حوار الخيمة العربية

حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com:1/index.php)
-   الخيمة المفتوحة (http://hewar.khayma.com:1/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أســطــــــــورة الـحــــــــرب (http://hewar.khayma.com:1/showthread.php?t=69022)

محمد الحبشي 25-02-2008 01:57 AM

أســطــــــــورة الـحــــــــرب
 
أســطــــــــورة الـحــــــــرب

قليلون هم من أحنى لهم التاريخ جبهته إعظاما وإجلالا وحواهم بين صفحاته ..
بارعون تألقوا فى كل ميدان وتجلت فيهم ملامح العبقرية والنبوغ .. يعنينا هنا ميدان الحرب ..
إن التاريخ عندما يعرض عليك أحداثه فهو لا يعنيه الخير والشر ، قدر ما يعنيه الإنجازات والنتائج ..

برز البارعون فى فن الحرب منذ فجر التاريخ .. فسمعنا عن معركة قادش بين الفراعنة وقوات الحيثيين وخطة عسكرية رائعة من الجيشين وفن الحرب مازال طفلا يحبو حبنذاك .. وبعبقرية مذهلة تمكن الإسكندر الأكبر من سحق مملكة فارس بفضل التنظيم المذهل والبراعة فى التخطيط ..
مرورا بالقائد الدموى جنكيزخان والذى أخضع له كل آسيا ونصف أوربا الشرقى .. ونابليون بونابرت وانتصاراته الشهيرة فى أوربا .. وحتى تاريخنا المعاصر واجتياح هتلر كل أوربا فى أشرس حروب التاريخ وأكثرها دموية .. كل هؤلاء قد امتلكوا البراعة العسكرية والمهارة فى التخطيط .

وكل منهم مدرسة حافلة بشتى فنون الحرب إلا أننا هنا بصدد فن آخر .. عبقرية عسكرية هى الأشد دهاءا والأكثر انجازا والأروع من بين كل هؤلاء .. هى ولا شك تحتل المرتبة الأولى بين كل مدارس الحرب بشهادة كل الخبراء العسكريين ..إنها أسطورة وحدها فى فن الحرب ..

" خالد بن الوليد "

لا أشك أن كل من انتمى للضاد قد تعرف مسبقا على هذا الإسم وحتى الأطفال الصغار يعرفون جيدا هذا الإسم .. على أننا قد لا نعرف كثيرا عن سبب شهرته ولا عن عبقريته ..
نعرف انتصاراته الشهيرة ونعرف سيرته .. لكننا لا نعرف شيئا عن خططه الحربيه ولا عن فنونه العسكرية التى يقدرها جيدا كل العسكريين ممن مروا على سيرته .. إذا فهنا عرض شيق لحياته العسكرية .. فقط نأخذ جانب الحرب فى حياته ولن نهتم كثيرا بسيرته التى يعرفها كل منا .. هذا البطل الذى حاز أعظم لقب حربى فى التاريخ .. سيف الله المسلول


محمد الحبشي 25-02-2008 11:55 AM

" نبوغ مبكر "

لنتعرف على جانب من حياة خالد تعالوا نتأمل هذا المشهد من طفولته :

حملق خالد والفتى الطويل القامة كل منهما فى الآخر وبدآ بالدوران ببطء وكل منهما يبحث عن ثغرة يهاجم بها الخصم ، لم يكن فى عينيهما عداوة بل مجرد منافسة وتصميم ثابت على الفوز . لقد وجد خالد أن من الضرورى أن يكون حريصا ، لأن الغلام الطويل القامة كان أعسرا قوى البنية وكان بحق أقوى فتيان قريش .
كانت المصارعة تسلية شائعة بين الفتيان فى شبه الجزيرة العربية ، لم يكن يوجد حقد فى هذه المبارزات ، مجرد رياضة . كان هذين الفتيين أقوى من الجميع كما كانا زعيمين للفتيان الذين فى سنهم ، كانا متقاربين فى العمر وكلاهما فى سن المراهقة . كان الفتى الطويل القامة أطول من خالد ببوصة واحدة وكان وجهيهما متشابهين بحيث يصعب التمييز بينها ، قذف خالد الفتى الطويل لكن هذه السقطة لم تكن عادية إذ عندما سقط سمع صوت قرقعة عالية وبعد دقيقة تبين من شكل ساقه الغريب أنها قد كسرت فقد استلقى الفتى المضروب على الأرض بدون حراك وحدق خالد بفزع إلى ساق صديقه المكسوره .
علينا هنا أن نتذكر هذا الفتى الطويل لأنه سيغير وجه التاريخ فيما بعد .
لم تكن لتؤثر هذه الحادثة طبعا على فتانا المهزوم فقد عرف عنه القوة والصلابة وهو ما سيثبته التاريخ فيما بعد ولم تؤثر على صداقتهما معا بل ظلا قريبين يتمتعان بمكانتهما فى قريش ومكانة أبيهما الوليد بن المغيرة سيد بنى مخزوم والخطاب سيد بنى عدى ..
نعم هو هو عمر بن الخطاب . وكان حريا بمن يتغلب عليه وهو من هو أن ينال المجد ويدخل التاريخ من أوسع أبوابه .

قسمت قريش المفاخر والمراسم على بطونها وانتهى الشرف إلى عشرة بطون هم :

( هاشم وأمية ونوفل وعبد الدار وأسد وتيم ومخزوم وعدى وجمح وسهم )

، فكانت لهاشم سقاية الحاج وكانت لأمية راية الحرب وكانت لنوفل الرفادة وهى إعانة الحجاج المنقطعين بالمال وكانت لعبد الدار السدانة والحجابة واللواء وكانت لبنى اسد المشورة وكانت لبنى تيم الديات والمغارم وكانت لبنى مخزوم القبة وهى مجتمع الجيش والأعنة وهى قيادة الفرسان وكانت لبنى عدى السفارة ولبنى جمح الأيسار والأزلام ولبنى سهم الحكومة والأموال المحجرة وظلوا هكذا يتولونها جيلا بعد جيل حتى ظهور الإسلام .
وكانت السلطة الفعلية مقسمة إلى ثلاث : " السلطة الروحية لهاشم وعبد الدار والسلطة السياسية لأمية والسلطة العسكرية لمخزوم " .

كان بطلنا من أشراف بنى مخزوم وكانوا فى ثروتهم وعدتهم وبأسهم أقوى البطون القرشية حين ينفرد كل بطن منها عن سائر البطون .

والوليد بن المغيرة سيد بنى مخزوم رأس الرؤوس فى قريش ، نشأ خالد فى كنفه واكتسب منه بعضا من خلقه وعقله ، كان الوليد أغنى أغنياء زمانه حتى لقبوه بريحانة قريش . وهو الذى قال فيه القرآن الكريم :" ذرنى ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا "
ويروى سفيان الثورى أنه كان يملك ألف ألف دينار ، وكان ينهى أن توقد غير ناره فى منى لإطعام الحجيج ، وكان يأنف لنفسه فى الجاهلية أن يرى سكران على إباحة الخمر وشيوعها فانتهى عنها بغير ناه ،وقد كان من أصحاب الحيلة والإقدام وله ضرباته فى مواقف اللبس والتردد منها حين تداعت الكعبة وأوجس المشركون أن يهدموها ليعيدوا بناءها لحرمتها فتناول المعول وضرب الضربة الأولى بيديه وهو يقول اللهم لم ترع ، اللهم لا نريد إلا الخير ، وكان من أفقه الناس لمعانى الكلام ومن أحفظهم للشعر .

وكانت ولا شك لمكانته العظيمة فى قريش أثرا عظيما فى نفسه حتى نجده فى موقف جد عجيب حينما استمع لقراءة النبى وأتى قومه يقول :" والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو وما يعلى " وإذا به حائرا مشدوها تتنازع فى داخله قوى الخير والعقل وقوى أعظم هى قوى السلطة والمكانة .. حتى إذا حان القرار وجد لنفسه مخرجا يرضاه ضميره بأن نفى عن محمد الجنون والكهانة والشعر والكذب وارتضى أقل هؤلاء فقال :" ما هو إلا سحر يؤثر"

وكان يزعم أنه هو أحق الناس بالنبوة والقرآن ويقول :" أينزل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها " فقال فيه القرآن :" وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم "

وفى حمى بنى مخزوم تعلم خالد كل فنون الفروسية ، وتعود شظف العيش وراض نفسه على الخشونة عمدا ليصبر على مضانك الحرب وشدائد الجوع والظمأ فى البادية ، جاء فى بعض الأحاديث أنه كان يأكل الضب ويشتهيه كما يأكله الأعراب وهو أغنى فتيان مكة .

وكان يركب الخيل المدربة وغير المدربة ، وتعلم إستخدام كل الأسلحة : المزراق والرمح والقوس والنشاب والسيف . وتعلم القتال على ظهر الحصان ومترجلا ، وكان متفوقا فى إستخدام الرمح وهو على صهوة جواده .

وكان على علم بالبادية العربية وكان كثير السفر والترحال قبل الإسلام فى كل أنحاء الجزيرة ولعله عرف فى تلك الأسفار دروبها العصية التى كان يطرقها من العراق إلى الحجاز ومن الحجاز إلى اليمن ومن نجد إلى الشام وبعضها كان يسلكه بغير أدلاء .

من كل هذا نشأ بطل عبقرى مدخر للقيادة والرئاسة بميراث حسبه وطبعه وملكات نفسه وجسده ، جاءته البطولة وهو ينتظرها ولا شك ، بل ويكاد الصدق والإشاعة معا يتوافيان إلى دلالة واحدة فى تربية هذا البطل المنذور للبطولة والعبقرية من قبل ميلاده .

وقد لعب أصدقاءه دورا هاما فى حياته ومن هؤلاء : عمرو بن العاص وأبو الحكم بن هشام وسنعرفه لاحقا بأبى جهل وهو ابن عم خالد وعكرمة بن أبى جهل صديق خالد الحميم .

على رسلك 25-02-2008 01:45 PM




رضي الله عنه وارضاه


سيف من سيوف الله وبطلا عربيا مسلما



متابعون مع هذه الأسطورة الحقيقة



يا أرروع الأقواس

محمد الحبشي 11-03-2008 11:58 AM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة على رسلك



رضي الله عنه وارضاه


سيف من سيوف الله وبطلا عربيا مسلما



متابعون مع هذه الأسطورة الحقيقة



يا أرروع الأقواس

مرت البشرية بفترات من الجاهلية ساد فيها التخبط والفساد والظلم

وشاع فيها قول التوراة فى وصف الإنسان ، يده على كل إنسان ويد كل إنسان عليه

وأرانا الآن، فى إحدى هذه الفترات الجاهلية المظلمة وقد عاد القول الشائع وقد إنكسرت شوكتنا وتكالبت علينا أمم الأرض

لعلى هنا أجد راحتى فى إنتصارات هى أروع إنتصارات المسلمين العسكرية عبر التاريخ وقد إنكسرت أمامنا أعتى قوى الأرض

نعم كان هذا فى الماضى ، وسيتكرر إن توافرت السواعد والقلوب
وأمام هزيمتنا النفسية والعسكرية فى كل أصقاع الأرض
لى عودة دائما ومنهل من ذكرى أسطورة حار فيها المؤرخون والمستشرقون

إنه حبيبى خالد ، سيف سله الله على أعداءه

على رسلك ، كونى فى الجوار



محمد الحبشي 13-04-2008 10:27 AM

الدين الجديد


أطبق الظلام على شوارع مكة وخلت الطرقات من كل صوت إلا وقع أقدام هادئة ، بدا على وجه صاحبها الشرود والتأمل والتفكير العميق . كان هذا الرجل ينتمى إلى قبيلة هاشم الشريفة وكان جميل المحيا ، مربوع القامة ، ذا منكبين عريضين ، وكان شعره يتدلى بضفائر حتى أسفل أذنيه ، وكانت عيناه السوداوان الواسعتان ذات الأهداب الطويلة تبدوان حزينتين من عناء التأمل والتفكير .

كان هنالك الكثير من أساليب الحياة عند العرب التى سببت لهذا الرجل الألم . وحيثما نظر حوله كان يجد امارات الفساد ، فى الظلم الذى يرزح تحته الفقراء والبائسون ، وفى إراقة الدماء التى لا مبرر لها ، وفى معاملة النساء اللواتى يعتبرن كالبهائم ، وكان يشعر بألم عميق كلما سمع بوأد الأطفال الإناث وكانت بعض القبائل قد تناقلت هذه العادة السيئة ،
وكان هنالك أصنام الكعبة . كان يوجد داخل الكعبة وحولها 360 صنما وكانت الأصنام التى تعبد أكثر من غيرها : اللات والعزى وهُبل . وكان هُبل فخر الآلهة عند العرب وهو أكبرها وكان منحوتا من العقيق والطريف أنه عندما استورد أهل مكة هذا الصنم من سورية كان ينقصه اليد اليمنى وكأنهم تحرجوا أن يعبدوا إلههم وهو على هذه الحالة لذلك فقد صنعوا له يدا جديدة من الذهب ولصقوها فى ذراعه . كانت ديانة العرب مزيج غريب من الشرك والإيمان بالله بل كانوا يعبدوها كما زعموا لتقربهم إلى خالق الكون والإله الحقيقى . وكانت هناك عادات الثأر والنزاعات الدموية .

كان هذا العربى الذى ذكرناه آنفا فى طريقه إلى كهف ليس بعيدا عن مكة يعتكف فيه شهرا واحدا كل سنة . يتأمل ويفكر وينتظر وهو لا يعرف ماذا كان ينتظر .

إنها رسالة السماء ووحى النبوة .

ظل النبى يدعوا سرا ثلاث سنوات حتى جمع عشيرته يوما ما ودعاهم إلى الدين الجديد فاستهزأ به الحضور وسبه عمه أبو لهب فى حين نهض شاب دون العشرين وكان نحيلا ضامر الجسم هزيل الساقين ليعلن نصره وتأييده للدعوة الجديدة والدين الجديد ، كان هذا الشاب أحد أروع الشخصيات فى جيل فريد .. إنه ابن عم النبى على بن أبى طالب وسينبأنا التاريخ عنه فيما بعد .

بدأت الدعوة فى الإنتشار تدريجيا وبدأت المعارضة تزداد حدة وقسوة وقد تزعم هذه المعارضة بشكل رئيسى أربعة رجال :
" أبو سفيان (صخر بن حرب زعيم بنى أمية) والوليد بن المغيرة (والد خالد) وأبو لهب(عم النبى) وأبو الحكم (أبو جهل) وسنسمع الكثير عن الأول والرابع .

كان أبو سفيان والوليد عزيزى النفس وموضع الإحترام . وعندما قادوا المعارضة ضد النبى لم يسيئا التصرف ولم يستخدما الشتم والذم . كان رد فعل الوليد هى الكرامة المجروحة حيث رأى نفسه أحق بالرسالة لكونه زعيم قريش وسيدها وأعرف أهلها نسبا والحق أن عائلة النبى أعرق منه نسبا فعائلة محمد تتصل بأجيال عائلته الست وهاشم هى أشرف قبائل قريش وكان عبدالمطلب جد النبى هو زعيم قريش .

أما أبو الحكم فكان أكثر هؤلاء الزعماء حقدا وتعطشا للدماء وهو ابن عم خالد وصديقه . وبسبب معارضته الشديدة للإسلام فقد لقبه المسلمون بأبى جهل ولازمه هذا الإسم حتى آخر أيامه . كان أبو جهل رجلا صغير الجسم قوى البنية خشنا وقد وصفه أحد معاصريه (كان ذا وجه كالحديد ونظرة كالحديد ولسان كالحديد) دفعته الغيرة والحقد إلى إنكار الدعوة والتى بدأت منذ فجر الطفولة فلا ينسى فى صباه أن محمدا قد رماه أرضا عندما تصارع معه فى مباراة عنيفة وسببت له جرحا فى ركبته بقيت آثاره حتى مماته .

كانت كل الوسائل محط إهتمام هؤلاء فى سبيل قتل الدعوة ووأدها قبل أن يستفحل خطرها وكان التعذيب أول هذه البدائل ويوما بعد يوم أدرك هؤلاء أن التعذيب لا يجدى نفعا أمام إصرار المسلمين وتمسكهم بعقيدتهم ، أطلقوا ضد النبى سفهاء ومتشردى مكة وألقوا فى طريقه الأشواك ، والأقذار أمام منزله وشارك فى هذه الأفعال أبو جهل وأبو لهب .

حول المشركون شتى الطرق لإهانة النبى وتعذيب أصحابه . كان للنبى عم لم يؤمن اسمه راكان بن عبد يزيد وكان بطلا فى المصارعة يفتخر بقوته ومهارته ولم يستطع أحد من أهالى مكة إلقاءه على الأرض قط وفى محاولة منه إهانة النبى طلب تحديه فى مباراة مصارعة وقال له :" يا ابن أخى أعتقد أنك رجل وأنك كذاب فتعال فصارعنى فإذا ألقيتنى أرضا اعترفت بك نبيا حقيقيا " ، لقد قبل النبى التحدى وفى مبارة المصارعة هذه ألقى النبى الرجل على الأرض ثلاث مرات ولكن هذا الوغد حنث فى وعده .

كان من أشهر الذين عذبوا بلال الحبشى ، وبلال هذا يعرفه 7 أطفال مسلمين من اصل كل عشرة حول العالم . كان سيده أمية بن خلف يمدده على الرمال المحرقة وقت الظهيرة وأثناء الحر الشديد ويضع صخرة كبيرة على صدره لكن إيمان بلال كان قويا ونقل عنه التاريخ كلمات ناصعة . لم يدر بخلد أمية وهو يعذب بلال بأنه هو وابنه سوف يقابلان بلال الذى كان يوما ما عبده فى غزوة بدر وأن بلال سيكون منفذ حكم الإعدام به وبابنه .

كان النبى نفسه فى مأمن من الأذى الجسدى وذلك بسبب حماية عشيرته له ولأنه يستطيع أن ينزل الأذى بخصمه أثناء المبارزات لكن معظم المسلمين كانوا فى موقف ضعيف وأغلبهم من الرقيق . كانت توجد فتاة ضربها عمر عندما أسلمت وظل يضربها حتى كلّ ساعده ولم يستطع الإستمرار فى الضرب ومن المعروف أن عمر كان رجلا شديد البأس .

بالرغم من كل هذا الأذى والإضطهاد بقى النبى لطيفا رحيما بأعدائه وكان دائم الدعاء لعمر وأبى الحكم حتى استجاب الله دعاءه وأعز دينه بعمربن الخطاب وكان المسلم رقم 40 أما أبو جهل فقد مات على كفره .

كان أبو طالب عم النبى أحد هذه العقبات فجاءته الوفود بشتى العروض كما سنرى ، إنما ظل أبو طالب على إصراره بنصرة النبى والدين الجديد ، وللحق فإن موقفه هذا من أعجب المواقف لكنه وإن دل على شىء فإنه يعبر ولا شك عن شريحة عريضة من الزعماء كالوليد وأبى سفيان وهى كراهيتهم للتغيير ، ظهر الإسلام وهم فى أواخر العمر وبعضهم قارب الثمانين ورغم إعراضه عن الدخول فى دين ابن أخيه فقد تحمل عمه كل شىء ليدفع عنه الأذى وذات يوم وبعد أن أنصرف وفد قريش خائبا جدد النبى دعوته لعمه وفى عيونه ينطق الأسى والحب لتعلقه بعمه وحبه له ، فأطرق عمه هنيهة ثم قال :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ** حتى أُوسد فى التراب دفينا
ولقد علمت بأن دين محمدٍ ** من خير أديان البرية دينا

لقد بقى النبى فى مكة يتحمل ما لا يُطاق . ثم قابل رجالا من يثرب كانوا قد اعتنقوا الإسلام فدعوه إلى مدينتهم وعرضوا عليه أنفسهم وأموالهم فى سبيل دعوة الله . وفى هذه الأثناء وفى إحدى أمسيات دار الندوة الحامية النقاش برز أبو جهل بفكرة شيطانية وقيل أن إبليس برز فى زى أعرابى ليعرض فكرته بنفسه . وفى كلا الحالتين فالفكرة شيطانية وتحل مشكلة بنى هاشم العويصة وهى أن يضعوها فى أمر واقع ومواجهة مع كل القبائل فيضيع دم النبى بين كل القبائل وترضى هاشم بالدية .
إلا أن جبريل كان قد أطلع محمدا مسبقا على كامل الخطة ليقرر النبى مغادرة مكة بصحبة أبى بكر الصديق حتى وصل يثرب ، وبدأ إسم هذه المدينة فى الظهور تدريجيا وأصبحت المدينة المنورة ، مدينة رسول الله ، عاصمة الدولة الإسلامية الناشئة ومركز الدين الجديد .




الوافـــــي 13-04-2008 07:22 PM

خالد بن الوليد
عندما يذكر هذا الإسم لوحده تشعر بأنك في ساحات الوغى نصرة للدين
لقد عجزت النساء أن يلدن مثل هذا البطل الكبير
فهو من الذين تركوا في تاريخ الأمة الإسلامية أثرا لا يمكن أن ينساه أحد
تحدث عنه الكثيرون ، وكتب فيه المؤرخون
ولكنني أراهم جميعا قد قصروا عن اللحاق بذلك الفارس الهمام ، والخبير العسكري الفذ
ويكفيه فخرا ما قاله عنه سيد الأنام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
"خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سلطه الله على المشركين"
رواه الحاكم و صححه الالباني

جزاك الله خيرا أخي / رينبو
ولازلنا معك متابعين

:)

محمد الحبشي 14-04-2008 10:33 AM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة الوافـــــي
خالد بن الوليد
عندما يذكر هذا الإسم لوحده تشعر بأنك في ساحات الوغى نصرة للدين
لقد عجزت النساء أن يلدن مثل هذا البطل الكبير
فهو من الذين تركوا في تاريخ الأمة الإسلامية أثرا لا يمكن أن ينساه أحد
تحدث عنه الكثيرون ، وكتب فيه المؤرخون
ولكنني أراهم جميعا قد قصروا عن اللحاق بذلك الفارس الهمام ، والخبير العسكري الفذ
ويكفيه فخرا ما قاله عنه سيد الأنام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
"خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سلطه الله على المشركين"
رواه الحاكم و صححه الالباني

جزاك الله خيرا أخي / رينبو
ولازلنا معك متابعين

:)

لقد تابعت سيرته من كتب جنرالات الحرب والمؤرخين والمتأملين كالعقاد ..

وكلما توغلت أكثر زدت شوقا إلى الغوص أكثر ..
وكلما سحرتنى صفة إلا وجدت أجمل منها ..

وأجدنى مبهورا أشد الإبهار بكل ما قرأت وأنا أقرأ عن أسطورة لا حقيقة ..

مشاركة بليغة وأكثر من وافية معبرة أخى الوافى ..

كن على موعد ولقاء ..

محمد الحبشي 08-06-2008 06:39 AM

بنو مخزوم




كانت مخزوم كما أسلفنا من من أعرق قبائل قريش وأعلاها نسبا واشرفها وأغناها ، كان جد خالد المغيرة بن عبدالله الذى كان الرجل من مخزوم يؤثر أن ينسب إليه فيسمى المغيرة تشرفا بالإنتساب إلى الفرع الذى أناف على الأصول .

وكان أبوه الوليد بن المغيرة الملقب بالعدل والوحيد لأنه كان يكسو الكعبة وحده سنة وتكسوها قريش كلها كسوة مثلها سنة أخرى .

وكان عمه هشام قائد بنى مخزوم فى حرب الفجار وبوفاته أرخت قريش كما تؤرخ بالأحداث العظام ولم تقم سوقا بمكة ثلاثا لحزنها عليه .

وكان عمه الفاكه بن المغيرة من أكرم العرب فى زمانه ، له بيت للضيافة يأوى إليه من شاء بغير إستئذان .

وكان عمه أبو حنيفة أحد الأربعة الذين أخذوا بأطراف الرداء وحملوا فيه الحجر الأسود إلى موضعه من الكعبة كما أشار النبى عليه السلام قبل الدعوة الإسلامية ، أما الذى فض النزاع بين القبائل على هذا الشرف حين أذن التنافس بينها بالشر المستطير فهو عم آخر من أعمامه وهو أبو أمية بن المغيرة الملقب بزاد الراكب . فقد أشار عليهم أن يكلوا الحكم إلى أول داخل من باب المسجد ليختار من بينهم من يرفع الحجر إلى مكانه فارتضوا مشورته وتم الصواب والمشورة بتوفيق البشارة النبوية قبل إهلالها على العالم بسنين . ولقب أبو أمية بزاد الراكب لأنه كان يكفى اصحابه فى السفر مئونتهم فلا يتزودون بزاد .

كانت بنو مخزوم فى الثروة العدة والبأس أقوى البطون القرشية لكنهم لم يستأثرون بالزعامة لمنافستهم بنى هاشم وبنى أمية وبنى عبدالدار .

وقد تبينت رجاحتهم ايضا عندما إضطلعوا وحدهم ببناء ربع الكعبة بين الركنين الأسود واليمانى واشتركت قريش كلها فى بناء بقية الأركان .

لا جرم بعد كل هذا أن تأخذهم الأنفة والخنزوانة بينهم وبين عبد مناف حين تظهر النبوة فى هؤلاء ولا تظهر فيهم .

وقد أخذوها هذا المأخذ من الجد حين قال أبو جهل :" تنازعنا نحن وبنو عبد مناف ، أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تحازينا على الركب وكنا كفرسى رهان قالوا : منا نبى يأتيه الوحى من السماء .. فمتى ندرك هذه ؟ "

وكان الوليد يزعم أنه أحق الناس بالنبوة وكانت هذه الخنزوانة المخزومية عقبة فى طريق الدخول للدين الجديد وحذت بهم إلى تحدى الدعوة بشتى الطرق . ونزلت فيهم الكثير من الآيات وصفت ما كان من عنادهم وعتادهم ، فلم ينزل فى رؤساء قبيلة مثل ما نزل فى رؤساء هذه القبيلة ولم تتمثل منعة قوم كما تمثلت منعتهم فى ردود القرآن على أقوالهم ، وهى أقوى ردود عرفت فى السور المكية الأولى ومنها ما جاء فى سورة "ن" وسورة المدثروسورة الكافرون عدا إشارات أخرى فى سورة الحجر وعبس وتولى .

وكان أولئك فحواه شىء واحد وهو أن بنى مخزوم باءوا بأسباب المحافظة على القديم جميعا حين تصدى الإسلام لتبديل ذلك القديم فهم أول من يصاب بهذه الدعوة الجديدة وآخر من يلبيها .

بذل الوليد فى سبيل هذا كل ما فى وسعه وتكفى إشارة واحدة نرى فيها عمق القضية و تاريخ العداء الذى يتسم بالبقاء أو لا بقاء . لقد هان علي الوليد فى هذا السبيل كل شىء وبذل العزيزين : الولد والمال .

ذهبت الوفود وعلى رأسها الوليد لتشاطر النبى أموالها ، بل ذهب الوليد ليقدم تضحية هى الأغلى حينما عرض على أبى طالب ابنه عمارة مقابل محمد وكان عمارة شابا وسيما طويل القامة وقد وصفوه بأنه أنهد الفتيان وأشعرهم وأجملهم فى قريش .تضحية وإن دلت فإنما تشير إلى العداء الشديد المدفوع بشرف قبيلة وبأسها ونفوذها وسطوتها وهو كله عرضة للزوال إن نجحت الدعوة الناشئة .
وطبعا فقد قوبل عرضه بالرفض من عم النبى وقال لهم :" إنكم تريدون إعطائى ابنكم أطعمه وأربيه بينما أنتم تريدون محمدا لتقتلوه "




محمد الحبشي 08-06-2008 06:40 AM

خالد ومخزوم





ظهرت على خالد مخايل الفروسية منذ صباه الباكر إذ رشحه أبوه لقيادة الخيل ولم يكن أكبر أبنائه وقد أسلفنا أن بنى مخزوم كان لهم فى الجاهلية أمر القبة والأعنة فالقبة هى خيمة عظيمة يضربونها ليجمعوا فيها عدة القتال والأعنة هى الخيل وفرسانها .

كان خالدا طويلا بائن الطول وكان عظيم الجسد والهامة مهيب الطلعة ويميل إلى البياض .
وفى إشارتنا إلى قصة مصارعته لعمر فى الطفولة صغيرة تنبىء عن إدراكه المبكر بفنون الصراع والكفاح وعن قوته وشدته .

راض خالد نفسه على الخشونة فى البادية والصبر والتعود على الشظف ومع وفرة الأطعمة الحضرية فقد راض نفسه على أكل الضب وتعلم أن يشتهيه ويستسيغه كما تشتهيه الأعراب كما فى حديث ابن عباس عندما دخل خالد مع الرسول على خالته ميمونة بنت الحارث فقدمت إلى رسول الله لحم ضب جاءها مع قريبة لها من نجد وكان الرسول لا يأكل شيئا حتى يعلم ما هو فاتفق النسوة ألا يخبرنه حتى يرين كيف يتذوقه ويعرف إن ذاقه ، فلما سأل عنه وعلم به تركه وعافه فسأل خالد أحرام هو ؟ قال : لا ولكنه طعام ليس فى قومى فأجدنى أعافه " فأكل منه خالد .

ومثل هذه التربية لقائد من قواد الحرب نموذج يحتذى به فى المدارس العسكرية وحتى يومنا هذا ، وعلى سنتها كتب نابليون تقريره وهو طالب فى المدرسة الحربية يعيب على النظام يومها أنه يسمح لأبناء الأعيان بمعيشة الترف واستصحاب الخدم بين جدران المدرسة وهم أحرى بخدمة أنفسهم فى مدرسة يتعلمون فيها الصبر على شدائد الحروب .

أما عن أسرة خالد فقد تخللت فيها عوارض العبقرية تمثلت ذروتها فى خالد ، ولم تعفه العبقرية من ضريبتها التى لا مناص لها وآية ذلك أنه مات على فراشه فى نحو الخامسة والخمسين وليست هى بالسن الغالبة حينها فيمن يموتون بداء الشيخوخة من غير علة أخرى .

وذكر أن الوليد بن الوليد كان يروع فى منامه كما كان خالد نفسه يعانى الشىء نفسه عندما شكا إلى رسوال الله فقال له :" إن عفريتا من الجن يكيدك "

وبذلت هذه الأسرة الممتازة ضحيتها الكبرى فى شخص عمارة بن الوليد وعمارة هذا هو صاحب عمرو بن العاص فى رحلة الحبشة وكانا رسولين إلى النجاشى لتسليم المسلمين الهاربين إلى قريش . والقصة طويلة لا تعنينا إنما كان هو ضحية افتتانه بالمرأة ، وفى المقابل نرى خالدا لا تفتنه المرأة كما فتنت أخاه ولم تصرفه قط عن عبء من أعباء البطولة على أنه لامه أبو بكر وعمر فى موضعين والسبب إمرأة ، وسنأتى على ذكرهما فى مكانهما .

وقيل أنه فقد أربعين ولدا فى طاعون الشام ولما يجاوز الخمسين بكثير .

وظهرت هذه العوارض فى لون من ألوانها على أخيه الوليد ، فقد كان مع المشركين فى بدر وأسره المسلمون وعرضوا عليه الإسلام فأبى ولما ذهب خالد وافتداه وعاد به إلى أهله أعلن إسلامه فعجبوا لأمره وقالوا له هلا أسلمت قبل أن تفتدى ؟ فقال : كرهت أن يظن بى أننى جزعت من الأسار وصبر على التعذيب والحبس بين أهله حتى أفلت بعد جهد وحيلة ولحق بالنبى مشيا على قدميه .

هذه أيضا نفحة خالدية من نفحات تلك الأسرة القوية التى تأبى لخلائقها إلا أن تحير الناس وهى فى أطوارها المتباينة منجم العبقرية .

كانت أعمال النبى محور الأحاديث فى منزل الوليد ، فكان الوليد يجلس مع أولاده كل مساء يستعرضوا أحداث النهار وما تفعله قريش لصد محمد . وقد سمع خالد وإخوته أباهم وهو يصف ما تم بين وفد قريش الأول وبين أبى طالب وبعد عدة أسابيع إستمعوا إليه وهو يتحدث عن الوفد الثانى الذى باء كالأول بفشل محقق ، كما سمعه وهو يتحدث عن لقاءه بالنبى وإستماعه إلى كلامه وسمع وصفه له وإعجابه به ، ولا شك فقد ترك كل هذا أثرا فى نفسية خالد تبرز كلها إلى السطح فى لحظة ما .

بعد مغادرة النبى مكة بثلاثة أشهر ، إستدعى الوليد أبناءه وهو على فراش الموت وقال لهم :" أوصيكم بثلاثة أشياء ، الأول هو نزاعى مع خزاعة فاثأروا لى وأقسم بالله أننى أعلم أنهم ليسوا مذنبين لكننى أخشى أن تلاموا بعد اليوم .. أما الثانى فهو مالى لدى ثقيف فحصلوه ، والثالث هو أننى أستحق التعويض أو الدم من أبى أزيهر ، لقد تزوج هذا الرجل إبنة الوليد ثم تركها دون أن يعيدها إلى منزل والدها "

بعد أن أنهى الوليد وصيته لفظ أنفاسه الأخيرة ، ودفن بموكب مهيب يليق بزعيم كبير وابن شريف من قريش .

لقد أنهيت المشكلة الأولى بدون صعوبة تذكر حيث دفعت خزاعة الدية وأسدل الستار بدون عنف . أما المشكلة الثانية فقد ظلت معلقة لعدة سنوات بدون حل ، وأما الثالثة وهى النزاع مع إبنة الوليد فقد قرر هشام شقيق خالد أن لا يرضى بديلا عن دم أبى أزيهر وقد إنتظر أكثر من عام إلى أن واتته الفرصة ثم قتل هذا الرجل وتعقدت الأمور حتى تدخل ابو سفيان وعقد الصلح بين العائلتين .

لقد عاش خالد فترة هدوء فى مكة خلال السنوات التى تلت موت أبيه وتمتع بحياة هنيئة من جراء الثروة التى كان يملكها وسافر إلى سورية مع قافلة تجارية ووصل إلى مدينة بصرى ، هذه المدينة التى سيزحف إليها بعد عدة سنوات كهدف عسكرى .

إننا لا نعلم كم زوجة وكم ولدا كان لدى خالد فى هذا الوقت لكننا نعلم عن ولدين أكبرها يدعى سليمان وكان يكنى به والثانى وهو عبدالرحمن وسيأتى ذكره لاحقا كقائد عسكرى حقق شهرة فى فتوحات سورية .

مرت قريش بفترة هدوء عادت فيها التجارة إلى النشاط واستقر الأمر بعض الشىء حتى حدثت حادثة خطيرة أثارت القلق والتوتر بين قريش والمدينة وبات الأمر وشيكا على مواجهة عسكرية أولى .

محمد الحبشي 09-06-2008 09:00 AM

غزوة بدر





كان التاريخ على موعد آخر مع قوة ناشئة صغيرة ستولد من رحم الظلام لتغير ملامح الكون ولتبعث فيه الأمل والنور من جديد . لقد شهد الكون عبر تاريخه السحيق قوى الشر تدحرها قوى الخير إلا أن الأمر مختلف جد الإختلاف هذه المرة ، فلن تكون هذه اللحظة الوليدة باللحظة العابرة تدوم لوهلة من عمر الكون ، بل ستضع ملامحا ثابتة لا لجيل واحد بل لأمة بأسرها .

شهدنا فى التاريخ ما نسميه بالطفرات ، قوى النور تبدد قوى الظلام لكنها تلمع كالبرق لحظات وما تلبث أن تنمحى لتسيطر قوى الظلام مرة أخرى ولردح من الزمن وهكذا ، انتصر الإسكندر على الفرس وهم فى عدتهم أضعاف مضاعفة لكنه إنتصار عابر لم يكن من خلائق الإغريق فى كل زمان ، وسحق هانيبال قوات روما لكنها لحظات عابرة وهكذا تتجدد هذه اللحظات فى تاريخ كل أمة .

لكننا الآن على موعد مع حضارة جديدة وقوة جديدة ستضع ملامح لأمة من بعدها ستسير على نهجها وكأنها طبيعة وسجية فطرت عليها ، إنها أمة الإسلام . يخصنا منها الآن ملامحها العسكرية لأنها تتعلق بشكل أساسى ببطلنا الأسطورى . ستغير هذه الأمة مقاييس الحرب وعلى كل أمة ستلاقيها فى الميدان أن تعلم جيدا أن هناك مقاييس وحسابات أخرى عليها أن تدركها جيدا ، ألا تعتد بعددها وعدتها وحشودها . لأنها كلها على أرض الواقع لا تجدي نفعا ، ولأنهم بكل بساطة فى مواجهة مع جنود الله وحملة رسالته وأن أقصى ما يرجون هو الموت الذى يخشاه عدوهم . وأن شعارهم دائما وأبدا : " إحرص على الموت توهب لك الحياة " .

إن التاريخ عندما يتحدث عن النبى محمد يرى فيه الرجل الذى غير من تاريخ أمة ، نفض عنها أردية الجاهلية لتكتسى بالفضائل والأخلاق ، يرى فى شخصه النبى ، رجل السلام ، رجل السياسة .. لكن العسكريون فقط يدركون مدى براعته فى فن الحرب ، بل إن شئنا الصدق والدقة فهو يعد أبرع عسكرى فى التاريخ ، ولكن الحرب فى عقيدته ليست حرب المعتدى ولا ناهب الثروات ولا حرب الثأر ولا غيرها ، ولم تكن فنا يعشقه ، ولم تكن دائما خياره الأول على أنه قد حاول شتى الطرق لتجنب إراقة الدماء ، بل هى حرب للبقاء أولا والقضاء على كل خطر يهدد كيان أمته ، وحرب لإعلاء كلمة الله وتحطيم قوى الطغيان التى تحول بين حرية العقيدة وسلطان البشر ، فكم من أمة طاغية لا ترضى من يخالفها دينها لذا فللجميع هنا حرية الإختيار ، كانت حروب المسلمين تبدأ أولا برسالة إلى الخصم تدعوه إلى إحدى ثلاث : " الدخول فى دين الله غير مضطر ولا مجبر ولا مهان ، دفع الجزية وهى ضئيلة جدا لا ترهق إقتصاديات أمة ما بل على العكس إن حقوقا ينالونها بالمقابل تعد فائدة عظيمة جدا وخدمات لا حصر لها أولها هى الحماية والدفاع عنهم ضد أى خطر ، ثالثا تحكيم السيف " وفى كل حال كانت هناك مهلة ثلاثة أيام .

سنشهد عبقرية الرسول الحربية فى بدر وسنشهد ذروتها فى أحد بالرغم من هزيمة المسلمين وسنشهدها فى أكثر المواضع لكن سنفصلها كل فى موضعها .

لقد إبتهج كل شخص فى مكة بوصول القافلة من فلسطين . فقد كانت القافلة فى خطر كبير خلال الأيام القليلة التى مرت بها على طول الطريق الساحلى قرب المدينة ، وقد أوشكت أن تقع بيد المسلمين . ولكن بفضل مهارة وقيادة أبى سفيان للقافلة فقد أنقذت من الوقوع فى الأسر . وكانت القافلة تتألف من ألف بعير محملة ببضائع قيمتها خمسون ألف دينار ، وقد حقق أبو سفيان فى هذه القافلة ربحا مقداره 100% .

وبينما كان أهل مكة يرقصون ويغنون ، والتجار ينتظرون حصتهم فى الربح ، كان جيش قريش المنكسر يجر أذيال الخيبة والفشل فى طريقه إلى مكة . وكان هذا الجيش قد إندفع إستجابة لطلب النجدة من أبى سفيان عندما تحقق من خطر المسلمين المحدق به . وقبل أن يصل جيش قريش إلى مكان الإشتباك إستطاع أبو سفيان أن ينقذ القافلة وأرسل رسالة إلى قريش للعودة إلى مكة لزوال الخطر . لكن أبا جهل الذى كان يقود الجيش أدرك أنه لن يستفيد شيئا فى حال عودته وكان قد أمضى الـ 15 سنة الماضية فى معارضة مريرة مع النبى ، إذن فهو لن يسمح لهذه الفرصة أن تفوته . فبدلا من العودة تورط فى معركة مع المسلمين . وها هو الجيش المتشامخ يعود الآن إلى مكة وهو فى حالة من الذهول وذل الهزيمة .

وبينما كان جيش قريش فى طريقه إلى مكة منكسرا ، جاء مراسل منه على ظهر بعير سريع ، وعندما وصل هذا المراسل إلى تخوم مكة ، شق قميصه وأخذ يصرخ بصوت عال معلنا حدوث المأساة . فتجمع أهالى مكة حوله ليستفسروا منه عن أنباء المعركة . وبدؤوا يسألونه عن أبناءهم وأعزائهم فأخبرهم عن مصيرهم ، وكان بين الحاضرين أبو سفيان وزوجته هند .

لقد علمت هند من هذا المراسل عن أعزائها الذين فقدتهم وهم :
والدها عتبة الذى قتل على يدى علىّ وحمزة عم النبى ، وعمها شيبة على يدى حمزة ، وأخوها وليد على يدى علىّ ، وابنها حنظلة على يدى علىّ . فأقسمت على الإنتقام .

كانت أوامر النبى بالسيطرة على بئر الماء الوحيدة فى المنطقة عامل هام جدا إلى جانب الإستطلاع الدقيق للمسلمين فى تقدير قوة العدو ، لم تشهد بدر أى تكتيكات عسكرية فلم تكن قريش تشك للحظات فى نصر مؤكد فكان إساءة تقدير الخصم عامل خطير سيقصمها وسيقصم بعدها بعدة أعوام أكبر قوتين على وجه الأرض حين وقعتا فى الخطأ ذاته . ولم تكن قوة الفرسان فى قريش بالمؤثرة على إتباع أسلوب معين فكانت المعركة فى أرض مفتوحة .
مما أعطى ميزة لجيش المسلمين الصغير فى إستخدام سلاحه الأول و الخطير . كان المسلمون بارعون للغاية فى إستخدام السيف وكانت المواجهات الفردية تكاد تكون حاسمة لصالحهم ، ولهذه البراعة إلى جانب قوة العقيدة أكبر الأثر فى إنتصار المسلمين فى أغلب المواجهات رغم إنعدام التكافؤ العددى غالبا ويكاد يصل إلى أضعاف مضاعفة .
لقد كانت وقعة بدر أول صدام رئيسى بين المسلمين وأعدائهم إذ صمدت قوة صغيرة مؤلفة من 313 مسلما ، كالصخرة أمام غزو 1000 رجل من الكافرين . وبعد قتال عنيف دام 1 – 2 ساعة ، حطم المسلمون جيش قريش الذى فر بشكل فوضوى من ميدان المعركة وقد قتل أو أسر فى هذه الوقعة خيرة بنى قريش .

كما قتل سبعون مشركا ، وأسر سبعون آخرون على يد المسلمين الذين فقدوا 14 شهيدا فقط . وكان من بين قتلى المشركين 17 قتيلا من بنى مخزوم ، وكان معظمهم من أبناء عم وأبناء شقيقات خالد . كما قتل أبو جهل ، وأسر الوليد شقيق خالد .

وعندما أعلن المراسل أسماء القتلى ومن قتلهم ، لاحظت قريش تكرار إسمى حمزة وعلى . فقد قتل حمزة أربعة رجال واشترك مع على فى قتل أربعة آخرين . أما علىّ فقد قتل 18 رجلا بنفسه واشترك فى قتل أربعة آخرين . وهكذا فقد سيطر إسماهما على هذا الإجتماع الحزين . وكان أكثر المجتمعين هياجا وغضبا صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل .

وقد كان من الصعب كبح جماح عكرمة ، فأبوه كان له شرف قيادة الجيش فى بدر وقد قتل فى المعركة ، ووجد الإبن بعض العزاء والسلوى لكون أبيه قتل رجلا فى وقعة بدر كما أنه هو نفسه قتل آخر . لكن ذلك لم يكن كافيا ليطفىء تعطشه للإنتقام ، وتعهد الجميع فى هذا المؤتمر بالأخذ بالثأر . وسوف تجهز حملة لم تجهز مثلها فى من قبل فى مكة ، كما أن الربح الإجمالى ومقداره خمسون ألف دينار سوف يصرف على تمويل الحملة ، وانتخب أبو سفيان بالإجماع قائدا لجيش قريش .

إتخذ أبو سفيان قرارين : أولهما عدم البكاء حتى الأخذ بالثأر ، والثانى يتعلق بالأسرى لدى المسلمين ، فقد أمر بعدم بذل الجهود لإطلاق سراحهم خوفا من أن يؤدى ذلك إلى طلب الثمن من قبل المسلمين . ومع ذلك فإن هذا القرار لم ينفذ من الجميع إذ غادر بعضهم ليلا لدفع فدية أبيه وعندما علم الناس بذلك بادروا فورا إلى دفع الفدية وإطلاق سراح ذويهم واضطر أبو سفيان إلى إلغاء القرار .

إن خالد لم يشترك فى غزوة بدر بسبب غيابه آنذاك عن الحجاز ، لكنه عاد ليفدى أخيه الوليد ولما تم فداؤه وعاد به أعلن أخيه إسلامه وغادر إلى المدينه وأصبح من المقربين إلى الرسول ، لكن على الرغم من إعتناقه الإسلام ، فقد ظلت علاقاته مع أخيه خالد قوية وحميمة .

كان هناك عامل آخر قد دفع قريش إلى حرب المسلمين ، وهو عامل إقتصادى . فالمحور الرئيسى الذى كانت تسلكه قوافل قريش وهى ذاهبة إلى سورية وفلسطين يقع على الطريق الرئيسى الذى لم يعد مفتوحا أمامها بعد غزوة بدر ، وبعد حين لمس صفوان بن أمية الحاجة إلى مزيد من التجارة فأرسل قافلة بإتجاه سوريا على محور آخر ظنه آمنا . وغادرت القافلة على الطريق المؤدى إلى العراق وبعد أن سارت مسافة ما إتجهت شمال غرب نحو سورية ، وبعد أن اجتازت المدينة إعتقد صفوان أنها أصبحت فى أمان . لكن النبى علم بأمرها وأرسل زيد بن حارثة على رأس مائة رجل لأسرها وقد تم له ذلك .

بدأ الآن الإعداد للحملة بحماس كبير ، وأثناء ذلك ، جاء رجل غير مؤمن إلى أبى سفيان ومعه إقتراح . كان هذا الرجل يدعى أبو عامر من المدينة . وقد إعترض على وصول النبى إلى المدينة وعلى السرعة التى إعتنق فيها أفراد عشيرته "الأوس" الإسلام .كان أبو عامر يسمى فى الجاهلية بـ "الراهب" لكن النبى سماه بالفاسق وهكذا عرفه المسلمون بإسم : "أبو عامر الفاسق" .

قال لأبى سفيان : يوجد معى خمسون رجلا من عشيرتى . ولى نفوذ كبير على عشيرتى الأوس . وأننى أقترح عليك أن أخاطب الأوس بين المسلمين قبل أن تبدأ المعركة وإننى على يقين بأنهم سيهجرون محمدا وينضمون إلى جانبى . فقبل أبو سفيان هذا الإقتراح بسرور حيث أن الأوس يشكلون تقريبا ثلث جيش المسلمين .

بدأ التفاوض مع القبائل المجاورة ، وأخذت الإمدادات تصل من كنانة وثقيف . وفى هذه الأثناء كتب العباس عم النبى رسالة إلى الرسول يعلمه فيها بالإستعدادات التى تحضر ضده .

وبات الأمر وشيكا على مواجهة عسكرية ثانية ليست كالأولى ، بل ستكون أكثر منها شراسة ودموية ، مواجهة ستشهد براعة عسكرية من كلا الجانبين سيبدأ معها إسم بطلنا فى الظهور ، هذه المرة ، سيكتبه التاريخ فى قائمة أبطال الحرب و سيسجل فى خانته :

" بطل لم يخسر معركة قط " .

الشــــامخه 10-06-2008 12:43 AM


(الحمد لله الذي هداك يا خالد ، فلقد كنت أرى لك عقلاً ، ورجوت ألا يسلمك إلا لخير)
بطل اغنى التاريخ الاسلامي ببطولات ساهمت في قلب موازين العالم بزمانه
بفكره وحكمته وقوة ايمانه وسموه عن كل مظااهر الحياة،،بطولات لازالت محفورة
ومحفوظه في العقول والقلوب دروس وعبر باسمى المعاني..



جزاك الله عنا كل خير على المجهود المبارك..
اسال الله ان يجعله فى ميزان حسناتك..


محمد الحبشي 12-06-2008 07:34 AM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة الشــــامخه

(الحمد لله الذي هداك يا خالد ، فلقد كنت أرى لك عقلاً ، ورجوت ألا يسلمك إلا لخير)
بطل اغنى التاريخ الاسلامي ببطولات ساهمت في قلب موازين العالم بزمانه
بفكره وحكمته وقوة ايمانه وسموه عن كل مظااهر الحياة،،بطولات لازالت محفورة
ومحفوظه في العقول والقلوب دروس وعبر باسمى المعاني..



جزاك الله عنا كل خير على المجهود المبارك..
اسال الله ان يجعله فى ميزان حسناتك..


أسطورة صنعتها الصحراء ،، لم يذهب إلى أكاديمية عسكرية ولم تكن لأمته تاريخ عسكرى كالروم أو الفرس ..
لم يزل يذهل خبراء الحرب والغربيون تحديدا منهم
ولكن لما العجب ..

أيرى العجم من بنى الظل والمــا ** ءِ عجيبا أن تنجب البيداءُ

بعد بحث طويل ، ومقارنة بين كل العسكريين فى فن الحرب

لم أجد سوى هذا اللقب " أسطورة الحرب"

الشامخة ..

مودتى وتقديرى



محمد الحبشي 12-06-2008 07:45 AM

غزوة أحد





فى الأسبوع الثانى من آذار ، إنطلق جيش قريش المؤلف من 3000 رجل منهم 700 دارع وكان معهم 3000 بعير و200 فرس . وقد سارت مع الجيش 15 إمرأة قرشية فى هوادج وكانت مهمتهن تذكير قريش بأبناءها القتلى فى بدر ورفع معنوياتهم . وكانت هند بينهن وهى بمثابة قائدة لهن وكان الدور يلائمها تماما .

وعندما كانت الحملة بإتجاه المدينة ، قال أحد قادة قريش وهو جبير بن مطعم لعبده الملقب بـ"الوحشى" (وحشى بن حرب) :
"فإن أنت قتلت عم محمد بعمى طعيمة بن عدى فأنت عتيق"
رحب الوحشى بهذا العرض ، وكان هذا العبد الحبشى الأسود ضخم الجثة ، وكان يقذف بمذراق له جلبه معه من موطنه بإفريقيا ، وكان ماهرا جدا فى إستخدام هذا السلاح ولم يخطىء الإصابة قط .

وبعد أن سارت الحملة مسافة اخرى ، رأى الوحشى أحد الجمال التى تحمل الهوادج تسير بجانبه . وقد نظرت إليه هند من الهودج وقالت له :
"يا أبا السواد ، عش وخذ مكافأتك"
لقد وعدته بأن تعطيه جميع المجوهرات والحلى التى تتزين بها إذا إستطاع أن يقتل حمزة إنتقاما لقتل أبيها .

لقد حُذر النبى من قبل العباس بإستعدادات قريش قبل أن يبرحوا مكة ، وبينما كانوا فى طريقهم إلى المدينة ، كانت الأنباء تصل إلى المدينة عن تقدمهم بواسطة القبائل الصديقة . وفى العشرين من آذار ، وصل القرشيون إلى قرب المدينة وعسكروا على بعد بضعة أميال منها فى منطقة تكثر بها الأشجار غرب جبل أحد . وفى هذا اليوم بالذات ، أرسل النبى الكشافين لرصد القرشيين وقد عاد الكشافان وأعطيا تقريرا عن القوة الحقيقية لهم .

وفى الحادى والعشرين من آذار ، غادر النبى المدينة ومعه ألف رجل منهم مائة دارع . ولم يكن مع النبى من الخيل سوى فرسه وفرس أبى بردة ابن دينار الحارثى . وقد عسكروا لقضاء الليل قرب تل صغير اسود يدعى "الشيخين" وهو يقع إلى الشمال من المدينة على بعد ميل ونيف .

وفى صباح اليوم التالى ، وقبل إستئناف المسير ، ترك المنافقون وتعدادهم 300 رجل بإمرة عبدالله بن أبى النبىّ بحجة أن قتال القرشيين خارج المدينة لن يُكتب له النجاح وعادوا إلى المدينة وبقى مع النبى 700 رجل وسار بهذه القوة من المعسكر . وفى الحقيقة لم تكن للنبى رغبة فى القتال خارج المدينة وقد اراد أن ينتظر القرشيون داخل المدينة ليقاتلهم فيها ، لكن المسلمين أصروا على الخروج لذا فإن النبى ، نزولا على رغبتهم ، سار لملاقاة جيش قريش خارج المدينة .
لكن وبالرغم من خروجه لملاقاة أعدائه فى أرض مفتوحة إلا أنه هو الذى إختار أرض المعركة بعبقرية عسكرية ، وتقدم إلى سفح جبل أحد وفتح قواته بتشكيل المعركة .

إن أحد هى عبارة عن هضبة طبيعية كبيرة تقع شمال المدينة على مسافة أربعة أميال (أعتبر مسجد النبى كنقطة إنطلاق من المدينة) ، وترتفع على علو 1000 قدم عن مستوى السهل المحيط بها . ويبلغ طول هذه الهيئة الطبيعية 5 أميال . وفى الجزء الغربى من أحد يوجد بروز كبير يهبط بإنحدار شديد نحو السهل ، كما يوجد إلى يمين هذا البروز وادى يرتفع بشكل طفيف ويضيق وهو يبتعد حتى يصل إلى مضيق يبعد 1000 متر عن نهاية البروز .

وفى مدخل الوادى ، وضع النبى جيشه بحيث كان الوادى خلفه .

لقد نظم المسلمين فى تشكيل متلاحم تبلغ جبهته 1000 ياردة . ووضع جناحه الأيمن عند سفح تل صغير يبلغ إرتفاعه 40 قدما وطوله 500 قدما ، ويسمى "عينين" . كانت ميمنة المسلمين مؤمنة ، لكن ميسرتهم يمكن الإلتفاف حولها من وراء تل "عينين" ولمواجهة هذا الخطر ، وضع النبى 50 راميا على تل عينين بحيث يسيطرون على طرق الإقتراب التى قد يناور منها القرشيون للوصول إلى مؤخرة المسلمين . أعطى النبى تعليماته المشددة إلى قائد الرماة "عبدالله بن جبير" فقال :
"إنضح الخيل عنا بالنبل ، لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نؤتينّ من قبلك"

لقد كانت الأوامر الصادرة إلى الرماة محددة بشكل دقيق . فبما أن عينين كانت هضبة طبيعية هامة ومسيطرة تماما على المنطقة المحيطة بها ، كان من المحتم التأكد على ضرورة عدم سقوطها فى يد قريش .

وقفت 14 إمرأة وراء جيش المسلمين وكانت مهمتهن تقديم الماء للعطشى وحمل الجرحى خارج المعركة وتضميد جروحهم ، وكان من بين أولئك النساء فاطمة بنت الرسول وزوج علىّ . وقد إتخذ الرسول موقعه مع الجناح الأيسر لجيشه .

وكانت تراتيب قتال المسلمين تهدف إلى الدخول فى معركة جبهية موضعية وقد تم إستيعابها بشكل جيد . كذلك فإن هذه التراتيب أنقذتهم من الأخطار التى سيتعرضون لها بسبب قوة القرشيين العددية وسلاح الفرسان الذى يشكل جناح المناورة الخطير الذى يفتقده المسلمون تماما .

لقد كان الموقف يلائم أبا سفيان لكى يخوض معركة فى أرض مفتوحة بحيث يستطيع المناورة ضد مجنبات المسلمين ومؤخرتهم بواسطة الخيالة ثم يركز قوته ويهاجم . لكن النبى أحبط خطته وأجبره على القتال فى جبهة محددة بحيث يصبح تفوقه العددى وقوته بالفرسان ذات قيمة محدودة .

وهناك نقطة تستحق الملاحظة وهى أن المسلمين يواجهون فعليا المدينة وجبل أحد خلفهم ، والطريق إلى المدينة مفتوحا أمام المشركين .

لكن كان هذا تكتيك بارع سيأتى تفصيله .

http://www7.0zz0.com/2008/06/12/04/283689556.jpg

http://www7.0zz0.com/2008/06/12/04/230399114.jpg

وهنا موقع خريطة أحد بصورة حية اليوم ..
(يمكنك الإقتراب والإبتعاد بواسطة عجلة الماوس)

موقع غزوة أحد


محمد الحبشي 13-06-2008 09:30 PM

تحرك القرشيون الآن ، وأقاموا معسكرا للمعركة على بعد ميل جنوب البروز . ومن هنا قاد أبو سفيان جيشه إلى الأمام وشكله بترتيب قتال يواجه المسلمين . وكان ترتيب القتال يتألف من قوة رئيسية من المشاة فى الوسط ومن جناحين متحركين . لقد كان خالد على الجناح الأيمن ، وعكرمة على الجناح الأيسر وقد عزز كل منهما بسرية خيالة تتألف من 100 محارب . وقد عُين عمرو بن العاص مسؤولا عن جميع الخيالة ، لكن عمله الرئيسى كان تنسيق التعاون .

لقد وضع أبو سفيان 100 نبال على الصف الأمامى من أجل الإشتباك الأول . وكان يحمل علم قريش طلحة بن أبى طلحة وهو أحد الذين ظلوا على قيد الحياة بعد غزوة بدر . وهكذا إنتشر المشركون وظهرهم إلى المدينة بحيث يواجهون المسلمين وكذلك جبل أحد . وفى الحقيقة فقد كانوا بين جيش المسلمين وقاعدته فى المدينة كما ذكرنا .

وقفت هند خلف جيش قريش تحمس النساء وتنشد قولها :
"ويها بنى عبدالدار ** ويها حماة الأديار ** ضربا بكل بتار"
" نحن بنات طارق ** إن تقبلوا نعانق ** ونفرش النمارق ** أو تدبروا نفارق ** فراق غير وامق"

فى صباح يوم السبت الواقع فى الثانى والعشرين من آذار عام 625 م ، بعد عام وأسبوع من غزوة بدر ، تقابل الجيشان فى صفوف منتظمة . 700 مسلم مقابل 3000 من المشركين . وكانت هذه هى أول مرة يتولى فيها ابو سفيان قيادة ميدانية ضد النبى .

كان أول حادث بعد إصطفاف الجيشين هو محاولة الفاسق لتأليب الأوس ، فقد تقدم أمام جيش قريش وخلفه اتباعه الخمسون واتجه صوب الأوس قائلا : "يا بنى الأوس ، أنا أبو عامر وأنتم تعرفوننى" وكان رد الأوس بالإجماع : "فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق" وأتبعوا إجابتهم هذه برشقة من الحجارة إنهالت على الفاسق وأتباعه مما جعلهم ينسحبون بسرعة إلى صفوف قريش .

بعد فشل الفاسق فى التأثير على الأوس ، إنطلق النبالة من الجانبين يتراشقون ، وكان هذا الإجراء بمثابة مبارزة فى المدفعية بين نبالة قريش المائة ونبالة المسلمين المنتشرين على طول الصف الأمامى أو فى عينين . وتقدم خالد تحت تغطية نبالة قريش لمهاجمة الجناح الأيسر للمسلمين لكنه أُجبر على التراجع تحت رشقات نبالة المسلمين الدقيقة .

ثم بدأت المرحلة الثانية بمبارزات بين أبطال الجيشين ، فخرج طلحة حامل لواء قريش وتصدى له علىّ . وقبل أن يتمكن طلحة من توجيه أية ضربه ، ضربه علىّ بسيفه وطرحه أرضا فأصيب بجرح فقط ، وغندما رفع علىّ سيفه ليضربه ثانية طلب طلحة الرحمة ، وعاد علىّ ثانية إلى جيش المسلمين . وعلى أية حال فقد قُتل طلحة أثناء سير المعركة .

تقدم رجل آخر وحمل راية قريش إلا أنه سقط على يد حمزة . ولما قتله حمزة ، شاهد الوحشى الذى كان يقف خلف صفوف قريش عملية القتل فبدأ يسير خلسة نحو اليمين لكى يقترب من جنب حمزة وكان من السهل تمييز حمزة بواسطة ريشة نعامة كبيرة وضعها على عمامته .

أصبحت المبارزات الآن أكثر إنتشارا ، وكان أقرباء طلحة يلتقطون الراية واحدا تلو الآخر ويصرعون الواحد تلو الآخر على يد المسلمين . وسقط أكبر عدد من القتلى بسيف علىّ . كما أن أبا سفيان خرج للمبارزة ايضا وتقابل مع حنظلة بن أبى عمير مترجلا وقبل أن يتمكن أبو سفيان من إستلال سيفه أو إستخدام رمحه ، ضرب حنظلة القائمتين الأماميتين لحصانه فسقط ارضا ، فصرخ ابو سفيان طالبا النجدة وجاء أحد رجاله واشتبك مع حنظلة وقتله ، وانسحب أبو سفيان بسرعة إلى صفوف قريش .

هنا حدث موقف خطير ..
خرج محارب آخر من صفوف قريش ، إنه عبدالرحمن بن ابى بكر خرج طلبا للمبارزة ،، فاستل أبوه أبو بكر سيفه واستعد للخروج لملاقاته ، لكن النبى أوقفه وقال له :" أعد سيفك إلى غمده "
وفيما بعد ، أصبح عبدالرحمن هذا واحدا من أشجع المحاربين المسلمين وذاعت شهرته فى حملات المسلمين فى سورية .

بعد المبارزات مباشرة ، عمّ القتال والتحم الجيشان . كان المسلمون يتفوقون بالشجاعة ومهارة القتال بالسيف لكن هذا لم يجدى نفعا أمام التفوق العددى لقريش ، وعندما إشتد القتال قام خالد بهجمة اخرى باتجاه الجناح الأيسر للمسلمين (موقع النبى) ، لكنه رد على اعقابه مرة أخرى بواسطة نبالة المسلمين فى عينين .

واشترك النبى بالقتال شخصيا بإطلاق النبال على القوة الرئيسية لقريش ، ووقف بجانبه سعد بن أبى وقاص (وكانت مهمته صناعة السهام) ، وكان من خيرة النبالة فى عصره ، كان النبى يدل سعد على الأهداف وكان سعد يحقق إصابات مؤكدة .

كان حمزة يقاتل قرب الطرف الأيسر لقوات المسلمين ، كان قد قتل حتى هذا الوقت رجلين وإقترب منه ثالث ويدعى سباع بن عبد العزى وبينما كان حمزة وسباع يتبارزان ، إقترب الوحشى ، الذى كان يزحف خلف الصخور والشجيرات ، من حمزة . رهب واقفا بعد أن قدر المسافة بينه وبين ضحيته ورفع مزراقه إستعدادا لقذفه . وفى هذه الأثناء كان حمزة يوجه ضربة قاتلة إلى سباع الذى سقط جثة هامدة . وفى هذه اللحظة ، قذف الوحشى مزراقه على حمزة فأصابه فى بطنه واخترق المزراق جسده . فالتقت حمزة نحو الوحشى وأخذ يزمجر بغضب ثم تقدم نحوه . وعندما شاهد الوحشى ، الذى كان يختبىء وراء صخرة كبيرة ، حمزة متقدما نحوه ، أخذت فرائصه ترتعد ، لكن حمزة لم يستطيع التقدم سوى بضع خطوات سقط بعدها على الأرض .

إنتظر الوحشى حتى خمدت أنفاس حمزة نهائيا ، ثم تقدم نحو جسده وانتزع المزراق منه ، وانسحب من ساحة المعركة فقد إنتهت مهمته . وخاض الوحشى فى حياته عدة معارك لكنها لا تعادل المعركة التى خاضها ضد حمزة "أسد الله وأسد نبيه" .

بعد استشهاد حمزة ، بدأ جيش قريش يتقهقر تحت ضغط هجوم المسلمين . وبينما كان العديد من حاملى راية قريش يلاقون حتفهم أو يصابون بجراح ، حُملت رايتهم من قبل عبد استمر فى القتال حتى قتل وسقطت مرة أخرى وفر المشركون بشكل فوضوى .

دبّ الفزع فى صفوف القرشيين الآن . وبدأ المسلمون فى مطاردة فلولهم التى فرت بسرعة أمامهم ، وأخذت نساء قريش بالعويل عندما شاهدن ما حل برجالهن ، وأسرعن بالفرار أيضا باستثناء "عَمرة" التى بقيت واقفة حيث هى خلف خط المعركة الرئيسى للقرشيين .

انقض المسلمون على معسكر قريش وبدؤا بنهبه . وكانت الفوضى على أشدها فى المخيم ، وبينما كان المسلمون فرحين بالنصر غانمين ما فى مخيم قريش ، إنعدم النظام ، وفقدت السيطرة لأن المسلمين شعروا بأنهم كسبوا المعركة ، وكانت خسائر القرشيين طفيفة ، إلا أنهم انهزموا بشكل واضح وبدا أن غزوة أحد قد إنتهت ،

لكنها لم تنته بعد .

maher 16-06-2008 06:10 PM

تصدق بالحبيب هذه ثالث مرة أقرء الموضوع و لم أمل من قرائته :):)

مع كل رد تدرجه أرجع لأقرء كل الموضوع تقريبا


رضي الله عنه و أرضاه

و يا ليتك تكمل معه

و بالمرة تجيب سيرة الدكتور لكتور :tng: :):)



محى الدين 19-06-2008 01:40 PM

الغريب أخى قوس المطر ان ما نملكه من تاريخ حافل باساطير الرجال
ندر جدا ان نجد له تمثيل على الواقع!
السينما الامريكية تختلق العظماء لتجعل منهم نماذج وقدوة و نحن لدينا فعلا
عظماء الرجال و لا نجد منتج واحد من اصحاب الاموال التى ينفقها يمينا و شمالا على الفيديو كليبات ينتج لنا فيلما عن امثال خالد رضى الله عنه
هل معقول ان كل هؤلاء الذين يملكون المليارات يبخلون على فيلم واحد يذكر العالم كله بهؤلاء الرجال..!!
فعلها المنتج و المخرج مصطفى العقاد و انتج لنا فيلم عمر المختار فكان نبراسا لجيل كامل من الشباب حتى اننا و نحن مراهقون فى مقتبل الشباب كلما اردنا ان نمزح فيما بيننا كنا نقول لبعضنا " أنت هتعملنا عمر المختار"..
هذا التاريخ الحافل بسير رجال عظماء لو استطعنا توصيل سيرتهم للعالم لكان لنا شأن آخر و لاستطعنا ان نعرف العالم بعظماءنا بدلا من ان لا يعرفونا سوى بارهابينا
و لنشرنا أخلاق الاسلام باسلوب يفهمه الغرب الذى ينتج الافلام عن ابطال لا يصلوا
لدرجة ابطالنا العظماء الذين سادوا العالم بخلقهم و شجاعتهم
مجهود مبارك أخى محمد
جزاك الله خيرا

محمد الحبشي 29-07-2008 03:51 PM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة maher
تصدق بالحبيب هذه ثالث مرة أقرء الموضوع و لم أمل من قرائته :):)

مع كل رد تدرجه أرجع لأقرء كل الموضوع تقريبا


رضي الله عنه و أرضاه

و يا ليتك تكمل معه

و بالمرة تجيب سيرة الدكتور لكتور :tng: :):)



قرأت أنا كتاب :
سيف الله
للجنرال الباكستانى أ.أكرم

والكتاب حجمه كبير لكنى قرأته أكثر من مرتين من فرط ذهولى

ومنه أنقل أغلب النقل هنا

وهانيبال أو حنا بعل على وشك الإنتهاء

أين أنت .. اشتقت لك


محمد الحبشي 30-07-2008 10:10 AM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة محى الدين
الغريب أخى قوس المطر ان ما نملكه من تاريخ حافل باساطير الرجال
ندر جدا ان نجد له تمثيل على الواقع!
السينما الامريكية تختلق العظماء لتجعل منهم نماذج وقدوة و نحن لدينا فعلا
عظماء الرجال و لا نجد منتج واحد من اصحاب الاموال التى ينفقها يمينا و شمالا على الفيديو كليبات ينتج لنا فيلما عن امثال خالد رضى الله عنه
هل معقول ان كل هؤلاء الذين يملكون المليارات يبخلون على فيلم واحد يذكر العالم كله بهؤلاء الرجال..!!
فعلها المنتج و المخرج مصطفى العقاد و انتج لنا فيلم عمر المختار فكان نبراسا لجيل كامل من الشباب حتى اننا و نحن مراهقون فى مقتبل الشباب كلما اردنا ان نمزح فيما بيننا كنا نقول لبعضنا " أنت هتعملنا عمر المختار"..
هذا التاريخ الحافل بسير رجال عظماء لو استطعنا توصيل سيرتهم للعالم لكان لنا شأن آخر و لاستطعنا ان نعرف العالم بعظماءنا بدلا من ان لا يعرفونا سوى بارهابينا
و لنشرنا أخلاق الاسلام باسلوب يفهمه الغرب الذى ينتج الافلام عن ابطال لا يصلوا
لدرجة ابطالنا العظماء الذين سادوا العالم بخلقهم و شجاعتهم
مجهود مبارك أخى محمد
جزاك الله خيرا

صدقت أيها الحبيب

تخيل صديق لى قتلنى مرة من الضحك ..
يظننى اعيش فى الصحراء واركب الجمال واعيش بين الخيام ..
هذه الصورة التى يعرفها الغرب عن العربىّ ..
شخص بسيط ساذج لا يعرف عن العلم شىء ..
هذه صورة لم نغيرها لدى الآخرين ولم نحاول حتى ..

كان عمر المختار ومصطفى العقاد هو انطلاقة ثورة لم تستمر للأسف .. كان عمر المختار حينما يعرض تتجمع كل العائلة وانا طفل تعرفت على هذا البطل المجاهد وكنت دائما ابكى آخر كل مشهد ..

نحن لا نملك صناعة سينما ترقى لهذا البطل خالد فالسينما لدينا فقيرة فوق الوصف ..
فسيكون خالد فى اسوأ صورة وسيكون هناك فتاة يحبها وستكون مهزلة لا توصف ..
وحتى الهدف الرئيسى لعمل كهذا سيكون الربح ولن يحققوا منه شيئا .. فى حين أن الغرب سيصنع من قصة كهذه ملحمة تتصدر القلوب والإيرادات ايضا ..

إن العبقرية سمة من سمات خالد ..
بل إنها عبقرية فذة نرى ملامح منها فى عبقرية العقاد عنه ..

محى الدين ..
اشتقنا لك وبورك قلمك المعطاء


محمد الحبشي 30-07-2008 10:14 AM

عندما كان المسلمون يطاردون القرشيين ويدخلون مخيمهم ، كان الجناحان المتحركان لقريش يقفان بثبات . وتحرك خالد وعكرمة إلى الوراء قليلا من مواقعهما السابقة لكنهما كانا مسيطران تماما على رجالهما ، ولم يسمحا لأى فارس بالتراجع . شاهد خالد الفوضى التى حدثت أمامه ، رأى القرشيين وهم ينهزمون ، وشاهد المسلمين يتقدمون ، كما رأى النبّالة فى عينين .
لم يعرف خالد ماذا يفعل تماما ، لكنه كان متحليا بالصبر بدرجة كبيرة منتظرا فرصة مواتية وخطأ صغير يتصرف على ضوءه ، وسرعان ما واتته هذه الفرصة .

عندما رأى النبّالة الموجودون فى عينين هزيمة قريش ووصول المسلمين إلى مخيمهم ، أصبحوا متشوقين للغنائم وكان المخيم مغريا . فالتفتوا إلى قائدهم عبدالله بن جبير وطلبوا منه الإذن بالإنضمام إلى رفاقهم فى المعسكر القرشىّ لكنه كان حازما فى رفضه ، ورغم احتجاجات قائدهم إلا أنهم خالفوا أوامره بحجة ان رسول الله لم يقصد بقاءهم فى حالة الفوز والنصر وأن المعركة بالفعل قد انتهت . وبقى عبدالله على التل ومعه تسعة من النبالة ، لاحظ خالد تحرك النبالة فلمعت عيناه وانتظر حتى وصولهم إلى مخيم قريش .

بدأ خالد ضربته ، فشن هجوما بالخيالة على الرماة الباقين على التل بهدف الإستيلاء على موقعهم ليتسنى له القيام بالمناورة . وعندما رأى عكرمة تحرك خالد أسرع باجتياز السهل بفرقته للإنضمام إلى سريّة خالد .
قاوم النبالة المخلصون الذين بقوا على التل ببسالة واستشهد بعضهم وجرح الباقون . أما عبدالله بن جبير فقد دافع عن الموقع حتى النهاية وأصيب بعدة جروح وقتل على يدى عكرمة .
تقدمت سرية خالد وفى إثرها سرية عكرمة إلى الأمام ووصلت إلى خلف الخط الذى كان بيد المسلمين منذ ساعة ، ومن هنا هاجمت السريتان من الخلف . هاجم عكرمة بجزء من سريّته النبى ومجموعته فى حين هاجم خالد بسريته والمجموعة المتبقية من سرية عكرمة المسلمين الموجودين فى مخيم قريش .
وكانت مفاجأة مذهلة .

http://img516.imageshack.us/img516/4540/uhodch0.png

عندما وصلت خيّالة خالد إلى خط المسلمين الخلفى فى مخيم قريش دب الهرج والفوضى فى صفوف المسلمين . وفقد عدد منهم صوابه وبدأ فى الفرار ، أما معظمهم فقد صمدوا للقتال .
وطالما أن النبىّ حىّ فلن يقرّ هؤلاء بالهزيمة ابدا .

هنا التقطت "عمرة" راية قريش ورفعتها عاليا وأخذت تلوح بها من فوق راسها لكى تراها القوة الرئيسية لقريش . وفى هذا الوقت استطاع ابو سفيان السيطرة على معظم المشاة وبعد ان رأى راية قريش مرتفعة من جديد اندفع بمشاته إلى قلب المعركة .

وقع المسلمون الآن بين نارين ، فخيالة قريش تهاجم من المؤخرة والكتلة الرئيسية من المشاة تهاجم من الأمام . واندفع ابو سفيان نفسه إلى المعركة وقتل مسلما .

أصبح الموقف ميئوسا منه بالنسبة للمسلمين الذين تفرقوا إلى مجموعات صغيرة تقاتل كل واحدة منها على هواها لصد هجمات المشاة والخيالة معا . ازدادت الفوضى حتى إن بعض المسلمين بدؤا يقاتلون بعضهم من كثرة الغبار . ومع ذلك فإن الذعر لم يدب فى الصفوف حتى هذه اللحظة .
بدأت الخسائر تزداد فى صفوف المسلمين الصامدين الذين قرروا القتال حتى الموت . فى هذا الوقت قتل خالد أول رجل "أبو عسيرة" برمحه وألقى برجل آخر على الأرض وظن أنه قد مات ، وتابع تقدمه على حصانه إلا أن هذا الرجل نهض ثانية واستأنف قتاله ضد القرشيين .

إنقسمت المعركة الآن إلى قسمين منفصلين ، فالقوة الرئيسية من المسلمين كانت تقاتل ضد القوة الرئيسية لقريش . وكانت هنالك مجموعة اخرى من المسلمين تقاتل مع النبىّ جزءا من سرية عكرمة وبعض المشاة الذين انضموا من جيش قريش الرئيسى .

عندما ترك المسلمون مواقعهم لمطاردة قريش بقى النبى فى مكانه وكان معه ثلاثون رجلا من اصحابه الذين لازموه ورفضوا إغراء السلب والنهب وكان منهم :
أبو بكر ، سعد بن أبى وقاص ، علىّ ، طلحة بن عبيدالله ، أبو عبيدة بن الجراح ، عبدالرحمن بن عوف ، أبو دجانة ، مصعب بن عمير ، وامرأتان كانت تحملان الماء انضمتا إلى مجموعة النبى الآن .

عندما إستولى خالد على هضبة عينين ، أدرك النبىّ مدى خطورة الموقف ولم يستطع أن يفعل شيئا للسيطرة على قوة المسلمين الرئيسية لكونها بعيدة عنه (قلنا أن القوة الرئيسية فى مخيم قريش) وأيقن أن مجموعته سوف تُهاجم سريعا . وكان موقعها الحالىّ غير مؤمّن لذا قرر التحرك إلى سفح البروز الكائن خلفه مباشرة .
وعندما قطع النبى مع مجموعته ربع ميل فقط وجد عكرمة وسريته يسد عليه الطريق وقرر النبى الوقوف والإلتحام وهنا وصلت مجموعة جديدة من مشاة قريش لمهاجمة النبى ّ .

وجدت مجموعة النبىّ نفسها تُهاجم من الأمام ومن الخلف فشكل المسلمون سياجا حول الرسول للدفاع عنه وبدأ القتال يحتدم تدريجيا واستخدم النبىّ قوسه حتى انكسر . بعد ذلك استخدم سهامه لتعزيز جعبة سعد الذى سبب كثيرا من المشاكل للقرشيين بسبب دقته فى الرماية ، أخذ كل مسلم على عاتقه قنال من 3 – 4 رجال فإما أن يستشهد أو يرد خصومه إلى الخلف .

كان عكرمة أول القرشيين الذين وصلوا إلى موقع النبى ، وبينما كان عكرمة يقود مجموعة من رجاله إلى الأمام نظر النبى إلى علىّ وقال له : "هاجم أولئك الرجال" فهاجمهم علىّ وطردهم بعد ان قتل منهم واحدا . واقتربت مجموعة أخرى من الخيّالة من موقع النبىّ فقال النبىّ لعلىّ مرة ثانية :"هاجم هؤلاء الرجال" ومرة أخرى يهاجم علىّ ويطردهم للخلف ويقتل منهم مشركا .

وعندما اشتدت حدة القتال ، بدأ القرشيون يلقون بالسهام والحجارة على مجموعة النبىّ . وقف أبو دجانة أمام النبى ليدرأ عنه السهام وظهره إلى مشاة قريش حيث كانت تأتى السهام . وبعد مضىّ فترة من الوقت كان ظهر أبى دجانة مرصعا بالسهام حيث بدا كالقنفذ ، كان طلحة بجوار النبى أيضا وعندما اقترب سهم من وجه النبىّ وأوشك على إصابته وضع طلحة يده أمام خط سير السهم وأوقفه بيده ، وقد فقد طلحة أحد اصابعه نتيجة لذلك .

كان خالد يوجه الهجمة تلو الهجمة على الكتلة الرئيسية للمسلمين وأحدث إصابات بالغة فى صفوفهم ، وكان لتوه قد قتل برمحه رجله الثانى وهو ثابت بن دحداحة ، واعتمد خالد فى هذه المعركة بشكل رئيسى على رمحه الذى كان يصيب به خصمه ويطرحه ارضا .

إنتهت الهجمة المعاكسة الأولى ، وتلاها فترة هدوء فى قطاع النبىّ . كما أن القرشيين انسحبوا لمسافة قصيرة لأخذ قسطا من الراحة قبل أن يستأنفوا الهجوم . وأثناء فترة الهدوء هذه لاحظ أحد المسلمين أن النبى ينظر فوق كتفه بحذر فساله عن السبب فأجاب الرسول :" إننى أتوقع مجىء أبىّ بن خلف وهو قد يقترب منى من الخلف فإذا رأيتموه قادما دعوه يقترب منى"
ولم يكد ينتهى من كلامه حتى انفصل رجل من سرية عكرمة وتقدم بإتجاه النبىّ وهو يمتطى جوادا كبيرا .
هب الصحابة وطلبوا الإذن بالتصدى له لكن النبى قال :"دعوه" واقترب من النبىّ .

فى غزوة بدر ، أُسر شاب صغير يُدعى عبدالله بن أبىّ (وهو ليس عبدالله بن أبىّ زعيم المنافقين) . فجاء والده أبىّ بن خلف لإطلاق سراحه ودفع فدية مقدارها أربعة آلاف درهم ، وبعد أن تم دفع الفدية قال ابىّ للرسول :" يا محمد ، عندى حصان اقويه بتغذيته بكمية كبيرة من العلف وسآتى به فى الغزوة القادمة ممتطيا إياه وسوف أقتلك به" عندئذ قال له النبى: "كلا ، لن تقتلنى ، لكننى أنا سوف أقتلك وأنت على ظهر هذا الحصان إن أراد الله ذلك"

والآن فإن أبىّ بن خلف يقترب من النبى على ظهر حصانه . لقد شاهد أصحاب النبى وهم يفسحون له الطريق . كان النبىّ يرتدى معطفين من الزرد وكان يرتدى خوذة مصنوعة من السلاسل تتدلى منها حلقات جانبيه تغطى وجنتيه ويرتدى سيفه الشهير ويحمل رمحا فى يده اليمنى ، وكان منظر النبى مهيبا .

إن عددا قليلا من الناس اليوم يعرف أن النبى محمدا كان من أشداء المسلمين فى عصره . فإذا أُضيف إلى قوته الشخصية حقيقة كونه نبيا ، فإن من الممكن لأى امرىء أن يتصور مقدار كونه خصما مخيفا لأىّ كان . لكن أبىّ لم يُصب بالفزع فقد قتل مسلما منذ هنيهة ومعنوياته مرتفعة .
كان من السهولة بمكان أن يأمر اصحابه بذبح أبىّ ، بل كان ابسط من ذلك ان يوجه أمرا إلى علىّ فيصبح هذا الرجل فى عداد الأموات لأنه إذا انطلق علىّ لقتل رجل فلن يستطيع احد إنقاذه .
إنها مسألة شرف شخصىّ – مسألة فروسية .

عندما وصل ابى إلى الرسول كان ممتطيا جواده فهو ليس فى عجلة من أمره وكان لا يشك لحظة بأن محمدا ينتظر هجومه كونه فوق فرسه ، وامتدت يده لاستلال سيفه . لكن النبى كان اسرع منه فرفع رمحه وضربه على الجزء العلوى لصدر ابىّ . حاول أبى أن يخفض رأسه لكن لم يكن سريعا فاصابه الرمح فى كتفه الايمن قرب اسفل عنقه ، كان الجرح طفيفا لكن أبىّ سقط عن حصانه وكسرت إحدى أضلاعه من جراء ذلك ، وقبل أن يعاود النبىّ الضرب ، نهض أبىّ وولّى الأدبار باتجاه رفاقه وهو يصرخ فأوقفوه وسالوه عن سر انزعاجه وصراخه فأجابهم :" إن محمدا قد قتلنى بقوة الله" . تفحص القرشيون جرحه وكان طفيفا فسخروا منه لكن أبىّ صرخ فى حالة هستيرية وبصوت أعلى :" أخبركم بأننى سأموت ، إن محمدا قال إنه سيقتلنى فلو أن محمدا بصق علىّ فقط فإننى سوف أموت " وظل أبىّ فى حالة معنوية سيئة .
وعندما عاد القرشيون إلى مكة ، ذهب أبىّ معهم ، وبينما كانوا يعسكرون فى مكان يسمى "صَرَف" وهو ليس بعيدا عن مكة مات الرجل التعيس .

أصبح الموقف الآن اكثر حرجا ، وكان أبو سفيان وخالد يريدان قرارا سريعا لأن المعركة طالت بما فيه الكفاية ، لذا قرر القرشيون الضغط على المسلمين ، والهجوم على النبىّ وقتله إن أمكن لأن موته يضع حدا للمقاومة .

لذا فقد تقدمت مجموعة قوية من مشاة قريش لمهاجمة النبىّ . واتفق ثلاثة من قريش أن يخترقوا السياج المضروب حول النبى وهؤلاء الثلاثة هم :
عتبة بن ابى وقاص – عبدالله بن شهاب – ابن قميئة

وبدأ الثلاثة معا بإلقاء الحجارة على النبىّ .

محمد الحبشي 20-08-2008 07:57 PM

ألقى الرجل الأول (وهوشقيق سعد) أربعة احجار على وجه النبى ، فكسر رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى ، وألقى عبدالله حجرا واحدا فجرحه فى جبهته ، أما ابن قميئة فضربه حجرا واحدا فجرح وجنته ودخلت حلقتان من حلق المِغفر (درع ذو حلق شبيه بالخوذة) فى وجنته الشريفه .

سقط النبىّ على الأرض من جرّاء ضربه بالحجارة ، وأُسعف من قبل طلحة . فى هذه اللحظة ، قام المسلمون القلائل حول النبى بشن حملة معاكسة عنيفة وطردوا المشركين .
ألقى سعد قوسه واستل سيفه واندفع نحو أخيه لكن هذا الأخير كان اسرع هربا فاختبأ بين صفوف قريش . وقال سعد فيما بعد أنه لم يكن يوما راغبا فى قتل رجل كما كان بالنسبة لاخيه عتبه الذى جرح النبىّ .

كان هنالك فترة قصيرة توقف فيها القتال ، وقد مسح خلالها النبىّ الدم عن وجهه وهو يقول :" كيف يفلح قومٌ خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم" . حاول أبو عبيدة وهو يلمّ بالجراحة إلماما بسيطا أن يخرج الحلقتين التى دخلتا فى وجنة النبىّ ، فنزع إحدى الحلقتين من وجه رسول الله فسقطت ثنيته (أبو عبيدة) ثم نزع الأخرى فسقطت ثنيته الأخرى فكان ساقط الثنيتين .

أثناء توقف القتال القصيرة استعاد النبىّ قوته وشفى من صدمة الجراح ، بدأ القرشيون الآن هجومهم الأخير بعنف من جميع الإتجاهات ضد النبىّ . كان السياج الذى أقامه اصحاب النبىّ قادرا على صد الهجوم بشكل عملى فى جميع النقاط ، لكنه اخترق فى مكان واحد واندفع منه ابن قميئة باتجاه النبى .

كان هذا الرجل احد الذين قذفوا النبى بالحجارة فى الهجوم الأخير . وكان بقف بالقرب من النبى وإلى يمينه مصعب بن عمير وامراة تدعى "أم عمارة" ، وهذه المرأة تخلت عن حمل الماء إلى الجرحى واستلت سيفا من أحد القتلى واشتركت بشكل فعلى فى القتال الدائر وتمكنت من جرح أحد المشركين .

أخطأ ابن قميئة وظن مصعب هو النبى واندفع نحوه ، كان مصعب فى انتظاره فاستل سيفه وبدأ المبارزة . وبعد فترة قصيرة ضرب ابن قميئة مصعب بن عمير وقتله بضربة قاضية . وعندما سقط مصعب اندفعت أم عمارة نحو ابن قميئة وضربته على كتفه بسيفها . ونظرا لأنه يرتدى درعا من الزرد ونظرا لضعف ضربة المرأة فإنه لم يتأثر بضربتها . وبالمقابل ضرب ابن قميئة المرأة على كتفها بسيفه ، لكنها لم تقتلها وسببت لها جرحا بالغا وأسقطتها على الأرض ولم تستطع الحركة لبعض الوقت .

عندما سقطت أم عمارة ، رأى المشرك النبىّ واقفا لوحده فاندفع نحوه ، ورفع سيفه وسدد ضربة شديدة على رأسه فقطع السيف بعض حلقات المغفر لكنه لم يستطع إختراقه واستقر السيف على كتف النبى الأيمن . كانت الضربة عنيفة مما سببت سقوط النبىّ فى حفرة موجودة خلفه ومن هنا رفعه علىّ وطلحة .

عندما رأى ابن قميئة سقوط النبىّ عاد مسرعا إلى القرشيين صائحا بأعلى صوته :"قتلت محمدا" وسمعت صرخته فى أرجاء ميدان المعركة من قبل القرشيين والمسلمين على حد سواء وأثر هذا الخبر السىء على معنويات المسلمين فبدأ معظمهم بالهرب نحو جبل أحد . لكن عددا من المسلمين قرروا أنه لن يكون لحياتهم معنى إذا قُتل رسول الله ، فاندفعوا نحو خيالة قريش لكنهم صدوا من قبل عكرمة وخالد وهنا قتل خالد الرجل الثالث وهو رفاعة بن الوكش .

بينما كانت القوة الرئيسية للمسلمين تفر بإتجاه التلال ، كان معظم القرشيين مشغولين بنهب الموتى ، ولم يجد المسلمون الذين يدافعون عن النبىّ أحدا بالقرب منهم ، إن إغراء النهب هنا كان قويا لدى القرشيين كما كان بالنسبة للمسلمين من قبل . وعندما وجد النبىّ أن طريقه خالية من المشركين ، انسحب ومن معه من أصحابه غلى المضيق الكائن عند الوادى . وقد لاحقه عدد قليل من الشركين لكن اصحابه صدوهم وقتلوا منهم واحدا أو اثنين .

رأى خالد تحرك مجموعة النبىّ باتجاه المضيق الجبلى ، لكنه لم يحاول أن يعترضها لأنه كان مشغولا بمطاردة القوة الرئيسية لمشاة المسلمين وهكذا لم يجد النبىّ صعوبة فى الوصول إلى المضيق . وتسلقت المجموعة المنحدر الشديد للبروز الذى كان على شكل جرف عالى يبلغ ارتفاعه 400 قدما وهنا وقف النبىّ وأخذ ينظر غلى ميدان المعركة الممتد امامه .

من بين الثلاثين رجلا الذين قاتلوا مع النبىّ فى الأعمال القتالية السابقة ، بقى أربع عشرة رجلا فقط ومعظم هؤلاء قد اصيب بجراح . لقد سقط ستة عشر دفاعا عن النبىّ .

هكذا ترك المسلمون ميدان المعركة ، فبعضهم هرب بعيدا فى حالة ذعر وبعضهم عاد إلى المدينة . والبعض الآخر لم ينضم مرة ثانية إلى النبىّ إلا بعد مضىّ يومين . لكن أولئك الذين اعتزموا الإتجاه إلى التلال تحركوا بمجموعات صغيرة ، وشقوا طريقهم عبر خيّالة قريش ووصلوا إلى سفح جبل أحد . وهنا تفرقوا فبعضهم التجأ فى سفوح التلال وبعضهم تسلق حافة الجبل والبعض الآخر اختبأ فى الكهوف ولم يعرف أحد منهم ماذا ينبغى عليه أن يفعل بعد ذلك أما القرشيون فقد كانوا تحت سيطرة كاملة من قبل قيادتهم .

عند وصل النبىّ للمضيق كان لديه بعض الوقت للإعتناء بجراحه ، وهنا انضمت ابنته فاطمة إليه وقد أحضر علىّ الماء من مكان قريب وكانت فاطمة تبكى بهدوء وهى تمسح الدم من وجه أبيها وتضمد جراحه . استراح النبىّ فى هذا الملجأ حيث لا تستطيع قريش أن تهاجم بقوة نظرا لصعوبة السير فى المضيق .

كان البعض من المسلمين الذين التجأوا إلى جبل أحد يتنقلون بدون هدف ، وهم لا يعرفون إلى اين يذهبون وماذا يفعلون . وبينما كان أحد هؤلاء ويدعى كعب بن مالك يسير باتجاه المضيق رأى النبىّ وتأكد من شخصيته وكان ذو صوت قوىّ فتسلق صخرة كبيرة وواجه الإتجاه الذى يعرف أن معظم المسلمين يلتجئون فيه وصاح بأعلى صوته :
"يا معشر المسلمين ، أبشروا هذا رسول الله"
وأشار بيده نحو النبىّ . وكان من نتيجة هذا النداء الذى لم يكن مسموعا من قبل قريش ، أن تحركت مجموعات كثيرة من المسلمين فوق التلال وانضمت للنبىّ وكان عمر من بين هؤلاء وقد كان سروره لا يوصف عند رؤيته النبىّ مرة ثانية .

فى غضون ذلك ، كان أبو سفيان يبحث عن جثة النبىّ فسار فى ميدان المعركة وأخذ ينظر إلى وجه كل ميت عسى أن يجد بينها وجه خصمه . وأخذ يسأل من حوله فلما وصل إلى خالد أخبره أنه رأى محمدا محاطا بأصحابه وهو يسير باتجاه المضيق وأشار إلى الجرف الصخرى العالى ، فطلب ابو سفيان من خالد أن يأخذ خيالته ويهاجم الموقع .

نظر خالد إلى الوادى المملوء بالصخور الكبيرة والذى يؤدى إلى البروز ثم إلى المنحدر الشديد للبروز نفسه . وقد خامره الشك فى إمكانية المناورة فهو يعلم أن فرسانه فى مثل هذا الموقف سيكونون فى موقف حرج للغاية ولكنه كان يأمل أن تسنح له فرصة مواتية مثل الأولى فقد كان خالد متفائلا دائما فبدأ بتحريك سريته إلى البروز .

وعندما رأى النبىّ هذا التحرك دعا النبىّ ربه قائلا :" اللهم إنهم لا ينبغى لهم أن يعلونا" وعندئذ أخذ عمر مجموعة من المسلمين وتحرك بها مسافة قصيرة نحو المنحدر لمواجهة خيّالة قريش . وعندما وصل خالد مع سريته رأى عمرا وبعض المسلمين ينتظرونه على أرض مرتفعة فأيقن أن الموقف ميئوس منه ليس بسبب وجود المسلمين بأرض مرتفعة فحسب ، بل لأن أيضا فرسانه لن يتمكنوا من المناورة فى هذه الأرض الصعبة وانسحب خالد وكانت هذه آخر مناورة تكتيكية فى غزوة أحد .

محمد الحبشي 21-11-2008 06:33 AM

ما بعد أُحد




حدث جدال خطير وجرت مناقشات حادة فى معسكر قريش بعد معركة أحد ، كان راى البعض - وعلى رأسهم عكرمة – ملاحقة المسلمين والقضاء عليهم تماما خاصة وهم فى هذه الحالة السيئة بعد أحد . والرأى الآخر – وعلى راسهم صفوان بن امية – يقترح العودة فورا إلى مكة حيث أن الجيش القرشى قد لاقى هو الآخر نصيبا من الجراحات إلى جانب أن هناك 300 من جيش المسلمين لم يشاركوا هذا اليوم (المنافقين) وخشى أن يندم هؤلاء ويعودوا إلى صفوف المسلمين .

لم يحسم هذا النقاش سوى - القبض على وإعدام- 2 من كشافة المسلمين مما أكد شكوك صفوان وعصابته وحسم أمر العودة إلى مكة .

لقد أمر النبىّ صباح هذا اليوم بلال بأن يؤذن فى المسلمين ويدعوهم إلى المعركة رغم ما هم فيه من جراح وآلام لكنهم على الفور لبوا داعى الجهاد على أن يشارك فقط من المدينة كل من شارك بالأمس فقط ، وبلغ هؤلاء قرابة 500 مقاتل .

كانت "أُحد" أولى غزوات خالد ، وأول قيادة لأبى سفيان ، وكانت مخالفة الرماة أوامر النبى المشددة سببا رئيسيا فى الهزيمة حين عادوا إلى طبيعتهم الجاهلية فى السلب والنهب .

لقد عبر كثير من الكتّاب عن رأيهم بأن عرب هذه الفترة من التاريخ كانوا يجهلون الحرب النظامية ، وأنهم لم يكونوا من وجهة نظر عسكرية بحتة سوى غزاة ومغيرين لا يعرفون شيئا عن الحرب النظامية .

لكن قولهم هذا غير صحيح بالمرة ، فلو تأملنا تراتيب القتال التى اتخذها النبى وكذلك الأسباب العسكرية السليمة الكامنة وراء نشره قواته ، فالملاحظ أن النبى فى اختياره ميدان المعركة قد ترك المدينة مفتوحة لهجوم القرشيين ، والمدينة قاعدة المسلمين والطريق الذى يؤدى إليها مفتوحا تماما . فلو أن أبا سفيان قرر التحرك إلى المدينة فإن المسلمين لن يكونوا فى طريق تقدمه واعتراضه !!

الحق أن أبا سفيان لم يكن ليجرؤ على مثل هذا القرار وهذا ما توقعه النبى تماما !
لأنه لو فعل ذلك لعرض مجنبته ومؤخرته للهجوم من المسلمين وهذا ما حدث فعلا حيث اضطر أبو سفيان إلى مواجهة المسلمين .

كان هذا نموذجا عسكريا تكرر كثيرا فى التاريخ ، لقوة تدافع عن قاعدتها ليس بالتمركز فيها وخوض معركة جبهية بل بتهديد أى تحرك معادى لها من الجنب . وبينما كان ابو سفيان مضطرا لخوض معركة تحت ظروف غير مواتية له ، فقد كان ترتيب قواته سليما . فقد قسم الجيش إلى قوة رئيسية من المشاة فى الوسط وأجنحة متحركة للمناورة ضد مجنبات العدوّ ومؤخرته .
وبالنظر لخطة كلا الجيشين ، فإن أى قائد رومانى أو فارسى يخوض هذه المعركة فمن المؤكد أنه سيتبع نفس موقفى الجيشين .

هناك نقطة أخرى ، هى فكر خالد ، فعندما هربت القوة الرئيسية من قريش بقى الجناحان ثابتان وبشكل عام فعندما تنهار القوة الرئيسية لأى جيش تسقط الفروع والفرق الصغيرة معه ، لكننا هنا نلحظ سيطرة خالد التامة على سريته التى ظلت ثابتة لم تتحرك من مكانها ، ورفضه لقبول الهزيمة حتى لمح بعينه الثاقبة ثغرة الرماة ، هنا قرر المجازفة بخطة تحتاج شجاعة فائقة وغير اعتيادية .

إنه هنا ، لاحظ ,, فكر ،، قرر

وكل هذا فى ثوان معدودة . أثبت خالد فى موقفه هذا إمتلاكه لجرأة الشباب وحماستهم ، وفكر وأناة وحلم الكهول ، وكل هذه مقومات قائد عسكرى بارع وسوف تظهر كل صفاته هذه فى معارك لاحقة أكثر شراسة وأعظم خطرا .

كانت "أُحد" أولى المعارك التى نفذت فيها مناورات بارعة ، بعدها اخذت المناورات الحربية تبرز بشكل واضح ، وقد لمعت أسماء اكتسبت شهرة عسكرية خلال العقدين التاليين لأحد :

خالد ، عمرو بن العاص ، أبو عبيدة ، سعد بن أبى وقاص .

الوافـــــي 27-11-2008 02:13 AM

رضي الله عنه وأرضاه
وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء
وجزاك الله خيرا أخي الحبيب / قوس المطر
على إدراجك لسيرة هذا البطل العظيم هنا

تحياتي

:)

محمد الحبشي 07-02-2009 02:15 PM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة الوافـــــي (المشاركة 609401)
رضي الله عنه وأرضاه
وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء
وجزاك الله خيرا أخي الحبيب / قوس المطر
على إدراجك لسيرة هذا البطل العظيم هنا

تحياتي

:)

ومن منا أيها الحبيب غير مفتون بسيرة هذا البطل الاسطورة ..

إنه - وبأقل إنصاف منا - قد تخطى حاجز كل رقم قياسىّ معروف فى قاموس اليوم ..

لنقاء روحك باقات زهر

محمد الحبشي 07-02-2009 02:17 PM

غزوة الخندق



إحتلت غزوة أحد تفكير خالد عدة ايام بعد عودته إلى مكة . فكر فى مناورته السريعة على جناح المسلمين بدقة والتى ستصبح فيما بعد إحدى أهم إستراتيجياته العسكرية . لم بكن هذا فقط ما يشغل باله ، فقد كانت هنالك حقيقة هامة لم يجد لها تفسيرا .. شجاعة وصلابة المسلمين .. إن الأمر غير طبيعى أن تصمد قوة صغيرة أمام قوة تفوقها مرات فى العدد .. وأمام هجمات من كل الإتجاهات .. كالصخرة فى تصميمها وإستعدادها للقتال دفاعا عن قائدها ودينها .. خاصة أن الفريقين من عرب قريش وكلاهما من بيئة واحدة فكيف صلابة هؤلاء عن هؤلاء .. لا شك أن للدين الجديد ولشخصية النبى عاملا فى كل هذا .. لم يعرف خالد فى حياته الكره والحقد .. وما كان قتاله للإسلام كقتال زعماء قريش من الحاقدين الموتورين على هذا الدين .. لم يكن الأمر سوى معركة كالتى تشهدها ساحات الرياضة ومباراة يرمى فيها كل خصم بفنونه سعيا للفوز .

فى السنتين التاليتين لم يحدث أى صدام عسكرى مباشر بين المسلمين والقرشيين .. ولكن جرت حادثة تعرف باسم "يوم الرجيع" وهى حادثة وحشية ومريعة أساءت إلى العلاقات بين مكة والمدينة .

كانت هذه الحادثة مكيدة مدبرة من قبيلتى عضل والقارة ، حيث اقدم وفد منهما إلى الرسول لإعتناق الإسلام وطلبوا منه أن يرسل معهم من يعلمهم الإسلام فأرسل النبى معهم ستة من صحابته .. وعندما وصلوا إلى مكان يسمى "الرجيع" ظهر كمين مؤلف من مائة مقاتل من هاتين القبيلتين . وقد قتل من الصحابة أربعة واقتيد أسيرين إلى مكة هم "خبيب بن عدىّ" و "زيد بن الدثنّة" وبيعا فى مكة بثمن باهظ لأقارب بعض المشركين الذين قتلوا على يد هؤلاء الأسيرين فى السابق ، وبعد رحلة من العذاب المضنى طلب من خبيب وزيد إعتناق الاصنام فأبيا سوى الموت .

قُتل زيد أولا وكان موته سهلا وسريعا ، ولكن إستشهاد خبيب كان إستعراضيا تجمعت كل مكة لمشاهدته . إنطلق 40 ولدا من فتيان مكة بإشارة من عكرمة بن أبى جهل وأخذ كل منهم بوخز خبيب بالرماح مسببا له جراحا غير مميتة وسرعان ما تغطى جسده بالدماء من جرّاء مئات من الجروح السطحية ، وبعد أن استمر هذا المشهد لفترة تقدم عكرمة وبيده حربة بإتجاه خُبيب وفرق الأولاد ، ربما لأنهم قد تعبوا وربما لأن المتفرجين قد سئموا اللعبة ثم رفع حربته وغرزها فى قلب خبيب وهكذا وضع حدا لآلامه .

لقد نظم هذا العرض من قبل عكرمة الذى جمع الأولاد ولقنهم ما يفعلون ، لم يعلم عكرمة أنه من الممكن أن يُسامح وأن يُعفى عنه لمعارضته الشديدة للإسلام وللدم المهراق الذى سفكه فى بدر وأحد .. لكن فعلته هذه لن تُغفر له ..

ففى هذا اليوم اصبح عكرمة "مجرم حرب" ..

من الجدير بالذكر أن أبا سفيان قد تحدى النبىّ قبل مغادرته ميدان المعركة فى أُحد لمقابلة المسلمين فى بدر بعد سنة كاملة وأن النبىّ قد قبل هذا التحدى . وهذا يعنى ان اللقاء بين المسلمين والقرشيين سيتم خلال شهر آذار عام 626 م لكن وعندما اقترب الموعد شعر ابو سفيان بعد الرغبة فى لقاء المسلمين ، كانت أمطار الشتاء قليلة وعندما انتهى الشتاء ارتفعت درجة الحرارة فجاة .. كان الطقس حارا وجافا ومبشرا بالسوء فى الموسم القادم .

لكن النبى حافظ على موعده وفى أواخر آذار تحرك من المدينة 1500 مقاتلا منهم 50 فارسا ووصلوا إلى بدر لكنهم لم يجدوا أثرا لجيش قريش .

وعندما وصلت أنباء مسيرة المسلمين وتحركهم من المدينة جمع أبو سفيان القرشيين وسار من مكة بجيش قوامه 2000 مقاتل و100 من الفرسان . وبعد سلسلة من المشاورات قرر ابو سفيان العودة لمكة متجنبا القتال فى هذا العام المجدب ومن ثم عادت قوات المسلمين إلى المدينة دون قتال .

وفى هذه الأوقات من الهدوء والسلام برزت قوة جديدة إلى مسرح الأحداث ..

إنها اليهود مجتمعة مع المنافقين فى المدينة ..

لم يكن للمسلمين من خطر على اليهود فى مجتمع المدينة من ذى قبل حيث كانت قوة المسلمين صغيرة وإلى جانب هذا كانت آيات القرآن وتعاليمه تعالج بشكل رئيسى الجوانب الروحية والدينية وعلاقة الإنسان بخالقه والبعث والحساب .

وعندما هاجر النبى إلى المدينة اتخذ الإسلام دورا أكثر فعالية فى حياة المسلمين وتطرق إلى مجالات المجتمع والسياسة والإقتصاد وبناء مجتمع مدينة فاضلة لم تشهد حضارة البشر مثلها من قبل ولن تشهد بعدها مثيلا لها . وهنا بدأ الصراع مع الديانات القديمة حيث أن الإسلام دين العالمين وفى الآيات المدنية التى تعامل اليهود حافز لهؤلاء أن يدركوا خطر الإسلام إذ أنه بدأ يشملهم بدعوته ويضمهم تحت لوائه .

وبعد إنتصار المسلمين فى بدر بات خطر المسلمين أكثر تهديدا ، بعدها نقضت قبيلة بنو قينقاع عهدها مع الرسول ودخلت فى مواجهة سافرة ضد المسلمين فحاصر النبى هذه القبيلة وأجبرها على التسليم وهاجروا بعدها إلى سورية .

أما القبيلة الثانية التى نقضت المعاهدة فهى بنو النضير وحدث ذلك بعد غزوة أحد مباشرة وكان أن عوقبت نفس العقاب فهاجر قسم منها إلى سورية والقسم الآخر إلى خيبر شمال المدينة .

واستمرت القبيلة الثالثة بنو قريظة فى سلامها مع المسلمين لكن يهود بنى النضير المطرودين إلى خيبر لم يهنأوا بسلام المسلمين مع يهود أو قريش على حد سواء وهنا كان القرار بتأليب الفريقين ضد أحدهما الآخر .

ذهب وفد من يهود خيبر - وعلى رأسهم حيىّ بن أخطب - إلى قريش للتفاوض مع أبى سفيان وكلاهما متفق على خطر المسلمين المنتشر فى الجزيرة العربية وضرورة مواجهة هذا الخطر ، والجانب الآخر إقتصادى ففى حال وصول الإسلام إلى اليمامة تنقطع طرق التجارة إلى العراق والبحرين . وطالما أن المسلمين محتفظين بقوتهم فى المدينة فقد اصبح طريق التجارة إلى سوريا مغلقا تماما وقد تم تعويض هذا النقص بالتجارة مع العراق والبحرين واليمن وهو بدوره أصبح فى خطر .

بعد ذلك ذهب الوفد إلى غطفان وبنى أسد وانضمت كلاهما للحملة . وبدأ رجال القبائل فى الإستعداد والتجمع فى شباط 627 م ..

كان تعداد هذه القوات بما فيها القبائل الصغيرة يبلغ 10 آلاف مقاتل تقلد أبو سفيان قيادتها ..
شاركت قريش بأربعة آلاف ، تليها غطفان بألفى مقاتل يليها عيينة بن حصن ، وبنو سلمة بسبعمائة محارب .

تحركت قوة "الأحزاب" وعسكرت فى نفس موقعها فى غزوة أحد إلى الغرب منه وبعد أن اكتمل تجمع قوى الأحزاب زحفت كلها على المدينة .

عندما بدأت تحشد الأحزاب وصلت التقارير إلى المدينة وتلقى النبى معلومات تفيد أن القوة المقدرة للأحزاب قرابة عشرة آلاف مقاتل وكان خبرا مفزعا لكل المدينة فقد كان المسلمون ، طبعا ودائما ، أقل عددا ..

وعندما إقتحمت طلائع الأحزاب المدينة كانت المفاجأة الكبرى ، لقد حفر المسلمون خندقا كبيرا حول المدينة يستحيل معه عبور هذه القوة الهائلة التى بات وجودها بلا معنى .

لقد أشار سلمان الفارسى على النبىّ بحفر هذا الخندق وأوضح أن جيش الفرس عندما كان يخوض معركة دفاعية ضد أعداء متفوقين يلجأ إلى حفر خندق عريض وعميق فى طريق العدو بحيث يصعب إجتيازه .

http://img15.imageshack.us/img15/8858/alkhandaqnx5.jpg

وعندما انتهى حفر الخندق أقام المسلمون معسكرهم فى "تل سلع" بقوة تبلغ 3000 مقاتل . كانت الخطة الرئيسية للنبى تقضى بألا تزج بالقوة الرئيسية للمسلمين فى القتال وذلك لكى تضرب فى أية بقعة يستطيع العدو أن يحصل على موطىء قدم عبر الخندق ، ولحراسة الخندق ضد أى مفاجأة فقد خصص 200 رجل من جيش المسلمين لهذا الغرض ووضعوا كالأوتاد على التلال المسيطرة على الخندق , واستخدمت قوة متحركة مؤلفة من 500 مقاتل للقيام بأعمال دورية ضد أى متسللين قد يعبروا الخندق دون أن يراهم أحد وكذلك لتأمين الحماية ضد المناطق غير المحمية بالخندق .

عندما رأى المشركون الخندق انفجر أبو سفيان غاضبا حانقا :

"والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها"

استمر الحصار عشرة ايام وكان كلا الطرفين يواجه صعوبات ما .. بدأ المسلمون يشعرون بوطأة الجوع ولم يكن فى المدينة مخازن كبيرة للطعام وأصبح المسلمون يعيشون على نصف تعيين يومى (حصة الجندى من الطعام) . وبدأ الموقف يسوء تدريجيا فى صفوف الأحزاب أيضا وبدأ التذمر يظهر بينهم فالعرب لم يكونوا معتادين على الحصار الطويل والطقس سىء وبدأ الطعام بالنقصان لأن أبا سفيان لم يتخذ تدبيرات لحصار طويل لم يكن فى الحسبان .

فى هذه الاثناء تسلل حيّى بن أخطب إلى بنى قريظة وهى على عهدها مع رسول الله ، فأغلق كعب بن أسد صاحب بنى قريظة باب الحصن دونه فناداه حيّى :"ويحك يا كعب افتح لى" فقال كعب :"إنك امرؤ مشئوم وإنى قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بينى وبينه ولم أر منه إلا وفاءا وصدقا" وفى النهاية دخل حيّى وأقنع كعب بالإنضمام لحلف قريش ونقض عهد الرسول .

كانت حصون بنى قريظة على بعد ميلين جنوب شرق المدينة وهم سوف يهاجمون من هذا الإتجاه ويطردون بعض المسلمين من الخندق بينما تهاجم الأحزاب جبهيا . وهكذا نقض اليهود عهدهم مع النبى ولم يدركوا أنهم سيدفعون ثمن هذا غاليا .

إزدادت الأمور صعوبة وأصبح الموقف الآن أكثر توترا وانخفضت التعيينات اليومية للمسلمين من نصف تعيين إلى ربع تعيين ومع ذلك فقد ظل المسلمون صامدين والجوع قد يجبرهم على الخضوع ولم تكن هناك حلول عسكرية مباشرة للمشكلة .

أدرك النبى أن الحل الوحيد للمشكلة يكمن فى كسر الحصار بمناورة دبلوماسية ولم تكن هذه المناورة سوى "نعيم بن مسعود" وقصته معروفة لدينا كانت من نتائجها زعزعة الثقة بين قريش ويهود وهكذا تم حل أزمة الثغرة من وراء ظهور المسلمين ولم تبق سوى قوة الأحزاب الرئيسية حول الخندق .

مَلّ خالد وعكرمة من الحصار وقررا العمل بشكل منفرد على إيجاد ثغرة بطول الخندق ، فتقدما للأمام بسريتيهما وفى إحدى مواقع الخندق بالقرب من "ضباب" والمواجه لمعسكر المسلمين كانت الثغرة ..

تقدمت سرية عكرمة أولا وقفزت مجموعة صغيرة الخندق وكان بين المهاجمين عكرمة ورجل ضخم ، هذا الرجل يدعى "عمرو بن عبد ود" وفى صوت جهورى أعلن عمرو هذا عن إسمه وتحديه طلبا للمبارزة ، وساد صمت طويل فى معسكر المسلمين فعمرو هذا لم يخسر مبارزة قط فى حياته بل نسجت حوله الاساطير فهو يحمل حصانه بكلتا يديه وهو بمثابة 500 فارسا وهو باستطاعته أن يحمل عجلا بيده اليسرى ويستخدمه كترس فى القتال وأنه يستطيع كذا وكذا ....

فى هذه الأثناء تقدم شاب من الصفوف الأولى إلى النبى طالبا الإذن بالمبارزة لكن النبى رفض عرضه فعاد إلى موقعه . ثم تقدم ثانيا وثالثا إلى أن أذن له النبى بالمواجهة حين رأى فى عينيه نظرة يعرفها جيدا ، نظرة لا يمكن كبح جماحه معها ، ولم يكن هذا الشاب سوى "علىّ بن أبى طالب" ، وأمده النبى بعمامته وسيفه ، وقد أصبح هذا السيف من وقتها أحد أشهر السيوف فى الإسلام فقد كان بعدها على موعد مع قتل الكثير من أبطال الحرب فى مبارزات متكافئة ، وكان اسمه "ذو الفقار" .




محمد الحبشي 07-02-2009 02:18 PM

ضرب عمرو عليا عدة ضربات لكن عليا لم يُصب باذى إذ تصدى لكل ضربة منها بسيفه أو بترسه وأخيرا بدأ عمرو فى التراجع أمام ضربات علىّ السريعة والخاطفة التى اشتهر بها .. وفى خطفة البرق ألقى علىّ بسيفه وترسه وانقض مطبقا يديه على رقبة عمرو وبضربة بارعة أخلت بتوازنه سقط أرضا ، كل هذا حدث فى ثوان ، ظل علىّ جاثما فوق صدر عمرو وحبس الجميع أنفاسهم .. هنا تحول الإرتباك البادى على وجه عمرو إلى غضب شديد ، فهو مستلق على الأرض وفوق صدره هذا الشاب الصغير الذى يبلغ حجمه نصف حجم عمرو .. لكنه على وشك أن يطيح بهذا الفتى فى الهواء كورقة تعبث بها الرياح ..

إنتفخت أوداجه وتقلصت كل عضلاته وضغط بقوة على قبضة على ليبعدها عن عنقه ، لكنه لم يستطع زحزحتها قيد أنملة ..

لم يكد يملك عمرو نفسه من الغضب فى موقف الخضوع هذا سوى أن بصق على وجه علىّ المتأهب لقتله ..

كان رد الفعل لمقاتل فى موقف علىّ أن يرفع خنجره ويطعن به صدر عمرو ، وكان عمرو مرحبا بموت كهذا وهو من عاش بالسيف ويموت أيضا بذات السيف .. لقد إرتسمت علامات الدهشة على وجه عمرو وعلىّ يقوم من فوقه مبتعدا قائلا له كلمات اشد ألما من طعنات السيف :

"إعلم يا عمرو أنى أقتلك فى سبيل الله ، أما وقد بصقت فى وجهى فلن أقتلك إنتقاما لنفسى فاذهب وعد إلى قومك"

لكن عمرو لم يعرف طعم الهزيمة ولا يرضى بسوى النصر ، فالتقط سيفه وهوى على علىّ بضربة قاصمة حطمت درع علىّ وأحدثت جرحا غير عميقا فى صدغ علىّ .. وقبل أن يهوى بسيفه مرة أخرى تلألأ ذو الفقار فى ضوء الشمس وبسرعة خاطفة وضعت حدا لهذه المبارزة الغير متكافئة ..

لم تهتز الأرض عند إصطدام هذا الجسد الضخم بها ، فالأرض ثابتة جدا ..

لكن تل سلع إهتز بأكمله من صيحة "الله أكبر" تدوى فى كل الوادى .. وبعد هذا حدثت مناوشات خفيفة مع القوة القرشية المتبقية كان على إثرها إنسحاب الأخيرة من حيث أتت ، والطريف أن حربة عكرمة قد سقطت أثناء انسحابه وعبوره الخندق عائدا ، وقد نظم حسان بن ثابت فى هذه الحادثة شعرا طريفا ..

وفى ظهر اليوم التالى ، تحرك خالد بسريته على أمل أن ينجح حيث فشل عكرمة ولكن انتبه له الحراس المسلمون الواقفون على نقطة العبور وأغرقوا سرية خالد بالنبال فما كان منه سوى الإنسحاب ، وهنا أوهم خالد قوة المسلمين بالإنسحاب ثم أقفل عائدا بعد أن اطمئن المسلمون لانسحابه وبالفعل استطاع احتلال رأس الجسر إلا أن قوة المسلمين المنظمة إستطاعت الدفع به إلى الوراء ورأى خالد أن الموقف ميئوسا منه فأمر قواته بالإنسحاب وكان هذا آخر عمل عسكرى فى غزوة الأحزاب .

وفى مساء الثلاثاء الثامن عشر من آذار هبت على منطقة المدينة عاصفة هوجاء ، وبدأت الرياح الباردة تعصف بمعسكر الأحزاب ، وانخفضت درجات الحرارة .. لم يستطع أبو سفيان التحمل أكثر فأمر قواته بالإنسحاب وكان خالد وعمرو بن العاص يسيران بسريتيهما فى مؤخرة جيش قريش لتأمينه من مطاردة جيش المسلمين .

كانت هذه هى المحاولة الأخيرة من قريش لفعل هجومى ضد قوة المسلمين فى المدينة ، بعدها تغير وضعهم إلى الوضع الدفاعى ، وانتهت غزوة الخندق وخسر كل طرف 4 من مقاتليه وتحقق هدف المسلمين بنسبة 100% حيث تمت حماية المدينة تماما وبأقل خسائر ممكنة ودون إشتباك حقيقى مع هذه القوة الضخمة .

كانت هذه الغزوة أول مثال فى التاريخ الإسلامى على إستخدام الدبلوماسية جنبا بجنب مع فنون الحرب .. خاصة حين تفشل الأخيرة فى تحقيق أهدافها .. وظلت كلمات النبى تتردد فى أسماع تلاميذه من العسكريين فى الفتوحات الإسلامية من بعده ..



الحرب خدعة ..

محمد الحبشي 23-02-2009 05:35 PM

إسلام خالد




"ما من ليلةٍ يُهدى إلى فيها عروسٌ أنا لها مُحب ، أو أُبشّر بغلام ، أحبُ إلىّ من ليلة شديدة البرد كثيرة الجليد فى سريّة أصبّح بها العدوّ"

إلى هذا الحد يبلغ عشق خالد للجهاد ؟ّ

التاريخ يحكى لنا عن عظماء وُلدوا لتحقيق غاية بعينها كأنهم لم يولدوا سوى لهذا الهدف تحديدا .. كما كان لخالد مقدرا أن يحمل راية الحرب ضد المسلمين فقد آن له الأوان أن يحملها دفاعا عن الإسلام ، إن التاريخ الآن على مقربة من حدث خطير ولا نبالغ إذ نقول أن هذا الحدث على وشك تغيير مجرى التاريخ ومن أوسع ابوابه .. إسلام خالد ..


وُقّعت معاهدة الحديبية فى أوائل نيسان عام 628 م ولم يكن فى حسبان النبىّ توقيع هذه المعاهدة حين توجه من المدينة إلى مكة لقضاء العمرة ومعه من المسلمين 1400 وعد كبير من المواشى للتضحية ..

على أية حال خشى القرشيون أن يكون المسلمون قادمين لقتالهم فى عقر دارهم خاصة وقد اصبح زمام المبادرة الآن فى أيدى المسلمين .. ونتيجة لذلك خرج القرشيون من مكة وتحشدوا فى معسكر قريب وأُرسل خالد إلى الأمام على رأس 300 فارس وسار على الطريق المؤدية إلى المدينة لاعتراض جيش المسلمين ، ووصل إلى "كراع الغميم" ووضع قوته فى ممر لإغلاق الطريق أمام المسلمين فى هذه المنطقة الجبلية .

http://img3.imageshack.us/img3/2659/333i.jpg

وعندما وصل المسلمون إلى عسفان ، كانت تتقدمهم مفرزة من 20 فارسا لمهمة الإستطلاع ، واصطدمت هذه المفرزة بقوة خالد فى كراع الغميم وأعلمت النبى الموجود فى عسفان عن موقع خالد وقوته .

قرر النبىّ ألا يضيع وقتا فى القتال وكان حريصا على تجنب سفك الدماء وأداء العمرة فحسب .. أمر النبى فرقة الإستطلاع الصغيرة بالبقاء على تماس مع خالد وجذب إنتباهه لها فى حين حرّك جيشه من اليمين سالكا دروب ضيقة فى منطقة جبلية ليست بعيدة عن الساحل وكان المسير شاقا لكنه تحقق بنجاح وأمكن تفادى موقع خالد .. وعندما شاهد خالد غبار رتل المسلمين من مسافة بعيدة أدرك ما حدث وأسرع بالإنسحاب إلى مكة وتابع المسلمون مسيرهم حتى وصلوا إلى الحديبية وأقاموا معسكرهم هناك .

وبعد أن تيقن القرشيون أن المسلمين لم يأتوا لقتال تم توقيع معاهدة الحديبية ونتيجة للبند الخامس فيها إنضمت خزاعة لحلف النبى فى حين انضمت بنو بكر لقريش وكانت هاتان القبيلتان فى عداء مستمر ونزاع مستحكم منذ الجاهلية .

بعد مضى بعض الوقت ، حدث تغير فى فكر خالد .. ففى البدء كان يفكر بشكل رئيسى فى الأمور العسكرية ولما كان يعرف مقدار إمكانياته وتفوقه العسكرى ، كان النصر يفلت منه دائما بشكل أو بآخر .. ففى غزوة أحد إستطاع المسلمون أن يتجنبوا هزيمة كبيرة على الرغم من مناورته البارعة وقد أعجبه تراتيب القتال التى نظمها النبىّ وبالطريقة التى قاد فيها المعركة ضد القرشيين رغم تفوقهم عليه عدديا .. كذلك ابتعد النصر عنه فى الخندق رغم القوة الهائلة التى جمعها القرشيون وأخيرا فى الحديبية حين تفوق النبىّ على خالد فى خداعه بقوة إستطلاع المسلمين التى شغلته عن القوة الرئيسية ، كان خالد يفكر فى هذا الرجل ولم يستطع أن يخفى إعجابه بالصفات التى يتحلى بها ..

الحرب فى عقيدة خالد مغامرة لها طعم خاص ، تماما كعشاق الخطر والأدرينالين فهم يشعرون فيه بالحياة .. بات واضحا أنه يشتاق إلى هذا الدين الجديد خاصة أن الأخبار تتوارد إليه عن حملات المسلمين الناجحة والفرق الصغيرة المنتشرة هنا وهناك تحقق نجاحا تلو الآخر ..

وبين غزوة أحد والحديبية قام المسلمون بثمانية وعشرين حملة كلها ناجحة واشهرها خيبر ..

لم يكن خالد يكره الإسلام كراهية عتاة الكفر فى قريش له .. فقد وجد نفسه ملزما بالدفاع عن قريش وعقيدتها وهو حامل لواء بنى مخزوم ومخزوم كما قلنا نواة جيش قريش ..

والأهم ، بات واضحا من وجهة نظره العسكرية أن قضية قريش خاسرة .. فالمسلمون فى إزدياد وصلابة يوما بعد يوم .. وقريش اكثر ضعفا بمرور الوقت .. ومن أهم سمات القائد الناجح ألا يحارب معركة هو موقن بخسارتها ولهذا الأسلوب تحديدا نجاح وبراعة فى تكتيك خالد العسكرى .. فقرار الإنسحاب قد يكون أكثر خطورة وجرأة من قرار الحرب ..

وكان القرار الخطير .. إسلام خالد ..

كان أول المعترضين وبشدة هو صديق الطفولة عكرمة بن أبى جهل .. ولكن عقل خالد يختلف تماما عن عقول قريش ، فقد كان لخالد "فكر متفتح" .. تتصارع الافكار فى عقله بحثا عن الحقيقة لكنه لا يوأدها كلها إنتصارا لفكرة واحدة كما فعل سادة قريش ..

يقول العقاد فى كتابه "عبقرية خالد" :

كان إسلام خالد ضربا من التسليم ..

كان ضربا من التسليم بمعناه العسكرى المصطلح عليه فى عرف القادة ورجال الحرب ..

لأنه أسلم أو سلم تسليم القائد البصير بحركة القتال بين المد والجزر والنصر والهزيمة ، الخبير بموضع الاقدام وموضع الإحجام ، المقاتل والقتال شجاعة ، المسالم والسلم ضرورة لا محيص عنها ..

ولم يكن تسليمه تسليم العاجز ولا المتخاذل بل لعله بلغ من نفسه غاية الثقة حين اسلم ، كأنه آمن بالله لأنه علم من ذات نفسه أنه لن يغلبه إلا الله وكأنه قال فى قرارة نفسه :

أيهزمنى أحد وليس له مدد من النبوة ؟ أيعلو سيف على سيفى وليس له سر من السماء ؟

فبلغ نهاية الإيمان بنفسه يوم بلغ بداية الإيمان بالله ..


لم يكن إسلام خالد وليد اللحظة بل قرار أثرت فيه الأحداث من حوله ليجد نفسه أخيرا فى معسكر الإسلام .. وكأن هذا القرار كان فى مخيلته ومحل تفكيره منذ أيام الإسلام الأولى ..

حين انقسم بيت المغيرة بين معسكر الجاهلية ومعسكر الإسلام وأصبح فى معسكر الإسلام أخوان حبيبان إلى خالد هما الوليد وهشام ..


وحين أصغى ابوه إلى القرآن فحدث آل بيته عنه ذلك الحديث الذى أرابهم وأشجاهم .. فأوشك أن ينطق برسالة السماء إلا أن تراجع عنه واصفا دعوة محمد بالسحر الذى يفرق بين الرجل وزوجه وبنيه وبين السيد ومولاه ..

وحين شهد خالد سكينة المسلمين فى الحديبية وهم قائمون للصلاة .. وهجس فى خاطره أن يغير عليهم فصدته عنهم رهبة الصلاة ونخوة الفارس المحجم عن الغدر والغيلة وسرى فى روعه أن لمحمد لسرا وأن الرجل ممنوع ..

مات الشيوخ الذين كانوا يخيمون بوقارهم وعقولهم على العقول وتهيأ الجو للسؤال :

فيم هذا العداء والنضال ؟ أمن أجل الكعبة ومحمد يرعاها ويحترم جوارها ويحج إليها ؟ أم من اجل العصبية والقومية وشرف محمد شرف العرب أجمعين ؟ أم من أجل الكرامة ومحمد يصون للعزيز كرامته ويعرف للحسيب قدره ؟

ومن اين لمحمد ذلك النصر المبين بعد النصر المبين ؟

ومن اين له ذلك العون الذى يدركه وقد احاطت به الهزيمة من كل فج فإذا هو ناصل منها وإذا هو الطارد الظافر وقد خيل إليهم أنه الطريد المخذول ؟

ومن أين للمسلمين ذلك الأدب وذلك الخشوع .. ومن اين للنبى بينهم ذلك السلطان الصادع والصوت المسموع ؟


حانت الساعة لوزن الأمور إذا .. وإذا بذات التفكير يشغل عقل رجلين هما عبقريا قريش ..

خالد بن الوليد وعمرو بن العاص ..

وتلك رسالة له من أخيه الوليد يقول فيها :

"... أما بعد .. فإنى لم ار أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام ، وعقلك عقلك ، ومثل الإسلام ما يجهله احد ؟ ..."

ثم مضى يقول :"سألنى رسول الله عنك فقال : أين خالد ؟ فقلت : يأتى به الله .. فقال : ما مثل خالد يجهل الإسلام ، ولو كان جعل نكايته وحده مع المسلمين على المشركين لكان خيرا له ولقدمناه على غيره"


تلك كانت الدعوة التى جاءت فى أوانها ..

وكان إسلام خالد هو الجواب ..

محمد الحبشي 02-04-2009 09:01 AM

غزوة مؤتة


أحاط بالنبى نخبة من كبار الرجال مختلفون فى الأعمار والأقدار .. مختلفون فى البيئات والأحساب .. مختلفون فى ملكات العقول وضروب الكفايات .. مختلفون فى فهم الدين وبواعث الإسلام .. فكان إختلافهم هذا آية من أصدق الآيات على رحابة الأفق وتعدد الجوانب فى نفس ذلك الإنسان العظيم ..

وما من عظيم من هؤلاء العظماء إلا كان تقدير النبى إياه بقدره الصحيح آية على عرفانه الشامل بخصائص النفوس وسبره العميق لأغوار الطبائع والأفكار .. ولكن تقديره لخالد بن الوليد على التخصيص كان آية الآيات فى هذا الباب .. لأنه لم يكبره إكبار السياسى الذى يستجمع القوة حواليه وينزل كل زعيم منزلة قومه .. وإنما أكبره لأنه عرف أقصى مستطاعه قبل أن يظهر من مستطاعه كثير .. وسماه "سيف الله" وبينه وبين الوقائع التى استحق بها ذلك اللقب الجليل بضع سنوات .. بل سماه سيف الله وهو قافل من معركة يتلقى المسلمون من عادوا منها بالنكير والتشهير .. ويحثون فى وجوههم التراب ويصيحون بهم أينما وجدوهم .. يا فرار .. يا فرار .. فررتم فى سبيل الله ..

لم يكبر النبى خالدا كما أكبر ابا سفيان تألفا له ورعيا لمكانته فى قومه ولكنه أكبره للصفة التى سيوصف بها فى تاريخ الإسلام بعد إهتدائه إليه ببضع سنوات ..

أكبره لأنه "سيف من سيوف الله" والناس لا يرون إلا الهزيمة والإرتداد .. ولم يكن النبى موليه القيادة فى المعركة التى ارتد منها بجيش المسلمين فيقول قائل انه ينصر المسئول عن إختياره ..

كثير من رؤساء الأمم يعرفون موضع الإكليل من رؤوس القادة وهم منتصرون ظافرون .. ولكنه موضع يخفى جد الخفاء عن أنظار هؤلاء الكثيرين إذا لم يدلهم عليه ضياء النصر والظفر .. ويبقى للعين الملهمة وحدها أن تراه فى ظلام المحنة والبلاء ..

وقد يعجب المؤرخون كيف سُمى "سيف الله" بعد مؤتة وفيم إستحق هذا اللقب الذى لا يعلوه لقب فى الإسلام .. والنبى توفاه الله فى السنة الهجرية العاشرة .. لكنه عرف أنه حقيق بذلك اللقب وسماه به قبل أن يهزم المرتدين وقبل أن يهزم الفرس والروم وقبل أن يصون للإسلام جزيرة العرب ويضم إليها العراق والشام .. وهى الأعمال التى استحق لأجلها كلها ..

سيف الله المسلول ..

كان خالد الذى بلغ الآن الثالثة والاربعين مسرورا فى المدينة حيث أصدقاءه القدامى ، ووجد أنه موضع حفاوة وتكريم من الجميع .. وتم نسيان النزاعات القديمة وسادت المدينة روح جديدة .. وعكف خالد على زيارة النبى باستمرار ليتعلم الإسلام ..

بعد وصول خالد إلى المدينة بثلاثة اشهر ، سنحت له الفرصة ليظهر ما يستطيع أن يفعله كجندى وكقائد للدين الذى اعتنقه ..

بعث رسول الله مبعوثا إلى أمير بصرى الغسّانى .. وحمّله رسالة تدعو هذا الزعيم لاعتناق الإسلام .. وعند وصول المبعوث إلى مؤتة اعترضه شرحبيل بن عمرو الغسّانى .. وقتله .. واعتبرت هذه الجريمة عملا شائنا بين العرب وغيرهم على حد سواء .. لأن المبعوثين الدبلوماسيين كانوا يتمتعون بحصانة ضد أى إعتداء بالرغم من عداوة الجانب الذى يمثلونه ..

وأُعدت حملة فى الحال لتأديب قبيلة غسّان .. وعيّن النبى زيد بن حارثة قائدا للحملة فتجهز الناس للخروج وعدتهم 3000 مقاتل من بينهم خالد جنديا ضمن صفوف المسلمين ، كانت المهمة تتلخص فى البحث عن الرجل المسؤول عن جريمة قتل المبعوث المسلم وقتله ثم الطلب إلى أهل مؤتة أن يدخلوا فى الإسلام ..

عندما انطلقت قوات المسلمين ، لم تكن تعرف مقدار العدو الذى ستقاتله .. وأوصاهم النبى :

"ألا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا كبيرا ولا فانيا ولا معتزلا بصومعة ولا تقربوا نخلا ولا تقطعوا شجرا ولا تهدموا بناء"

وأين منها تعاليم الحرب فى حضارة غير حضارة الإسلام ..

وما إن نزل المسلمون "معان" من أرض الشام .. حتى علموا بأن هرقلا قد عسكر بمآب فى مائة ألف من الروم ومائة الف من قبائل لخم وجذام .. وقد يقع فى الخاطر أن الروم علموا بمسير جيش المسلمين فأعدوا هذه الجحافل الجرارة ثم سيروها إلى تخوم الدولة فى مدى الأيام التى مضت من خروج جيش المسلمين إلى بلوغهم أرض معان .. وهو خاطر بعيد جد البعد لما هو معلوم من صعوبة جمع الجيوش وتسييرها فى مثل هذه السرعة ..

والأرجح أن هرقل إنما كان هنالك فى جموعه فى زيارة الشكر التى نذر لله أن يؤديها إذا هو ظفر بالفرس ورد منهم صليب الكنيسة الكبرى الذى حملوه معهم يوم فتحوا بيت المقدس ، وربما كان هرقل قد بارح بيت المقدس فى ذلك الحين وتخلفت جيوش ركابه لأداء الفريضة ..

كما رأى المسلمون أن الحرب بين عسكرين على هذا التفاوت عمل غير مجد .. ولم يكن منظورا ولا مقصودا عند مسير الجيش من المدينة .. فترددوا مليا يفكرون فى الأمر .. هنا غلبت حماسة الشاعر وحمية الشهيد على عبدالله بن رواحة فاتنتهر المترددين والمثبطين قائلا لهم :

"يا قوم ، إن التى تكرهون للتى خرجتم تطلبون .. الشهادة .. وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هى إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة" .

إقترب العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها "مؤتة" ، نظم زيد قواته بالاسلوب التقليدى ، قلب وميمنة وميسرة ، وكان هو وخالد فى القلب ..

شكّل الغساسنة الذين كانوا بقيادة مالك بن زافلة ، قواتهم على شكل كتلة عميقة لمواجهة المسلمين . وبدأت المعركة .. قاتل زيد بن حارثة براية رسول الله حتى قتل .. ثم أخذ الراية جعفر بن ابى طالب فقاتل بها القوم حتى قُتل .. وهنا بدأت الفوضى تدب فى صفوف المسلمين ، لكن عبدالله بن رواحة أخذ الراية بسرعة ثم تقدم بها على فرسه ليستعيد النظام ، ثم قاتل حتى قُتل ايضا .

الآن بدأت الفوضى تدب فى صفوف المسلمين أكثر من ذى قبل حيث كان القتال عشوائيا وبشكل غير منظم فى مجموعات صغيرة تتالف من شخصين أو ثلاثة ، ولحسن حظ المسلمين فإن العدو لم يستغل هذه الفرصة ولو فعل لتمكن من إبادة جيش المسلمين الذين كانوا بدون قائد . وربما يرجع سبب ذلك للبسالة والشجاعة التى أظهرها قادة المسلمون ، وكذلك الجرأة التى قاتل بها المسلمون مما جعل العدو يتخلى عن القيام بأعمال حاسمة وجريئة ضدهم متوخيا الحذر .

عندما سقط عبدالله بن رواحة أخذ الراية ثابت بن ارقم ، فقال : "يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم" قالوا : أنت ، قال : ما انا بفاعل ، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد" فأخذ الراية خالد وتولى القيادة .

أصبح الموقف الآن خطيرا ، لقد أظهر القادة الذين تولوا القيادة قبل خالد شجاعة أكثر مما أظهروا من فنون القتال . هنا إستعاد خالد السيطرة على جيشه الصغير ووضعه بترتيب قتال منسق ، وكان عليه ان يختار أحد الحلول الثلاثة التالية :

الأول ، أن ينسحب وينقذ المسلمين من الإبادة ولكن هذا الحل سيلام عليه خالد والمسلمون ..

والثانى ، أن يتحول إلى الدفاع ويستمر فى القتال وفى هذه الحالة فإن التفوق العددى الرهيب فى جيش العدو سيؤدى ولا شك إلى حسم المعركة ..

أما الثالث ، فهو أن يهاجم ويقلب توازن العدو وبذلك يكسب خالد مزيدا من الوقت لدراسة الموقف ووضع خطة أفضل للعمل .

كان الحل الثالث هو أقرب الحلول لطبيعة خالد ، فهاجم المسلمون بعنف على طول الجبهة وفى مقدمتهم خالد . تراجع الغساسنة قليلا تحت ضغط المسلمين على أمل أن يكتسبوا الوقت لإعادة تنظيم صفوفهم خاصة بعد أن نجح قائد ميمنة المسلمين "قطبة" من قتل القائد الغسانى "مالك" فى مبارزة ..

فى هذه اللحظة كان خالد يتناول السيف العاشر حيث كسر قبل ذلك تسعة من السيوف فى مبارزات عنيفة ، وأبلى خالد فى هذه المعركة ما لم يبله قط فى غزواته الكبرى على كثرتها .

عندما تراجع المسلمون ، جمع خالد قواته وقطع التماس مع العدو وانسحب الجيشان فى مواجهة بعضهما إلى الوارء بعيدا عن مرمى النبال ، وكان كلاهما يلتمس الراحة وإعادة التنظيم .. وانتهت هذه الجولة من المعركة لصالح المسلمين وفقد المسلمون حتى الآن 12 رجلا فقط .. أما العدو فلا توجد معلومات عن مقدار خسارته لكن لا شك أنها كانت جسيمة لأن كل قائد من قادة المسلمين كان مقاتلا بارعا كما أننا قد نتساءل أين كسرت هذه السيوف التسعة بيد خالد !

وعلى كل الأحوال ، فإن الموقف لم يظهر أى أمل فى نجاح آخر للمسلمين .. لقد أبعد خالد الهزيمة عن المسلمين وانقذهم من العار لكنه لا يستطيع فعل أكثر .. وفى المساء انسحب خالد بجيشه من مؤتة متجها إلى المدينة .

كان المسلمون العائدون من مؤتة فى حالة نفسية سيئة ، لأنه لم يسبق لهم منذ غزوة "أحد" أن يقطعوا التماس مع العدو ويتركوه يسيطر على ميدان المعركة .

يصف بعض المؤرخين مؤتة بأنها نصر للمسلمين ويصفها البعض بالهزيمة لكنها لم تكن ايا منهما .. كذلك لم تكن مؤتة معركة كبيرة أو حتى هامة لكنها منحت خالد هذا اللقب .. أعظم لقب عسكرى عرفته حضارة الإسلام .. سيف الله ..

وهنا تلميح يخفى على كثيرين .. هذا اللقب المذهل .. إن له معنى واحد فقط .. سيف الله .. إنها نبوءة النبىّ لهذا البطل ..

أنت يا خالد سيف من سيوف الله ..

فمن يستطيع كسر هذا السيف ! إنه سيف لن يكسره خصم ما كانت فيه حياة ..


وقد سمعنا فى عصورنا هذه بالالقاب الكبار تضفى على القادة لأنهم نجحوا فى خطة إرتداد لا محيص عنها .. فتلك هى السنة النبوية تسبق النظم العصرية إلى تقدير القائد البارع بقيمة النجاح فى ارتداده كما تقدره بقيمة النجاح فى تقدمه وانتصاره .


Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.