيب الأقوال في تصحيح العرض والأطوال. وإلى جانب التأليف نقل البيروني اثنين وعشرين كتابًا من تراث الهند العلمي إلى اللغة العربية، وترجم بعض المؤلفات الرياضية من التراث اليوناني مثل كتاب أصول إقليدس، وكتاب المجسطي لبطليموس. أيامه الأخيرة وظل البيروني حتى آخر حياته شغوفًا بالعلم مقبلا عليه، متفانيًا في طلبه. ويروي المؤرخ الكبير ياقوت الحموي في كتابه معجم الأدباء ما يغني عن الكلام في مدى تعلق البيروني بمسائل العلم حتى الرمق الأخير، فيقول على لسان القاضي علي بن عيسي، قال: "دخلت على أبي الريحان وهو يجود بنفسه قد حَشْرَج نفسُه، وضاق به صدره، فقال لي وهو في تلك الحال: كيف قلت لي يومًا حساب المجدَّات الفاسدة (من مسائل المواريث) فقلت له إشفاقًا عليه: أفي هذه الحالة! قال لي: يا هذا أودّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، ألا يكون خيرًا من أن أخلّيها وأنا جاهل لها؛ فأعدت ذلك عليه، وحفظه… وخرجت من عنده وأنا في الطريق سمعت الصراخ…"، وكان ذلك في غزنة في (3 من رجب 440هـ= 12 من ديسمبر 1048م). |
أبو جعفر المنصور.. الحاكم الجاد
(في ذكرى وفاته: 6 من ذي الحجة 158هـ) يعد أبو جعفر المنصور المؤسس الحقيقي للدولة العباسية التي ظلت خمسة قرون زينة الدنيا، ومركز الحضارة، وموئل الثقافة، وعاصمة العالم. نهض إلى الخلافة بعد أن أصقلته التجارب وأنضجته المحن، وخَبِر الناس وعاشرهم ووقف على دواخلهم وخلائقهم، وما إن أمسك بزمام الأمور حتى نجح في التغلب على مواجهة صعاب وعقبات توهن عزائم الرجال وتضعف ثبات الأبطال، وتبعث اليأس والقنوط في النفوس. وكانت مصلحة الدولة شغله الشاغل، فأحكمت خطوه وأحسنت تدبيره، وفجرت في نفسه طاقات هائلة من التحدي، فأقام دولته باليقظة الدائمة والمثابرة الدائبة والسياسة الحكيمة. مولده ونشأته في قرية "الحميمة" التي تقع جنوب الشام ولد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس سنة (95هـ = 714م)، ونشأ بين كبار رجال بني هاشم الذين كانوا يسكنون الحميمة، فشب فصيحا عالما بالسير والأخبار، ملما بالشعر والنثر. وكان أبوه محمد بن علي هو الذي نظّم الدعوة العباسية، وخرج بها إلى حيز الوجود، واستعان في تحركه بالسرية والكتمان، والدقة في اختيار الرجال والأنصار والأماكن التي يتحرك فيها الدعاة، حيث اختار الحميمة والكوفة وخراسان. وحين نجحت الدعوة العباسية وأطاحت بالدولة الأموية؛ تولى أبو العباس السفّاح الخلافة سنة (132هـ = 749) واستعان بأخيه جعفر في محاربة أعدائه والقضاء على خصومه وتصريف شئون الدولة، وكان عند حسن ظنه قدرة وكفاءة فيما تولى، حتى إذا مرض أوصى له بالخلافة من بعده، فوليها في (ذي الحجة 136هـ = يونيو 754م) وهو في الحادية والأربعين من عمره. الفترة الأولى من خلافته لم تكن الدولة العباسية حين تولى أمرها الخليفة أبو جعفر المنصور ثابتة الأركان مستقرة الأوضاع، بل كانت حديثة عهد، يتربص بها أعداؤها، ويتطلع رجالها إلى المناصب الكبرى، وينتظرون نصيبهم من الغنائم والمكاسب، ويتنازع القائمون عليها من البيت العباسي على منصب الخلافة. وكان على الخليفة الجديد أن يتصدى لهذه المشكلات التي تكاد تفتك بوحدة الدولة، وتلقي بها في مهب الريح. وكان أول ما واجهه أبو جعفر المنصور ثورة عارمة حمل لواءها عمه عبد الله بن علي الذي رأى أنه أحق بالخلافة من ابن أخيه؛ فرفض مبايعته، وأعلن التمرد والعصيان، وزعم أن "أبو العباس السفاح" أوصى بالأمر له من بعده، واستظهر بالجيش الذي كان يقوده في بلاد الشام. لجأ الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور إلى المدينة واتباع الطرق السلمية في علاج الموقف، فبعث إلى عمه رسائل عدة تدعوه إلى الطاعة وترك العصيان، لكنه أعرض عن دعوته وركب رأسه وأعماه الغرور، فلم يجد المنصور بدًا من الاستعانة بالسيف، وأرسل له قائده "أبو مسلم الخراساني" على رأس جيش كبير، فتمكن بعد عدة معارك من هزيمة عم الخليفة المتمرد هزيمة ساحقة في (جمادى الآخرة 137هـ = نوفمبر 754م)، فاضطر إلى الفرار والاختباء عند أخيه سليمان بن علي والي البصرة، ولما علم الخليفة أبو جعفر المنصور بخبره احتال له حتى قبض عليه، وألقى به في السجن حتى توفي. وما كاد يلتقط الخليفة العباسي أنفاسه حتى أعد العدة للتخلص من أبي مسلم الخراساني، صاحب اليد الطولى في نجاح قيام الدولة العباسية، وكان الخليفة يخشاه ويخشى ما تحت يده من عدد وعتاد في خراسان، ولم يكن الرجلان على وفاق منذ قيام الدولة. وكان أبو مسلم الخراساني يتيه بما صنعه للدولة. وتحين أبو جعفر المنصور الفرصة للتخلص من غريمه، ولجأ إلى الحيلة والدهاء حتى نجح في حمل أبي مسلم على القدوم إليه بعيدًا عن أنصاره وأعوانه في (شعبان 137هـ = فبراير 755م)، وبعد جلسة حساب عاصفة لقي القائد الكبير مصرعه بين يدي الخليفة. وبعد مقتل أبي مسلم الخراساني اشتعلت ضد الخليفة العباسي عدة ثورات فارسية للثأر لمقتله، غير أن الخليفة اليقظ نجح في قمع هذه الفتن والقضاء عليها. ثورة محمد النفس الزكية غير أن أخطر ما واجه المنصور هو ثورة العلويين بقيادة محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المعروف بالنفس الزكية، وأخيه إبراهيم، وكانا يعدان العدة للخروج على أبي جعفر المنصور، وينتظران الفرصة للانقضاض عليه، واختفيا عن أنظار الخليفة يبثان رجالهما وينشران الدعوة إليهما. وكان محمد النفس الزكية يرى نفسه أحق بالخلافة من أبي جعفر المنصور، فامتنع عن بيعته، كما امتنع من قبل عن بيعة أبي العباس السفاح، فلما ولي أبو جعفر المنصور رأى في بقاء محمد وأخيه خطرًا يهدد دولته، وأيقن أنهما لن يكفا عن الدعوة إلى أحقية البيت العلوي بالخلافة، وأقلق اختفاؤهما الخليفة اليقظ؛ فبذل ما في وسعه لمعرفة مكانهما فلم ينجح في الوصول إليهما، وعجز ولاة المدينة عن تتبع أخبارهما، فاستعان بوالٍ جديد للمدينة غليظ القلب للوصول إلى مكان محمد النفس الزكية، فلجأ إلى القبض على عبد الله بن الحسن والد الزعيمين المختفيين وهدده وتوعده، وقبض أيضا على نفر من آل البيت، وبعث بهم مكبلين بالأغلال إلى الكوفة فشدد عليهم الخليفة وغالى في التنكيل بهم، فاضطر محمد النفس الزكية إلى الظهور بعد أن مكث دهرا يدعو لنفسه سرا، واعترف الناس بإمامته في مكة والمدينة، وتلقّب بأمير المؤمنين، وكان الناس يميلون إليه لخلقه وزهده وحلمه وبعده عن الظلم وسفك الدماء حتى أطلقوا عليه النفس الزكية. وحين نجحت حيلة المنصور في إجبار محمد النفس الزكية على الظهور بعد القبض على آل بيته، بعث إليه بجيش كبير يقوده عمه عيسى بن موسى فتمكن من هزيمة محمد النفس الزكية وقتله بالمدينة المنورة في (14 من رمضان 145هـ = 6 من ديسمبر 762م). ثم تمكن من هزيمة الجيش العلوي الثاني الذي كان يقوده إبراهيم أخو محمد النفس الزكية، الذي تغلب على البصرة والأهواز وفارس، ونجح في القضاء عليه بعد صعوبة بالغة في (25 من ذي القعدة 145هـ = 14 من يناير 763م) في معركة حاسمة وقعت في "باخمرى" بين الكوفة وواسط، وبذلك زال خطر هائل كان يهدد سلامة الدولة الناشئة. وقد أثبتت هذه الأحداث المتلاحقة والثورات العارمة، ما يمتلكه الخليفة أبو جعفر المنصور من براعة سياسية وخبرة حربية، وقدرة على حشد الرجال، وثبات في المحن، ودهاء وحيلة في الإيقاع بالخصوم، وبذلك تمكن من التغلب على المشكلات التي واجهته منذ أن تولى الحكم. المنصور وبناء بغداد رغب الخليفة أبو جعفر المنصور في بناء عاصمة جديدة لدولته بعيدة عن المدن التي يكثر فيها الخروج على الخلافة كالكوفة والبصرة، وتتمتع باعتدال المناخ وحسن الموقع، فاختار "بغداد" على شاطئ دجلة، ووضع بيده أول حجر في بنائها سنة (145هـ = 762م) واستخدم عددا من كبار المهندسين للإشراف على بنائها، وجلب إليها أعدادا هائلة من البنائين والصناع، فعملوا بجد وهمة حتى فرغوا منها في عام (149هـ = 766م) وانتقل إليها الخليفة وحاشيته ومعه دواوين الدولة، وأصبحت منذ ذلك الحين عاصمة الدولة العباسية، وأطلق عليها مدينة السلام؛ تيمنا بدار السلام وهو اسم من أسماء الجنة، أو نسبة إلى نهر دجلة الذي يسمى نهر السلام. ولم يكتف المنصور بتأسيس المدينة على الضفة الغربية لدجلة، بل عمل على توسيعها سنة (151هـ = 768م) بإقامة مدينة أخرى على الجانب الشرقي سماها الرصافة، جعلها مقرا لابنه وولي عهده "المهدي" وشيد لها سورا وخندقا ومسجدا وقصرا، ثم لم تلبث أن عمرت الرصافة واتسعت وزاد إقبال الناس على سكناها. بيت الحكمة ومن الأعمال الجليلة التي تُذكر للمنصور عنايته بنشر العلوم المختلفة، ورعايته للعلماء من المسلمين وغيرهم، وقيامه بإنشاء "بيت الحكمة" في قصر الخلافة ببغداد، وإشرافه عليه بنفسه، ليكون مركزا للترجمة إلى اللغة العربية. وقد أرسل أبو جعفر إلى إمبراطور الروم يطلب منه بعض كتب اليونان فبعث إليه بكتب في الطب والهندسة والحساب والفلك، فقام نفر من المترجمين بنقلها إلى العربية. وقد بلغ نشاط بيت الحكمة ذروته في عهد الخليفة المأمون الذي أولاه عناية فائقة، ووهبه كثيرا من ماله ووقته، وكان يشرف على بيت الحكمة قيّم يدير شئونه، ويُختار من بين العلماء المتمكنين من اللغات. وضم بيت الحكمة إلى جانب المترجمين النسّاخين والخازنين الذين يتولون تخزين الكتب، والمجلدين وغيرهم من العاملين. وظل بيت الحكمة قائما حتى داهم المغول بغداد سنة (656هـ = 1258م). شخصية المنصور كان الخليفة أبو جعفر المنصور رجل عمل وجد، لم يتخذ من منصبه وسيلة للعيشة المرفهة والانغماس في اللهو والاستمتاع بمباهج السلطة والنفوذ، يستغرق وقته النظر في شئون الدولة، ويستأثر بمعظم وقته أعباء الحكم. وكان يعرف قيمة المال وحرمته، فكان حريصا على إنفاقه فيما ينفع الناس؛ ولذلك عني بالقليل منه كما عني بالكثير، ولم يتوان عن محاسبة عماله على المبلغ الزهيد، ولا يتردد في أن يرسل إليهم التوجيهات والتوصيات التي من شأنها أن تزيد في دخول الدولة، وكان يمقت أي لون من ألوان تضييع المال دون فائدة، حتى اتهمه المؤرخون بالبخل والحرص، ولم يكن كذلك فالمال العام له حرمته ويجب إنفاقه في مصارفه المستحقة؛ ولذلك لم يكن يغض الطرف عن عماله إذا شك في أماناتهم من الناحية المالية بوجه خاص لأنه كان يرى أن المحافظة على أموال الدولة الواجب الأول للحاكم. وشغل أبو جعفر وقته بمتابعة عماله على المدن والولايات، وكان يدقق في اختيارهم ويسند إليهم المهام، وينتدب للخراج والشرطة والقضاء من يراه أهلا للقيام بها، وكان ولاة البريد في الآفاق يكتبون إلى المنصور بما يحدث في الولايات من أحداث، حتى أسعار الغلال كانوا يطلعونه عليها وكذلك أحكام القضاء. وقد مكنه هذا الأسلوب من أن يكون على بينة مما يحدث في ولايات دولته، وأن يحاسب ولاته إذا بدر منهم أي تقصير. ولم يكن المنصور قوي الرغبة في توسيع رقعة دولته ومد حدوده؛ لأنه كان يؤثر توطيد أركان الدولة والمحافظة عليها وحمايتها من العدوان والقلاقل والثورات الداخلية، لكنه اضطر إلى الدخول في منازعات وحروب مع الدولة البيزنطية حين بدأت بالعدوان وأغارت على بلاده، وقد توالت حملاته على البيزنطيين بعد أن استقرت أحوال دولته سنة (149هـ = 766م) حتى طلب إمبراطور الروم الصلح فأجابه المنصور إليه، لأنه لم يكن يقصد بغزو الدولة البيزنطية الغزو والتوسع بقدر إشعارهم بقوته حتى يكفوا عن التعرض لدولته. وعلى الرغم من الشدة الظاهرة في معاملة المنصور، وميله إلى التخلص من خصومه بأي وسيلة، فقد كان يقبل على لقاء العلماء الزاهدين ويرحب بهم ويفتح صدره لتقبل نقدهم ولو كان شديدا. وتمتلئ كتب التاريخ والأدب بلقاءاته مع سفيان الثوري وعمرو بن عبيد وابن أبي ذئب والأوزاعي وغيرهم. ويؤخذ عليه شططه في معاملة الإمامين الكبيرين: أبي حنيفة النعمان، ومالك بن أنس؛ لاعتقاده أنهما يتفقان مع خصومه من آل البيت العلوي. دامت خلافة أبي جعفر المنصور اثنين وعشرين عاما، نجح خلالها في تثبيت الدولة العباسية ووضع أساسها الراسخ الذي تمكن من الصمود خمسة قرون حتى سقطت أمام هجمات المغول. وبعد حياة مليئة بجلائل الأعمال توفي الخليفة العباسي في (6 من ذي الحجة 158هـ = 7 من أكتوبر 755م) وهو محرم بالحج والعمرة، ودُفن في مقبرة المعلاة (بئر ميمون) في أعلى مكة المكرمة. |
معركة فخ.. ميلاد الأدارسة
(في ذكرى نشوبها: 8 من ذي الحجة 169هـ) لم تنقطع ثورات آل البيت منذ أن استشهد الحسين بن علي في معركة كربلاء، في العاشر من المحرم سنة 61هـ، وكانت نتيجة هذه المعركة مأساة أدمَتْ قلوب المسلمين حزنًا على الحسين، ريحانة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وبعد أكثر من نصف قرن من مقتل الحسين أعلن حفيده زيد بن علي بن الحسين الثورة على الخليفة الأموي سنة 121هـ، وتكررت المأساة نفسها؛ فلم يكن معه من القوة والرجال ما يضمن له النجاح والظفر، لكنه انخدع ببيعة أهل الكوفة، حتى إذا جدّ الجدَّ وظهرت معادن الرجال انفضوا عنه وتركوه يلقى مصيره المحتوم أمام يوسف بن عمر الثقفي والي الكوفة الذي نجح في القضاء على تلك الثورة، وقتل مفجرها زيد بن علي. ولم تنقطع ثورات العلويين بعد تولي أبناء عمومتهم العباسيين الخلافة، وإعلانهم أنهم أحق بها منهم، وقابل العباسيون ثورات أبناء العمومة بكل شدة وقسوة، ونجح أبو جعفر المنصور في القضاء على ثورة "محمد النفس الزكية"، الذي كان معروفًا بالتقوى والفضل وفي مقدمة سادات بني هاشم خلقًا وعلمًا وورعًا، وانتهت ثورته باستشهاده سنة (145هـ = 762م)، ولم تكن ثورة أخيه إبراهيم أفضل حالاً من ثورته، فلقي مصرعه في السنة نفسها، واطمأن أبو جعفر المنصور على سلطانه، واستتب له الأمر. معركة فخ بالقرب من مكة وبعد فشل هاتين الثورتين قامت حركات لبعض العلويين في اليمن وخراسان، لكنها لم تلقَ نجاحًا، وأصابها مثل ما أصاب ما قبلها من ثورات، وعاش من بقي من آل البيت العلوي في هدوء، وربما استخفوا حتى يتمكنوا من إعداد العدة للخروج وهم مكتملو القوة والعدد، وظلت الأمور على هذا النحو من التربص والانتظار حتى حدث نزاع صغير بين والي المدينة المنورة وبعض رجال من آل البيت أساء التعامل معهم، وأهانهم وأغلظ القول لهم، فحرك ذلك مكامن الثورة في نفوسهم، وأشعل الحمية في قلوبهم، فثار العلويون في المدينة بقيادة الحسين بن علي بن الحسن، وانتقلت الثورة إلى مكة بعد أن أعلن الحسين البيعة لنفسه، وأقبل الناس عليه يبايعونه. ولما انتهى خبر هذه الثورة إلى الخليفة العباسي موسى الهادي، أرسل جيشًا على وجه السرعة للقضاء على الثورة، قبل أن يمتد لهيبها إلى مناطق أخرى؛ فيعجز عن إيقافها، فتحرك الجيش العباسي إلى مكة، والتقى بالثائرين في (8 من ذي الحجة 169هـ = 11 من يونيو 786م) في معركة عند مكان يسمى "فخ" يبعد عن مكة بثلاثة أميال، وانتهت المعركة بهزيمة جيش الحسين، ومقتله هو وجماعة من أصحابه. نجاة إدريس بن عبد الله وكان ممن نجا من قادة الثائرين في هذه المعركة "إدريس بن عبد الله بن الحسن"، واتجه إلى مصر ومعه خادمه راشد، وكان شجاعًا عاقلاً وفيًا لسيده، وظل أمرهما مجهولاً حتى بلغا مصر مستخفيْن في موكب الحجيج، ولم يكن اختفاؤهما أمرًا سهلاً؛ فعيون الخلافة العباسية تتبعهما وتقتفي أثرهما، ولم تكن لتهدأ وتطمئن قبل أن تعثر على إدريس بن عبد الله حيًا أو ميتًا، لكنهما نجحا في التحرك والتخفي؛ لا لمهارتهما في ذلك، ولكن لحب الناس آل البيت، وتقديم يد العون والمساعدة لهما. ومن مصر خرج إدريس وخادمه "راشد" إلى بلاد المغرب، ويقال: إن هذا الخادم كان بربريَّ الأصل، وساعدهما على الخروج من مصر عامل البريد بها؛ فقد كان متشيعًا لآل البيت، فلما علم بوجودهما في مصر قدم إليهما في الموضع الذي يستخفيان به، وحملهما على البريد المتجه إلى المغرب. وتذهب روايات تاريخية إلى أن الذي أعان إدريس على الفرار من مصر هو "علي بن سليمان الهاشمي" والي مصر، وأيًا ما كان الأمر فإن إدريس لقي دعمًا ومساعدة لتمكينه من الخروج من مصر، سواءً كان ذلك بعون من والي مصر أو من عامل البريد. رحلة شاقة وبعد أن وصل إدريس بن عبد الله إلى برقة تخفى في زي خشن، يظهر فيه بمظهر غلام يخدم سيده "راشد"، ثم سلكا طريقًا بعيدًا عن طريق إفريقية إمعانًا في التخفِّي، وخوفًا من أن يلتقي بهما أحد من عيون الدولة العباسية التي اشتدت في طلبهما، حتى وصلا إلى تلمسان سنة (170هـ = 786م)، وأقاما بها عدة أيام طلبًا للراحة، ثم استأنفا سيرهما نحو الغرب، فعبرا "وادي ملوية"، ودخلا بلاد السوس الأدنى، حيث أقاما بعض الوقت في "طنجة" التي كانت يومئذ أعظم مدن المغرب الأقصى، ثم واصلا سيرهما إلى مدينة "وليلى"، وهي بالقرب من مدينة مكناس المغربية، واستقرا بها بعد رحلة شاقة استغرقت حوالي عامين. في وليلى وبعد أن استقر إدريس في وليلى (قصر فرعون حاليًا) اتصل بإسحاق بن محمد بن عبد الحميد زعيم قبيلة "أوربة" البربرية، صاحبة النفوذ والسيطرة في "وليلى"، فلما اطمأن إليه إدريس عرفه بنسبه، وأعلمه بسبب فراره من موطنه؛ نجاة بنفسه من بطش العباسيين، وقد رحب إسحاق بضيفه الكبير، وأنزله معه داره، وتولى خدمته والقيام بشأنه شهورًا عديدة، حتى إذا حل شهر رمضان من السنة نفسها جمع إسحاق بن محمد إخوته وزعماء قبيلة أوربة، وعرفهم بنسب إدريس وبفضله وقرابته من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكرمه وأخلاقه وعلمه؛ فرحبوا جميعًا به، وأعربوا عن تقديرهم له، وبايعوه بالخلافة في (14 من رمضان 172هـ = 15 من فبراير 788م)، وبعد ذلك خلع "إسحاق بن عبد الحميد" طاعة بني العباس حيث كان من ولاتهم، وتنازل لإدريس عن الحكم. وتبع ذلك دعوة لإدريس بين القبائل المحيطة، فدخلت في دعوته قبائل: زناتة، وزواغة، وزوارة، ولماية، وسراته، وغياشة، ومكناسة، وغمارة، وباعيته على السمع والطاعة، واعترفت بسلطانه، وقصده الناس من كل مكان. استقرت الأمور لإدريس بن عبد الله، ورسخت أقدامه بانضمام كل هذه القبائل إلى دعوته، ودانت له معظم قبائل البربر، وبدأ يطمح في مدّ نفوذه وسلطانه إلى القبائل التي تعترف بحكمه، ونشر الإسلام بين القبائل التي لا تزال على المجوسية أو اليهودية أو المسيحية، فأعد جيشًا كبيرًا زحف به نحو مدينة "شالة" قبالة مدينة الرباط، ففتحها، ثم تحول في كل بلاد "تامسنا" فأخضعها، وأتبع ذلك بإخضاع إقليم "تاولا"، وفتح حصونه وقلاعه، وأدخل كثير من أهل هذه البلاد الإسلام، ثم عاد إلى "وليلى" للراحة والاستجمام في (آخر ذي الحجة 172هـ = مايو 789م)، ثم عاود حملته الظافرة عازمًا على دعوة من بقي من قبائل البربر إلى الإسلام، ونجح في إخضاع قبائل: قندلاوة ومديونة وبهلولة وغيرها من القبائل البربرية التي كانت متحصنة بالجبال والحصون المنيعة، ثم رجع إلى وليلى في (15 من جمادى الآخرة 173هـ = 10 من أكتوبر 789م). فتح تلمسان.. وبناء مسجدها أقام إدريس بن عبد الله شهرًا في وليلى، ثم عاود الفتح، واتجه ناحية الشرق هذه المرة، عازمًا على توسيع ملكه في المغرب الأوسط على حساب الدولة العباسية، فخرج في منتصف رجب 173هـ = نوفمبر 789م متجهًا نحو تلمسان، وفي أثناء زحفه استولى على مدينة "سبتة"، ولم يكد يصل إلى "تلمسان" حتى خرج إليه صاحبها "محمد بن خرز"، وأعلن خضوعه له دون قتال، وبايع إدريس بن عبد الله، وتبعته قبائل: مغراوة وبني يفرده. ولما دخل الإمام إدريس تلمسان أقام بها مسجدًا للمدينة جامعًا، وصنع منبرًا جميلاً كان يحمل نقشًا يحدد تاريخ إنشائه، ونصه: بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا ما أمر به إدريس بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وذلك في شهر صفر 174هـ، وهذا يعني أن إدريس أقام في تلمسان حتى هذا التاريخ، ثم كرَّ راجعًا إلى عاصمة ملكه. نهاية الإمام إدريس ولم تكد تصل هذه الفتوحات إلى عاصمة الخلافة العباسية حتى فزع الخليفة هارون الرشيد، وشعر بالقلق والذعر من النجاح الذي يحققه إدريس بن عبد الله، الذي نجح فيما فشل فيه غيره من أبناء البيت العلوي؛ فلأول مرة ينجحون في إقامة دولة لهم بعد إخفاقات عديدة ومآسٍ دامية، ثم اشتد خوف الخليفة العباسي حين جاءته الأخبار بعزم إدريس بن عبد الله على غزو أفريقية (تونس)، ففكر في إرسال جيش لمحاربة هذا العلوي المظفر، وبينما الرشيد على هذه الحال من القلق والاضطراب تدخلت الأقدار، وأراحته مما كان يفكر فيه، فتوفي إدريس بن عبد الله في (سنة 177هـ = 793م) على أرجح الروايات، بعد أن نجح في تحدي الصعوبات، وأقام دولة عُرفت باسمه "دولة الأدارسة" بعيدًا عن وطنه بين قبائل متطاحنة تعتز بعنصريتها، وتتخذ من قوتها وسيلة لفرض سيطرتها على من حولها، وهذه تُحسب له، وتجعله واحدًا من كبار رجال التاريخ. ويضاف إليه أن المغرب مدين له في نشر الإسلام في أماكن لم يكن قد وصل إليها من قبل. |
معركة تولوز.. أمل لم يتحقق |
جمعية العلماء الجزائريين.. تحرير وتنوير
(في ذكرى تأسيسها: 16 من ذي الحجة 1350هـ) احتفلت فرنسا بالعيد المئوي لاحتلال الجزائر سنة (1349هـ= 1930م)، ودعيت الدنيا كلها لحضور هذا الاحتفال، وكانت احتفالات صاخبة أنفق الفرنسيون عليها ما يربو على 80 مليونا من الفرنكات، وعمدوا في هذه المناسبة إلى استعراض جيوشهم على النحو الذي دخلت فيه جيوش الكونت "دي بورمونت" مدينة الجزائر من حيث اللباس والزينة، والعدة والعتاد، والموسيقى والأناشيد. وكانت هذه الاحتفالات التي استمرت 6 أشهر تمثل روح الاستعلاء للمحتل الفرنسي، وتعبر عن خلق العجب والخيلاء بما فعل؛ فهو لا يقيم وزنًا لأهل البلد المغتَصب، ولا يعتد بما بقي في أنفسهم من العزة والكرامة، وكأنما أقام هذه الاحتفالات ليصلي صلاة الجنازة على الإسلام والعربية في الجزائر، بعد أن اطمأن إلى نجاح سياسته عبر قرن من الزمان في طمس هوية الجزائر وهدم عقيدتها وإماتة روح الجهاد فيها، ولم يكن يدري هذا المحتل الغاصب أنه أوقد بما فعل في النفوس مكامن العزة والكرامة، وأثار في القلوب الكرامة والحمية، وشحذ همة جمع من علماء الإسلام وغيرتهم على دينهم ووطنهم، فتنادوا إلى إنشاء جمعية تناهض أهداف المستعمر وتوقظ النائمين والغافلين، وجعلوا لها شعارًا يعبر عن اتجاههم ومقاصدهم، هو: "الإسلام ديننا.. والعربية لغتنا.. والجزائر وطننا". بواكير الإصلاح عشية الحرب العالمية الأولى غادر الجزائر جماعة من العلماء الشبان إلى تونس والمغرب والحجاز ومصر والشام؛ بغية الحصول على الثقافة العربية والإسلامية حيث معاهد العلم الكبرى، بعد أن جفت منابع العلم الأصيلة في الجزائر بفعل المحتل الفرنسي الغاصب، وقد شملت موجة المهاجرين الشبان: عبد الحميد بن باديس، والبشير الإبراهيمي، والطيب العقبي، وقد تأثرت هذه المجموعة بالأفكار الإصلاحية التي قادها محمد عبده ومحمد رشيد رضا، وبعد عودتهم إلى الجزائر عملوا على نشر الوعي وإيقاظ النائمين، عبر الصحافة والمدارس وعقد الندوات وإلقاء المحاضرات، وكانت تراودهم فكرة إنشاء منظمة تجمع صفوفهم وتوحد جهودهم، وتكون منبرًا لأفكارهم الإصلاحية، وجاءت احتفالات فرنسا المستفزة في الجزائر لتحيل آمالهم إلى واقع ملموس. إنشاء الجمعية ونتيجة جهود عبد الحميد بن باديس تكونت الجمعية وظهرت للوجود في (16 من ذي الحجة 1350هـ= 5 من مايو 1931م) وتشكّل مجلس إدارتها من 13 عضوًا من علماء الجزائر، واختير من بينهم ابن باديس لرئاسة الجمعية والبشير الإبراهيمي نائبًا له. ولخص رئيس الجمعية مبادئها في العروبة والإسلام والعلم والفضيلة، وقال: إن هذه المبادئ هي أركان جمعية العلماء التي تحفظ على الجزائريين جنسيتهم وقوميتهم. وحددت الجمعية الأهداف التي ترمي إلى تحقيقها وتشمل: "تطهير الإسلام من البدع والخرافات، وإيقاد شعلة الحماسة في القلوب بعد أن بذل الاحتلال جهده في إطفائها حتى تنهار مقاومة الجزائريين، وإحياء الثقافة العربية ونشرها بعد أن عمل المستعمر على وأدها، والعمل من أجل حصول الجزائر على استقلالها وضمها إلى الأسرة العربية، والمحافظة على الشخصية الجزائرية بمقوماتها الحضارية والدينية والتاريخية، ومقاومة سياسة الاحتلال الرامية إلى القضاء عليها". وسائل نضال الجمعية اعتمدت الجمعية في نشر أهدافها ومبادئها على وسائل متعددة، شملت المسجد والمدرسة والنادي والصحافة، فالمسجد كان للوعظ والإرشاد بطريقة جديدة تعين على فهم الدين ودوره في الحياة، والمدرسة كانت لتربية النشء الجديد وتخريج أجيال جديدة متسلحة بالثقافة العربية الإسلامية، والنادي كان للتوعية والتوجيه الوطني بالخطب والمحاضرات والمسرحيات والأناشيد والصحافة لنشر المبادئ والأهداف والدعوة إلى اليقظة والدفاع عن الجمعية ضد خصومها. بالإضافة إلى وسائل أخرى كانت تُستخدم حسب المناسبة، مثل الاحتجاج والمقابلات وإرسال الوفود، والرحلات، والمشاركة في التجمعات العامة. وقامت الجمعية بمشروعاتها الإصلاحية معتمدة على اشتراكات أعضائها، بالإضافة إلى اكتتاب الأمة الجزائرية في المشروعات التي تخطط وتدعو لها، مثل مشروع معهد عبد الحميد بن باديس، حيث اكتتبت الأمة لشراء دار للمعهد في قسنطينة، وبهذه الطريقة تمكنت الجمعية من تدبير مواردها المالية التي تلزم لتنفيذ أفكارها الخاصة التي تهدف إلى المحافظة على صبغة الجزائر العربية الإسلامية. وتقاسم رؤساء الجمعية وزعماؤها العمل، فتكفل ابن باديس بقسنطينة، فكان يقوم هو ومعاونوه بنشر العلم وإرشاد المسلمين إلى مبادئ دينهم الصحيحة ومحاربة البدع والخرافات والآفات الاجتماعية عن طريق الوعظ والإرشاد التي كانت تقوم بها المراكز الدينية التابعة للجمعية. وكان ابن باديس يقوم أيضًا بالإشراف على تكوين الجمعيات المحلية التي تقوم بإنشاء المدارس، وجمع الأموال اللازمة للإنفاق عليها وإمدادها بالكتب والوعاظ. وتولى البشير الإبراهيمي الإشراف على نشاط الجمعية في غرب الجزائر متخذًا من تلمسان مركزًا لعمله وجهوده. وتولى الطيب العقبي المهمة نفسها في الجزائر، وكان هناك تنسيق بين القادة الثلاثة وأعضاء الجمعية وفروعها وأنصارها في مختلف أنحاء الجزائر. جهود الجمعية في التعليم تمكنت الجمعية في السنوات التسع الأولى التي أعقبت نشأتها من تأسيس عدد من المدارس والمساجد والنوادي في أهم المدن والقرى الجزائرية التي وصلت إليها دعوتها. وامتد نشاط الجمعية إلى فرنسا حيث تقيم هناك جالية جزائرية كبيرة، تحتاج إلى عناية الجمعية واتخاذ الوسائل التي تعينها على فهم دينها وعدم الانسلاخ من عروبتها وإسلامها، وكان يقوم على هذا النشاط في فرنسا عالم نابه هو "الفضيل الورتلاني" من الشخصيات البارزة في جمعية العلماء، وكان يجيد الفرنسية واللهجات القبلية، وتمثلت جهود الفضيل ومن معه من العلماء في إلقاء المحاضرات التوجيهية ودروس الوعظ والإرشاد، وتعليم أبناء العمال الجزائريين مبادئ اللغة العربية والدين الإسلامي وتاريخ الإسلام والجزائر. وقد تنبهت فرنسا إلى خطر ما تقوم به جمعية العلماء على سياستها في الجزائر، وخشيت من انتشار الوعي الإسلام، فعطلت المدارس، وزجت بالمدرسين في السجون، وأصدر المسئول الفرنسي عن الأمن في الجزائر في عام (1352هـ = 1933م) تعليمات مشددة بمراقبة العلماء مراقبة دقيقة، وحرّم على غير المصرح لهم من قبل الإدارة الفرنسية باعتلاء منابر المساجد. ولكي يضمن تنفيذ هذه الأوامر عيَّن نفسه رئيسًا للمجلس الأعلى الذي يشرف على الشئون الإسلامية بالجزائر. وفي فترة الحرب العالمية الثانية ضعف نشاط الجمعية بسبب خضوع البلاد للأحكام العرفية ووفاة مؤسسها ورئيسها عبد الحميد بن باديس، ونُفي خلفه في رئاسة الجمعية "البشير الإبراهيمي" إلى "آفلو" بصحراء وهران، فكان يقود نشاط الجمعية في المنفى من خلال الرسائل التي يتبادلها مع رفاقه من زعماء الجمعية. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عاد النشاط وافرًا للجمعية فقامت بجهود واسعة في نشر رسالتها التعليمية من خلال مدارسها ومساجدها، تدعمها تبرعات الشعب الجزائري ووقوفه خلفها، حتى بلغ عدد المدارس التي أقامتها الجمعية في سنة (1368هـ = 1948م) نحو 140 مدرسة غطت معظم مدن الجزائر وقراها. ثم تطلعت الجمعية إلى إنشاء مدارس ثانوية بعد أن كانت ترسل أبناءها لدراسة المرحلة الثانوية في تونس، فأنشأت معهد ابن باديس الثانوي سنة (1367هـ = 1947م)، وجعلت منه نواة لإنشاء 3 معاهد أخرى متى تهيأت الظروف في قسنطينة الجزائر، وتلمسان، وقد نجح هذا المعهد في جذب الطلاب، حتى بلغ عددهم في سنة (1375هـ = 1955م) 913 طالبًا، وبلغ عدد المعلمين 275 معلمًا، راعت الجمعية في اختيارهم الكفاءة وحسن الخلق، ثم تشددت في انتقائها لهم واشترطت حصول المعلمين الجدد على المؤهلات العلمية مثل شهادة التحصيل من جامع الزيتونة، وخصصت لهم 4 درجات على أساسها تصرف مرتباتهم. ولم تتوقف جهود الجمعية على المرحلتين الابتدائية والثانوية بل قامت بإرسال بعثات تعليمية إلى المعاهد والجامعات العربية، فأرسلت 18 طالبًا، وطالبة واحدة إلى مصر والعراق وسوريا وغيرها، حتى بلغ عدد بعثاتها في سنة (1375هـ = 1955م) إلى (109) طلاب، ثم تزايد هذا العدد إلى بضع مئات بعد نجاح الثورة الجزائرية. آثار جهود الجمعية وقد أدت جهود الجمعية التعليمية إلى تكوين أجيال جزائرية تؤمن بعروبتها وإسلاميتها وتحافظ على هويتها وانتمائها إلى عالمها العربي والإسلامي، بعد أن قام المستعمر الفرنسي منذ أن وضع يده على الجزائر بالقضاء على منابع الثقافة الإسلامية وإغلاق المدارس التي كانت تضم آلاف الطلاب، ووضع قيود على فتح المدارس الجديدة وقصرها على حفظ القرآن فقط، مع عدم التعرض لتفسير آيات القرآن وبخاصة الآيات التي تدعو إلى الجهاد ومقاومة الظلم والعدوان، وعدم دراسة تاريخ الجزائر والأدب العربي. وإلى جانب نجاح الجمعية في تعبئة الشعب الجزائري دينيًا وقوميًا كان لها الفضل في وضع فكرة الوطن الجزائري، وهو ما أقلق حكومة الاحتلال الفرنسي، وجعلها تقوم بوضع علماء الجمعية تحت المراقبة. وكان لجهود الجمعية أثرها في صبغ جبهة التحرير الجزائرية بالصبغة الإسلامية؛ نتيجة لاستعانتها بكثير من علماء الجمعية في جلب التأييد للثورة الجزائرية على الصعيدين العربي والإسلامي، حتى نجحت في الحصول على الاستقلال. |
سوهارتو.. لا تستهينوا بالشعوب!
(في ذكرى توليته: 21 ذي الحجة 1387هـ) تعتبر إندونيسيا عاملاً هامًا في الاستقرار في منطقة جنوب شرق آسيا نظرًا لموقعها الإستراتيجي ومساحتها الشاسعة التي تزيد على عشرة ملايين كيلو متر مربع، وعدد سكانها الكبير الذي يتجاوز 210 ملايين نسمة غالبيتهم من المسلمين، وامتدادها على 17 ألف جزيرة منها 6 آلاف جزيرة مأهولة بالسكان، يُضاف إلى ذلك تاريخها الذي شهد فترات طويلة من الصراع ضد الاستعمار الهولندي الذي استمر قرنًا ونصفا، ثم صراع الشيوعيين والجيش أثناء حكم الرئيس أحمد سوكارنو الذي انتهى بتنازل سوكارنو عن الحكم وصعود وزير الدفاع سوهارتو ليتولى رئاسة البلاد، لتبدأ مرحلة جديدة في الحكم استمرت اثنين وثلاثين عامًا حتى عصفت به الأزمة الاقتصادية وأجبرته الإضرابات على تقديم استقالته واتهامه بتكوين ثروة ضخمة قدرت بثمانين مليار دولار، وتزايد المطالبات بضرورة تقديمه إلى المحاكمة العسكرية. إندونيسيا إندونيسيا كلمة مركبة من كلمتين: الأولى "إندو" بمعنى "الهند" والأخرى "نيسيا" بمعنى "جزر" ومعناها: جزر الهند، وهي من البلاد الغنية إذ تزيد مساحتها عن مساحة أوروبا، ويعتنق (94%) من سكانها الإسلام، واللغة الرسمية هي: باهاسا الإندونيسية التي كانت تكتب بالحرف العربي، والذي استبدلت هولندا به الحرف اللاتيني سنة (1346هـ = 1927م) ويوجد بها 583 لهجة محلية، وتمتلك ثروة معدنية كبيرة، فتنتج خمس الإنتاج العالمي من القصدير، ومثله من البوكسيت بالإضافة إلى المعادن المختلفة، كما أنها غنية بالبترول والغاز الطبيعي. ووصل الإسلام إليها مبكرًا عن طريق التجار المسلمين والعرب الذين استقروا في سواحلها وأقاموا المراكز التجارية، ثم قامت بعض الممالك الإسلامية هناك في بداية القرن السابع الهجري مثل مملكة "برلاك" في سومطرة و"آتشه" التي كانت أولى الممالك القديمة التي انتشر فيها الإسلام. وفي الوقت الذي بدأ المسلمون يثبتون أقدامهم في إندونيسيا، كان الاستعمار الأوروبي يزحف إليها أثناء حركة الكشوف الجغرافية؛ فاحتل البرتغاليون "مالقا" سنة (917هـ = 1511م) واتخذوها قاعدة لشن هجماتهم على باقي الجزر الإندونيسية، فقامت الثورات ضد البرتغاليين واستعان الإندونيسيون في جهادهم ضد البرتغال وإسبانيا بهولندا، فوصل الأسطول الهولندي إلى "سومطرة" و"جاوة" سنة (1005هـ = 1596م) وقاتلوا البرتغاليين، وما إن خرجت البرتغال، حتى بدأت هولندا بتشديد قبضتها على الجزر، وأسست شركة الهند الشرقية الهولندية سنة (1011هـ = 1602م) التي قامت باحتكار موارد الدولة، وإجبار السكان على زراعة محاصيل معينة، ثم تحول الامتياز من الشركة إلى الحكومة الهولندية سنة (1214هـ = 1799م) فوقعت إندونيسيا في قبضة الاحتلال الهولندي الذي استمر قرنًا ونصفا، فرضت فيه اللغة الهولندية، وبدأت المعارك بين الهولنديين والممالك الإسلامية، وتعددت ثورات المسلمين ضد هذا الاستعمار. وظلت تعرف باسم جزر الهند الشرقية، واستمرت هولندا في سياستها الاستعمارية ونهب الثروات، وكان شعار الهولنديين لمواجهة ثورات المسلمين "التدمير وقوة الانتقام هي مكونات القصة المتكررة في حروبنا"، واتجه السكان إلى تنظيم صفوفهم وتشكيل الأحزاب والجمعيات المختلفة، وعملت هولندا من جانبها على تشكيل أحزاب موالية لها، فاتحدت الأحزاب الإسلامية في تنظيم عرف باسم "المجلس الإسلامي الأعلى". الاحتلال الياباني وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية وقعت إندونيسيا تحت سيطرة الاستعمار الياباني، وعمل اليابانيون على التقرب من الشعب الإندونيسي، فأحلوا اللغة الملايوية محل الهولندية، وغيَّروا اسم العاصمة من "بتافيا" إلى جاكرتا، ولكن سرعان ما تغيرت هذه السياسة واتبعت اليابان الأسلوب الاستعماري فحلت جميع الأحزاب السياسية، واستغلت موارد البلاد لصالحها، وبعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية أعلن قيام حكومة إندونيسية برئاسة أحمد سوكارنو في [ رمضان 1364هـ= أغسطس 1945م ]. وبعد انتهاء الحرب حاول الحلفاء وعلى رأسهم بريطانيا الاستيلاء على إندونيسيا وتسليمها لهولندا، ونزل جيش الحلفاء "جاكرتا" في [ ذي القعدة 1364هـ= أكتوبر 1945م] وعاد الجيش الهولندي مرة أخرى تحت مظلة وحماية البريطانيين وبدعوى حفظ الأمن والنظام، فعقد الإندونيسيون اجتماعًا في مدينة جاكرتا ضم أغلب الأحزاب، وتم الاتفاق على الانضواء تحت تنظيم إسلامي واحد سمي "مجلس شورى مسلمي إندونيسيا" وعرف باسم "حزب ماشومي" وسرعان ما اعتقلت هولندا الزعماء الإندونيسيين ومنهم "سوكارنو"، وبدأ ما يعرف بحرب العصابات، قام بها السكان ضد هولندا حتى اضطرت إلى الاعتراف بالحكومة الإندونيسية. وحدث انشقاق في حزب ماشومي، وأوكل "سوكارنو" رئيس الجمهورية رئاسة الحكومة إلى عامر شرف الدين، وهو شيوعي فثار الشعب، فأقيلت الحكومة، فثار الشيوعيون وأحدثوا العديد من القلاقل والاضطرابات، وقاموا بثورة ضد الحكومة، وأعلنوا قيام حكومة جديدة في [ذي القعدة 1367هـ= سبتمبر 1948م] وأعلنوا قيام "جمهورية إندونيسيا الشيوعية" وأصبح في البلاد حكومتان، فتعاون الجيش مع الشعب حتى تمكنوا من القضاء على الشيوعيين، وأجريت انتخابات في [1375هـ= 1995م] فاز فيها الحزب الوطني "الذي قام بتشكيل وزارة تميل للشيوعيين، فوقف حزب ماشومي معارضًا لها، في الوقت الذي كان فيه سوكارنو يميل إلى التعاون مع الدول الشيوعية، وهو ما أثار أزمة داخل مؤسسات الحكم. وحاول سوكارنو الحفاظ على توازن بين المجموعات المتنافسة سياسيًا خاصة الجيش والحزب الشيوعي مع تحيز واضح للحزب الشيوعي وتوجهاته، واتباع سياسة تعسفية في حكم البلاد، وهو ما أثار غضب الجيش والشعب. وعلى الصعيد الخارجي اتجه إلى توجيه انتقادات حادة للغرب، وأطلق صيحته المشهورة عام [1383هـ=1963م] التي وجهها إلى الولايات المتحدة والغرب قائلا: "اذهبوا للجحيم مع مساعداتكم". سوهارتو أفسح سوكارنو المجال للحزب الشيوعي ليعيد تنظيم نفسه مرة أخرى، فقام بثورة في [جمادى الآخرة 1385هـ= سبتمبر سنة 1965م] فتدخل الجيش للقضاء عليها وأراد سوكارنو إعادة الجيش إلى ثكناته مرة أخرى، وإعادة ضبط المعادلة والتوازن بين الجيش والسلطة السياسية في البلاد، غير أنه لم يستطع ذلك، وكانت تلك بداية تدخل الجيش في الشئون السياسية وصعود نجم سوهارتو وزير الدفاع الذي استطاع أن يتولى الحكم في [ 21 ذي الحجة 1387هـ= 22 مارس 1968م] بعد إجبار سوكارنو على التنازل عن السلطة. وسوهارتو وُلد في مدينة يوجياكارتا بجاوة عام [ 1340 هـ= 1921م] والتحق بجيش جزر الهند الهولندية وأصبح جنديًا محترفًا، وخلال فترة الاحتلال الياباني انضم إلى جيش الدفاع الوطني، ثم التحق بالقوات المسلحة الإندونيسية بعد الاستقلال، وقاد وحدة من القوات المسلحة الإندونيسية في الهجوم على الهولنديين في يوجياكارتا، وبعد جلاء الهولنديين رقي إلى رتبة لواء، ثم أصبح قائدًا للجيش الاحتياطي الإستراتيجي، وعندما قام الشيوعيون بمحاولتهم الانقلابية واغتالوا عددًا من قيادات الجيش حدث عنف مضاد للشيوعيين، ووقعت مذابح رهيبة راح ضحيتها نصف مليون شخص، واستدعى سوهارتو باعتباره قائد الجيش الإستراتيجي لسحق التمرد الشيوعي، فنجح في ذلك وأعاد الأمن والنظام إلى جاكرتا، وتولى منصب القائد المؤقت للجيش، ثم حصل على تفويض رسمي من سوكارنو لاستعادة الأمن والنظام، فكان من أوائل الإجراءات التي اتخذها حظر نشاط الحزب الشيوعي، واعتقال الشيوعيين. وفي عام [1386هـ= 1966م] قام بالتفاوض مع ماليزيا وأنهى صراع إندونيسيا معها، وتخلى عن علاقته الوثيقة بالصين والسوفيت واتجه نحو العرب للحصول على المساعدات، ثم تولى الحكم عام [1387هـ= 1968م] لمدة خمس سنوات وأعيد انتخابه بعد ذلك ست مرات، وبلغ مجموع سنوات رئاسته 32 سنة. وقام سوهارتو باحتلال تيمور الشرقية عام [1395هـ= 1975م] لتحقيق هدف سياسي يجتمع عليه أفراد الشعب الإندونيسي لتأييده، وسعى لتشكيل مناخ سياسي واقتصادي ذي سند عسكري يقطع كل صلة بينه وبين الماضي الممثل في "أحمد سوكارنو"، كما عمل على تطوير برنامج اقتصادي كبير شهدت خلاله إندونيسيا تقدمًا اقتصاديًا. |
الأزمة الاقتصادية وانتهاء السوهارتية
شهدت منطقة جنوب آسيا نموًا اقتصاديًا كبيرًا، وظهرت مجموعة النمور الآسيوية التي استطاعت أن تحقق ازدهارًا اقتصاديًّا كبيرًا، وكانت إندونيسيا إحدى هذه النمور، وحققت نجاحًا كبيرًا جعلها تقترب من قائمة الدول الصناعية الكبرى، إلا أن هذه الدول الآسيوية شهدت أزمة اقتصادية حادة بدأت عام [1417هـ= 1996م] عندما تعرض الاقتصاد التايلاندي لهزة عنيفة وصدمات خارجية وداخلية كشفت عن ضعف هيكله المالي، وانتقلت الأزمة منه إلى بقية الدول الأسيوية ومنها إندونيسيا التي انخفضت عملتها "الروبية" بنسبة كبيرة زادت عن 30% فأدى ذلك إلى إصابة الاقتصاد الإندونيسي بمشاكل وأزمات كبيرة انتقلت إلى احتقانات في الشارع وغضب جماهيري، واختلطت مطالب الحريات بشدة الأزمة الاقتصادية. وأرجع بعض السياسيين الإندونيسيين أسباب هذه الأزمة التي هزت البلاد إلى أسلوب التنمية الذي اتسم بالسرعة أكثر من اللازم لم يتح معه الوقت الكافي لوضع ضوابط تتحكم في النشاط الاقتصادي، وأرجع آخرون أسباب هذه الأزمة إلى إسراف القطاع الخاص بالاقتراض والتوسع في مشروعات بطيئة الدوران اقتصاديًا وكذلك المضاربات العقارية، كما أن معدلات النمو المرتفعة أدت إلى ارتفاع المديونية الخارجية، وتدفق معها الاستثمار الأجنبي الذي أخفى معه العيوب الهيكلية في الاقتصاد ومنها انعدام الشفافية وانتشار الفساد، وانخفاض الصادرات، وعجز الميزان التجاري. وقد وجهت المؤسسات المالية عدة انتقادات إلى سوهارتو، وكانت إحدى نقاط الخلاف مع صندوق النقد الدولي فيما يتعلق بضرورة الفصل بين المهام السياسية والأعمال الاقتصادية، كما أن سوهارتو كان يشارك أو يمتلك أكثر من ثمانين شركة عملاقة، ووجهت إليه اتهامات بالفساد، وقدرت ثروته بحوالي ثمانين مليار دولار. يضاف إلى هذه الأزمة الاقتصادية الانتقادات التي وجهت إلى نظام حكم سوهارتو الذي اتسم بضعف النظام الحزبي، وسيطرة حزب الحكومة "جولكار" على الحكم، بينما الأحزاب الأخرى هامشية أو غير مسموح لها بممارسة نشاطها في ظل القوانين التعسفية، كل هذه الأمور عمقت الغضب الشعبي، ولم يفلح التعديل الوزاري الذي أجراه سوهارتو واختياره "يوسف حبيبي" نائبًا له في تخفيف حدة الغضب الشعبي أو وقف تدهور الروبية الإندوسية، وزادت موجة التدمير والإضراب الشعبي مع ارتفاع الأسعار بنسبة 20% وما تولد معها من أزمة في المواد الغذائية، وارتفاع حجم البطالة إلى 15.4 مليون عاطل (17% من حجم القوة العاملة) ومهاجمة الجماهير الغاضبة للممتلكات والواحدات الاقتصادية التي يمتلكها الصينيون (يشكلون 5% من حجم السكان) فأدى ذلك إلى مغادرة بعض هؤلاء لإندونيسيا، واقتربت البلاد من حافة الانهيار السياسي والإفلاس الاقتصادي، فقدم الأمريكيون نصيحتهم إلى سوهارتو بأن يتنازل عن الحكم، فاستجاب لهذا المطلب، وقدم استقالته في (المحرم 1419هـ= 21 مايو 1998) بعدما تعهد قائد الجيش الإندونيسي الجنرال دبرانتو بالالتزام بحمايته، وبذلك انتهت المرحلة السوهارتية المتمثلة في شخص سوهارتو، وإن امتدت في خليفته يوسف حبيبي الذي عمل على تخفيف القيود عن الأحزاب السياسية والصحافة، وارتفع شعار التغيير السياسي الحقيقي، وارتفع عدد الأحزاب التي خاضت الانتخابات النيابية بعد سوهارتو إلى 48 حزبًا، وشهدت الانتخابات إقبالا جماهيريًا كبيرًا باستثناء إقليمي تيمور الشرقية وآتشيه المطالبين بالاستقلال عن إندونيسيا. الولايات المتحدة وإندونيسيا كان سوهارتو يتجاهل الاحتجاجات والمظاهرات الطلابية ويستبعد إجراء أي تغيير سياسي قبل عام (1424هـ= 2003م) حتى احتل الطلاب البرلمان وطالبوا سوهارتو بالاستقالة، عندها طلبت منه وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك "مادلين أولبرايت" التنحي حفاظًا على تراثه القيادي، فاستجاب للضغط الشعبي والمطلب الأمريكي وقدم استقالته وبعدها بفترة زارت أولبريت إندونيسيا وتحدثت بصراحة عن قضية الوحدة في الدولة الإندونيسية وموقف واشنطن منها، وذكرت أن بلادها حريصة على تماسك الدولة واستمرار وحدتها لعدة أسباب منها أن الولايات المتحدة تريد أن تظل إندونيسيا قوة متماسكة لكي توازن الدور الصيني في آسيا، وذكرت أن موقع إندونيسيا إستراتيجي وحيوي للأمن القومي الأمريكي؛ لأنها تحكم وتحرس جانبي بوابة العبور إلى آسيا، وهو دور يهدده أي انفراط في عقد الدولة، وذكرت ـ أيضًا ـ أن من مصلحة واشنطن التمسك بوحدة إندونيسيا؛ لأن الولايات المتحدة ضخت استثمارات مالية ضخمة إليها تقدر بـ 300 مليار دولار، وهي غير مستعدة لإهدارها، وطالبت من النظام الجديد الامتثال لشرطين أساسيين لضمان دعم واشنطن: الأول يتمثل في حل مشكلة إقليم تيمور الشرقية والاعتراف بحق الشعب في تقرير مصيره، أما الثاني فيتمثل في منح أقاليم الدولة (26 إقليمًا) حكمًا ذاتيًّا وتخصيصها بحصة أكبر من عائدات ثرواتها. وفعلا حصلت تيمور الشرقية على استقلالها بعد الاستفتاء على تقرير المصير، وتم إصدار قانون الحكم الذاتي الذي أعطى أقاليم الدولة صلاحيات واسعة، كما أعطاها حصة تتراوح بين 15% و 30% من مواردها الذاتية الخاصة بالنفط والغاز، و80% من عائدات الأسماك والغابات والمعادن، ولمَّا تم لواشنطن ما أرادت وفت بالتزاماتها ودعمت النظام الجديد برئاسة عبد الرحمن واحد. |
قطب الدين وصفحة من الحروب الصليبية |
Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.