مصنع البلاستيك
 

مصنع البلاستيك

بعد مضي 10 سنوات غربة بحلوها ومرها .. قررت النزول إلى بلدي الغالية لكي أستقر فيها وأعيش ماتبقى من عمري بجوار أهلي وناسي أحاول الرجوع إلى عملي الذي استقلت منه قبل سفري – لكن دون جدوى – ففكرت في مشروع بسيط أقتات منه أنا وأسرتي .

كنت في أحد سيارات نقل الركاب بين المحافظات وصادفت أحد زملاء الدراسة وكان مقربا لي فسألني عن أفكار مشاريعي بعد عودتي فأجبته بالتريث لحين دراسة وضع البلد وما المشروع الذي يمكن أن تتحمله هذه المدينة الصغيرة فأسرع قائلا : أنا أخوك ومصلحتك تهمني وعندي لك مشروع يدر عليك ربح شهري من 3 إلى 4 آلاف جنيه في الشهر ( في وقت كان أعلى راتب موظف بالدولة لايتعدى الألف جنيه ) وكان أحسن بيت ينفق بالشهر 700 جنيه .

سألته عن المشروع قال : لي قريب عنده مصنع أكياس بلاستيك ممكن تاخده كله لحسابك وممكن تشارك معه بالنصف ........ بس أقترح عليك النصف لأن الواد ده ( مدردح ) وبيسلك أموره مع الكهرباء والبيئة والضرائب والتأمينات والجــــيران و ... و ...

طمعت ... وفرحت بالعرض وقلت آن الأوان إنك ترتاح يابو عمار وتعد فلوس ... وتحوش ... وتجوز البنات ... و ح تبقى صاحب مصنع ... و ... و ... حلمت حلم مش على مقاسي .

المهم وافقت مبدئيا ورحت زرت المصنع وتفقدت العمل وسألت العمال عن الإنتاج والتسويق وضعت شروطي عند التعاقد فقبلوها كان فيه حاجة مبهمة قلت بعدين نفسرها سجلنا العقد على يد أخي المحامي ودفعت 40 ألف جنيه قيمة نصف المصنع ( على تقديرهم ) واتفقنا على إدارة المصنع مناصفة كل منا مسؤول 12 ساعة باليوم ... على ثلاث ورديات للعمال أخذت أنا النصف النهاري واختار هو النصف الليلي مبررا أنه يحب السهر .

كنت قلقا في بادئ الأمر ولا أنام الليل فكنت أحيانا أتوجه إلى المصنع في ساعات السحر أجد المدير الليلي على المقهى والعامل نائم وصفير المكن يدوي لأن المادة الخام قد انتهت من ( القادوس ) ولارقابة على الإنتاج ولا على العمال ... بدأت أقلق خاصة وأن جارة من جيران المصنع نبهتني إلى أن كل يوم في وقت معين يخرج أحد عمال الليل ( طردا ) يوضع في البناية المجاورة ويأتي رجل يركب دراجة يحمل الطرد ويختفي .

كان الطرد هذا يحتوي على 20 كيلو أكياس بلاستيك قيمته 80 جنيه . علم شريكي بالرواية ولم يهتز لها كما اهتززت أنا ... ترى لو حدث ذلك فعلا لخسرنا بالشهر الواحد مايقرب من 2400 جنيه ... ياللهول ( خراب بيت مستعجل ) قررت أن أمسك أنا وردية الليل وافق شريكي أولا ثم حاول الرجوع مرة أخرى بحجة أنه ينام معظم النهار .

كانت الماكينة تتعطل كل يومين أو ثلاث كانت زيارة المهندس فقط 100 جنيه . بدأت تظهر أمور مثل مخالفات سرقة كهرباء ومخالفات تأمينات على العمال ومتأخرات ضرائب وخلافه صحيح أنني معي أوراق تثبت عدم مسؤوليتي قبل التعاقد على الشركة ولكن الحجز يأتي على ( العين ) . المهم بدأت أحلامي الوردية تتبدد شيئا فشيئا ... زادت المشاكل عرضوا علي الانفصال قلت : بأقل الخسائر ..

قيمنا الأصول الثابتة بعد حوالي 6 أشهر وجدنا أن القيمة الفعلية 60 ألف إذا تقاسمنا الخسارة فيتحمل كل منا 10 آلاف جنيه .. حمدت الله على ذلك وقلت اعطوني 30 ألف واعتبروني أنفقت 10 آلاف من أصل المبلغ في هذه الفترة وعندنا يقولوا : الخسارة القريبة أفضل من المكسب البعيد ...

قالوا : مافيش فلوس .. تشيل نصف المكن ... كدنا أن نتشابك بالأيدي لولا تدخل والدي وبعض العقلاء وفعلا أخذت مقصا قيمته 16 ألف على أن يتبقى طرفهم 14 ألف أخذتها على دفعات متقطعة خلال سنة ... وضعت المقص في محل بجوار بيتي وأخذت أحضر البلاستيك نصف تصنيع وأكمل أنا المرحلة الأخيرة منه وقمت بالتوزيع بنفسي على دراجتي في القرى من حولنا وأكرمني الله وابدلني خيرا إلى أن جاءت فرصة أخرى للسفر فسافرت وفتح الله علي من خيرات الدنيا وعوضني خيرا مما ضاع مني .. ولله ماأعطى وله ماأخذ وكل شيئ عنده بمقدار ...

فكر وحبر / ياسر سنجر

حقًا إن اليقين في عون الله أمر ضروري . وفي مثل هذا الأمر لابد من صلاة الاستخارة حتى يقدر الله للعبد ما هو خير ولكي يجتنب المشاكل قبل الدخول فيها . هناك آلاف يستعجلون الدخول في مغامرات غير محسوبة وعليهم إعادة التفكير . حمدًا لله على ما أنعم به عليك وثق أن هؤلاء إن عجل الله لهم خيرًا في الدنيا فمن المؤكد أنه سيضاعف عليهم العذاب في الآخرة ، ومن المؤكد كذلك أنهم لن ينجوا من دعوة عبد مظلوم بإذن الله .