إحك شهرزاد ..... إحك
 

بسم الله الرحمن الرحيم

أختي العزيزة إيناس :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
العمل الذي بين أيدينا كان كلاعب انفرد بحارس المرمى ثم سدد الكرة -بغرابة شديدة- في اتجاه المتفرجين ..
نعم العمل الذي بين يدينا كان من الممكن -بلا منازع- أن يكون وثيقة تاريخية في الإبداع على غرار ما فعله الراحل توفيق الحكيم في قصته أو مسرحيته شهرزاد والأخرى أصحاب الكهف.
ما هو الجميل في العمل ؟ سؤال من المنطقي أن تسأليني عنه .
ولست عبقري زمانه ولا فريد عصره ولا وحيد دهره ولكن أي شخص له إلمام لا بأس به بالأدب سيقول
ما أقوله أو بمعنى أصح : أقول ما سيقوله سواي ولست بذلك متفرّدًا.

أجمل ما في العمل هو استيحاء الفكرة ، وهي رغم أنها فكرة متداولة ومحفورة في اللاشعور
الجمعي للأفراد إلا أنك بدأت في تناولها بشكل مختلف . هذا الشكل المختلف يسمى (التشكيل).
لقد فعلت كاللاعب الذي يسدد الكرة عكس اتجاه حارس المرمى ، فحيث يظن الفرد أنك تتحدثين
عن عشق تقليدي نجد المفاجأة في الموضوع وهو الواقع الاجتماعي والاقتصادي والدولي للشعوب
العربية.
من هنا كان العمل موفقًا من زاوية الاختيار وكان مبهرًا ومتسلسلاً تسلسلاً تلقائيًا فريدًا ، لا سيما في
أنك تجاوزت الزمن الألف ليلة ، وكأن التساؤل كم ألف ليلة وليلة سنحياها في ذلك الليل القاتم ؟؟
فالعنصر الإيجابي كان أولاً في طريقة الاستفادة من الموروث الأسطوري.
وكان ثانيًا في الإضافة التي جعلت للعمل شكلاً خاصًا وهي روح المفكرة calenderأو memo . كما أن
النهاية كانت مبهرة للغاية .
بين البداية والنهاية كانت المسافة باهتة .. لماذا ؟ تفضلي بالقراءة وعذرًا للإطالة لكنك المسئولة عن ثرثرتي هذه ..

على بركة الله ..
التناول كان عاديًا وتقريريًا ، ولم يكن متوقعًا بعد هذا الشوط الجميل من الإبداع والتخيل أن تأتي الصورة لا خيال فيها ولا حراك ولا رؤية .. كان من الممكن أن تقولي مثلاً :
احك ِ عن بيوت أوهن من خيوط العنكبوت ..
تلك العناكب التي التفت على أهلها كلما دارت دورة
أغلقت جانبًا من الشمس (مثلاً)
..ولكن التعبير الظيم أرض سقفها دماء الأبرياء كان تعبيرًا عظيمًا للغاية لكنه ضاع في خضم الانفعال الجارف والذي لو هدّأت ِ من روعته لكان العمل مادة يجري وراءها الإعلام المرئي والمسموع من أجل تحليله .

أشطر عادية كلها تصب في معنى واحد ... ربما تستخدمين ألفاظًا أدق فيما بعد .مثال :
احك عن هذا البرميل وهذا الغاز وقد حُرِقت بهما أحلام طفل في مدرسة
تصرخ جدرانها ... احك عن غاز وبرميل لم تتفتنح عيونهما إلا على أرواح أبنائنا...
هذه المقطوعة ممتازة أبقي عليها حتى تكون خلفية لك في إطار العمل ككل لكن جملة
غسل دماغ أمام التلفاز لا داعي لها ..مكررة وركيكة داخل سياق العمل .


هذا المقطع رائع لا سيما الشطرا الأوليان وجملة تبخرت بين السجائر ورماد الهيروين آماله جميلة لكن تحتاج إلى صياغة أشد متانة وقوة . والشطرالذي تحته خط لو حذفتيه لكان خيرًا لأنه تقريري أو يمكن القول بأنه يمكن التعبير عنه بشكل أكثر أناقة
.هنا ألمح شيئًا عبقريًا وهو أن نوم شهر يار كأنه همسة الأمل لديها . أي كأن شهريار حينما
ينام فإن الكلام سيبدأ في تحريك الماء الراكد . ختمة جميلة موفقة ربما كان ينقصها أن تقولي :
أكلمي شهرزاد الحكي ، فإن الديك لن يصيح اليوم لأنه لم يعد يتبين شكل الصباح ...أو سيصيح الديك
على صباح غير الذي اعتاده شهريار .ذلك الصباح بل الضحي الذي يرى فيه النجوم !!
هذا هو ما أراه في العمل من إيجابيات وسلبيات . أرجوك ِ وأقبّل أزرّة الجهاز الذي تكتبين عليه:
أعيدي صياغة العمل مرة أخرى حتى يكون هذا العمل سندريلا تتهافت على أقدامها أحلام النقاد والمبدعين وليكون هذا العمل لبنة شامخة في تاريخ إبداعنا الجميل .. بالتوفيق

ونحن في انتظار إبداعك الجميل أختي العزيزة وهذه ليست تكرمة بل واجبي تجاه كل
صاحب إبداع راق ٍ.. دمت مبدعة

بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزتي إيناس :
المجموعة التي كتبت الآن أقل بكثير مما سبقها ... حاولي أن تأتي بحكايا على هذا النمط
الليلة الخامسة بعد الألف : احكي لنا عن ألحان الرصاص ، تلك التي يحبها شهريار عندما يصحو ليبحث بها
وقت الأزمات عن خلاص ..
شهريار ما زال نائمًا على أحلام الفقراء والبسطاء .. نومه هنئ ..، فأكملي الحديث
الليلة السادسة بعد الألف : احكي لنا يا شهرزاد عن النجوم التي تسطع فوق مناكب الجنود وتلقي وميضها
نارًا على صدور الأطفال
الليلة السابعة بعد الألف : احكي لنا يا شهرزاد عن بساط الريح الذي اعتاد اختراق العواصف لأنه أشد منها قسوة..بسط الريح الذي هبط فوق نجمة سداسية الأضلاع ....
أرجو أن تكون الصورة قد وصلتك والفكرة قد اتضحت أكثر

أخي المشرقي الإسلامي
فكرتك وصلتني، وفهمت ما تنتظره من حكايات شهرزاد،
لا أشك أنكَ لاحضت أن الشطر الأول من حكاية شهرزاد تزامن مع الأحداث المؤلمة في غزة وتمنيتُ أن أكمل الفكرة التي بدأتُ بها وكما قلتَ أخي هناك الكثير والكثير من الحكايات لم تكمل شهرزاد سردها في هذا المضمار ...
مع الأسف أخي ويمكن هذا من سلبيات كتاباتي ونُذرتها كذلك، أن مشاعري هي التي تكتب، وخواطري مخاض أحداث معينة في أوقات معينة، وحروفي تظل خرساء إذا لم تحدثها أحاسيسي تحركت فجأة من أجل موقف ما ....
ورغم ذلك سأحاول أن أكمل الفكرة الأولى لأنها كما قلت أخي المشرقي لاتزال ناقصة وتحوي حكاوي كثيرة لابد لشهرزاد حكايتها لأن شهريار يمكن غافل عنها
أنتظر دائما ملاحظاتك التي تزيدني تشجيعا وفائدة ...

ما أجمل ما تكتبين أختي العزيزة ! والأجمل منه أن هذا الذي كتبتيه يتضح فيه أثر النضج من خلال مقارنته بما كُتِب من قبل .. قطع رأس الكلمات ونفي القصص والحكايات ..نكهة الألم، رائح العذاب، حكاوي الصمت .. كل هذه مصطلحات تحكي عن نفسها وتببين مدى ما وصل إليه مستواك الرائع دون الحاجة إلى تعقيب لأن هذا التعقيب أؤجله لما بعد ، ولكن جميل أن تمتلكي هذه القدرة على التكثيف والاختصار ، لغة تجمع في طياتها بين الصورة التشكيلية في قطع رؤوس الكلمات ، وروح القصة من خلال السرد المكثف والنهاية المتقنة هي التي جعلت الصمت آخر مشهد في العمل .
أحسنت وفقك الله ودام قلمك على المدى

سيدك شهرزاد

أمر سجانه بقطع رأس كل الكلمات

يكون جميلاً أن تستخدم لغة السجان والسلطة بحيث تطوّع في مقاومة الكلمات التي تبدو وكأنها عد لدود ،وتأتي الكلمات مشخصة كإنسان له رأس ، وفي هذا التعبير تدليل على عنف قمع الكلمة خاصة عندما تستخدك كلمة كل والمفهوم بداهة أن كل لا يُقصد بها أي كلمات على الإطلاق وإنما كل الكلمات التي لا ترضيه ،إذ هناك كلمات أخرى يُلبسها تيجان مرصعة بالذهب

ونفي كل القصص والحكايات

نفس النغمة القصص والحكايات تنفى وتشخص كإنسان لأنها هي نتاج هذه الكلمات أو أبناءها ، ويتقضي التخلص من الأصل التخلص من الفرع للتأكد من عدم وجود مفازع أمنية ومخاوف تقلق عرش سيادته
فكل قصصك أصبحت بطعم العلقم
ونكهة الألم
ورائحة العذاب

جميل ها هنا أن شهرزاد تبدو ذكية تستدرج شهريار وتوصله إلى منطقة المصارحة ، لتعبر عن ضمير المظلومين وتنفي عن نفسها شبهة التواطؤ معه ، بل ويصبح التحول إلى الجد بعد السخرية مشعرًا يعِظَم المأساة. تعبير نكهة الألم ، رائحة العذاب جميلان في أنهما قربا شكل العذاب والألم في صورة ملموسة ، وهُما تعبيران أصبحا مستخدَمين بشكل كبير ، لذا يكون من الضروري عدم الإكثار منهما باستمرار .

وعليه ...

قرر إخلاء سبيل
كل من تتقن
حكاوي الصمت

نهاية رائعةعندما نصل إلى إلغاء الروابط أي استخدام تعبير لما يخالف خصائصه كحكاوي الصمت . ووجود الصمت في النهاية كان رائعًا لأنه لم يأت بعده كلام ولو أنك وضعت نقاطًا (...) لقلت قيمة العمل ، لأن هذه النقاط تدل على أن هناك شيئًاحدث بل إن عدم وجود نقطة واحدة لإنهاء الحديث(0) تشعِر القارئ بأنها عند حرف التاء وقفت ولم تلتقط نفسها، وهذا أكثر دلالة على معنى القمع وإخلاء سبيل متقني حكاوي الصمت.

إلى هذا الذي ذكرته في هذه المشاركة فما ذكرته في المشاركة السابقة لي عن الصورة التشكيليلة في قطع رؤوس الكلمات ووجود وروح القصة من خلال التكثيف في عملية السرد أضيفه إلى ما ذكرته ، راجيًا لك التوفيق في كل ما تكتبينه ودمت مبدعة على الدوام.