حوار الخيمة العربية

حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com:1/index.php)
-   صالون الخيمة الثقافي (http://hewar.khayma.com:1/forumdisplay.php?f=9)
-   -   ثُقوبٌ في ذاكِرَةِ النَّهْرِ (http://hewar.khayma.com:1/showthread.php?t=78939)

هشام مصطفى 30-05-2009 12:18 AM

ثُقوبٌ في ذاكِرَةِ النَّهْرِ
 
ثُقوبٌ في ذاكِرَةِ النَّهْرِ
مُفْتَتَحٌ :
( أَنْتَ لا تَعْبُرُ النَّهْرَ مَرَّتَيْنِ )
هيراقليطس
أيُّها النيلُ تَمهَّلْ
وَدَعِ الْماءَ ...
بما فيكَ مِنَ السِّرِ
يلوحْ
لَيْسَ إلّاكَ الّذي ينبي
عَنِ الْماضي ... وَعَنّي ...
ويُجيبُ النَّفْسَ
عَنْ كُنْهِ الْجروحْ
خازِنَ التَّاريخِ
هل كُنْتُ سوى فصلٍ
بواديك المُعنَى
وسواقيكَ الّتي غَنَّتْ وأبْكَتْ ؟
فمتى كانَ الْفمُ الشَّاجي
يواري شَجْوَهُ
أوْ لا يَبوحْ
إيْهِ يا نيلَ الْحيارى
هلْ غدا الْحَرْفُ عقيما ؟!!
أوْ سرى الْبَوْحُ خطايا ؟!!
أوْ مضى يا نيلُ عُمْرٌ
فانْتَهتْ ذاكرةُ الشِّعْرِ
ولمْ يبْقَ سوى
ريْحِ الصّحاري حاكيا
أنَّاتِ موْجٍ ...
فيْكَ يعلو شَدْوُها حُزْنا
وأخرى ...
تَخْتَفي خَلْفَ الْقُروحْ ؟!!
كيْفَ شاخَ الْماءُ حتّى
لمْ يَعُدْ يُغري الصَّبايا
كيْ تُغَنّي فيكَ عِشقا
حيْنَ يأتيْنَ ضفافَ النَّهْرِ
يَغْسِلْنَ ...
شِغافَ الْقلبِ ...
مِنْ حُبٍّ يفوحْ
وانْزوى مَجْرَاكَ صمتا
بيْنَ سيقاني الْمباني الصُمِّ
عَنْ لَحْنِ الصَّبا
أوْ شَدْوِ صيّاديكَ
( إذْ يُلْقونَ طرفا ...
مِنْ شباكِ الْحُلمِ )
في الدُّنيا الْجَموحْ
أجفا جُنْدُولَ ( طه )
سِحْرُ أجْفانِ الْعذارى
إذْ يهبْنَ الليلَ عِطرا
مِنْ أهازيجِ الْحَصادِ الْمُرِّ
للْعُمرِ الْموشّى
بيد الْحرمانِ
مِنْ يومٍ صَبوحْ
أم خلا مِنْ ضفّتيْ واديكّ
فلّاحوكَ بحثا عنْ
رغيفٍ منْ عجينِ الْقَهْرِ
والشَّاي الْمُحلى
ببقايا الْخَوْفِ مِنْ ذِكْرى
ـ بلونِ الصَّبْرِ ـ
مازالتْ تنوحْ
أيْنَ يا نيلُ ...
زمانُ الْحبِّ والْعِشْقِ الْمُحنى
بابتساماتِ الرَّوابي
حيْثُ لا شيءَ سوى
خَمْرِ الأماني
للْغدِ الْمُنْسابِ رقصا
في وريدِ الزَّرع ِ
والْيومِ الطَموحْ
كمْ غدا الْماءُ غريبا
عنْ نَخيلِ الشَّطِ
والصَّفْصافِ ... والنَّاي
وموّالِ فتىً أَسْمرَ
في عيْنيْهِ نامتْ أُمْنياتٌ
سافرتْ ...
عِبْرَ جِبالِ الْمِلْحِ
في أقْصى حوافِ الذاتِ
شوقا للسُفوحْ
آهِ يا نيلَ الْحيارى
ذاتِ عِشْقٍ إذْ تلاقتْ
شَهْوَةُ الْماءِ النَّجاشيِّ
بِشَوْقِ الْأرْضِ حتّى أنْجَبَتْ
مِنْ سَمْتِ طَمْي الْحُبِّ
طفلا ...
أرْضَعَتْهُ الأرْضُ عشْقا
للبقاءْ
ألْبَسَتْهُ الشَّمْسُ
ثوبَ السّمْرَةِ الْمَنْسوجَ طُهْرا
مِنْ جِرارِ الضيِّ
في قَلْبِ السَّماءْ
أدرى الْماءُ ...
بأنَّ الطِّفْلَ قَدّتْ
كَفُّ ( سِتْ )
أوْصالَهُ ... ثُمَّ أزاحتْ
حَبْلَهُ السُّريَّ عَنْ ( إوزيس )
حَتَّى غرَّبتْ عَنْ روحهِ
حبَّ الْغِناءْ
صار مَفْتونا بعطْرِ الْغُربةِ الجوفاءِ
لا يدري سوى
طَعْمِ الرَّحيلِ الْمُرِّ
مِنْ كَفِّ الْيدِ الْعَطْشى ...
إلى كَفِّ الْفناءْ ...
هاربٌ مِنْ دَمِهِ
يَحْمِلُ ماضيْهِ ...
على رأسِ الْأسى الْمَسْجونِ
في جُبِّ غَدِ التِّيْهِ
وأيّامي التَّمَنِّي ...
واغْترابٍ كالرَّحى
لا قَلْبَ يشجيها
ولا ينْهى خطاويها
رجاءْ
شابَ قَلْبُ الطِّفْلِ أمْ
صارتْ مياهُ النّهْرِ
لا تروي شرايينَ الْهوى ؟!!
فانْفضَّ شَمْلُ الْحُبِّ
عَنْ واديكَ حتّى أقْفَرَتْ
بوحُ الْقوافي ...
عَنْ عِناقِ الْماءِ
كيْ يحكي لُقاها
سرَّكَ الثَّاوي على بابِ الشَّقاءْ
عُدْتُ يا نيلُ فهل ْ
عاد النَّسيمُ الْحلوُ يُطْفي
حرَّ قلْبِ الصّاديَ الْمُلْتاعِ
أوْ يُشْفي غليلا ...
لروبي وَلْهى إلى أمْشاجِ حُلْمٍ
لا يروحْ
أنْتَ لمْ تَعْبأْ ...
لم الحُزْنُ غدا أوْرِدَةً
في أحْرُفِ الشِّعْرِ وآهاتِ الحيارى
لمْ يَعُدْ مَجْرَاكَ رَتْعا
للأماني أوْ هُدى
أمْسَيْتَ جسْما دون روحْ
شعر / هشام مصطفى

الجنرال 2009 30-05-2009 12:07 PM

كم احسنت يا شاعر

حاولت ان اقتبس اجملها فوجدتنى ساقتبسها جميعاً


شكرا جزيلا
ننتظر جديدك فلا تحرمناه ايها الجميل

هشام مصطفى 31-05-2009 12:09 AM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة الجنرال 2009 (المشاركة 645599)
كم احسنت يا شاعر

حاولت ان اقتبس اجملها فوجدتنى ساقتبسها جميعاً


شكرا جزيلا
ننتظر جديدك فلا تحرمناه ايها الجميل

الجنرال أيها النقي
كم يسعد حرفي أن يعانق فكرك الراقي
أشكرك لتقديرك وثنائك
مودتي

ريّا 02-06-2009 08:40 PM

النِّيلُ العَذْبُ هُوَ الكَوْثَـرْوَالجَنَّةُ شَاطِئُهُ الأَخْضَـرْ
رَيَّانُ الصَّفْحَةِ وَالمَنْظَـرْمَا أَبْهَى الخُلْدَ وَمَا أَنْضَرْ
البَحْرُ الفَيَـاضُ القُـدُسُالسَّاقِي النَّاسَ وَمَا غَرَسُوا
وُهْوَ المِنْوَالُ لِمَا لَبِسُـواوَالمُنْعِمُ بِالقُطْـنِ الأَنْـدَرْ
جَعَلَ الإِحْسَانَ لَهُ شَرْعَـالَمْ يُخْلِ الوَادِي مِنْ مَرْعَى
فَتَرَى زَرْعًا يَتْلُو زَرْعَـاوَهُنَا يُجْنَى وَهُنَـا يُبْـذَرْ
جَارٍ وَيُرَى لَيْسَ بِجَارِيلأَنَـاةٍ فِـيـهِ وَوَقَــارِ
يَنْصَـبُّ كَتَـلٍّ مُنْـهَـارِوَيَضِجُّ فَتَحْسَبُـهُ يَـزْأَرْ
حَبَشِيُّ اللَّـوْنِ كَجِيرَتِـهِمِـنْ مَنْبَعِـهِ وَبُحَيْرَتِـهِ
صَبَغَ الشَّطَّيْـنِ بِسُمْرَتِـهِلَوْنًا كَالمِسْـكِ وَكَالعَنْبَـرْ



هشام مصطفى ,,,,,,,,أعلاه قصيدة أحببتها تصف النيل وجماله
كما أعجبتني كثيرآ رائعتك عن النيل العظيم ,,,,,,,دام نبضك ,,,,,,ويسعدني ان أقرأ لك

السيد عبد الرازق 03-06-2009 06:50 PM

شاعر الروائع الملهم الأستاذ هشام مصطفي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مررت من هنا علي هذه الرائعة .
دمت بكل خير .
تحياتي لكم وكامل تقديري .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هشام مصطفى 05-06-2009 12:24 AM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة rayaa (المشاركة 646206)
النِّيلُ العَذْبُ هُوَ الكَوْثَـرْوَالجَنَّةُ شَاطِئُهُ الأَخْضَـرْ
رَيَّانُ الصَّفْحَةِ وَالمَنْظَـرْمَا أَبْهَى الخُلْدَ وَمَا أَنْضَرْ
البَحْرُ الفَيَـاضُ القُـدُسُالسَّاقِي النَّاسَ وَمَا غَرَسُوا
وُهْوَ المِنْوَالُ لِمَا لَبِسُـواوَالمُنْعِمُ بِالقُطْـنِ الأَنْـدَرْ
جَعَلَ الإِحْسَانَ لَهُ شَرْعَـالَمْ يُخْلِ الوَادِي مِنْ مَرْعَى
فَتَرَى زَرْعًا يَتْلُو زَرْعَـاوَهُنَا يُجْنَى وَهُنَـا يُبْـذَرْ
جَارٍ وَيُرَى لَيْسَ بِجَارِيلأَنَـاةٍ فِـيـهِ وَوَقَــارِ
يَنْصَـبُّ كَتَـلٍّ مُنْـهَـارِوَيَضِجُّ فَتَحْسَبُـهُ يَـزْأَرْ
حَبَشِيُّ اللَّـوْنِ كَجِيرَتِـهِمِـنْ مَنْبَعِـهِ وَبُحَيْرَتِـهِ
صَبَغَ الشَّطَّيْـنِ بِسُمْرَتِـهِلَوْنًا كَالمِسْـكِ وَكَالعَنْبَـرْ



هشام مصطفى ,,,,,,,,أعلاه قصيدة أحببتها تصف النيل وجماله
كما أعجبتني كثيرآ رائعتك عن النيل العظيم ,,,,,,,دام نبضك ,,,,,,ويسعدني ان أقرأ لك

سيّدتي رايا
لكم يسعد الحرف أن يشعل في نفسك ويسحضر ما تحبي
مودتي

هشام مصطفى 05-06-2009 12:26 AM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة السيد عبد الرازق (المشاركة 646394)
شاعر الروائع الملهم الأستاذ هشام مصطفي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مررت من هنا علي هذه الرائعة .
دمت بكل خير .
تحياتي لكم وكامل تقديري .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي المبدع الجميل / عبد الرازق
هذا المرور كم أسعدني ولتقديرك كل الاحترام أيها النقي
مودتي

المشرقي الإسلامي 08-04-2010 06:20 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

للنيل ارتباطه الوثيق بالإنسان المصري خاصة الفلاح ، فهو رمز العطاء والنماء عبر الدهور ، وفي كتابات الفراعنة كثير من النصوص التي تقدسه ،والتي أشار إليها على استحياء أحمد شوقي رحمه الله حينما قال : جعلوا الهوى لك والوفاء شريعة= إن العبادة خشية وتعلق


وخاض الكثير من الشعراء في وصفه إما لعذوبة مائه أو لخصائص موقعه أو للنفع الذي ينفع الله به البلاد والعباد ، ولا أدل من قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ أُخبِر بانحسار ماء النيل والسنة التي كانت دارجة آنذاك وهي إغراق واحدة من أجمل بنات مصر (وأشك أنهن جميلات) قربانًا له.


من هنا يأتي هذا الرمز الجميل معبرًا عن الإنسان المصري ، ذلك العطاء الذي قد خارت قواه ولم تعد ذاكرته لتقوى على استرجاع أمجاده ،ومن هنا يكون الثقب في ذاكرة النهر ، ذلك العنوان الذي يحمل قدرًا كبيرًا من الشاعرية المتمثلة في هذا المزج الابتكاري المتفرد بين الدال والمدلول في إطار يقوم على التناقض في الصورة الذهنية مولدًًا بذلك العديد من التصورات الذهنية الجديدة المشعة بما للتعبير من حيوية وطاقة (في توليد الكهرباء التي لم تعد تنير دربًا ولا تحرك ساكنًا).وخطاب النيل في هذه الأبيات هو موجه بطبيعة الحال إلى الإنسان المصري ،ولعل هذا الاتكاء على مدلول كلمة النيل في النفس كان أداة لاستنهاض الرغبة في تحقيق ما يُرتجى من هذا النيل الذي عانى الركود حينًا من الدهر .وتأتي صورة السوافي في القصيدة معبرة عن هذه السنوات التي دارت على الإنسان المصري بحلوها ومرها لتعمّق هذا الارتباط بالمرمز ودلالته الوطنية والتاريخية للمجتمع المصري كلية.


وإذا كان المشهد التقليدي للنيل مثيرًا للعديد من أشجان وانفعالات المبدعين ، فإننا نظفر ها هنا بتوظيف لهذه المكونات التقليدية لتغدو أدوات لتحريك النص وتنشيط دلالاته بشكل متجدد حينما نجد الاستفهام الاستنكاري لهذا الواقع السيء الذي لم يعد فيه سوى أنات موج على الرغم من أن الموج يحمل في الغالب دلالة القوة والبطش ، إلا أنه بفعل عوامل(طبيعية) لم يعد له هذا القدر من القوة والنشاط كأنه (نهرفقد تمرده) كما يقول فاروق جويدة. ولم تعد إلا الصحارى ، ودلالتها على الخواء الحاصل .


لكن الأدهى من ذلك هو ما وضعنا الشاعر العزيز أمامه حيث يكون المشهد مكونًا من حالتين لا ثالث لهما :أنات الأمواج وهو صوت أنين المجتمع ،وأنات أخرى تختفي خلف القروح.ليكون حال الشكوى هو السائد في الوضعين ويصير المجتمع غير قادر على الخروج من هذه الدائرة ، والتي تعلو –وبشدة- أسهم الأنات المختفية خلف القروح(بفعل فاعل).


وإزاء هذه الحالة من الحركة الحيادية المتجمدة والصور المتسقة ذات الدلالات المفترض فيها الحيوية يفاجئنا شاعرنا العزيز بهذه الصورة الصادمة لسيقان المبياني الصم ، لتأتي صورة صامتة لكنها ناطقة بآالاف الأحرف والمعاني الحزينة . لم تكن تلك المباني أهرامًا تقدس فيها آثار الماضين ولا معابد يرتل فيها الحب ..،وإنما تاتي بدلالتها المتجبرة المتغطرسة لتكوي القلب غيظًا على وجودها بهذا التبجح قرب النيل وعلى مرأى ومسمع من خضرته الزكية ولم يتمرد النيل عليها ولم يأخذ من حجارتها حتى تفنى .إنه الخطاب الموجه إلى المجتمع ذلك الذي يحتاج على مر الدهور إلى من يوقط فيه هذا العنقوان.


كان مما ميز النص وجود كلمة سيقان والتي عبرت عن حالة تواجد مغاير في دلالته الاعتيادية ليكون وجودًا (له جذور) بعكس المعتاد ، لتكون المباني ذلك الفساد \الجشع الذي غرس في طمي النيل أصوله،وطالما أن له سيقانه فلابد أن ترتوي –أسفًا- من ماء هذا النيل المبارك.


وإذا كان تفسر العديد من النصوص يخضع لثقافة القارئ ، قربما نضيف بعدًا دينيًًًا هو حديث يشير إلى أن منابع النيل من الجنة ، وحينئذ سننفتح على العديد من التأويلات التي لا داعي للدخول فيهامنعًا للتشتت.


ولعل هذه الثقوب في ذاكرة النهر بدأت من سيقان هذه المباني التي رقعت بكارة طميها ليكون سد هذه الثقوب وانبعاث الفيضان واقعًا يحتاج إلى جهد جهيد،كيف لا وهناك(السد العالي)؟!


بعد ذلك نجد أننا أمام نقلة تعتمد على هذه الصور العادية التي يعيد صياغتها لأبجديات الصورة الذهنية للنيل ،المكونة من الصيادين والشباك ،الفلاحين والغرس ،والشاي والرغيف وكلها أشياء لها قيمتها الحنينية في ذات الإنسان المصري،وهذه الصور تستتحيل أدوات لنقل هذا الواقع المرير واستنهاض المجتمع نحو فيضان النيل مرة أخرى.


وهذه الصورة لجندول طه وفيها إشارة إلى قصيدته الجندول وصورة الفلاحات وما تعبثه من بهجة في النفس صارت كئيبة بسبب الحصاد المر أظنها غير مناسبة للجو النفسي ،فالجندول كان عن ليالي فينسيا وبين كرنفال فينيسيا وبهرجته وبين نساء فينيسيا وهدوء النيل ووداعته وفتيات مصر فرق كبير يجعل وجود الجندول –في رأيي المتواضع-إكمالاً لإحدى لزوميات قصائدك وهي الموروث (تاريخي-ثقافي-ديني-اجتماعي..وأمام مجموعة من التركيبات الرائعة كعجين القهر والشاي المحلى بلون الصبر،شباك الحلم ...ثقف القارئ وقفة تقدير لهذه الفرادة في التركيب وفلسفة كل الأشياء بطعم ولون ورائحة الحاضر،فيكون القهر عجينًا ولعلها إشارة إلى أن الإنسان هو الذي صينعه بنفسه دون أن يدري وتكون تلك الشباك دالة على سذاجةلا متناهية عندما يكون الحلم محاصرًا بهذه الطريقة ثم هو ملقى في البحار فإن نجا فإنه سيغرق في البحر ،كذلك التعبير القائم على انعكاس الدلالة في المحلى بلون الصبر في إشارة إلى قوة تأثيره الحزين والذي يغني عن الذكر والتصريح بذلك .


ويلجأ شاعرنا بعد ذلك إلى مناجاة النيل من خلال الماضي السعيد مستخدمًا في ذلك الألفاظ ذات الدلالات البهيجة والعوالم السحرية في التعبيرات خمر الأماني-ابتسامات الرواني –الرقص ليعيد شحن النيل بمكوناته العظيمة التي ينبغي أن تعيد تدفقه كما اعتاد .

المشرقي الإسلامي 08-04-2010 06:21 PM

وبعدها تأتي إشارة الشاعر إلى الموال والفتى الأسمر لتزيد هذه الحالة اشتعالاً ،ذلك الاشتعال البالغ ذروته في الصورة التشكيلية (اللعبة المفضلة لشاعرنا العزيز) في هذه الرحلة من الأعين إلى حواف الذات –أقصاها-شوقًا للسفوح ، إذ الأمنيات لم تعل علوًا حقيقيًا بوجودها في سفح الجبل وإنما هي منعزلة عنه وبعد ذلك عرضة لنهش الصقور وذوات المخالب.لكن كانت هذه الحركة أو النقلة تأتي في اتجاه عكسي مع حركة النيل –من حيث المضمون- من النيل إلى مصبه أعلى الحبشة،فتكون جبال الملح هي ذلك المآل الذي آلت إليه الأمنيات ، في دلالة عكسية لماء النهر .


وهذا يدلنا على فهم المبدع العزيز-الذي هو في غنى عن الحديث عنه- لتقنيات القصيدة الحديثة .وتنطلق أولى الآهات بعد هذا السرد لتجسّد حالة المبدع والذي يجد نفسه وحيدًا في المضمار يناجي النيل وكان وجود أداة النداء يفيد البعد المادي وربما المعنوي لهذه الهبة التي تبارى في وصفها المؤرخون.وتأتي شهوة الماء وشوق الأرض وسمت الحب تعبيرات لتوضيح هذا العشق الذي يتجسد فيه النيل إنسانا هو وليد كل هذه المعاني الإنسانية الجميلة وقد تولدت من هذه التعبيرات وليعكس رؤية المبدع لهذه الهبة العظيمة والتي تجسد دورها في أنه أوجِد من أجل البقاء ،وهذا البقاء له طبيعته الخاصة النابعة من براءة وعذوبة هذه الطفولة ،وإن كنت أرى في ظني الشخصي أن الكيفية التي صيغت بها التعبيرات كان فيها قدر كبير من المباشرة وكان من الممكن اختزاله بشكل أفضل .


وتتسم هذه الملامح بتكامل عجيب حين يغدو النيل وليد الأرض طفلاً مدللاً تلبسه الشمس سمرة منسوجة من قلب السماء ،والجميل هو ذلك التوصيف لهذه الأشياء كلها والتي يتشكل منها العالم الشعري الخاص بالشاعر وذلك عندما تكون الشمس جرارًا من الضياء .وهذه القدرة على التكامل في بيئة التشبيه وتكوين عوالم ذات إسقاطات على الإنسان تزيد من قوة العمل وتأثيره على المتلقي.


ويزيد العمل عبقرية وتماسكًا من خلال الضرب على الوتر الأكثر حساسية وهو وتر التاريخ والأسطورة أسطورة إيزيس وأوزوريس التي

تحكى قصة الملك الطيب الخير أوزوريس الذى قتل على يد أخيه الشرير ست نتيجة للغيرة والضغينه.


وقد ألقى بجسد أوزوريس فى النيل، غير أن زوجته المخلصة إيزيس ظلت تبحث حتى عثرت عليه فى أحراش الدلتا. وعن طريق السحر الذى كانت تمارسه وتتسيده، اصبحت حاملاً.



وقد أنجبت إيزيس إبنها حورس الذى أصبح وريثاً لعرش والده وانتقم لأبيه أوزوريس الذى أصبح ملكاً على أرباب العالم الآخر.






وهذه الحالة الأسيفة التي ينخلع العشق فيها من فؤاد الإنسان يتحسر عليها الشاعر ،ليكون ذلك الطفل هو بكارة الحب –المروءة-الشوق –الانتماء كل تلك المعاني التي غابت عن الإنسان المصري أو غُيّبت عنه ،وقد تحكمت به أيدي ست وما يقابلها في العصر الحديث.والأجمل هنا هو مجادلة هذه الأسطورة وإعادة صياغتها مرة أخرى من خلال تغيير أحداثها وفق ما يرى المبدع ليتناسب مع الواقع،وهي أداة ةكثيرًا ما يلجأ إليها المبدعون في أعمالهم المختلفة،تلك المفارقة ذات المعطى التراثي والتي أضفى فيها شاعرنا العزيز ملامح الطرف التراثي (الأسطوري)على الحاضر ،من خلال نفي دلالته الحقيقية عنه،ويصبح معها الواقع المأساوي أشد إيلامًا وحسرة.


وتتعمق المأساة بعد ذلك من خلال التعيرات كف اليد العطشى-كف الفناء التي يحاصر بينها هذا النيل-المجتمع ، فالكف دائمًا رمز للعطاء لكن مزج المتناقضات كان تقنية يُعتمد عليها بشكل كبير اتكاء على الحقول الدلالية ذات المعاني الحزينة لتأتي هذه التركيبات المعبرة عن حالة يكون فيها النيل محاصرًا بين يد عطشى تنهبه وأخرى تفنيه .



كان التعبير عن الأسى المسجون يحمل موازاة مع النيل المحبوس


بين كفين العطش والفناء، كما أن هذه الدائرية في الغربة الممثلة


في الرحى مميزًا ويصبح معها الغد أكثر إظلامًا وقتامة. ويأتي الاستفهام الاستنكاري معبرًا عن رؤية حزينة يشعر الشاعر معها بالحيرة


هل شاب المجتتمع وضاعت براءته وحيويته أم أن مياه النهر صارت غير راوية ، ليكو ن النهر ها هنا متحولاً إلى دلالة أخرى وهي صوت الضمير الحي الذي صار غير قادر على الوصول إلى هذا المجتمع ، وهنا تطرح إشكاليات عدة كالإنسان والوعي ،ودور المثقف في المجتمع وتصبح الحيرة التي تتلبس الشاعر أداة للحث على إعادة النظر إلى هذا الإنسان وما يعتمل فيه من أفكار وثقافات أدت به في النهاية إلى ذلك الواقع المزري.


وكان التساؤل المختوم بأمشاج حلم لا يروح يحمل في طياته هذا التأرجح بين الأمل والخوف ويتمسك باحتمالية العودة إلى ما قبل الميلاد عل الميلاد يأتي منها ،وتكون الروابي هذه الأحلام التي طالما ظلت تنتظر من يعيد بعثها من جديد.وهذا التساؤل يحمل في طياته تأكيدًا على هذه الثقوب في الذاكرة،ويكون التعبير لم الحزن غدا أوردة في أحرف الشعر المتسم بهذه التكاملية في البناء مع ما سبقه من أفكار ابتدأت بالإنسان وانتهت بالشاعر الفرد عنصرًا إضافيًا في معادلة الحزن المنبعث من العتاب الصريح من خلال الأداة أنت والتي لا يجد فيها الشاعر بدًا من المصارحة التي اختفت خلف العديد من التعبيرات الرمزية لتأتي صريحة في هذه الأسطر الأخيرة معبرة عن هذا البوح الناتج عن انفجار ذا ت الشاعر وضيقه بما آل إليه ما هو فيه وهو في ذات الوقت لا يعفيه من العديد من مسؤولياته تجاه الواقع الذي هو جزء منه سواء صدق مع نفسه في ذلك أم لا.ومع هذه المباشرة يصرح الشاعر بهذا النيل الذي أمسى جسمًا دون روح . وهو بطبيعة الحال يسقط هذه الدلالات على الإنسان المصري.


هذه القدرة على صنع التصورات الذهنية والتحول بها من دلالتها الشكليةإلى دلالات أخرى مغايرة لها ، وهذا التكامل في الصياغات والصور الكلية والجزئية والتركيب في الصور أدى إلى حالة من الانبهار التي يقف القارئ معها عاجزًا عن التعليق إلا بأن الثقب لم يعد في ذاكرة النهر وإنما في ذاكرة(النقد)الذي لا يتمكن من إعطاء العمل حقه وإنما يقف على جوانب سطحية خوف الغرق في (النهر).رائع عملك أيها المبدع واعذرني للتأخر عليك في ذلك لكن أعمالك من الطراز التي تحتاج إلى وقت مخصص ومحجوز مسبقًا.


دمت مبدعًا وشكرًا على عطائك أيها النهر الذي روى صحراء خيمتنا.


Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.