حوار الخيمة العربية

حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com:1/index.php)
-   الخيمة الساخـرة (http://hewar.khayma.com:1/forumdisplay.php?f=45)
-   -   من الأرشيف (http://hewar.khayma.com:1/showthread.php?t=77071)

ابن حوران 28-02-2009 01:11 PM

من الأرشيف
 
يوميات أبو شــوفة


أبو شوفة ، رجل ادعى أنه يستطيع معرفة الشخص عن بعد ، إن كان رجلا فاضلا أو غير ذلك .. و قد اختبره بعض أصدقاءه في كثير من المسائل ، فوجدوا أن ادعاءه كان صادقا ..


ففي أحد المراتكان أبو شوفة مع صديق له يسيران على أقدامهما ، يقصدان قرية تبعد عن قريتهما حوالي 15 كم ، وتتوسط تلك المسافة ، قرية أخرى ، فبينما هما ماشيان ، واذا بأحد الرجال يمتطي فرسا خلفهما على بعد 300م ، فما كان من صديق أبي شوفة الا أن يسأله ما رأيك بالرجل الذي خلفنا ، فأجاب على الفور ، انه كلب ابن كلب .. ولم يكونا قد تعرفا على الرجل .. ولم يرياه من قبل ..


فوصلهما الرجل ، و ألقى السلام عليهما ،ثم سألهما عن وجهتهما ، فأجابا ، فقال انها القرية التي تلي قريتنا وتبعد عن قريتنا حوالي سير ثلاث ساعات على الأقدام .. ثم طلب من أحدهما أن يركب على الفرس بدلا منه ، فركب أبو شوفة، فاقترب صاحبه منه وسأله : ها كيف ترى الرجل ؟ .. فأجاب أبو شوفة همسا ، إنه كلب ابن كلب ..

وبعدما أحس أبو شوفة أنه اكتفى من إراحة نفسه من الركوب ، نزل عن الفرس ، فأصر الرجل أن يركب صاحب أبي شوفة .. فركب ، وأعاد السؤال على أبي شوفة : كيف ترى الرجل ؟ فأجاب أبو شوفة ، انه كلب ابن كلب .

فلما وصلوا القرية ، وكان صاحب الفرس يسكن فيها ، فقال لهما إن الدنيا مساء ، اقضيا الليلة في ضيافتي والصباح رباح .. فأصر على ذلك .. فقبلا دعوته . فبادر صاحب أبي شوفة بسؤاله : ها كيف ترى الرجل .. فأصر على إجابته ( كلب ابن كلب).


فنزلا عند الرجل فمد تحت كل منهما فرشة ، وذبح دجاجة ، و عزف لهما على الربابة .. و ناما ليلتهما.. فأعاد صاحب أبي شوفة السؤال ، فرد عليه أبو شوفة بنفس الجواب ( كلب ابنكلب ) ..

وفي الصباح أحضر لهما فطورا .. و طلب منهما البقاء للغداء و ألح بطلبه، فاعتذرا من أجل مواصلة السفر.. و عينا صاحب أبي شوفة تسأل أبا شوفة ، وهويجيب صامتا ..

وعندما رأى إصرارهما على الرحيل .. أخرج دفترا و أخذ يقرأ علىمسمعيهما، ركوب فرس 4 قروش، جلوس على الفراش 4 قروش ، تناول عشاء 30 قرشا ..استماع للربابة 4 قروش.. مبيت الليلة 30 قرشا.. فطور 12 قرشا، المجموع 84 قرشا،وطلب منهما دفعها..

فهنا صاح أبو شوفة .. وهو يمد عليه دينارا .. خذ هذ اكله .. ولن أغير رأيي كلب ابن كلب ..

زهير الجزائري 28-02-2009 02:55 PM

امثال هذا الفارس الكثير بيننا في الحياة

ابن حوران 03-03-2009 08:52 AM

لكن أمثال أبو شوفة ـ مع الأسف ـ أقل

شاكرا لكم المرور الكريم

ابن حوران 03-03-2009 09:14 AM

يبحث مع رفيقين له عن عشاء :

ضاقت الدنيا ، برزقها في أحد السنين على أهلها ، فعاش الناس بصعوبة بالغة ، و أخذ الرجال ينظرون في و جوه بعض ، علهم أن يستنبطوا من قسمات وجه من يركزون النظر به خريطة تدلهم على باب رزق .. ولما كان سوء التغذية هو السائد ، فكان البصر غير قادر على قراءة الحروف الصغيرة ..

لم يكن وقتها قد تم ايصال الكهرباء ، للمدن والقرى ، ولم يكن وقتها قد انتشرت المواصلات بشكل جيد ، ولم يكن وقتها يوجد في البلاد من شمالها الى جنوبها ، الا ثلاثة أو أربعة طرق .. وتمر فوقها بعض سيارات المحتل الانجليزي كل ساعتين او ثلاثة .. ولم يكن وقتها لو مشيت طول النهار أن تجد مطعما أو فندقا ، ولن تجد من يطرح عليك السلام ، حتى لا تقوى العلاقة ، ويدعوك لبيته لمبيت ليلك .. ان البؤس كان عاما .. والقحط وقلة الطعام هي السائدة .. فلا البشر يجدوا ما يسد جوعهم ولا حيواناتهم تجد ما يسد جوعها ..

لقد قرأ أبو شوفة في عيون أصحابه ، أن يهيموا على وجوههم ، علهم يجدوا أحدا يعطيهم بعض الجمال أو الأغنام ليبيعوها في مكان ما ، ومن ثم يردون له أثمانها ، مع الاحتفاظ في بالربح يعيشون به هم و عيالهم .. وما كاد يعلن فكرته لرفيقيه ، حتى وافقا بأقصى سرعة ، لقلة الخيارات التي كانت أمامهم ..

ولما كان الفجر ، أعدوا لهم زوادة ( طعام سفر ) ، حتى يأكلوها ، عندما يجوعون ، وحملوا معهم بعض الماء ، و مشوا على أرجلهم ، حيث لم يبقى لدى معظم سكان القرية ، الا القليل من مقتنياتهم التي يمكن بيعها والتصرف بأثمانها لمواجهة سنين الجدب و القحط الأربعة التي مروا بها ..

تعمقوا بالبادية علهم يجدون ضالتهم .. ولكن دون جدوى .. لم يجدوا من يستقبلهم لتناول بعض الطعام ، ولا من أجل المبيت .. وقد خلصت زوادتهم من يومين .. والجوع آلمهم كثيرا .. لم يكونوا يحملوا معهم سلاحا ، حيث في سنين الخير لم يكن سلاح أحدهم سوى ( شبرية ) خنجرا ، وعصا ..

وقد دخلت ليلتهم الرابعة وهم هائمون على وجوههم، وكان الوقت بعيد صلاة العشاء ، فقد تراءى لهم ضوءا أكثر وضوحا من باقي بيوت الشعر ( الخيام ) الأخرى .. فقادتهم تجربتهم نحوه ، علهم يجدون من يستقبلهم ، ويطعمهم .. فقد كان البيت لأحد البدو ، الذي كان قد نذر أن يقرأ ( المولد الشريف ) بعد أن فكه الله من لدغة أفعى ..

تيقن أبو شوفة أن فطنته الآن هي على المحك .. فطلب من رفيقيه أن يقدمانه عليهما ، ويناديانه باسم ( الشيخ ) .. فأصبحا يكرران لفظ ( شيخ ) بصوت عال وهم مقبلون على بيت البدوي .. حتى سمعهم من في الداخل . فقام أحد من في البيت وخرج يستقبلهم ، وهو مستبشر ، لقد أتى من سيقرأ لهم ( المولد) .. فسأل أبا شوفة : هل تستطيع قراءة المولد يا شيخ ؟
فأجابا رفيقاه معا : ان الشيخ أفضل من يقرأ المولد .. لكن ما اسم صاحب الديوان هذا ؟
فأجابهم : انه يعود ل ( داوود الرباح ) ..
دخل أبو شوفة ، فقام من في الديوان و أفسح له مكانا متصدرا .. ورحبوا به ، وطلبوا منه قراءة المولد ..

وكونه أمي لا يقرأ ولا يكتب ، لكن فطنته أسعفته حيث بدأ
صلوا يا أهل الفلاح ...... ع النبي زين الملاح ..
و من في الديوان يرد وراءه بصوت عال ، طربين .. ومتمايلين
فعندما ينسى ما كان قد سمعه في قراءة المولد في بلده .. يؤلف من عنده
كلبة داوود الرباح ... ولدت في هذا المراح

يا عرب اجروا وراها .... وتعطروا من خراها

فلم يكتشف أمره ، لجهل من كان في الديوان .. فكرم ليلتها و تعشى هو ومن معه .. وباتوا ليلتهم ..

ابن حوران 25-03-2009 01:47 PM


خذ حسابك وارحل :

حيث أن أبا شوفة قد عاش ردحا من الزمن قبل الكهرباء ، فان طبيعة الحياة التي كان يعيشها ، هي حياة ريفية اعتيادية تتماشى مع طبيعة العصر في بدايات القرن العشرين ..

لقد كان لديه مجموعة من الحراثين أي ( المرابعية ) .. وهم الذين يقضون عاما كاملا في خدمة ملاك يحرثون أرضه و يزرعونها و يحصدونها مقابل ربع الانتاج ومن هنا أخذ اسمهم ( مرابعية ) .. وبعد نهاية الموسم ، إما أن يستمر أحدهم اذا حصل التوافق بينه و بين مالك الأرض .. أو أن تنتهي خدمته .

ولما كانت الحراثة تتم بواسطة الدواب ( الخيل و البغال والحمير و الأبقار) وكذلك الرجاد و الدراس ( أي نقل المحصول من الحقل و سحق القش من أجل استخلاص الحبوب لتخزينها ) .. فان أوقات استراحة ( المرابعية ) ، ستكون محدودة وقصيرة جدا .. الا اذا جاء الموسم قحطا و لا ناتج به .. فعندها ستطول فترة الراحة لدى هؤلاء الأجراء ( المرابعية ) ..

وكون هؤلاء الأجراء يبيتون في منازل ملاك الأرض ويأكلون من أكلهم ، فانهم يقومون ببعض الخدمات الاضافية التي لم ينص عليها عقد استخدامهم ، والذي دائما يكون بالقياس للعرف و بالمشافهة ، أي ليس مكتوبا ..

على أي حال لندخل الى الحالة التي نحن بصددها بعد تقديم تلك المقاربات ، لتساعد في تصور الموقف .. لقد كلف أبو شوفة أربعة من الأجراء (المرابعية) للذهاب الى مطحنة تدار بالماء قرب شلالات قريبة من قرية أبو شوفة ، ولبعد المسافة فان الرحلة بواسطة الجمال (جمع جمل أو بعير ) ، ستستغرق ثلاثة أو أربعة أيام ..

لقد ذهب الأجراء لطحن حبوب القمح وعادوا .. وعند عودتهم قام أبو شوفة بحيلة من حيله ليعرف من باع من القمح في تلك الرحلة و من لم يبع ، ولكن دون أن يسألهم حتى لا يقع في إحراج من أي نوع ..

لقد جمع أبو شوفة عصيهم التي يسوقون بها الدواب ، والتي دائما كانت تكون مع كل من يركب أو يقود أي دابة .. وبعد أن عرف كل عصا لمن تعود .. احتفظ بالعصي بعض الوقت ..

ونادى أبو شوفة أحدهم و قال له خذ حسابك و ارحل .. فلم أعد بحاجتك .. لم يناقش الأجير بأسباب قرار أبي شوفة ، فقد أدرك أنه عرف سلوكه وبيعه بعض القمح !!

لكن كيف حدث ذلك ؟ ببساطة ان العصا التي تجمع عليها الذباب ، لا زالت تحمل بعض آثار الحلو ( الدبق) الذي أكله هذا الأجير في طريقه وهو يمسك بالعصا !!

ابن حوران 09-04-2009 07:34 AM

أنت لك وأنت لك .. و أنت لا قمح لك عندي

لأبي شوفة مواقف طريفة ، فيمن يطلب منه طلب ، فيركز في مسائل جانبية ويبني عليها موقفه إما بالموافقة أو الرفض .. ففي أحد سنين المحل ، حيث لا قمح يأكله الناس .. يطوف المحتاجون ليقترضوا ما يحتاجون ممن لديه قمحا .

وفي أحد المرات ، جاءه ثلاثة أشخاص ليستدينوا بعض القمح ريثما يمن الله على عباده بموسم خير .. ولما كان من يريد أن يطلب شيئا في أيام زمان ، يتريث ، ويجلس صامتا أو مسامرا في أي شأن عدا شأن طلبه الذي جاء من أجله ..

وكان شكل ديوان أبي شوفة كأي ديوان من أيام زمان .. يضع (نقرة ) وهي موضع يحفر على بعد مترين من باب الديوان و في منتصف المسافة بين الجدارين .. ويمهد و تصب قاعدته و أطرافه بقطع من حجر أملس ، ثم يوقد به نارا من فحم أو حطب أو (جلة ) .. وتوضع دلال القهوة حول الموقد .. ويصطنع صاحب الديوان مجلسا يحيط بالنقرة ، اذا كان زواره لا يزيدون عن ستة أشخاص .. فاذا زادوا فان ديكور الجلسة سيتراجع ليكون بمحاذاة الجدران التي تكون أبعادها بالغالب ستة في خمسة أمتار .

كما يكون قبالة صاحب الديوان موضعا في الجدار يسمى (فاتية ) وهو تجويف داخل الجدار السميك الذي يصل سمكه أحيانا الى ثلاثة أرباع المتر .. توضع به بعض مكونات القهوة كالهيل والقرنفل وجوزة الطيب ، وقنينة بنزين لملئ القداحة (الولاعة) .. وبعض عينات من بذار مختلف ..الخ .

بعد أن تسامر الرجال ، طلبوا من أبي شوفة أن يعطيهم بعض القمح ، لحين نتاج الموسم .. فمسد على لحيته و برقت عيناه يمينا نحو أحدهم و ثبتت ، فقال للأول حيث لا يتطلع اليه ، أنت سأعطيك ، وقال للثاني و أنت كذلك ، أما الثالث حيث ثبت نظره عليه فقال ، أما أنت فلا قمح لك عندي ..

صمت الرجل الثالث الذي رفض طلبه ، ولم يكن في وضع يجيز له أن يعترض على الفور .. بل ترك المجال لصاحبيه علهما يتشفعان له .. ولما كان صاحباه لا يريدان إفساد فرحتهما بتجاوب أبي شوفة ، فقد تلكأا عن الكلام .. حتى أنقذهم أبو شوفة نفسه .. إذ قال : لم تسألني لماذا ؟
ابتسم الرجل الخائب الذي لم يحض بقرض القمح ، ابتسامة صفراء ، دون أن يجرؤ على سؤاله .. منتظرا أن يجيب أبو شوفه من تلقاء نفسه ..
وفعلا أردف أبو شوفة : لقد راقبتكم أثناء جلوسكم .. ان صاحبيك اللذان حظيا بالقمح كانا يشعلا تبغهم من نار الموقد .. أما أنت فكنت تمد يدك على القداحة وتشعل لفافة تبغك منها .. وهذا يدل على سوء تدبيرك ، وعدم ضمان قدرتك على السداد !!

ابن حوران 29-04-2009 09:03 AM

أنا أهنئك على ذكائك يا ولدي :

كان لأبي شوفة مجموعة من الأبناء .. يهابونه ، وينفذون ما يقول حسب اجتهادهم الممزوج مع الخوف .. فكانت تقع لهم بعض المواقف الغريبة نوعا ، فحسن و كان أكثرهم إطاعة لوالده ، كلفه ذات يوم أن يقوم بتطبيع بغلة فتية لديهم .

والتطبيع هنا يختلف عن التطبيع مع الكيان الصهيوني .. فهو تعويد ( الدابة ) الغشيمة التي لم تركب سابقا أو لم تحرث ، على فعل ذلك .. ففي البداية تكون نزقة ترمي من امتطى ظهرها و قد ترفسه رفسا مؤلما ، اذا لم تفعل الأرض ذلك وتصنع في رأسه كرة أو أكثر من فعل ارتطام الرأس بها .. ومن يدري فقد يكون التطبيع مع الكيان الصهيوني يطابق هذا العمل ببعض أوجهه ..

لقد ملأ أبو شوفة خرجا من الحجارة التي يزن أصغرها خمسة كيلو غرامات ، ووضعه على ظهر البغلة ، و أمر حسن أن يركبها ، ففعل حسن ذلك وكان قد قبل المهمة برضا كامل ..

نزقت البغلة نزقا شديدا ، وهرولت بعصبية كاملة وهي تتعمد اضطراب ركضها كي تفلح في إسقاط حسن من على ظهرها ، ولكن تمسك حسن و مراهنته على ان يبقى على ظهرها لكي يرضي والده بنجاح مهمته أجل من سقوطه من على ظهرها .. فركضت باتجاه البراري حتى غابت هي وحسن عن رؤية المراقبين ، وبعد عناد كل من البغلة وحسن عندما ابتعدت عن البلدة ما يقرب من ستة كيلومتر ، نجحت البغلة في إسقاط حسن والخرج المملوء بالحجارة الذي كان على ظهرها ..

وبينما أبو شوفة وأهله و قسم من أصدقائهم و جيرانهم يتحدثون عن طرق التطبيع للحيوانات .. دخلت ( حوش ) منزلهم البغلة بخطوات مسرعة .. ولم يكن على ظهرها لا ( حسن ) ولا الخرج ..

وبعد نصف ساعة وصل حسن الى المنزل ، و أهله يرقبون وصوله ، وكان يضع الخرج المملوء بالحجارة على كتفه ، وهو يلهث ..

سأل حسن : هل عادت البغلة الى المنزل ؟
أبو شوفة : نعم .. ما هذا الذي على كتفك ؟
حسن : انه الخرج يا والدي !
أبو شوفة : ولماذا أنت حامله بهذا الشكل ؟
حسن : وهل كان علي أن أتركه يا والدي ؟

أبو شوفة : أقصد الحجارة التي تزن أكثر من سبعين كغم .. لما أنت حاملها ؟
ألم تفكر بإفراغ الحجارة منه ؟

حسن : خفت أن تغضب يا والدي ..
وبينما الموجودون يتضاحكون ..

أبو شوفة : أوه .. أنا أهنئك على ذكائك يا بني ..

إيناس 29-04-2009 12:58 PM

قصص طريفة ورائعة قلبا وقالبا أخي إبن حوران
مفعمة بالعبر والمعاني وبعد النظر
جزيل الشكر لك أيها الراقي

ابن حوران 15-05-2009 01:43 PM

أشكركم أختنا الفاضلة على المرور الكريم

احترامي و تقديري

ابن حوران 15-05-2009 01:47 PM

لا بد من أن تحضر ولي أمرك :

حدثني أحد أبناء أبو شوفة وكان اسمه رياض ، وهو من زوجة مطلقة ، يقيم مع والدته ، وكان مشاكسا كثير الشغب ، رغم فطنته التي يوظفها في ابتكار المقالب مع الآخرين ، ونادرا ما كان يرى والده ، فإن رآه فإنه سيحظى بحفلة توبيخ ، هذا اذا لم يناله بعض الضرب المبرح ..

فقال : كنا ذات يوم في المدرسة ، وقد أتانا مدرس للتربية الدينية ، له بعض السلوك الغريب ، فأراد أن يحذو حذو أساتذة الفيزياء و الكيمياء و غيره من العلوم ، فأجبرنا على أن نأتي لصلاة العشاء في مصلى المدرسة ، وبعد أن أشرف على تطبيقنا للوضوء ، و أتم الاستعدادات لإقامة الصلاة ، أم الأستاذ بنا وبدأ يقرأ بصورة البقرة ، في الركعة الأولى .. وأطال القراءة في الركعة الأولى حتى أخذ التلاميذ من خلفه يتطلعون لمن في جوارهم ..

فأشر رياض للتلاميذ أن ينسحبوا بهدوء من خلف الأستاذ ، ويذهبوا لبيوتهم ، وعند بداية الركعة الثانية ، لم يجب أحد من التلاميذ على الأستاذ عندما قال ( ولا الضالين ) فاكتشف أنهم هربوا ..

وفي اليوم الثاني دخل الأستاذ على المدير و تكلم معه ، فتم إبلاغ الطلاب بضرورة إحضار أولياء أمورهم حتى يسمح لهم بالدخول الى غرفة الصف .. فذهب الطلاب و أحضروا أولياء أمورهم ودخلوا الى الصف بعد تسوية أمورهم مع الإدارة .. في حين لم يجرؤ ( رياض) على إحضار والده ..

فوقف في الشارع يبدي الحسرة واللوعة ، فصادف أن مر بائع كاز (نفط) فاستوقفه رياض راجيا أن يقوم بدور الأب ، لأن أباه لا يمكن أن يأتي معه .. فرق قلب بائع ( النفط ) .. وربط بغلته بعمود الكهرباء القريب من باب المدرسة .

وما أن دخل الممر المؤدي للإدارة ، حتى انهال على رياض بالضرب المبرح ، لكي يحسن دوره في تمثيل دور الأب .. ويحمله بيديه ويرميه أرضا .. ثم يرمي نفسه فوقه وينهال عليه بالضرب على وجهه ويركله .. فعلى صوت رياض صارخا باكيا .. و خرج المعلمون من قاعات الصفوف المدرسية ، وحضر المدير وأمين سر المدرسة .. وكلهم يتوسلون لبائع النفط أن يسامح ابنه هذه المرة ، فقد أهلكه ضربا ..

ابن حوران 04-06-2009 12:44 PM

لماذا كنت تضحك عندما ضربك الشيخ؟

عندما التقى به بعد أكثر من أربعين سنة من تلك الحادثة التي جرت في غرفة الصف، عندما طلب منه الشيخ أن يقرأ (والضحى والليلِ إذا سجى).. وما هي إلا لحظات منذ بدءه بالقراءة وما أن وصل الى الليل، وبدلا من أن يقرأها بالكسر قرأها بالضم (والضحى والليلُ) .. حتى انهال عليه الشيخ بالضرب، يحمله الى الأعلى ويرمي به بالأرض ويرفسه وينهال عليه بعصاه بالضرب، وهو يضحك بأعلى صوته ثم يتمتم ببعض الكلمات التي لا يسمعها زملاءه.

سأله: لماذا كنت تضحك وهو يضربك؟
عاد صاحبه الى الضحك وكأن الحادثة لا تزال بنت لحظتها، حتى دمعت عيناه من شدة الضحك..
فاستغرب من أمره، كما كان قد استغرب هو وغيره من التلاميذ والذين ربما كانوا يتوقون لمعرفة سبب ضحكه.

أجابه بعد إلحاح وقال: كان الشيخ جارا لنا وله ابنة بعمرنا، كنت أبادلها الإشارات من النافذة، وقد لمحنا الشيخ ذات يوم، وهو اليوم الذي سبق ضربه لي بذلك العنف، وقد قدر الشيخ أنه إذا فاتح أهلي بالأمر، فإن نظرة الناس لتربيته لابنته ستهتز، فضمر لي خطته تلك.

وكان وهو يضربني أتمتم بصوت منخفض (والله يا شيخ ها الضرب مو ضرب والضحى والليل!) فيشتاط غضبا، وأنا أتمتع بذلك الضرب وأضحك .. هل عرفت الآن السبب؟


الجنرال 2009 04-06-2009 01:54 PM

اعجبني رده ونباهته .. واعتبر موقفه مبني على امور يعرفها عن الاشخاص الذين يختلط بهم .. وهذه ليست مسألة جانبيه برأيي .. وخصوصا انه بررها بملاحظته عن سوء التدبير حول تصرف الرجل ..

ودقة الملاحظة مهارة قلّ من يتقنها لبناء فكرة ما عن شخص معين .. وخصوصا انها تأتي لتبرير ما يتم اتخاذه من قرارات بعد ذلك ..

شخصية ابو شوفه شخصية تثير الاهتمام لدي .. ومتابع جيد لما تكتبون مهندس ابو اشرف

دمت بخير وموده


ابن حوران 26-06-2009 06:22 AM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة الجنرال 2009 (المشاركة 646529)
اعجبني رده ونباهته .. واعتبر موقفه مبني على امور يعرفها عن الاشخاص الذين يختلط بهم .. وهذه ليست مسألة جانبيه برأيي .. وخصوصا انه بررها بملاحظته عن سوء التدبير حول تصرف الرجل ..


ودقة الملاحظة مهارة قلّ من يتقنها لبناء فكرة ما عن شخص معين .. وخصوصا انها تأتي لتبرير ما يتم اتخاذه من قرارات بعد ذلك ..

شخصية ابو شوفه شخصية تثير الاهتمام لدي .. ومتابع جيد لما تكتبون مهندس ابو اشرف

دمت بخير وموده


أشكركم أخي الجنرال 2009

وأقف واجلا أمام حميميتكم الدافئة

احترامي و تقديري

ابن حوران 26-06-2009 06:23 AM

لا تقلقوا عليَ

في الماضي كانت أنواع الطعام محدودة جدا، وأنماط الملابس محدودة جدا، والقصص والحكايات محدودة جدا، وكل شيء محدود، حتى نطاق السفر والابتعاد عن مسقط الرأس محدود، وإن حدث وابتعد أحدهم عن المكان وغاب يومين، فإنه سيتحدث عن تلك السفرة ستة أيام، ما رأى وما سمع وما يقوم هو بتحليله من خلال رؤيته وسمعه.

هذا في النسخة الأولى من الحديث، ولا ضير إذا ما أعيدت القصة مائة مرة، فلن يعترض أحدٌ على ذلك، لمحدودية مصادر الثقافة والمعلومات، ولعدم وجود وسائل إعلام تجدد معلومات المجتمع الضيق.

كان لبعض الذين يسافرون أسباب يسافرون من أجلها، منها التجارة، أو البحث عن بعير شارد، أو للحج. لكن كان بعضهم يسافر من أجل التفرد في اختراع الأحاديث التي تسلي من يجالسه، فيشبع حاجة في نفسه عندما تنسب تلك القصة له أو أن يطلب بعض الجلساء منه أن يحدثهم عن سفرته.

وكان لبعضهم دوافع تتعلق بما يأكلون في سفرهم، أو استقبالهم لمن يردون لهم الزيارات، ففي سفرهم سيكون ضيوفا يحظون بطعام يفوق طعام مضيفيهم الاعتيادي، وعندما يحل عليهم ضيوف فإنهم سيجالسون ضيوفهم في مأكلهم. فإن كانت ربة المنزل تربي بعض ( ديوك الدجاج) فهي تعلم أن تلك الديوك ستكون طعاما لضيوف زوجها وزوجها! ولن يتبقى لأهل البيت سوى بعض المرق وطعم الطعام الدسم.

كان أبو يوسف من هذا النوع من المسافرين من أجل اختراع الحكايات ومن أجل ما يحظى به من طعام مضيفيه، وطعامه عندما يشارك ضيوفه. وكان أبو صالح جاره من أشد المفتونين في حكاياته، ويحب أن يكون أول من يسمع حكاياته.

كان أبو يوسف يغيب لمدة شهرين وأحيانا لثلاثة شهور، وعندما يعود لا يبيت ليلته في بيته، بل في بيت جاره (أبو صالح)، وبعد أن يتعشى، يطل برأسه من أعلى الجدار المنخفض بين منزليهما، ويخاطب أهله: لا تقلقوا علي فأنا في بيت أبي صالح!

إيناس 26-06-2009 04:52 PM

أخي إبن حوران
وأنا أقرأ نصك الأخيرة "لا تقلقوا عليَ" أحسست ببعض الأسف على أشياء ندُرت إن لم تكن إنتهت وإنقرضت ،
فأين نحن من هذه الجلسات العائلية والسمر بين الأصدقاء، والحكايات التي كان يجلبها محبي السفر والمغامرة، وحسن الإستماع للإستمتاع بجميل الحكي والحكاية، كل هذه الأشياء ضاعت وإنسحبت تاركة مكانها لشاشة التلفزيون وصندوق الإذاعة،
وأين نحن كذلك من هذه الجيرة الجميلة، فاليوم أصبحنا لا نعرف حتى كيف هي وجوه جيراننا ونحن نسكن جوارهم سنين...
كل الشكر والتقدير لك ولتواجدك أخي الكريم

ابن حوران 29-06-2009 07:13 PM

العفو أختنا
أشكركم على تواصلكم

ابن حوران 29-06-2009 07:14 PM

مدلول الصغير

(مِقرط العصا): إن سألت أحدهم عن عنوان مكان في الصحراء، فسيجيبك، إنك اقتربت من الوصول.. ولم يبق عليك إلا (مقرط العصا) أي أن المسافة التي بقيت عليك حتى تصل تساوي المسافة التي تكون من رمي عصا.. والدلالة هنا مجازية، وزائفة بنفس الوقت.. فرمي العصا لا يصل أكثر من مائة متر في أحسن الأحوال.. وقد تسير لمدة أربع ساعات أو أربعة أيام، حتى تصل ما قدره لك من أجابك .. ولكن المجاز في الإجابة آت من سعة الصحراء وبُعد مسافاتها وضآلة المسافة التي بقيت عليك مقارنة بتلك السعة.

(وجهه قد إصبعين): إذا سألت أحدهم عن صديق لكما، وكان قد رآه منذ وقت قريب، وقد مر بحالة مرض، فإنه سيقول لك: ( مسكين! حالته توجع، وجهه قد إصبعين) .. من الطبيعي أن لا يكون وجهه بحجم الإصبعين وضعفهما، لكنه يريد استعمال المجاز(الشعبي) للتدليل على سوء حالته وغزو الضعف والهزل لجسمه.

(معي قرشين): يهمس بأذن صاحبه ليستشيره في إقامة مشروع صغير يعيش من إنتاجه، فيقول: معي قرشين أريد أن أستثمرها ولا يقول (أريد استثمارهما)، لأنه ليس معه فقط قرشان، بل معه مبلغ ليس بالعظيم، حتى لا يتورط صديقه في نصحه على ضوء ضخامة المبلغ.

(قضيت يومين حلوات): يُلاحظ في وصف المدلول الصغير أن تكون الصفة بالجمع وليس بالصيغة المذكورة، فلم يقل: يومين حلوين، لأنهما ليس كما ذكر بل قد تكون سنين طويلة، وهي صيغة يستخدمها كبار السن، فإن كان ابن ستين عاما، ويذكر الماضي فإنه يذكره بالأيام، وإن ذكر المستقبل سيذكره بالأيام أيضاً، فيقول: ( ظل لنا في هذه الدنيا يومان) وقد يعيش عشرات السنين الأخرى، لكنه لا يذكر في الماضي إلا أياما قليلة نظرا لطول المدة التي عاشها دون أيامٍ حلوة إلا التي ذكرها، وإن ذكر المستقبل، فإنه في وضع استعداد أو تهيؤ لاحتمالية وفاته في أي لحظة!

(قاروط فلان): قد يظهر أحد الرجال بشكل ملفت للنظر بمكانته أو كثرة أمواله، ويعرفه أهل الحي أنه فقد والده ووالدته منذ الصغر، وهي الحالة التي يطلق عليها البعض لقب (قاروط: أي من فقد والديه الاثنين، تمييزا عن اليتيم الذي يفقد واحدا من والديه). وطبعا معروف، أنه إذا أصبح الرجل رجلا وله أولاد وأسرة، لا يعود الناس يطلقون عليه (يتيم أو قاروط)، ولكن للتحقير والاستخفاف بالغنى المفاجئ يعاود الناس لاستخدام (قاروط فلان).

(قطع يده وشحذ عليها): إن ذهب أحدهم ليقترض بعض المال من صاحبه، فإنه يعتذر له، ويقول: أن لديه (كومة لحم) يريد أن يطعمهم ولا يستطيع، وهو تحقير لوضع أسرته وتحويلهم الى (لحم غير مجروم)، ولكن ليدفع صاحبه بعيداً عن تحصيل المال. وعندما يعود صاحبه الى أهله يسألونه: هل أعطاك مالا؟ فيجيب: قطع يده وشحذ عليها، أي أنه بدا كالمتسول الذي فقد أحد ذراعيه ليشفق عليه المحسنون.

(تفضل اشرب قهوة): كان من يصنع طعاما لضيف، يبعث ولده الى أخيه أو جاره ليشاركهم في تناول الطعام مع الضيف، فيقول الولد: (يبلغك والدي السلام ويقول لك تفضل اشرب القهوة عندنا)، فيفهم المدعو أن هناك وليمة، ولا يجادل أن الطبيب قد منعه من تناول القهوة، أو أنه شربها للتو، في بيته.

ابن حوران 16-07-2009 10:53 AM

غششتني يا منحوس :

كانت علاقة أبي شوفة مع البغال علاقة حميمة .. فهو لا يثق بحيوان في قدرته على التحمل كثقته بالبغل .. وكانت بعض الطبائع تتسرب من الحيوانات لأصحابها .. كما هي الحال اليوم عندما نستخدم بعض خصائص جهاز الكمبيوتر ونستخدمها في حديثنا ، فنقول عندما نريد أن نتجاهل ما يقول آخر ( كنسله ) .. أي الغي ما قال .. أو اعمل له ( ريستور ) ..

فكانت لغة الناس في عهد أبي شوفة ، تتأثر ببيئتها بشكل ، فأحيانا عندما كان يريد تنبيه أحد أبناءه ، فانه يصرخ به ( هيش ) وهي تقال للحمير .. أو (هو ها ) وهي لفظة تقال لردع ( عجل أو ثور ) .. أو إذا أراد أن يزجر أبناءه مجتمعين ، فإنه يناديهم يا ( طرش ) وهي معشر الحيوانات مجتمعة ..

صدف و أن أصبح ( بغل ) أبي شوفة ذات مرة ، يضطرب في مشيه ، ويعاني من شيء ، أشبه بالدوخة ، فحمل أبو شوفة همه كثيرا ، و استشار أحد أصدقاءه القدماء ، فشخص صديقه الحالة على وجه السرعة ، بأن البغل يعاني من ديدان ، في داخل معدته .. ولم يكن التشخيص نابع من خبرة ، بل كان الرجال في ذلك الوقت لقلة المعلومات و لقلة الأجهزة التي ممكن أن تجيب على وجه الدقة عن أي شيء .. لا يعتذرون عن الإجابة عن شيء .. فلو سألت أحدهم عن كيفية صناعة الطيارات ، لبادر في حديث طويل عن صناعتها ، وهو لم ير في حياته طائرة عن قرب ، الا اذا رأى لمعانا في السماء في يوم مشمس .

فقال له أبو شوفة : وما الحل لتلك الدوخة ؟ وكان يتلهف أن يسمع من صديقه أي شيء ..

فأجابه صديقه : اسق البغل ( مسودة بنزين ) والمسودة هي زجاجة ، كان يعثر عليها الفتية على الطرقات بعد أن شرب سائح محتوياتها من الخمر ، ورمى بها على جانب الطريق ، فيلتقطها بعض الفتية ، وتدخل بسرعة مجال الخدمة في البيوت المحظوظة بالعثور على مثل ذلك الإناء الفاخر ..

سأله أبو شوفة : ألا يتأثر البغل من شرب البنزين ؟ إني أخشى عليه من أن يموت يا صاحبي ..

ثم خطرت على بال أبي شوفة ، فكرة غريبة ، إذ نوى أن يجرب بأحد أبناءه وكان اسمه ( حسن ) فإن جرى لحسن شيئا من شرب البنزين توقف عن استعماله للبغل .. وان لم يتأثر حسن بذلك ، فإنه سيقوم بتقديمه للبغل ..

لم يكن أمام حسن أي خيار .. فقد نفذ تعليمات والده ، فأمسك أنفه بأصبعيه وجرع البنزين على دفعة واحدة .. وبعدها صرخ وتلوى و بكى .. فزجره أبو شوفة ، فتوقف عن الصراخ .. ولكن بقي أبو شوفة يراقب ابنه بين حين وحين حتى انقضى اليوم .. فأحس أبو شوفة براحة حذرة ، فهو يعرف أن حسن أخشن من البغل قليلا .. وهذا سر حذره ..

وفي اليوم الثاني ، أتى أبو شوفة بمسودة البنزين و وضعها في حلق البغل حتى فرغت ، وما هي الا ساعات حتى فارق البغل الحياة ..

فثارت ثائرة أبي شوفة ، وانهال على حسن بالضرب المبرح .. وهو يصرخ ويشتم .. غششتني يا ملعون الوالدين ، غششتني يا ملعون الوالدين !!

ابن حوران 08-08-2009 07:44 AM

بُرطم قوت

كان في أحد القصور القديمة أميرة فائقة الجمال تُدعى (ياقوت) وكانوا يختصرون اسمها ب (قوت)، وأكثر ما يلفت في جمالها هو اكتناز شفتيها وسحر ابتسامتها، وكان الخدم والحشم والزوار يتمنون التفاتة من عيني تلك الأميرة ممشوقة القد.

وكان في القصر، أحد الرجال الخدم الذين يقومون مقام الطبيب والمعالج، وكان ذلك الرجل معروفاً بقدرته على انتزاع (السم) من (الملدوغ)، وكان ذلك الرجل من بين الكثيرين الذين يتمنون أن يحظوا بنظرة أو لمسة من الأميرة.

وذات يوم، علت الأصوات في القصر تنادي على الرجل المعالج بأن الأميرة (قوت) قد لدغها عقرب في شفتها السفلى، وعليه أن يتوجه إليها حيث ترقد ويزيل السم من شفتها.

فرح الرجل المعالج كثيراً، وتمتم في نفسه إنها فرصته لتحقيق بعض ما كان يحلم به. طالت معالجة الرجل للأميرة وهو يمتص السم من شفتها السفلى، والعيون تراقبه وتطلب منه أن يستعجل في مهمته، ولكنه ادعى الحرص على إزالة كل السم من شفتها، فاستمر بلثم شفتها بتلذذ وهو يعلم أنه قد استخرج السم منذ حين.

ارتفعت الأصوات في القصر أن (مرجانة) قد لدغها عقربٌ في عجزها، وكانت (مرجانة) خادمة داكنة البشرة عجوز سمينة ذات عجز عظيم. فوجد الملك فرصته في إبعاد ذلك الرجل عن ثغر ابنته الأميرة وأمره بالإسراع في معالجة (مرجانة).

ذهب حزينا ليستخرج السم من عجز (مرجانة) وبعد أن انتهى من ذلك، تمتم في نفسه ( اللي نخرجه من بُرطم قوت نضعه في عجز مرجانة)

فذهبت مثلا، يُقال لمن يربح في مسألة ويضع ما ربحه في مسألة أخرى.


ابن حوران 24-09-2009 11:13 AM


الى أين أنت ذاهب؟

كان (أبو شوفة) مثله مثل كل من كان في عمره ومن في عصره، يؤمنون بنظرية التثليث التي تطيل العمر، فمرة في اليوم ومرة في الأسبوع ومرة في الشهر، إذ كان من يؤمن بتلك النظرية يتفقد جهازه الهضمي يومياً إن كان يقوم بالتبرز بشكل طبيعي أم لا، وكان يعاشر زوجته مرة في الأسبوع وعادة تكون ليلة الخميس على الجمعة، ليكون لاغتساله ما يبرره (من الجنابة واستعداداً لصلاة الجمعة)، وكان يتناول بعض المسهلات كزيت الخروع أو أقراص (الفاملاكس) التي تنظف كل ما في جوفه كل شهر، وبهذا يضمن صحة مثل الحديد، حسب اعتقادهم!

قبل ظهر يوم (أربعاء)، لفت (أبو شوفة) نظر من كان يجلس أمام دكاكين السوق، وقد ارتدى أنظف ما لديه من ملابس، ووضع عباءته الشفافة لتغطي ما ارتدى من ملابس، وكانت الكحلة السوداء تظهر بوضوح على جفنيه وكأنه خروف أبيض أحاطت بعينيه دائرتين سوداويتين، وكان يمشي الهوينة فلم يزل هناك متسع من الوقت حتى يُرفع أذان الظهر.

استغرب الجميع ذلك الإفراط في الأناقة (النسبية) والتي لم يلجأ لها من في عمره إلا في أيام الأعياد أو عند صلاة الجمعة في بعض الأحيان، وتهامسوا ماذا وراء تلك الأناقة؟

بادر أحدهم بسؤال (أبي شوفة) دون أن ينهض من مكانه أمام إحدى الدكاكين التي كان يتجمع حولها مجموعة من الرجال ـ كعادتهم ـ حيث هناك متسع من الوقت للمجتمع الفلاحي في مثل تلك الأوقات من السنة (أيلول/سبتمبر)..

الى أين يا أبا شوفة وأنت (داخل بالغسيل) ؟
أجاب أبو شوفة (على الفور): الى اين؟ الى المسجد لأداء صلاة الجمعة.
قهقه الجميع عالياً وقال أحدهم: لكن اليوم هو (الأربعاء).
أحس أبو شوفة بحرجه وقال: (عملتها بي ملعونة الوالدين)؟ وكان يقصد زوجته.




ابن حوران 13-11-2009 06:48 PM

حظ يفلق الصخر

عندما خرج من دورة المياه في صباح باكر من أيام كانون الثاني/يناير، لاحظ أن المدفئة النفطية التي أشعلتها زوجته لأطفالها النيام، وذهبت لتعد لهم طعام الإفطار قبل إيقاظهم، قد ارتفع لهيبها وتصاعد الدخان منها واقترب تهديدها ليلتهم الفراش الذي ينام تحته أطفاله، فلم يكن أمامه إلا أن يحملها ويرميها بقدر ما استطاع في الممر الذي يواجه باب غرفة أطفاله.

في تلك الأثناء هُرعت زوجته من المطبخ، وكانت ترتدي ملابس نوم (نايلون) فارتطمت المدفئة بها والتهمتها النيران. سارع الى لفها بأحد أغطية منام أطفاله، ولكن بعد أن نالت النار من بعض أطراف جسدها.

حملها في الصباح الباكر الى مستشفى في مدينة (إربد) وفي طريقه هناك، كانت إشارة ضوئية على تقاطع (حوارة) وكون الطرق خالية في الصباح الباكر، ومدى الرؤية يكشف له الطرق من أربع اتجاهات، شجعه ذلك لقطع الإشارة الحمراء. ولم ينتبه أن وراءه سيارة (فولكس فاجن) يقودها رائد بالشرطة ذاهب الى دوامه فاستوقفه بعد الإشارة وحرر له مخالفة ب (53) دينار!

تساقطت الثلوج، فركب سيارته لإحضار أخته التي كانت تقيم بالزرقاء، لكي تعتني بأطفاله الذين يحتاجون لعناية أمهم النازلة في المستشفى. وأثناء عودته من منطقة (الضليل) انهمرت أمطار غزيرة، انطفأ محرك السيارة التي يقودها بفعل (طرشقة) الماء.

أحب أحد سائقي سيارات الشحن الذاهبين الى العراق أن يقدم له خدمة فعرض عليه أن يسحبه لينقله خارج المخاضة المائية، لكن سائق الشاحنة نسي أنه يسحب وراءه شيئا، فلم ينتبه إلا قبل الحدود العراقية بأربعين كيلومتر، عندما استوقفته نقطة تفتيش.

كان أطفاله يعوضون غياب أمهم ب (عنزة شامية) كانت على وشك الولادة. في منتصف تلك الليلة أراد أن يتفقد حال العنزة، فوجدها ميتة. حاول أن يخفيها، فسحبها فوق الثلج المتراكم بعيدا عن منزله الذي يقع جنوب مدينة (الرمثا)، وفك الحبل الذي ربط العنزة به، فوجد حمارا واقفا هناك، فخطر على باله أن يركب الحمار ويعود لبيته. وعندما امتطاه وقع الحمار به (وكان ميتا) فواجهته صعوبة بالغة في إخراج ساقه من تحت الحمار.

كان يعمل سائقا لسيارة نصف شاحنة لنقل الأعلاف، وكانت سرعة قيادته لا تزيد عن 50كم في أحسن الأحوال، ومع ذلك ارتطمت سيارته بسيارة صغيرة بها خمس ركاب، فماتوا جميعا، عدا واحدة من النساء شهدت بعد أن قامت من غيبوبتها التي استمرت 4 شهور أن من كان يقود سيارتهم مات فجأة فارتطم بسيارة العلف!

أما صاحبنا فقد ذاكرته، وبعد أن استعادها روى لنا ما رويته لكم.

ريّا 13-11-2009 11:23 PM

بصدق جميلة

أحداث تشد القارىء وتشعره بألم وغصة

يمكن البعض يراها خيالية وساخرة ولكني اراها واقعية جدا وقاسية لأبعد الحدود

شكرا لك بعدد نجوم السماء

ابن حوران 21-11-2009 02:25 PM

هي قصة حقيقية .. وأعرف صاحبها جيداً.. ولو تفرغ أحد كتاب القصة القصيرة
للاستماع له لوجد لديه مواد خصبة لتزويده بما يريد.

شكراً أختنا ريا


Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.