حوار الخيمة العربية

حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com:1/index.php)
-   صالون الخيمة الثقافي (http://hewar.khayma.com:1/forumdisplay.php?f=9)
-   -   * المعلقات * (http://hewar.khayma.com:1/showthread.php?t=82791)

المصري 01-02-2010 02:14 PM

* المعلقات *
 
المعلّقات

من احد اسطوانات الشعر العربي


التعريف المختصرالكامل للمعلقات من كافة الجوانب

كان فيما اُثر من أشعار العرب ، ونقل إلينا من تراثهم الأدبيالحافل بضع قصائد من مطوّلات الشعر العربي ، وكانت من أدقّه معنى ، وأبعده خيالاً،وأبرعه وزناً ، وأصدقه تصويراً للحياة ، التي كان يعيشها العرب في عصرهم قبلالإسلام ، ولهذا كلّه ولغيره عدّها النقّاد والرواة قديماً قمّة الشعر العربي وقدسمّيت بالمطوّلات ، وأمّا تسميتها المشهورة فهي المعلّقات . نتناول نبذةً عنها وعنأصحابها وبعض الأوجه الفنّية فيها :
فالمعلّقات لغةً من العِلْق : وهو المال الذي يكرم عليك ، تضنّبه ، تقول : هذا عِلْقُ مضنَّة . وما عليه علقةٌ إذا لم يكن عليه ثياب فيهاخير1، والعِلْقُ هوالنفيس من كلّ شيء ، وفي حديث حذيفة : «فما بال هؤلاء الّذين يسرقون أعلاقنا» أينفائس أموالنا2 . والعَلَق هو كلّ ما عُلِّق3 .
وأمّا المعنى الاصطلاحي فالمعلّقات : قصائد جاهليّة بلغ عددها السبع أوالعشر ـ على قول ـ برزت فيها خصائص الشعر الجاهلي بوضوح ، حتّى عدّتأفضل ما بلغنا عنالجاهليّين من آثار أدبية4 .
والناظر إلى المعنيين اللغوي والاصطلاحي يجد العلاقة واضحةبينهما ، فهي قصائد نفيسة ذات قيمة كبيرة ، بلغت الذّروة في اللغة ، وفي الخيالوالفكر ، وفي الموسيقى وفي نضج التجربة ، وأصالة التعبير ، ولم يصل الشعر العربيالى ما وصل إليه في عصر المعلّقات من غزل امرئ القيس ، وحماس المهلهل ، وفخر ابنكلثوم ، إلاّ بعد أن مرّ بأدوار ومراحل إعداد وتكوين طويلة .
وفي سبب تسميتها بالمعلّقات هناك أقوال منها :
لأنّهم استحسنوها وكتبوها بماء الذهب وعلّقوها على الكعبة ، وهذاما ذهب إليه ابن عبد ربّه في العقد الفريد ، وابن رشيق وابن خلدون وغيرهم ، يقولصاحب العقد الفريد : «وقد بلغ من كلف العرب به (أي الشعر) وتفضيلها له أن عمدت إلىسبع قصائد تخيّرتها من الشعر القديم ، فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة،وعلّقتها بين أستار الكعبة ، فمنه يقال : مذهّبة امرئ القيس ، ومذهّبة زهير،والمذهّبات سبع ، وقد يقال : المعلّقات ، قال بعض المحدّثين قصيدة له ويشبّهها ببعضهذه القصائد التي ذكرت :

برزةٌ تذكَرُ في الحسـ ـنِ من الشعرالمعلّقْ


كلّ حرف نادر منـ ـها له وجهٌ معشّق5

أو لأنّ المراد منها المسمّطات والمقلّدات ، فإنّ من جاء بعدهم منالشعراء قلّدهم في طريقتهم ، وهو رأي الدكتور شوقي ضيف وبعض آخر6 . أو أن الملك إذا ما استحسنها أمر بتعليقها فيخزانته .
هل علّقتعلى الكعبة؟
سؤال طالما دار حوله الجدل والبحث ، فبعض يثبت التعليق لهذه القصائد علىستار الكعبة ، ويدافع عنه ، بل ويسخّف أقوال معارضيه ، وبعض آخر ينكر الإثبات،ويفنّد أدلّته ، فيما توقف آخرون فلم تقنعهم أدلّة الإثبات ولا أدلّة النفي ، ولميعطوا رأياً في ذلك .


الهوامش/

(1) العين للفراهيدي 1/162 تحقيق د . مهدي المخزومي و د . ابراهيم السامرائي ، ط لبنان 1988 .
(2) لسان العرب لابن منظور 9/362 . دار إحياء التراث العربي ـ ط1 بيروت 1988 .
(3) المصدر السابقص359 .
(4) المعجم الأدبي د . جبّورعبدالنور ص257 ط دار العلم للملايين .
(5) العقد الفريد لابن عبد ربّه 6/118 ط دار الكتب العلمية بيروت ـ تح : د . عبدالمجيد الترحيني ـط1ـ 1404هـ . وانظر خزانة الأدب للحموي 1/61 ومقدّمة ابن خلدون : 511 وتاريخ آداب العربية لمصطفىصادق الرافعي 1833 .
(6) تاريخ الأدب العربي ـ العصر الجاهلي للدكتور شوقي ضيف : ص140 .
----------------------------------------------

يتبع ان شاء الله .....

المصري 01-02-2010 02:18 PM

المثبتونللتعليق وأدلّتهم :
لقد وقف المثبتون موقفاً قويّاً ودافعوا بشكل أو بآخر عن موقفهم فيصحّة التعليق ، فكتبُ التاريخ حفلت بنصوص عديدة تؤيّد صحّة التعليق ، ففي العقدالفريد7ذهب ابن عبد ربّه ومثله ابن رشيق والسيوطي8وياقوت الحموي9وابن الكلبي10وابن خلدون11، وغيرهم إلى أنّالمعلّقات سمّيت بذلك; لأنّها كتبت في القباطي بماء الذهب وعلّقت على أستارالكعبة ، وذكر ابن الكلبي : أنّ أوّل ما علّق هو شعر امرئ القيس على ركن من أركانالكعبة أيّام الموسم حتّى نظر إليه ثمّ اُحدر ، فعلّقت الشعراء ذلكبعده .
وأمّا الاُدباء المحدّثون فكان لهم دور في إثبات التعليق ، وعلىسبيل المثال نذكر منهم جرجي زيدان حيث يقول :
«وإنّما استأنف إنكار ذلك بعض المستشرقين من الإفرنج ، ووافقهم بعضكتّابنا رغبة في الجديد من كلّ شيء ، وأيّ غرابة في تعليقها وتعظيمها بعدما علمنامن تأثير الشعر في نفوس العرب؟! وأمّا الحجّة التي أراد النحّاس أن يضعّف بها القولفغير وجيهة; لأنّه قال : إنّ حمّاداً لمّا رأى زهد الناس في الشعر جمع هذه السبعوحضّهم عليها وقال لهم : هذه هي المشهورات»12، وبعد ذلك أيّدكلامه ومذهبه في صحّة التعليق بما ذكره ابن الأنباري إذ يقول : «وهو ـ أي حمّاد ـالذي جمع السبع الطوال ، هكذا ذكره أبو جعفر النحاس ، ولم يثبت ما ذكره الناس منأنّها كانت معلّقة على الكعبة»13 .
وقد استفاد جرجي زيدان من عبارة ابن الأنباري : «ما ذكره الناس» ،فهو أي ابن الأنباري يتعجّب من مخالفة النحاس لما ذكره الناس ، وهم الأكثرية منأنّها علقت في الكعبة .
النافونللتعليق :
ولعلّ أوّلهم والذي يعدُّ المؤسّس لهذا المذهب ـ كما ذكرنا ـ هوأبو جعفر النحّاس ، حيث ذكر أنّ حمّاداً الراوية هو الذي جمع السبع الطوال ، ولميثبت من أنّها كانت معلّقة على الكعبة ، نقل ذلك عنه ابن الأنباري14 . فكانت هذه الفكرة أساساً لنفيالتعليق :
كارل بروكلمان حيث ذكر أنّها من جمع حمّاد ، وقد سمّاها بالسموطوالمعلّقات للدلالة على نفاسة ما اختاره ، ورفض القول : إنّها سمّيت بالمعلّقاتلتعليقها على الكعبة ، لأن هذا التعليل إنّما نشأ من التفسير الظاهر للتسمية وليسسبباً لها ، وهو ما يذهب إليه نولدكه15.
وعلى هذا سار الدكتور شوقي ضيف مضيفاً إليه أنّه لا يوجد لدينادليل مادّي على أنّ الجاهليين اتّخذوا الكتابة وسيلة لحفظ أشعارهم ، فالعربية كانتلغة مسموعة لا مكتوبة . ألا ترى شاعرهم حيث يقول :

فلأهدينّ مع الرياح قصيدة منّي مغلغلة إلىالقعقاعِ


ترد المياه فما تزال غريبةً في القوم بين تمثّلوسماعِ؟16

ودليله الآخر على نفي التعليق هو أنّ القرآن الكريم ـ على قداسته ـلم يجمع في مصحف واحد إلاّ بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) (طبعاً هذا علىمذهبه) ، وكذلك الحديث الشريف . لم يدوّنإلاّ بعد مرور فترة طويلة من الزمان (لأسباب لا تخفى على من سبر كتب التأريخ وأهمّها نهي الخليفة الثاني عن تدوينه) ومنباب أولى ألاّ تكتب القصائد السبع ولا تعلّق17 .
وممّن ردّ الفكرة ـ فكرة التعليق ـ الشيخ مصطفى صادق الرافعي،وذهب إلى أنّها من الأخبار الموضوعة التي خفي أصلها حتّى وثق بها المتأخّرون18 .

المصري 01-02-2010 02:18 PM

ومنهم الدكتور جواد علي ، فقد رفض فكرة التعليق لاُمورمنها :
1 ـ أنّه حينما أمر النبي بتحطيم الأصنام والأوثان التي في الكعبةوطمس الصور ، لم يذكر وجود معلقة أو جزء معلّقة أو بيت شعر فيها .

2 ـ عدم وجود خبر يشير إلى تعليقها على الكعبة حينما أعادوابناءَها من جديد .
3 ـ لم يشر أحد من أهل الأخبار الّذين ذكروا الحريق الذي أصابمكّة ، والّذي أدّى إلى إعادة بنائها لم يشيروا إلى احتراق المعلّقات في هذاالحريق .
4 ـ عدم وجود من ذكر المعلّقات من حملة الشعر من الصحابة والتابعينولا غيرهم .ولهذا كلّه لم يستبعد الدكتور جواد علي أن تكون المعلّقات من صنعحمّاد19، هذا عمدة ما ذكره المانعونللتعليق

----------------------------------------------

العقد الفريد 6 : 119 .
(8) المزهر 2/480 وعبارته هيعين عبارة العمدة .
(9) خزانة الأدب 1 / 61.
(10) كما ذكره الرافعي في تأريخ آداب العربية 3/183وغيره .
(11) المقدّمة : 511 .
(12) تأريخ آداب اللغة العربية 1/95 . ط دار مكتبة الحياة ـبيروت .
(13) المصدرالسابق .
(14) تاريخ آداب اللغة العربية ، جرجي زيدان 1/95 ط دار مكتبة الحياة ـبيروت .
(15) تاريخ الأدب العربي لكارلبروكلمان 1/67 ترجمة د . عبدالحكيم النجّار .
(16) تاريخ الأدب العربي ـالعصر الجاهلي ص140 .
(17) المصدر السابقص142 .
(18) تاريخ آداب العرب 3/183 .

(19) المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام 9/516 ومابعدها .

المصري 01-02-2010 02:19 PM

بعد استعراضنا لأدلة الفريقين ، اتّضح أنّ عمدة دليل النافين هو ماذكره ابن النحاس حيث ادعى انّ حماداً هو الذي جمع السبع الطوال .
وجواب ذلك أن جمع حماد لها ليس دليلا على عدم وجودها سابقاً،وإلاّ انسحب الكلام على الدواوين التي جمعها أبو عمرو بن العلاء والمفضّل وغيرهما،ولا أحد يقول في دواوينهم ما قيل في المعلقات . ثم إنّ حماداً لم يكن السبّاق الىجمعها فقد عاش في العصر العباسي ، والتاريخ ينقل لنا عن عبد الملك أنَّه عُني بجمعهذه القصائد (المعلقات) وطرح شعراء أربعة منهم وأثبت مكانهم أربعة20 .
وأيضاً قول الفرزدق يدلنا على وجود صحف مكتوبة فيالجاهلية :

أوصى عشية حين فارق رهطه عند الشهادة في الصحيفةدعفلُ


أنّ ابن ضبّة كان خيرٌ والداً وأتمّ في حسب الكراموأفضلُ

كما عدّد الفرزدق في هذه القصيدة اسماء شعراء الجاهلية ، ويفهم من بعضالأبيات أنّه كانت بين يديه مجموعات شعرية لشعراء جاهليين أو نسخ مندواوينهم بدليلقوله :

والجعفري وكان بشرٌ قبله لي من قصائده الكتابالمجملُ

وبعد ابياتيقول :

دفعوا إليَّ كتابهنّ وصيّةً فورثتهنّ كأنّهنّالجندلُ21

كما روي أن النابغة وغيرهمن الشعراء كانوا يكتبون قصائدهم ويرسلونها الى بلاد المناذرة معتذرين عاتبين ، وقددفن النعمان تلك الأشعار في قصره الأبيض ، حتّى كان من أمر المختار بن أبي عبيدواخراجه لها بعد أن قيل له : إنّ تحت القصر كنزاً22 .
كما أن هناك شواهد أخرىتؤيّد أن التعليق على الكعبة وغيرها ـ كالخزائن والسقوف والجدران لأجل محدود أو غيرمحدود ـ كان أمراً مألوفاً عند العرب ، فالتاريخ ينقل لنا أنّ كتاباً كتبه أبو قيسبن عبدمناف بن زهرة في حلف خزاعة لعبد المطّلب ، وعلّق هذا الكتاب على الكعبة23 . كما أنّ ابن هشام يذكر أنّ قريشاً كتبت صحيفةعندما اجتمعت على بني هاشم وبني المطّلب وعلّقوها في جوف الكعبة توكيداً علىأنفسهم24 .
ويؤيّد ذلك أيضاً ما رواهالبغدادي في خزائنه25من قول معاوية : قصيدة عمرو بن كلثوم وقصيدةالحارث بن حِلزه من مفاخر العرب كانتا معلّقتين بالكعبة دهراً26 .

المصري 01-02-2010 02:19 PM

هذا من جملة النقل ، كما أنّه ليسهناك مانع عقلي أو فنّي من أن العرب قد علّقوا أشعاراً هي أنفس ما لديهم ، وأسمى ماوصلت إليه لغتهم; وهي لغة الفصاحة والبلاغة والشعر والأدب ، ولم تصل العربية فيزمان إلى مستوى كما وصلت إليه في عصرهم . ومن جهة اُخرى كان للشاعر المقام الساميعند العرب الجاهليين فهوالناطق الرسمي باسم القبيلة وهو لسانها والمقدّم فيها ، وبهم وبشعرهم تفتخر القبائل ، ووجود شاعر مفلّق في قبيلة يعدُّ مدعاة لعزّها وتميّزها بين القبائل ، ولا تعجب من حمّاد حينما يضمّ قصيدة الحارث بن حلزّة إلى مجموعته ، إذ إنّ حمّاداً كان مولى لقبيلة بكر بن وائل ، وقصيدة الحارث تشيد بمجد بكر سادة حمّاد27 ، وذلك لأنّ حمّاداً يعرف قيمة القصيدة وما يلازمها لرفعة من قيلت فيه بين القبائل .
فإذا كان للشعر تلك القيمة العالية ، وإذا كان للشاعر تلك المنزلة السامية في نفوس العرب ، فما المانع من أن تعلّق قصائد هي عصارة ما قيل في تلك الفترة الذهبية للشعر؟

ثمّ إنّه ذكرنا فيما تقدّم أنّ عدداً لا يستهان به من المؤرّخين والمحقّقين قد اتفقوا على التعليق .فقبول فكرة التعليق قديكون مقبولا ، وأنّ المعلّقات لنفاستها قد علّقت على الكعبة بعدما قرئت على لجنةالتحكيم السنوية ، التي تتّخذ من عكاظ محلاً لها ، فهناك يأتي الشعراء بما جادت بهقريحتهم خلال سنة ، ويقرأونها أمام الملإ ولجنة التحكيم التي عدُّوا منها النابغةالذبياني ليعطوا رأيهم في القصيدة ، فإذا لاقت قبولهم واستحسانهم طارت في الآفاق،وتناقلتها الألسن ، وعلّقت على جدران الكعبة أقدس مكان عند العرب ، وإن لميستجيدوها خمل ذكرها ، وخفي بريقها ، حتّى ينساها الناس وكأنّها لم تكن شيئاًمذكوراً

-------------------------------------------------


) خزانة الأدب 1/124 .
(21) النقائض لأبي عبيدة 1/189 .
(22) الخصاص لابن جني 1/392 ـ 393 ، ولمزيد من التفصيل عليك بكتاب مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التأريخية للدكتورناصر الدين الأسد ص134 وما بعدها . ط . دار الجيل بيروت ، وانظر أيضاً فصل الكتابةعند العرب قبل الإسلام من مكاتيب الرسول ج1 للشيخ الأحمديالميانجي .
(23) ديوان حسّان بن ثابت ـ مخطوط بمكتبة أحمد الثالث ورقة 15 ـ 16 عندمصادر الشعر الجاهلي لناصر الدين الاسد .
(24) سيرة ابن هشام 1/375 ـ 376 .
(25) خزانة الأدب 3/162 .
(26) خزانة الأدب 3/162 .
(27) اُنظر تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان 1/67 .


يتبع ان شاء الله

المصري 02-02-2010 01:38 PM


موضوع شعر المعلّقات
لو رجعنا إلى القصائدالجاهلية الطوال والمعلّقات منها على الأخصّ رأينا أنّ الشعراء يسيرون فيها على نهجمخصوص; يبدأون عادة بذكر الأطلال ، وقد بدأ عمرو بن كلثوم مثلاً بوصف الخمر ، ثمّبدأ بذكر الحبيبة ، ثمّ ينتقل أحدهم إلى وصف الراحلة ، ثمّ إلى الطريق التييسلكها ، بعدئذ يخلص إلى المديح أو الفخر (إذا كان الفخر مقصوداً كما عند عنترة) وقد يعود الشاعر إلى الحبيبة ثمّ إلى الخمر ، وبعدئذ ينتهي بالحماسة (أو الفخر) أوبذكر شيء من الحِكَم (كما عند زهير) أو من الوصف كما عند امرئالقيس .
ويجدر بالملاحظة أنّ فيالقصيدة الجاهلية أغراضاً متعدّدة; واحد منها مقصود لذاته (كالغزل عند امرئ القيس،الحماسة عند عنترة ، والمديح عند زهير . .) ،


عدد القصائد المعلّقات
لقد اُختلف في عدد القصائدالتي تعدّ من المعلّقات ، فبعد أن اتّفقوا على خمس منها; هي معلّقات : امرئ القيس،وزهير ، ولبيد ، وطرفة ، وعمرو بن كلثوم . اختلفوا في البقيّة ، فمنهم من يعدّبينها معلّقة عنترة والحارث بن حلزة ، ومنهم من يدخل فيها قصيدتي النابغة والأعشى،ومنهم من جعل فيها قصيدة عبيد بن الأبرص ، فتكون المعلّقات عندئذعشراً .


نماذج مختارة من القصائد المعلّقة مع شرح حال شعرائها
أربع من هذه القصائداخترناها من بين القصائد السبع أو العشر مع اشارة لما كتبه بعض الكتاب والأدباء عنجوانبها الفنية.. لتكون محور مقالتنا هذه :


امرؤ القيس
اسمه :امرؤ القيس ، خندج ، عدي ، مليكة ، لكنّه عرفواشتهر بالاسم الأوّل ، وهو آخر اُمراء اُسرة كندة اليمنيّة .
أبوه :حجر بن الحارث ، آخر ملوك تلك الاُسرة ، التي كانتتبسط نفوذها وسيطرتها على منطقة نجد من منتصف القرن الخامس الميلادي حتى منتصفالسادس .
اُمّه :فاطمة بنت ربيعة اُخت كليب زعيم قبيلة ربيعة منتغلب ، واُخت المهلهل بطل حرب البسوس ، وصاحب أوّل قصيدة عربية تبلغ الثلاثينبيتاً .


نبذة من
حياته :


قال ابن قتيبة : هو من أهلنجد من الطبقة الاُولى28 . كان يعدّ من عشّاق العرب ، وكان يشبّب بنساءمنهنّ فاطمة بنت العبيد العنزية التي يقول لها في معلّقته :

المصري 02-02-2010 01:38 PM

أفاطمُ مهلاً بعض هذا التدلّل
وقد طرده أبو ه على أثرذلك . وظل امرؤ القيس سادراً في لهوه إلى أن بلغه مقتل أبيه وهو بدمّون فقال : ضيّعني صغيراً ، وحمّلني دمه كبيراً ، لا صحو اليوم ولا سكرَ غداً ، اليوم خمرٌوغداً أمرٌ ، ثمّ آلى أن لا يأكل لحماً ولا يشرب خمراً حتّى يثأر لأبيه29 .
إلى هنا تنتهي الفترةالاُولى من حياة امرئ القيس وحياة المجون والفسوق والانحراف ، لتبدأ مرحلة جديدة منحياته ، وهي فترة طلب الثأر من قَتَلة أبيه ، ويتجلّى ذلك من شعره ، الّذي قاله فيتلك الفترة ، الّتي يعتبرها الناقدون مرحلة الجدّ من حياة الشاعر ، حيكت حولها كثيرمن الأساطير ، التي اُضيفت فيما بعد إلى حياته . وسببها يعود إلى النحل والانتحالالذي حصل في زمان حمّاد الراوية ، وخلف الأحمر ومن حذا حذوهم . حيث أضافوا إلىحياتهم ما لم يدلّ عليه دليل عقلي وجعلوها أشبه بالأسطورة . ولكن لا يعني ذلك أنّكلّ ما قيل حول مرحلة امرئ القيس الثانية هو اُسطورة .
والمهم أنّه قد خرج إلىطلب الثأر من بني أسد قتلة أبيه ، وذلك بجمع السلاح وإعداد الناس وتهيئتهم للمسيرمعه ، وبلغ به ذلك المسير إلى ملك الروم حيث أكرمه لما كان يسمع من أخبار شعره وصارنديمه ، واستمدّه للثأر من القتلة فوعده ذلك ، ثمّ بعث معه جيشاً فيهم أبناء ملوكالروم ، فلمّا فصل قيل لقيصر : إنّك أمددت بأبناء ملوك أرضك رجلاً من العرب وهم أهلغدر ، فإذا استمكن ممّا أراد وقهر بهم عدوّه غزاك . فبعث إليه قيصر مع رجل من العربكان معه يقال له الطمّاح ، بحلّة منسوجة بالذهب مسمومة ، وكتب إليه : إنّي قد بعثتإليك بحلّتي الّتي كنت ألبسها يوم الزينة ليُعرف فضلك عندي ، فإذا وصلت إليكفالبسها على الُيمن والبركة ، واكتب إليّ من كلّ منزل بخبرك ، فلمّا وصلت إليهالحلّة اشتدّ سروره بها ولبسها ، فأسرع فيه السمّ وتنفّط جلده ، والعرب تدعوه : ذاالقروح لذلك ، ولقوله :


وبُدِّلْتُ قرحاً دامياً بعد صحّة فيالك نُعمى قد تحوّلُ
أبؤسا


ولمّا صار إلى مدينةبالروم تُدعى : أنقرة ثقل فأقام بها حتّى مات ، وقبره هناك .
وآخرشعره :


ربّ خطبة مسحنفَرهْ وطعنة مثعنجرهْ
وجعبة متحيّرهْ تدفنُ غداً بأنقرةْ
ورأى قبراً لامرأة من بناتملوك العرب هلكت بأنقره فسأل عنها فاخبر ، فقال :


أجارتنا إنّ المزار قريبُ وإنّي مقيم ما أقام
عسيبُ
أجارتَنا إنّا غريبانِ هاهنا وكلّ غريب للغريب نسيبُ30


وقد عدَّ الدكتور جواد عليوالدكتور شوقي ضيف وبروكلمان وآخرون بعض ما ورد في قصّة امرئ القيس وطرده،والحكايات التي حيكت بعد وصوله إلى قيصر ودفنه بأنقرة إلى جانب قبر ابنة بعض ملوكالروم ، وسبب موته بالحلة المسمومة ، وتسميته ذا القروح منالأساطير .


قالوا
فيه :
1 ـ النبيّ(صلى الله عليهوآله) : ذاك رجل مذكور في الدنيا ، شريف فيها منسيّ في الآخرة خامل فيها ، يجيءيوم القيامة معه لواء الشعراء إلى النار31 .
2 ـ الإمام علي(عليهالسلام) : سُئل من أشعر الشعراء؟ فقال :


إنّ القوم لم يَجروا في حَلبة
تُعرفُ الغايةُ عند قصبتها ، فإنْ كان ولابُدّ فالملكُ الضِّلِّيلُ32 . يريد امرأ القيس .
3 ـ الفرزدق سئل من أشعرالناس؟ قال : ذو القروح .
4 ـ يونس بن حبيب : إنّعلماء البصرة كانوا يقدّمون امرأ القيس .
5 ـ لبيد بن ربيعة : أشعرالناس ذو القروح .
6 ـ أبو عبيدة معمّر بنالمثنّى : هو أوّل من فتح الشعر ووقف واستوقف وبكى في الدمن ووصف مافيها . . .33

-----------------------------------------------------------

)
الشعر والشعراء ص27 ط ليدن 1902 .
(29) المصدر السابق : ص39 .
(30) الشعر والشعراء ص45 ـ 47،وعسيب : جبل هناك .
(31) الشعروالشعراء .
(32) نهج البلاغة ص556 حكمة 456للدكتور صبحي الصالح .
(33) الشعر والشعراءص52 .


المصري 05-02-2010 03:31 PM

معلّقة امرئ القيس
البحر : الطويل . عدد أبياتها : 78 بيتاً منها : 9 : في ذكرى الحبيبة . 21 : في بعض مواقف له . 13 : في وصف المرأة . 5 : في وصف الليل . 18 : في السحاب والبرق والمطر وآثاره . والبقية في اُمور مختلفة .
استهلّ امرؤ القيس معلّقته بقوله :
قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزِلِ بِسِقْط اللِّوَى بين الدَّخُوْلِ فَحَوْمَلِ
فتوضِحَ فالمقراة لم يعفُ رسمُها لما نسجتها من جنوب وَشَمْأَلِ
وقد عدّ القدماء هذا المطلع من مبتكراته ، إذ وقف واستوقف وبكى وأبكى وذكر الحبيب والمنزل ، ثمّ انتقل إلى رواية بعض ذكرياته السعيدة بقوله :
ألا ربّ يوم لَكَ منهُنَّ صالحٌ ولاسيّما يومٌ بدراة جُلجُلِ
ويومَ عقرت للعِذارى مطيّتي فيا عجباً من رحلِها المتحمّلِ
فضلّ العذارى يرتمينَ بلحمها وشحم كهذّاب الدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ
وحيث إنّ تذكّر الماضي السعيد قد أرّق ليالي الشاعر ، وحرمه الراحة والهدوء; لذا فقد شعر بوطأة الليل; ذلك أنّ الهموم تصل إلى أوجها في الليل ، فما أقسى الليل على المهموم! إنّه يقضّ مضجعهُ ، ويُطير النوم من عينيه ، ويلفّه في ظلام حالك ، ويأخذه في دوامة تقلّبه هنا وهناك لا يعرف أين هو ، ولا كيف يسير ولا ماذا يفعل ، ويلقي عليه بأحماله ، ويقف كأنّه لا يتحرّك . . يقول :
وليل كموج البحرِ أرخى سدوله عليّ بأنواع الهمومِ ليبتلي
فقُلْتُ لَهُ لمّا تمطّى بصلبِهِ وأردف أعجازاً وناءَ بِكَلْكَلِ
ألا أيّها الليلُ الطويل ألا انجلي بصبح وما الأصْبَاحُ منكَ بِأمْثَلِ
وتعدّ هذه الأبيات من أروع ما قاله في الوصف ، ومبعث روعتها تصويره وحشيّة الليل بأمواج البحر وهي تطوي ما يصادفها; لتختبر ما عند الشاعر من الصبر والجزع .
فأنت أمام وصف وجداني فيه من الرقّة والعاطفة النابضة ، وقد استحالت سدول الليل فيه إلى سدول همّ ، وامتزج ليل النفس بليل الطبيعة ، وانتقل الليل من الطبيعة إلى النفس ، وانتقلت النفس إلى ظلمة الطبيعة .
فالصورة في شعره تجسيد للشعور في مادّة حسّية مستقاة من البيئة الجاهلية .
ثمّ يخرج منه إلى وصف فرسه وصيده ولذّاته فيه ، وكأنّه يريد أن يضع بين يدي صاحبته فروسيته وشجاعته ومهارته في ركوب الخيل واصطياد الوحش يقول :
وقد أَغتدي والطير في وُكُناتِها بِمُنْجرد قيدِ الأوابدِ هيكلِ
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِل مُدْبر معاً كجُلْمُودِ صَخْر حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ
وهو وصف رائع لفرسه الأشقر ، فقد صوّر سرعته تصويراً بديعاً ، وبدأ فجعله قيداً لأوابد الوحش إذا انطلقت في الصحراء فإنّها لا تستطيع إفلاتاً منه كأنّه قيد يأخذ بأرجلها .
وهو لشدّة حركته وسرعته يخيّل إليك كأنّه يفرّ ويكرّ في الوقت نفسه ، وكأنّه يقبل ويدبر في آن واحد ، وكأنّه جلمود صخر يهوى به السيل من ذورة جبل عال .
ثمّ يستطرد في ذكر صيده وطهي الطهاة له وسط الصحراء قائلاً :
فظلّ طهاةُ اللحمِ ما بين منضج صفيف شواء أو قدير معجّلِ
وينتقل بعد ذلك إلى وصف الأمطار والسيول ، التي ألمّت بمنازل قومه بني أسد بالقرب من تيماء في شمالي الحجاز ، يقول :


أحارِ ترى برقاً كأنّ وميضَهُ
كلمعِ اليدين في حبيٍّ مكَلّلِ
يضيءُ سناهُ أو مصابيحُ راهب
أهانَ السَّليطَ في الذُّبالِ المفتّلِ
قعدتُ له وصحبتي بين حامِر
وبين إكام بُعْدَ ما متأمّلِ
وأضحى يسحُّ الماء عن كلِّ فيقة
يكبُّ على الأذهان دوحَ الكَنهْبَلِ
وتيماءَ لم يترك بها جذعَ نخلة
ولا اُطماً إلاّ مشيداً بِجَنْدَلِ


المصري 05-02-2010 03:31 PM

استهلّ هذه القطعة بوصف وميض البرق وتألّقه في سحاب متراكم ، وشبّه هذا التألّق واللمعان بحركة اليدين إذا اُشير بهما ، أو كأنّه مصابيح راهب يتوهّج ضوؤها بما يمدّها من زيت كثير .
ويصف كيف جلس هو وأصحابه يتأمّلونه بين جامر وإكام ، والسحاب يسحّ سحّاً ، حتّى لتقتلع سيوله كلّ ما في طريقها من أشجار العِضاه العظيمة ، وتلك تيماء لم تترك بها نخلاً ولا بيتاً ، إلاّ ما شيّد بالصخر ، فقد اجتثّت كلّ ما مرّت به ، وأتت عليه من قواعده واُصوله .

لبيد بن ربيعة
هو لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة . . الكلابي
قال المرزباني : كان فارساً شجاعاً سخيّاً ، قال الشعر في الجاهلية دهراً34 .
قال أكثر أهل الأخبار : إنّه كان شريفاً في الجاهلية والإسلام ، وكان قد نذر أن لا تهبّ الصبا إلاّ نحر وأطعم ، ثمّ نزل الكوفة ، وكان المغيرة بن شعبة إذا هبّت الصبا يقول : أعينوا أبا عقيل على مروءته35 .
وحكى الرياشي : لمّا اشتدّ الجدب على مضر بدعوة النبيّ(صلى الله عليه وآله) وفد عليه وفد قيس وفيهم لبيد فأنشد :
أتيناك يا خير البريّة كلّها لترحمنا ممّا لقينا من الأزلِ
أتيناك والعذراء تدمى لبانها وقد ذهلت أمّ الصبيّ عن الطفلِ
فإن تدعُ بالسقيا وبالعفو ترسل الـ ـسّماءَ لنا والأمر يبقى على الأَصْلِ
وهو من الشعراء ، الّذين ترفعوا عن مدح الناس لنيل جوائزهم وصِلاتهم ، كما أنّه كان من الشعراء المتقدّمين في الشعر .
وأمّا أبوه فقد عرف بربيعة المقترين لسخائه ، وقد قُتل والده وهو صغير السّنّ ، فتكفّل أعمامهُ تربيتَه .
ويرى بروكلمان احتمال مجيء لبيد إلى هذه الدنيا في حوالى سنة 560م . أمّا وفاته فكانت سنة 40هـ . وقيل : 41هـ . لمّا دخل معاوية الكوفة بعد أن صالح الإمام الحسن بن علي ونزل النخيلة ، وقيل : إنّه مات بالكوفة أيّام الوليد بن عقبة في خلافة عثمان ، كما ورد أنّه توفّي سنة نيف وستين36 .
قالوا فيه :
1 ـ النبي(صلى الله عليه وآله) : أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد :
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل37
وروى أنّ لبيداً أنشد النبي(صلى الله عليه وآله) قوله :
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطلُ
فقال له : صدقت .
فقال :
وكلّ نعيم لا محالة زائلُ
فقال له : كذبت ، نعيم الآخرة لا يزول38 .
2 ـ المرزباني : إنّ الفرزدق سمع رجلاً ينشد قول لبيد :
وجلا السيوف من الطلولِ كأنّها زبر تجدّ متونَها أقلامُها
فنزل عن بغلته وسجد ، فقيل له : ما هذا؟ فقال : أنا أعرف سجدة الشعر كما يعرفون سجدة القرآن39 .
القول في إسلامه

المصري 05-02-2010 03:32 PM

وأمّا إسلامه فقد أجمعت الرواة على إقبال لبيد على الإسلام من كلّ قلبه ، وعلى تمسّكه بدينه تمسّكاً شديداً ، ولا سيما حينما يشعر بتأثير وطأة الشيخوخة عليه ، وبقرب دنوّ أجله; ويظهر أنّ شيخوخته قد أبعدته عن المساهمة في الأحداث السياسية التي وقعت في أيّامه ، فابتعد عن السياسة ، وابتعد عن الخوض في الأحداث ، ولهذا لا نجد في شعره شيئاً ، ولا فيما روي عنه من أخبار أنّه تحزّب لأحد أو خاصم أحداً .
وروي أنّ لبيداً ترك الشعر وانصرف عنه ، فلمّا كتب عمر إلى عامله المغيرة ابن شعبة على الكوفة يقول له : استنشد من قبلك من شعراء مصرك ما قالوا في الإسلام . أرسل إلى لبيد ، فقال : أرجزاً تُريد أم قصيداً؟ فقال :

أنشدني ما قلته في الإسلام ، فكتب سورة البقرة في صحيفة ثمّ أتى بها ، وقال : أَبدلني الله هذا في الإسلام مكان الشعر . فكتب المغيرة بذلك إلى عمر فنقص من عطاء الأغلب خمسمائة وجعلها في عطاء لبيد40 .
وجعله في اُسد الغابة من المؤلّفة قلوبهم وممّن حسن إسلامه41 ، وكان عمره مائة وخمساً وخمسين سنة ، منها خمس وأربعون في الإسلام وتسعون في الجاهلية42 .
مختارات من شعره
له قصيدة في رثاء النعمان بن المنذر ، تعرّض فيها للموت ولزوال النعيم ولعدم دوام الدنيا لأحد ، مطلعها :
ألا تسألان المرء ماذا يحاولُ أنحب فيقضى أم ضلالٌ وباطلٌ؟
وقد ذكر فيها الله جلّ جلاله بقوله :

أرى الناس لا يدرون ما قدرُ أمرِهمُ
بلى : كلّ ذي لبّ إلى الله واسلُ
ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطلُ
وكلّ نعيم لا محالة زائلُ
وكلُّ اُناس سوف تدخلُ بينهم
دويهيّةٌ تصفرّ منها الأناملُ
وكلّ امرئ يوماً سيعلمُ سعيه
إذا كشّفت عند الإله المحاصلُ43
-------------------------------------------------------

(34) الاصابة في تمييز الصحابة 6 : 4 . ط دار الكتب العلمية ـ بيروت .
(35) اُسد الغابة 4 : 261 والإصابة 6 : 5 .
(36) المفصل 9 : 546 ـ 547 .
(37) الإصابة 6 : 5 .
(38) خزانة الأدب 2 : 252 ، تحقيق عبدالسلام هارون .
(39) الاصابة 6 : 5 .
(40) المفصل 9 : 553 .
(41) اُسد الغابة 6 : 262 .
(42) الإصابة 6 : 4 .
(43) المفصّل 9 : 550 ـ 551 .

المصري 08-02-2010 02:23 PM


معلّقة لبيد بن ربيعة



البحر : الكامل . عدد الأبيات : 89 موزّعة فيما يلي : 11 في ديار الحبيبة . 10 في رحلة الحبيبة وبعدها وأثره . 33في الناقة . 21 في الفخر الشخصي . 14 في الفخر القبلي .



يبدأ الشاعر معلقته ببكاء الأطلالووصفها ، وكيف أنّ الديار قد درست معالمها حتّى عادت لا ترى فقد هجرت ، وأصبحت لايدخلها أحدٌ لخرابها :



عفتالديار محلّها فمقامها بمنىً تأبّد غولهافرجامها



رزقتمرابيع النجوم وصابها ودقَ الرواعد جودهافرهامها



ثمّ عاد بمخيلته شريط الذكريات،ذكريات فراق الأحبّة فيتحدّث عن الظعائن الجميلات الرشيقات ، وعن هوادجهنّ المكسوّةبالقماش والستائر :



مشاقتكظعن الحيّ يوم تحمّلوا فتكنّسوا قطناً تصرّخيامها



منكلِّ محفوف يظلّ عصيّه روح عليه كلّةٌ وقرامها



ويرى أن يقطع أمله منها ويتركرجاءه فيها ما دامت نوار قد تغيّر وصلها :



ما قطعلبانه من تعرّض وصله ولشرّ واصل خلّة صرّامها



ثمّ يأخذ في وصف ناقته بألفاظغريبة وتعابير بدوية متينة ، فهو يشبهها بالغمامة الحمراء تدفعها رياح الجنوبفيقول :



فلهاهبابٌ في الزمامِ كأنّها صهباء خفّ مع الجنوبحمامُها



واُخرى يشبّهها بالبقرة الوحشيّةقائلاً :



خنساءُضيّعتِ الغريرَ فلم ترِمْ عُرْضَ الشّقائقِ طوفهاوبُغامُها



لمعفّرقَهْد تنازعَ شلوهُ غبسٌ كواسبُ ، لا يُمَنّطعامُها



وعلى الرغم من تعرّضه لوصف الناقةفلم تفته الحكمة :



صادفْنَ منها غرّة فأصبنها إنّ المنايا لا تطيشسهامها



ويقول :



لتذودهنّ وأيقنت إن لم تَزُدْ أن قد أحمّ منالحتوفِ حمامها



فهو مؤمن بقضاء الله ، قانع بماقسم له وكتب عليه ، راض بذلك ، ويدعو النّاس إلى الرضا :



فاقنعبما كتب المليكُ فإنّما قسم الخلائق بينناعلاّمها



ثمّ ينتقل لبيد للفخر بفروسيّته،وكونه يحمي قومه في موضع المحنة والخوف ، يرقب لهم عند ثغور الأعداء وهو بكاملعدّته متأهّباً للنزال ، حتّى إذا أجنّه الظلام نزل من مرقبه إلى السهل ، وامتطىجواده القوي السريع :



ولقد حميت الحيّ تحملمثكتي



فرطٌ وشاحي إذ غدوتلجامها



فعلوت مرتقباً علىذي هبوة



حرج إلى أعلامهنّقَتَامُها



حتّى إذا ألقت يداًفي كافر



وأجنّ عورات الثغورظلامها



أسهلت وانتصبتْكجذعِ منيفة



جرداءَ يَحْصَرُ دونَهاجرّامُها





المصري 08-02-2010 02:24 PM

ولبيد خير شاعر برّ قومه ، فهويحبّهم ويؤثرهم ويشيد بمآثرهم ويسجّل مكرماتهم ، ويفخر بأيّامهم وأحسابهم ، فسجّلفي معلّقته فضائل قومه ، وافتخر بأهله وخصّهم بأجودالثناء :



إنّا إذا التقت المجامعُ لميزل


منّا لزازُ عظيمةجشّامُّها


من معشر سنّت لهمآباؤهم


ولكلّ قوم سنّةٌوإمُامها


لا يطبعون ولا يبورفعالُهم


إذ لا يميل مع الهوىأحلامُها


وهم السعاةُ إذاالعشيرة اُفظِعَتْ


وهُمُ فوارسها وهمحكّامُها


وهُمُ ربيعٌللمجاور فيهمُ


والمرملاتِ إذا تطاولَعامُها


وهُمُ العشيرةُ أنيُبَطّئ حاسدٌ


أو أن يميلَ مع العدىلوّامُها





زهير بن أبيسلمى



هو زهير بن أبي سلمى ـ واسم أبيسلمى : ربيعة بن رباح المزني من مزينة ابن أد بن طايخة .



كانت محلّتهم في بلاد غطفان،فظنّ الناس أنّه من غطفان ، وهو ما ذهب إليه ابن قتيبة أيضاً .



وهو أحد الشعراء الثلاثة الفحولالمقدّمين على سائر الشعراء بالاتّفاق ، وإنّما الخلاف في تقديم أحدهم على الآخر،وهم : امرؤ القيس وزهير والنابغة . ويقال : إنّه لم يتصل الشعر في ولد أحد منالفحول في الجاهلية ما اتصل في ولد زهير ، وكان والد زهير شاعراً ، واُخته سلمىشاعرة ، واُخته الخنساء شاعرة ، وابناه كعب ومجبر شاعرين ، وكان خال زهير أسعد بنالغدير شاعراً ، والغدير اُمّه وبها عرف ، وكان أخوه بشامة بن الغدير شاعراً كثيرالشعر .



ويظهر من شعر ينسب إليه أنّه عاشطويلا إذ يقول متأفّفاً من هذه الحياة ومشقّاتها حتّى سئممنها :



سئمتتكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لكيسأم



قالوافيه :



1 ـ الحطيئة اُستاذ زهير : سئلعنه فقال : ما رأيت مثله في تكفِّيه على أكتاف القوافي ، وأخذه بأعنّتها حيث شاء،من اختلاف معانيها امتداحاً وذمّاً44 .



2 ـ ابن الاعرابي : كان لزهير فيالشعر ما لم يكن لغيره45 .



3 ـ قدامة بن موسى ـ وكان عالماًبالشعر ـ : كان يقدّم زهيراً .



4 ـ عكرمة بن جرير : قلت لأبي : مَن أشعر الناس؟ قال : أجاهليةٌ أم إسلامية؟ فقلت : جاهلية ، قال : زهير46 .



مميّزاتشعره :



امتاز زهير بمدحيّاته،وحكميّاته ، وبلاغته ، وكان لشعره تأثير كبير في نفوس العرب . وكان أبوه مقرّباً مناُمراء ذبيان ، وخصوصاً هرم بن سنان والحارث ابن عوف ، وأوّل قصيدة نظمها في مدحهماعلى أثر مكرمة أتياها . معلّقته المشهورة .



ويؤخذ من بعض أقواله أنّه كانمؤمناً بالبعث كقوله :



يؤخَّرفيودَع في كتاب فيدَّخَرْ ليومِ الحسابِ أو يعجّلْفينتقمِ



وممّا يدلّ على تعقّله وحنكتهوسعة صدره حِكمه في معلّقته ، وقد جمع خلاصة التقاضي في بيتواحد :



وإنّالحقّ مقطعه ثلاث : يمينٌ أو نفارٌ أو جلاءُ




المصري 08-02-2010 02:24 PM

معلّقة زهير بن أبي سلمى



البحر : الطويل . عدد الأبيات : 59 موزّعة فيما يلي : 6 في الأطلال . 9 في الأظعان . 10 في مدح الساعين بالسلام . 21 في الحديث إلى المتحاربين . 13 في الحكم .



يبدأ الشاعر معلّقته بالحديث عمّاصارت إليه ديار الحبيبة ، فقد هجرها عشرين عاماً ، فأصبحت دمناً بالية ، وآثارهاخافتة ، ومعالمها متغيّرة ، فلمّا تأكّد منها هتف محيّياً ودعا لهابالنعيم :



أمناُمّ أوفى دِمنةٌ لم تَكَلَّمِ بحَوْمانَةِ الدّرّاجِفالمتثَلَّمِ



وقفتُبها من بعدِ عشرينَ حجّةً فَلاَْياً عرفتُ الدار بعدتوهُّمِ



فلمّاعرفتُ الدار قلت لربعها ألا أنعم صباحاً أيّها الربعوأسلمِ



ثمّ عاد بالذاكرة إلى الوراءيسترجع ساعة الفراق ، ويصف النساء اللاتي ارتحلن عنها ، فيتبعهنّ ببصره كئيباًحزيناً ، ويصف الطريق الّتي سلكنها ، والهوادج التي كنّفيهاو . . . :



بكرن بكوراً واستحرنَبسحره



فهنّ ووادي الرسّ كاليدِللفمِ



جعلن القنان عنيمين وحزنه



وكم بالقنان من محلّومحرمِ



فلمّا وردنَ الماءزرقاً جمامه



وضعْنَ عِصِيَّ الحاضرِالمتخيَّمِ



وفيهنّ ملهى للّطيفومنظر



أنيق لعين الناظرالمتوسّمِ




وكأنّه حينما وصل إلى هذا المنظرالجميل الفتّان سبح به خاطره إلى جمال الخلق وروعة السلوك ، وحبّ الخير والتضحية فيسبيل الأمن والاستقرار ، فشرع يتحدّث عن الساعين في الخير ، المحبّين للسلام،الداعين إلى الإخاء والصفاء ، فأشاد بشخصين عظيمين هما هرم والحارث ، وذلك لموقفهماالنبيل في إطفاء نار الحرب بين عبس وذبيان ، وتحمّلهما ديات القتلى من مالهما وقدبلغت ثلاثة آلاف بعير ، قال :



سعى ساعياً غيظ من مرّةبعدما



تبزّل ما بين العشيرةبالدمِ



فأقسمت بالبيتالّذي طاف حوله



رجال بنوه من قريشوجرهمِ



يميناً لنعمالسّيّدان وُجدتما



على كلّ حال من سحيلومبرمِ



تداركتما عبساًوذبيان بعدما



تفانوا ودقّوا بينهم عطرمنشمِ



وقد قلتما : إنندرك السلم واسعاً



بمال ومعروف من القولنسلمِ



فأصبحتما منها علىخير موطن



بعيدين فيها من عقوقومأثمِ

المصري 08-02-2010 02:25 PM

ثمّ وجّه الكلام إلى الأحلافالمتحاربين قائلاً :



هل أقسمتم أن تفعلوا ما لاينبغي؟لا تظهروا الصلح ، وفي نيّتكم الغدر; لأنّ الله سيدخره لكم ويحاسبكم عليه ، إنعاجلاً أو آجلاً ، يقول :



ألاأبلغ الأحلاف عنّي رسالة وذبيان هل أقسمتم كلّمقسمِ



فلاتكتمنّ الله ما في صدوركم ليخفى ومهما يكتم اللهُيعلمِ



يؤخّرفيوضع في كتاب فيدّخر ليوم الحساب أو يعجّلفينقمِ



ثمّ انتقل من هذا المجال مجالالنصح والتوجيه وتأكيد السلام إلى مجال الحكمة الإنسانية العامة ، حكمة الرجلالمجرّب للحياة ، الذي ذاقها وخبرها وعاش في خضمّها ، ثمّ امتدّ به العمر فزهدهاوانصرف عنها ، قال :



ومن يك ذا فضل فيبخلبفضله



على قومِهِ يُسْتَغْن عنهُويذمَمِ



ومن لا يذد عن حوضهبسلاحه



يُهَدَّمْ ، ومنلا يظلم الناسَ يُظْلَمِ



ومن لا يصانع فياُمور كثيرة



يضرّس بأنياب ويوطأبمنسمِ



ومن يجعل المعروفمن دون عرضه



يَفُرْهُ ومن لا يتّقِ الشّتميُشتَمِ



ومهما تكن عند امرئمن خليقة



وإن خالها تخفى على الناسِتُعلَمِ



سئمتَ تكاليفَالحياةِ ومن يعش



ثمانين حولاً لا أبا لكيسأمِ



وأعلمُ ما فياليومِ والأمسِ قبلهُ



ولكنّني من علم ما في غدعمِ



رأيتُ المنايا خبطعشواءَ من تُصب



تمتْهُ ومن تُخطئيعمّر فيهرمِ






ويختمها بتأكيد معروف الممدوحين عليهفيقول :



سألنافأعطيتم وعدنا فعدتمُ ومن يكثر التسآلَ يوماًسيحرمِ

المصري 08-02-2010 02:25 PM

عنترة بن شدّاد العبسي



هو عنترة بن عمرو بن شدّاد بنعمرو... بن عبسي بن بغيض47، وأمّا شدّاد فجدّه لأبيه في رواية لابنالكلبي، غلب على اسم أبيه فنسب إليه، وقال غيره: شدّاد عمّه، وكان عنترة نشأ فيحجره فنسب إليه دون أبيه، وكان يلقّب بـ (عنترة الفلحاء) لتشقّق شفتيه. وانّماادّعاه أبوه بعد الكبر، وذلك لأنّه كان لأمة سوداء يقال لها زبيبة، وكانت العرب فيالجاهلية إذا كان للرجل منهم ولد من اُمّه استعبده.



وكان سبب ادّعاء أبي عنترة إيّاهأنّ بعض أحياء العرب أغاروا على قوم من بني عبس، فتبعهم العبسيّون فلحقوهم فقاتلوهمعمّا معهم، وعنترة فيهم، فقال له أبوه أو عمّه في رواية اُخرى: كرّ يا عنترة، فقالعنترة: العبد لا يحسِن الكرّ، إنّما يحسن الحلاب والصرّ، فقال: كرّ وأنت حرّ، فكرّوقاتل يومئذ حتّى استنقذ ما بأيدي عدوّهم من الغنيمة، فادّعاه أبوه بعد ذلك، وألحقبه نسبه48.



كان شاعرنا من أشدّ أهل زمانهوأجودهم بما ملكت يده، وكان لا يقول من الشعر إلاّ البيتين والثلاثة حتّى سابّه رجلبني عبس فذكر سواده وسواد اُمّه وسواد اُخوته، وعيّره بذلك، فقال عنترة قصيدتهالمعلّقة التي تسمّى بالمذهّبة وكانت من أجود شعره: هل غادر الشعراء منمتردّمِ49 .



وكان قدشهد حرب داحس والغبراءفحسن فيها بلاؤه وحمد مشاهده.



أحبّ ابنة عمّه عبلة حبّاًشديداً، ولكنّ عمّه منعه من التزويج بها. وقد ذكرها في شعره مراراً وذكر بطولاتهاأمامها، وفي معلّقته نماذج من ذلك.



وقد ذكر الأعلم الشنتمري فياختياراته من أشعار الشعراء الستة الجاهليين ص461 أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) حينما أنشد هذا البيت :



ولقدابيتُ على الطوى وأظله حتى أنال به كريمالمأكلِ



قال(صلى الله عليه وآله): ما وصفلي أعرابي قط، فأحببتُ أن أراه إلاّ عنترة .



نماذج من شعره:



بكرت تخوّفني الحتوفكأنّني



أصبحتُ عن عرضِ الحتوفِبمعزلِ



فأجبتها إنّالمنيّة منهلٌ



لابدّ أن اُسقى بذاكالمنهلِ



فاقني حياءك لا أبالك واعلمي



أنّي امرؤٌ سأموتُ إن لماُقتلِ




ومن إفراطه:



وأناالمنيّة في المواطن كلّها والطعنُ منّي سابقُالآجالِ



وله شعر يفخر فيه بأخواله منالسودان:



إنّيلتعرف في الحروب مواطني في آل عبس مشهدي وفعالي



منهم أبي حقّاً فهم لي والدٌ والاُمّ منحام فهم أخوالي50

المصري 08-02-2010 02:26 PM

قال الدكتور جواد علي: اِن صحّهذا الشعر هو لعنترة دلّ على وقوف الجاهليين على اسم «حام» الوارد في التوراة علىأنّه جدّ السودان، ولابدّ أن تكون التسمية قد وردت إلى الجاهليين عن طريق أهلالكتاب51.



وقد اختلف في موته، فذكر ابنحزم52انّه قتله الأسد الرهيص حيّان بن عمرو بنعَميرة بن ثعلبة بن غياث بن ملقط. وقيل: إنّه كان قد أغار على بني نبهان فرماه وزربن جابر بن سدوس بن أصمع النبهاني فقطع مطاه، فتحامل بالرميّة حتّى أتى أهلهفمات53.



معلّقة عنترة العبسي



البحر: الكامل. عدد الأبيات : 80بيتاً. 5 في الأطلال. 4 في بعد الحبيبة وأثره. 3 في موكب الرحلة. 9 في وصف الحبيبة. 13 في الناقة. 46 في الفخر الشخصي . . .



يبدأ عنترة معلّقته بالسؤال عنالمعنى الذي يمكن أن يأتي به ولم يسبقه به أحد الشعراء من قبل، ثمّ شرع في الكلامفقال: إنّه عرف الدار وتأكّد منها بعد فترة من الشكّ والظنّ فوقف فيها بناقتهالضخمة ليؤدّي حقّها ـ وقد رحلت عنها عبلة وصارت بعيدة عنه ـ فحيّا الطلل الّذي قدمالعهد به وطال...



فيقول:



هل غادر الشعراء منمتردّمِ



أم هل عرفت الدار بعدتوهُّمِ



يا دار عبلةبالجواء تكلّمي



وعمي صباحاً دار عبلةواسلمي



فوقفت فيها ناقتيوكأنّها



فدن لأقضي حاجةالمتلوّمِ



حُيّيتَ من طللِتقادمَ عهدهُ



أقوى وأقفر بعد اُمّالهيثمِ



ولقد نزلت فلاتظنّي غيره



منّي بمنزلةِ المحبّالمكرمِ



إن كنت أزمعتالفراق فإنّما



زمّت ركابكمُ بليلمظلمِ



ما راعني إلاّحمولة أهلها



وسط الديار تسفّ حبّالخمخَمِ




ثمّ سرد طرفاً من أسباب هيامه،فقال:



إنّها ملكت شغاف قلبه بفم جميل،أبيض الأسنان طيّب الرائحة، يفوح العطر من عوارضه:



إذتستبيك بذي غروب واضح عذب مقبّله لذيذالمطعمِ



ثمّ قارن بين حاله وحالها; فهيتعيش منعّمة، وهو يعيش محارباً، وتمنّى أن توصله إليها ناقة قويّة لا تحمل ولا ترضعوتضرب الآثار بأخفافها فتكسرها... فقال:



تمسي وتصبح فوق ظهرحشيّة



وأبيت فوق سراة أدهمملجمِ



وحشيتي سرج على عبلالشوى



نهد مراكله نبيلالمحزمِ



هل تبلغنّي دارهاشدنيّة



لعنت بمحروم الشرابِمصوّمِ




ثمّ يتجّه بالحديث إلى الحبيبةيسرد أخلاقه وسجاياه قائلاً:



إن ترخي قناع وجهك دوني فإنّيخبير ماهر بمعاملة الفرسان اللابسين الدروع، وأنا كريم الخلق لين الجانب إلاّ إذاظُلمت فعند ذلك يكون ردّي عنيفاً مرّاً:



إن تغدفي دوني القناعفإنّني



طبّ بأخذ الفارسالمستلئم



أثني عليّ بما علمتفإنّني



سهل مخالقتي إذا لماُظلمِ



فإذا ظُلمت فإنّظلمي باسل



مرّ مذاقته كطعمالعلقمِ




ثمّ يستمرّ البطل في وصف بطولتهلحبيبته، فيحثّها أن تسأل عنه فرسان الوغى الّذين شهدوه في معترك الوغى وساحاتالقتال ليخبروها بأنّ لعنترة من الشجاعة ما تجعله لا يهاب الموت بل يقحم فرسه فيلبّة المعركة، ويقاتل، وبعد الحرب ـ وكعادة الجيش المنتصر ـ فإنّ أفراده ينشغلونبجمع الغنائم، امّا هو فيده عفيفة عن أخذ الغنائم، فقتاله لا للغنيمة وإنّمالهدفأبعد وهو أن يكسب لقومه شرف الانتصار.



ويستمرّ في مدح نفسه فيذكر فيشعره معان نبيلة، وهي معان ارتفعت عنده إلى أروع صورة للنبل الخلقي حتّى لنراه يرقّلأقرانه الّذين يسفك دماءهم، يقول وقد أخذه التأثّر والانفعال الشديد لبطشهبأحدهم:



فشككتبالرمح الطويل ثيابَهُ ليس الكريم على القنابمحرّمِ




المصري 08-02-2010 02:27 PM

فهو يرفع من قدر خصمه، فيدعوهكريماً، ويقول إنّه مات ميتة الأبطال الشرفاء في ساحة القتال.



وكان يجيش بنفسه إحساس عميق نحوفرسه الّذي يعايشه ويعاشره حين تنال منه سيوف أعدائه ورماحهم، يقول مصوّراً آلامهوجروحه الجسديّة وقروحه النفسية:



فأزورّمن وَقْعِ القَنا بِلبَانهِ وشكا إليّ بعبرةوتَحَمْحُمِ



لو كانيدري ما المحاورةُ اشتكى ولكان لو عَلِمَ الكلامَمكلِّمي



وكأنّما فرسه بضعة مننفسه.



ثمّ يختم قصيدته بأنّه يعرف كيفيسوس أمره ويصرف شؤونه، فعقله لا يغرب عنه، ورأيه محكم، وعزيمته صادقة، ولا يخشىالموت إلاّ قبل أن يقتصّ من غريمه:



ذلّل ركابي، حيث شئتمشايعي



لبّي وأحفره بأمرمبرمِ



ولقد خشيت بأن أموتولم تكن



للحرب دائرةٌ على ابنيضمضمِ



الشاتمَي عرضي ولمأشتمهما



والناذرَينِ إذا لم ألقِهِمادمي



إن يفعلا فلقد تركتأباهما



جزر السباعِ وكلّ نسرقشعمِ



------------------------------------------------


) المفصّل 9 : 544 .
(45) شرح الشواهد للسيوطي 1 : 133 .
(46) الشعر والشعراء : 57 .
(47) الشعر والشعراء ص130.
(48) المفصل 9 : 558 .
(49) الشعر والشعراء ص131 ـ 132.
(50) الشعر والشعراء ص133 ـ 134.
(51) المفصّل 9/560.
(52) جمهرة أنساب العرب ص400.
(53) المفصل 9: 561 عن أسماء المغتالين ص120مخطوط

المصري 08-02-2010 02:28 PM

تم بحمد الله
وارجو ان ينتفع بها الجميع


Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.