فرصةالعمر .........قصة بقلم بوفاتح سبقاق
- لسنا بحاجة الى عمال خلال هذه الفترة .....
- و متى أعود إليكم ؟ - سننشر إعلانا في الجرائد .. لقد تعود على هذه المواقف المتكررة و أحيانا يخيل إليه بأن نفس الشخص يستقبله في كل الأماكن و يعطيه نفس الإجابة ، هل البطالة قدره المحتوم ؟ و متى ستأتي فرصة العمر ؟ عاد الى حديقة الثورة ، التي يدل كل شيء فيها على الإستسلام ، المقاعد عرجاء و الأزهار بدون روائح و الأشجار مكسوة بالغبار و إزدادات إنحناءا و كأنها ترغب في تقديم إستقالتها لهذه الطبيعة الجاحدة ، النافورة أضحت مياه راكدة يغطي سطحها الأوراق اليابسة و أعقاب السجائر ، حتى الحمام الذي بقي يعد على الأصابع و لفرط سكونه يخيل للمرء بأنه تماثيل صغيرة ليس لهذا المكان من ميزة سوى توسطه المدينة ، إنه المكان المفضل للبطالين و المتقاعدين و المشردين ، الكل ينتهون الى اللاشيء ، من عملوا طوال حياتهم و من لم يعملوا يوما واحدا ، الجميع يحدقون في السماء و ينتظرون الغيث ..... - محمود... محمود إنتبه الى مصدر الصوت ، و إذا به يلمح صديقه سمير - أهلا... أين أنت ؟ - بخير ، بحثت عنك في الحي و لم أجدك و سرعان ما تذكرت بأنك تدمن الجلوس في هذه الحديقة . - مرحبا ، هل من جديد ؟ - نعم هناك الجديد ، لديك فرصة عمل في التلفزيون .. - يبدو أنها فرصة العمر .. - هيا ، لا تضيع وقتي ،إركب معي و سآخذك الى المكلف بالتوظيف . قفز محمود في السيارة و هو لا يصدق ما يحدث له ، إنه منعطف تاريخي كبير في حياته و كل المعطيات تبشر بخير وفير . جلس في قاعة الإنتظار ، و بعد لحظات دخلت فتاة شبه عارية تمشي بطريقة إستعراضية . - هل أنت معني بالتوظيفات الأخيرة . - لا أدري ربما أكون محظوظا اليوم . تأمل محمود الفتاة مليا ، تبدو و كأنها خرجت لتوها من الفضائية اللبنانية فكل شيء فيها إصطناعي و تساءل عن حظوظه في التوظيف مع هذه الحسناء التي لن تصمد أمامها أي لجنة توظيف ، و حتى و إن كانت هناك وظائف شاغرة فلا مجال للمقارنة بين مؤهلاته العلمية و إمكانياتها البارزة . بعد دقائق خرج المكلف بالتوظيف من مكتبه ، في حين كانت القاعة تضم كوكبة من المترشحين و المترشحات . - لقد وصل الجميع يا سيدي ... قالت السكرتيرة . - هذه المجموعة تدخل في إطار توظيف خاص و إستعجالي ، خذيهم الى الطابق الثالث و بالضبط الى مكتب العمليات الخاصة. - تفضلوا معي ، من هنا ، أيتها السيدات و أيها السادة . طقوس الإستقبال مميزة و الأمر يوحي بجدية التوظيف و مدى حساسية المرحلة و ربما للأمر علاقة بالخطاب الأخير للرئيس و الذي أكد فيه على ضرورة تسليم المشعل للشباب . أروقة المبنى تعج بالصحفيين و التقنيين و كل المظاهر تدل على النشاط و الحيوية ، لو كلف كل واحد بحصة لفاض التلفزبون و غرق فيه المشاهدين و لكن يبدو أن هناك أيادي سحرية تتعمد تكريس الرداءة و إلا بماذا يفسر نجاح كل من عملوا في الفضائيات العربية ؟ كل هذه التساؤلات دارت في ذهنه و هو ينتقل من طابق الى آخر و بعد لحظات وجدت المجموعة نفسها أمام مكتب فخم يطل منه رجل أصلع قصير ، لقد إجتمعت كل الصفات التي تجعل المرء يقتنع بأن الرجل أقحم إقحاما في هذا المنصب .. نهض ناقص الأوصاف من مكانه و توسط كتيبة البطالة . - أيتها السيدات و السادة ، نشكركم على حضوركم ، نظرا لمتطلبات العمل التلفزيوني و الأهمية القصوى التي توليها إدارة الإنتاج للحصص الفنية و وفاءا لتراثنا الكبير ، قررنا إنشاء فرقة رقص شعبي تؤدي كافة الطبوع و عليه أنتم ستكونون النواة الأولى لهذه الفرقة ، المهمة صعبة و لكنها ليست مستحيلة و صدقوني لا أشك في قدرتكم على الرقص و تشريف الوطن .. الدهشة إرتسمت على كافة الوجوه و لكن سرعان ما إبتسمت الفتيات و ساد نوع من العبوس وجوه الرجال ، تأثر محمود كثير بهذا العرض و كاد يغرق في البكاء و الضحك في آن واحد ، أيعقل أن تكون هذه فرصة العمر ؟ بعد سنوات من البطالة يتحول الى راقص طبوع شعبية ، سيكون مفخرة العائلة و الحي و هو يرقص و يتمايل وراء كل من هب و دب ، سينتشر عبر الفضائيات و يصبح مرافق النجوم ، يا لها من مهزلة ؟ - أيتها السيدات و السادة ، لا تستغربوا الرقص ليس عيب ، إنه فن راقي يعبر عن أصالة المجتمع ، هناك لجنة فنية خاصة متكونة من خيرة راقصي و راقصات هذا الوطن ، سوف تدرس إمكانيات كل مترشح و تحدد القائمة النهائية و أعلمكم مسبقا بأن الفائزون سوف يستفيدون من دورة تدريبية خاصة في مصر برعاية الراقصة العالمية الفنانة نجوى فؤاد ، التي بالرغم من برنامجها المكثف ، إلا أنها أصرت على المساهمة و هذا من أجل ترقية الأخوة و التعاون العربي و حتى و إن إعتذرت في آخر لحظة سيتم تعويضها بالفنانة فيفي عبده ، أقولها و أكررها إنها فرصة العمر و أتمنى أن لا تضيع منكم . إنتفض محمود عندما نفذ صبره ... - الأمر معقول ربما للفتيات و لكن ماذا عن الرجال ؟ - و ما المانع ، الفن لا يعرف حدود ، نحن في عصر العولمة و أنت ما زلت تفرق بين الجنسين ، أنت بطال و ليس لديك خيار ... - أنا لست بحاجة الى هذه الوظيفة الملعونة ، أنتم ترقصون على جراحنا و مآسينا ، أنت نموذج الرداءة الشاملة . - نعم إنه على صواب ، أنتم لا تعرفون معنى الرجولة و لا تعرفون معنى الشرف و تستغلون مأساتنا ، تبا لكم ، أنتم وباء مسلط على هذه البلاد ، و هل إيجاد هوية للتلفزيون مرتبط بالضرورة بهز البطن ؟ خرج أغلب المرشحين و لم يبقى سوى شبه رجل و أربع فتيات ، وقف ناقص الأوصاف بمحاذاة صورة الرئيس و إبتسم قائلا : - لقد أحسنتم الإختيار ، بإنسحاب هؤلاء الأوباش سوف تزداد حظوظكم إن هذه الذهنيات المتخلفة هي سبب الأزمة التي نعيشها ، إنهم يقفون كحاجز منيع أمام تطوير العلاقات الأورومتوسطية و الحوار مع المجموعة الأوربية - و متى يبدأ الرقص ، سيدي ، سألت إحداهن بطريقة إغرائية . تأملها بأعين الذئاب من شعرها الى أخمص قدميها ..... - إجلسي هنا أيتها الموهبة الشقراء ، و أنتم إنتظروني بالخارج . عاد محمود الى حديقته المفضلة ، قطف زهرة ذابلة و أخذ يداعب حمامة مهملة ، رأى عن بعد موكب عرس حيث إختلط الغناء بالرقص ، أراد أن يخبرهم بوجود فرص عمل جديدة و لكنه فضل البقاء في مكانه ، فهو مقتنع بأن الراقصون الحقيقيون لن يجدوا صعوبة في إيجاد البديل . |
Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.