حوار الخيمة العربية

حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com:1/index.php)
-   صالون الخيمة الثقافي (http://hewar.khayma.com:1/forumdisplay.php?f=9)
-   -   ابن زيدون ..عبقرية التأليف والوعي التاريخي (http://hewar.khayma.com:1/showthread.php?t=78804)

المشرقي الإسلامي 23-05-2009 07:36 AM

ابن زيدون ..عبقرية التأليف والوعي التاريخي
 
بسم الله الرحمن الرحيم


للشاعر الكبير العبقري المتألق ابن زيدون مكانة خاصة في الأدب العربي ارتبطت بالأندلس وتأثير الطبيعة فيه ، كما أن علاقته بولادة بنت المستكفي والقصائد التي أنشدها استعطافًا لها وتذكيرًا بحلو أيامهما معًا تعد علامة بارزة في تاريخ هذا العصر ، إلا أن أعماله اكتسبت سمة خاصة من الروعة والتمكن من خلال الرسالتين الهزلية والجدية وقبل الخوض فيهما أرى التعريف بشاعرنا ثم إيراد ما يتعلق برسالته وأستمر أمدًا بعيدًا في تفسير ما تراءى لي من وجوه إبداعها راجيًا منكم التواصل وإبداء الرأي .
***
ابـن زيدون

هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله المخزومي المشهور بابن زيدون ولد بقرطبة سنة 1003 م ( 394هـ ) في خلافة هشام الثاني ، وهو هشام بن الحكم الذي خضع لنفوذ العامريين وحكمهم .وقد عاصر الفتنة فشهد الصراع بين الأمويين على الحكم وبين الأمويين والعامريين وبين العرب والبربر ولم قتل آخر خليفة أموي اجتمع وجهاء قرطبة وأقاموا حكومة الجماعة الأرستقراطية وعلى رأسها أبو الحزم بن جهور. نشأ ابن زيدون في بيئة مثقفة وكان أبوه من وجهاء قرطبة وأغنيائها وفقهائها فأحضر له الأدباء والمربين . لكن والده مات عندما كان ابن زيدون في الحادية عشرة فأهتم به جده لأمه فتثقف ثقافة حسنة ونظم الشعر باكرا ، وكان ابن زيدون منحازا لأبي الحزم بن جهور وصديقا لابنه أبي الوليد ، فلما تسلم ابن جهور الحكم استقدم الشاعر وأوكل إليه النظر في أهل الذمة وجعله سفيرا لدى بعض ملوك الطوائف ، ولقبه بذي الوزارتين وقد أحب الشاعر ولاّدة بنت المستكفي الخليفة الأموي الذي خلعه أهل قرطبة فانتقل إلى (( الثغر )) ومات هناك بطريقة غامضة . وكانت ولاّدة من نساء قرطبة الجميلات وشاعرة مجيدة جعلت مجلسها ملتقى الشعراء وأهل الأدب .يقول ابن بسّام صاحب كتاب (( الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة )) في ولاّدة : (( كان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار العصر، وفناؤها ملعبا لجياد النظم ، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها ويتهالك أفراد الشعراء والكتاب إلى حلاوة عشرتها )) وقد عشقها ابن زيدون وجرت له معها أخبار مشهورة فكانت ولاّدة تداعبه بهجائها أو تضرب له موعدا كقولها :


ترقّب إذا جنّ الظـلام زيـارتي


فإني رأيت الليل أكتم للـسـر


وبي منك ما لو كان بالبدر مابدا


وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يسـر

وقد حصلت جفوة سببها أن الشاعر سمع جارية ولاّدة تغني ، ولما فرغت سألها الإعادة بغير أمر ولاّدة التي عاتبت جاريتها ( عتبى ) وضربتها ، وفي ذلك يقول ابن زيدون :


وما ضربت عتبى لذنب أتت به


ولكنما ولاّدة تشتهي ضـربـي


فقامت تجر الذيل عاثرة بــه


وتمسح طل الدمع بالعنم الرطب

ثم انتظر اليوم التالي فكتبت له :


لو كنت تنصف في المودة بيننا


لم تهو جاريتي ولـم تتخـير


وتركت غصنا مثمرا بجمالـه


وجنحت للغصن الذي لم يثمر


ولقد علمت بأنني بدر السما


لكن ذهبت لشقوتي بالمشتري

وكان الوزير أبو عامر بن عبدوس الملقب بالفار ينافس ابن زيدون على قلب ولاّدة فاغتنم الجفوة وراح يتودد إليها ، مما جعل الغيرة تدب إلى قلب الشاعر .وبعد ما تصالح الحبيبان أرسل ابن عبدوس امرأة إلى ولاّدة تستميلها إليه ، فبلغ ذلك ابن زيدون فكتب على لسانها رسالة مشهورة في سب ابن عبدوس والتهكم به ، ومما ورد في الرسالة : (( أما بعد أيها المصاب بعقله ، المورّط بجهله ، البيّن سقطه ، العاثر في ذيل اغتراره ، الأعمى عن شمس نهاره ، فإنك راسلتني مرسلا خليلتك مرتادة مستعملا عشيقتك قوّادة )) فاشتد العداء بين الرجلين واستطاع ابن عبدوس مع أعوانه أن يوقع بابن زيدون وابن جهور الذي اتهم الشاعر باختلاس رجل ذمي وبالخيانة فسجنه ولم تنفع قصائد الاعتذار وقد فرّ ابن زيدون من السجن ثم اتصل بأبي الوليد بن جهور الذي تسلم الحكم بعد موت أبيه ، فجعله وزيره وممثله لدى الملوك ، وخوفا من أن يقع مع الابن مثل ما وقع مع الأب ترك ابن زيدون قرطبة على اثر جفوة مع أميره ، واتصل بالمعتضد ابن أمير اشبيلية ، ثم أغرى ابنه المعتمد الذي خلفه باحتلال قرطبة فاغتنم المعتمد استنجاد عبد الملك بن أبي الوليد به ضد ابن ذي النون ليستولي على قرطبة ويضمها إلى مملكته وينقل كرسي ملكه إليها ،وبقي ابن زيدون إلى جانب المعتمد حتى اضطربت الأحوال في اشبيلية فأرسل المعتمد ولده الحاجب وابن زيدون لتهدئتها وكان شاعرنا كبيرا في السن مريضا فاشتدت عليه وطأة الحمى وتوفي في اشبيلية ودفن فيها سنة 1070م ( 463هـ ) تاركا ديوانا شعريا في الغزل والرثاء والوصف والشكوى والعتاب والمديح والاعتذار.
http://www.saudir2.com/vb/showthread.php?t=9673
هذه نبذة سريعة عنه والآن إلى رسالته الهزلية .

المشرقي الإسلامي 23-05-2009 07:47 AM

نص الرسالة (وأظنها ليست مكتملة )

اما بعد , ايها المصاب بعقله , المورط بجهله , البين سقطه , الفاحش غلطه , العاثر في ذيل اغتراره ,
الاعمى عن شمس نهاره ,الساقط سقوط الذباب على الشراب , المتهافت تهافت الفراش في الشهاب , فان العجب
اكبر , ومعرفة المرء نفسه اصوب , وانك راسلتني مستهديا من صلتي ما صفرت منه ايدي أمثالك , متصديا من
خلّتي ما قُرعت دونه أنوف أشكالك , مرسلا خليلتك مرتادة , مستعملا عشيقتك قوادة , كاذبا نفسك انك ستنزل
عنها الي , وتخلف بعدها علي
ولست باول ذي همة دعته لما ليس بالنائل
ولا شك انها قلتك اذ لم تضن بك, وملتك اذ لم تغر عليك , فانها اعذرت في السفارة لك , وما قصرت في النيابة
عنك , زاعمة ان المروءة لفظ انت معناه , والنسانية اسم انت جسمه وهيولاه , قاطعة انك انفردت بالجمال ,
واستاثرت بالكمال , واستعليت في مراتب الجلال , واستوليت على محاسن الخلال , حتى خلت ان يوسف _ عليه
السلام _ حاسنك فغضضت منه , وان امراة العزيز رأتك فسلت عنه , وأن قارون أصاب بعض ما كنزت , والنّطِفَ
عثر على فضل ما ركزت , وكسرى حمل غاشيتك , وقيصر رعى ماشيتك , والسكندر قتل دارا في طاعتك ,
وأردشير جاهد ملوك الطوائف لخروجهم عن جماعتك , والضحاك استدعى مسالمتك , وجذيمة الابرش تمنى
منادمتك , وشيرين قد نافست بوران فيك , وبلقيس غايرت الزباء عليك , وان مالك بن نويرة انما ردف لك ,
وعروة ابن جعفر انما رحل اليك , وكليب بن ربيعة انما حمى المرعى بعزتك , وجساسا انما قتله بانفتك ,
ومهلهلا انما طلب ثأره بهمتك , والسموءل انما وفى عن عهدك , والاحنف انما احتبى في بردك , وحاتما انما
جاد بوفرك , ولقى الاضياف ببشرك , وزيد بن مهلهل انما ركب بفخذيك , والسليك ابن السلكه انما عدا على
رجليك , وعامر بن مالك انما لاعب الاسنة بيديك , وقيس بن زهير انما استعان بدهائك , واياس بن معاوية انما
استضاء بمصباح ذكائك , وسحبان انما تكلم بلسانك , وعمرو بن الاهتم انما سحر ببيانك , وان الصلح بين بكر وتغلب تم برسالتك , والحمالات بين عبس وذبيان اسندت الى كفالتك , وان احتال هرم بن سنان لعلقمة وعامر
حتى رضيا كان عن اشارتك, وجوابه لعمر _ وقد سأله عن ايهما كان ينفر _ وقع عن ارادتك , وان الحجاج تقلد
ولاية العراق بجدك , وقتيبة فتح ما وراء النهر بسعدك , والمهلب اوهن شوكة الازارقة بأيدك , وفرق ذات بينهم
بكيدك , وأن هرمس اعطي بلينوس ما اخذ منك , وافلاطون اورد على ارسطاطاليس ما نقل عنك , وبطليموس
سوى الاسطرلاب بتدبيرك , وصور الكرة على تقديرك , وبقراط علم العلل والمراض بلط حسك , وجالينوس
عرف طبائع الحشائش بدقة حدسك , وكلاهما قلدك في العلاج , وسألك عن المزاج , واستوصفك تركيب الاعضاء , واستشارك في الداء والدواء , وانك نهجت لابي معشر طريق القضاء , وأظهرت جابربن حيان
على سر الكيمياء , وأعطيت النظّام أصلا أدرك به الحقائق , وجعلت للكندي رسما استخرج به الدقائق ,
وان صناعة الالحان اختراعك , وتاليف الاوتار والانقار توليدك وابتداعك , وان عبدالحميد بن يحيى بارى اقلامك , وسهل بن هارون مدون كلامك , وعمرو بن بحر مستمليك , ومالك بن انس مستفتيك , وانك اللذي
اقام البراهين , ووضع القوانين , وحد الماهية , وبين الكيفية والكمية , وناظر في الجوهر والعَرَض ,
وميز الصحة من المرض , وفك المعمّى , وفصل بين الأسم والمسمى , وصرف وقسم , وعدل وقوّم ,
وصف الاسماء والافعال , وبوب الظرف والحال , وبنى وأعرب , ونفى وتعجب , ووصل وقطع , وثنى وجمع ,
وأظهر وأضمر , واستفهم وأخبر , وأهمل وقيد , وأرسل وأسند , وبحث ونظر , وتصفح الاديان ,
ورجّح بين مذهبي ماني وغيلان , وأشار بذبح الجعد , وقتل بشار بن برد , وأنك لو شأت خرقت العادات ,
وخالفت المعهودات , فأحلت البحار عذبة , وأعدت السّلام رطبة , ونقلت غدا فصار امسا , وزدت في العناصر فكانت خمسا , وأنك المقول فيه : ((كلّ الصيد في جوف الفرا)) .
و : ليس على الله بمستنكرِ أن يجمع العالم في واحد
والمعنيّ بقول ابي تمام :
فلو صورت نفسك لم تزدها على ما فيك من كرم الطباعِ
والمراد بقول ابي الطيب :
ذكر الانام لنا فكان قصيدة كنت البديع الفرد من أبياتها
فكدمت في غير مكدم , واستسمنت ذا ورم , ونفخت في غير ضرم , ولم تجد لرمح مهزا , ولا لشفرة محزا ,
بل رضيت من الغنيمة بالأياب , وتمنت الرجوع بخفي حنين , لأني قلت :
* لقد هان من بالت عليه الثعالب *
وأنشدت :
على انها الايام قد صرن كلها عجائب , حتى ليس فيها عجائب
ونخرت وكفرت , وعبست وبسرت , وأبدأت وأعدت , وأبرقتُ وأرعدت .
و :
* هممت ولم أفعل وكدت وليتني*
ولولا ان للجوار ذمة , وللضيافة حرمة , لكان الجواب في قذال الدّمُستقِ , والنعل حاضرة , ان عادت العقرب ,
والعقوبة ممكنة ان أصر المذنب .
وهبها لم تلاحظك بعين كليلة عن عيوبك , ملؤها حبيبها , حسنٌ فيها من تود , وكانت انما حلّتك بحُلاك ,
ووسمتك بسيماك , ولم تعرك شهادة , ولا تكلفت لك زيادة , بل صدقت سن بكرها فيما ذكرتهُ عنكَ , ووضعتِ
الهِناءَ مواضع النقبِ بما نسَبتهُ اليك , ولم تكن كاذبةً فيما أثنت به عليك , فالمعيدي تسمع به خير من ان تراه .
هجين القذال , ارعن السبال , طويل العنق والعلاوةِ , مُفرط الحمق والغباوة , جافي الطبع , سيئ الاجابة
والسمع , بغيض الهيئة , سخيف الذهاب والجيئة , ظاهر الوسواس , منتن الانفاس , كثير المعايب , مشهور
المثالب , كلامكَ تمتمة , وحديثُك غمغمة , وبينك فهفهة , وضحكك قهقهة , ومشيُك هرولة , وغناك مسألة ,
ودينُك زندقة , وعلمُك مخرقة
مَساوٍ لو قسمن على الغواني لما أمهرن الا بالطلاق
حتى ان باقلا موصوفٌ بالبلاغة اذا قرن بك , وهبنّقة مستحق لاسم العقل اذا اضيف اليك , وطويسا مأثور
عن يمن الطائر اذا قيس عليك , فوجودك عدم , والاغتباط بك ندم , والخيبة منك ظفر , والجنة معك سقر .
كيف رأيت لؤمك لكرمي كِفاء , وَضِعَتُكَ لشرفي وفاء , واني جهلت ان الاشياء انما تنجذب الى أشكالها , والطير
انما تقع على الافها , وهلا علمت ان الشرق والغرب لا يجتمعان , و شعرت ان المؤمن والكافر لا يتقاربان ,
وقلت : الخبيث والطيب لا يستويان , وتمثلت :
ايها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان
وذكتَ اني عِلقٌ لا يباع فيمن زاد , وطائرٌ لا يصيده من اراد , وغرض لا يصيبه الا من اجاد , ما احسبك الا
كنت قد تهيأت للتهنئة , وترشحت للترفئة , ولولا ان جرح العجماء جبار , للقيت من الكواعب ما لاقى يسار,
فما هم الا بدون ما هممت به , ولا تعرض الا لايسر ما تعرضت .
اين ادعاؤكك رواية الاشعار , وتعاطيك حفظ السير والاخبار , اما ثاب لك قول الشاعر :
بنو دارم اكفاؤهم ال مسمع وتنكح في اكفائها الحبطاتُ
وهلا عشّيت ولم تغتر! وما اشك انك تكون وافد البراجم , أو ترجع بصحبة المتلمس , او افعل بك ما فعله
عقيل بن علفة بالجهني حين اتاه خاطبا , فدهن استه بزيت , وأدناه من قرية النمل .
ومتى كثر تلاقينا , واتصل ترائينا , فدعوني اليك ما دعا ابنة الخس الى عبدها من طول السواد ,
وقرب الوساد !
وهل فقَدتُ الاراقم فانكح في جنبٍ , او عَضَلَني همام بن مرة فاقول : زوج من عود , خير من قعود !
ولعمري لو بلغت هذا المبلغ , لارتفعت , عن هذه الحِطة , ولا رضيت بهذه الخطة , فالنار ولا العار ,
والمنية ولا الدنية , والحرة تجوع ولا تاكل بثدييها
فكيف وفي ابناء قومي منكح وفتيان هِزّان الطوال الغرانقة
ما كنت لاتخطى المسك الى الرماد , ولا امتطي الثور بعد الجواد , فانما يتيمم من لم يجد ماء ,
ويرعى الهشيمَ , من عدِمَ الجميم , ويركب الصعب من لا ذلول له , ولعلك انما غرك من علمت صبوتي اليه ,
وشَهِدت مساعفتي له , من أقمار العصر , وريحان المصر , اللذين همُ الكواكب عُلُوّ هممٍ , والرياضُ
طيب شيم
من تلقى منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري
فحن قدح ليس منها , ما انت وهم ؟ واين تقع منهم ؟ وهل انت الا واو عمرو فيهم , وكالوشيظة في
العظم بينهم !
وان كنت انما بلغت قعر تابوتك , وتجافيت عن بعض قوتك , وعطرت اردانك , وجررت هميانك ,
واختلت في مشيتك , وحذفت فضول لحيتك , واصلحت شاربك , ومططت حاجبك , ورفعت خط عذارك ,
واستانفت عقد ازارك , رجاء الاكتنان فيهم , وطمعا في الاعتداد منهم , فظننت عجزا , واخطات استك الحفرة .
والله لو كساك محرق البردين , وحلّتك مارية بالقرطين , وقلدك عمرو الصمصامة , وحملك الحارث على
النعامة , ما شككت فيك , ولا سترت اباك , ولا كنتَ الا ذاك .
وهبك ساميتهم في ذروة المجد والحسب , وجاريتهم في غاية الظرف والادب , اليس تأوي الى بيت قعيدته
لكاع , اذا كلهم عزب خالي الذراع !
واين من انفرد به ممن لا اغلب الا على الاقل الاخس منه ! وكم بين من يعتمدني بالقوة الظاهرة , والشهوة
الوافرة , والنفس المصروفة الي , واللذة الموقوفة علي , وبين اخر قد نضب غديره , ونزحت بيره , وذهب
نشاطه , ولم يبقى الا ضراطه !
وهل يجتمع لي فيك الا الحشف وسوء الكيلة , ويقترن علي فيك بك الا الغدة والموت في بيت سلولية !
تعالى الله يا سلم بن عمرو أذل الحرص اعناق الرجال
ما كان اخلفك بان تقدر بذراعك , وتربع علي ضلعك , ولاتكن براقش الدالة على اهلها , وعنز السوء المستثيرة
لحتفها , فما اراك الا سقط العشاء بك على سرحان , وبك لا بظبي أعفر , أعذرت ان اغنيت شيا , واسمعت لو
ناديت حيا
ان العصا قرعت لذي الحلم والشيئ تحقره وقد ينمي
وان بادرت بالندامة , ورجعت على نفسك بالملامة , كنت قد اشتريت العافية لك بالعافية منك , وان قلت :
(( جعجعة بلا طحن )), و ((رب صلف تحت الراعدة )), وانشدت :
لا يؤيسنك من مخدرة قول تغلظه وان جرحا
فعدت لما نهيت عنه , وراجعت ما استعفيت منه , بعث من يزعجك الى الخضراء دفعا , ويستحثك نحوها
وكزا وصفعا .
فاذا صرت اليها عبث أكاروها بك , وتسلط نواطيرها عليك , فمن قرعة معوجة تقوم في قفاك ,
ومن فجلة منتنة يرمى بها تحت خصاك , ذلك بما قدمت يداك , لتذوق وبال امرك , وترى ميزان قدرك
فمن جهلت نفسه قدره راى غيره منه ما لا يرى

المشرقي الإسلامي 23-05-2009 07:57 AM

لهذه الرسالة أوجه من التميز والعبقرية أورِدها على عجل وباختصار ثم أقوم فيما بعد بإذن الله بالتفصيل فيها :
*السجع : رغم أن كثيرًا من الكتاب يتكلفون السجع ولا يكون له معنى واضح إلا أنه أحسن تطويعه وفقًا للسخرية وجعل تواصله واختلاف قوافيه والتنقل في طول الجُمل عنصرًا فاعلاً في شد انتباه القارئ حتى النهاية .
*الأسلوب : ويشمل التهكم بشكل صريح تارة والتلميح التاريخي تارة أخرى ناهيك عن أساليب الاستفهام الاستنكارية والاعتماد على رسم الصورة الكاريكاتورية.
*الوعي التاريخي : وهنا مربط الفرس ، فإن الشخصيات التي أسقط ابن زيدون خصائصها الإيجابية بسخرية على مناوئه دلت على سعة معرفته بالتاريخ والحوادث التاريخية والثقافية .وكثير منها يحتاج إلى التوضح والشرح ومنها ما هو معلوم لا يحتاج إلى شرح كأنه يقول لغريمه أو لسان حاله "إن كنت لا تدري فتلك مصيبة أو كنت تدري فالمصيبة أعظم"
إنك تراه وكأنه يقول لمناوئه ومنافسه ساخرًا إنك جاهل لا تعلم دلالة هذه الرموز وإن علمت دلالتها فلن تجاريني في الموضوع ولن ترد علي ّ . لعله مما يبعث على السخرية قوله مثلاً :"وأن كسرى قد حمل لك غاشيتك (الرداء أو العباءة) وقيصر رعى لك ماشيتك !!". حينما تقول لفرد مثلاً إن بيل جيتس ما حصل على ثروته إلا بشوراك ، دايانا ما زادت جمالاً إلا لأنها تخيلتك ،.......إلخ فإنك تقصد شيئًا معروفًا لدى الكثيرين من المعاصرين ، كذلك بعض الرموز التي أشار إليها تسير على هذه الشاكلة . لي عودة لاحقة أرجو أن أوفي فيها هذا العبقري حقه ، ولا تنسوا إبداء آرائكم ، وفقكم الله.

السيد عبد الرازق 03-06-2009 08:02 PM

المشرقي الإسلامي . هلا أضفت بعض القصائد لابن زيدون تعميما للفائدة .
دمت بكل خير . تقبل مروري والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المشرقي الإسلامي 04-06-2009 04:58 AM

سأفعل ذلك أخي العزيز وسأجعلها في القسم الخاص بدواوين الشعر إن شاء الله

الفجر الجديد 30-06-2009 10:56 AM

شكرا على الموضوع القيم و المفيد اجمل التحايا تقديري

ريّا 10-07-2009 10:11 PM

موضوع جد رائع

ابن زيدون من أحب الشعراء عندي ,,,,,أتقن الحب والهجاء والسخرية والفخر

لا عدمناك

الجنرال 2009 10-07-2009 10:50 PM

شكرا على الموضوع القيم الاخ الكريم

فارس فارس 22-08-2009 07:05 PM

موضوع متميز

بارك الله فيك

شعر بن زيدون كله وايد حلو لأنه ينتمى إلى الأندلس أى وقت إزدهار الحضارة العربيه والإسلامية هناك

المشرقي الإسلامي 01-01-2010 10:52 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
أشكركم إخواني على مشاركاتكم وأبدأ الآن في تحليل وسرد فحوى هذه الرسالة من الجانب التاريخي ثم أربطه بعد ذلك بإذن الله بالجانب الآخر وهو الجانب البلاغي ، وأسأل الله تعالى التوفيق ..آمين.

اما بعد , ايها المصاب بعقله , المورط بجهله , البين سقطه , الفاحش غلطه , العاثر في ذيل اغتراره ,
الاعمى عن شمس نهاره ,الساقط سقوط الذباب على الشراب , المتهافت تهافت الفراش في الشهاب , فان العجب
اكبر , ومعرفة المرء نفسه اصوب , وانك راسلتني مستهديا من صلتي ما صفرت منه ايدي أمثالك , متصديا من
خلّتي ما قُرعت دونه أنوف أشكالك , مرسلا خليلتك مرتادة , مستعملا عشيقتك قوادة , كاذبا نفسك انك ستنزل
عنها الي , وتخلف بعدها علي

ولست باول ذي همة دعته لما ليس بالنائل
ولا شك انها قلتك اذ لم تضن بك, وملتك اذ لم تغر عليك , فانها اعذرت في السفارة لك , وما قصرت في النيابة
عنك , زاعمة ان المروءة لفظ انت معناه , والنسانية اسم انت جسمه وهيولاه , قاطعة انك انفردت بالجمال ,

واستاثرت بالكمال , واستعليت في مراتب الجلال , واستوليت على محاسن الخلال

إلى هنا نجد الجزء التمهيدي للرسالة مشتملاً على سخرية صريحة تتخذ من المبالغة ركيزة لها ، كما أن السجع على امتداد العمل الأدبي يأخذ منحاه محدثًا إيقاعًا محببًا إلى النفس على بعض ما فيه من التكلف ليجعل القارئ منتظرًا كل عملية يتم فيها إقران الخصم ابن عبدوس بشخصية أخرى .
وهذا السجع كان له دور جمالي كبير في هذا العمل إذ أنه يأتي أحيانًا بتكلف واصطناع بغرض استفزاز المرسَل إليه وإشعاره بأنه أقلّ من أن يوجه إليه رسالة رصينة تتسم بأسلوب يلتزم فيه المرسِل بالقواعد التي تضفي على العمل مهابة وجلالاً ، وهذه هي طبيعة الرسالة الساخرة .
ولعله بذلك أيضًا يرمي إلى إفهامه أنه لا تصح معه إلا لغة قديمة كالتي كان يكتب بها من قبله. أقول ذلك لأن رسالته الجدية على ما كان فيها من سخرية ممزوجة بالعتاب اتسمت بالبعد عن السجع وكانت تمتلئ جلالاً ووقارًا واعتناء بأسلوب الكتابة .

, حتى خلت ان يوسف _ عليه
السلام _ حاسنك فغضضت منه ,

وأن امراة العزيز رأتك فسلت عنه
يقصد بذلك أنك أيها المغفل المسمى بابن عبدوس قد فخرت بنفسك وبهذه الجارية التي تجولت معها حينًا من الوقت (وابن زيدون يتحدث على لسان ولادة) وكأنك من شدة جمالك قد رأيت أن نبي الله يوسف -وقد أوتيَ شطر الجمال- أقل من أن يصل جماله إلى جمالك فغضضت طرفك عنه .
معنى الرسالة لماذا تفخر بنفسك حتى وكأنك أجمل من نبي الله يوسف عليه السلام ؟


وأن قارون أصاب بعض ما كنزت , والنّطِفَ عثر على فضل ما ركزت .
يقول له ابن زيدون على لسان ولادة ساخرة : أيها المغرور علام غرورك كأن قارون وهو معروف بغناه قد أصاب كنوزك أنت . أما النطف فهو رجل اشترك في السطو على قافلة فيها هدايا من ملك لآخر ، وعثر هذا النطف على ما يوازي صندوقي مجوهرات.
والمعنى بسخرية : أنك أغنى من قارون والنطف .

, وكسرى حمل غاشيتك , وقيصر رعى ماشيتك
كسرى وقيصر كسرى ملك الفرس وقيصر ملك الروم .
يقصد ابن زيدون بسخرية أن يقول له : أيها العظيم ! لقد حمل كسرى عباءتك (غاشيتك) وقيصر رعى لك ماشيتك!
إنها قمة السخرية عندما يحول معاني الأشياء من أجل الوصول إلى مفارقة تشعِر القارئ معها بالدلالات العكسية للشخص الموجه إليه الخطاب .نلاحظ أن ابن زيدون تحول من السخرية المباشرة إلى السخرية من خلال استعراضه أسماء المشاهير من العلماء والملوك والحكماء وغيرهم حتى يزيد من استفزاز غريمه ابن عبدوس وليوصله إلى فكرة مفادها :أيها الأحمق ليس فيك شيء مما ذكرت فعلام الاغترار ؟ ومن كنت لتجارِيَني .

, والاسكندر قتل دارا في طاعتك ,
الإسكندر هو القائد التاريخي المعروف التي امتدت فتوحه لتشمل ثلثي الأرض وقتها ، أما دارا فهو قائد من قادة الفرس اتسم بالقوة وإحكام السيطرة ، قاتله الإسكندر وهزمه في ثلاث مواقع وفي كل موقعة يُهزم كان يدعي الصلح ثم يهرب فيعاود الكرّة مرة أخرى ، وفي المرة الأخيرة قتلته حاشيته أو جنوده لأنهم رأوا أنه بسبب عناده سيضيع المملكة الفارسية .
والمقصود من العبارة بسخرية : أن الإسكندر قتل دارا من أجل طاعتك أنت !!
أي كأنك يا بن عبدوس عظيم لدرجة أن الإسكندر صار خادمًا لأمرك يقتل ملكًا آخر من أجل أن ترضى أنت عنه !!



المشرقي الإسلامي 01-01-2010 11:23 PM

وأردشير جاهد ملوك الطوائف لخروجهم عن جماعتك ,


الملك أردشير الأول كان ملكاً نشيطاً ومسؤولاً عن نهوض بلاد فارس وتقوية الديانة الزرادشتية ، وكان مؤسساً للسلاسة الساسانية التي استمرت لأربعة قرون ، ولكن كانت حملاته ضد روما تتصف بالنجاح المحدود ، والملك أردشير قدر على عمل أشياء لم يستطع عملها أي فارسي لمدة طويلة كالقوة للدولة الساسانية والردود القوية والجدية أمام حكومة روما وجيوشها ، وهذه النجاحات الكبيرة للملك أردشير الأول مهدت لابنه ووريثه شابور الأول أن يكون قوياً أمام العدو.

ومقصد ابن زيدون من هذه الرسالة بسخرية : أي عظمة تلك التي فيك ؟! حتى الملك أردشير (وغالبًا كانت أخبار هذا الملك معروفة لكل أهل هذه البلدان ) كان مجرد قائد يحكم تحت لوائك!
إنها مفارقات تاريخية فانتازيّة تجعل الملوك والرؤساء والحكام والعقلاء كلهم في تصوير كاريكاتوري هم أجزاء من فضائل خصمه (ابن عبدوس) الفذة !


والضحاك استدعى مسالمتك , وجذيمة الابرش تمنى منادمتك

الضحاك الملك المشهور الذي يقال : إنه ملك ألف سنة وكان في غاية الغشم والظلم ،وهذا أمر أسطوري لا يكاد يصدق إلا أن الكثيرين يرون أن الضحاك هو الملك النمرود الذي ورد ذكره في سورة البقرة :"ألم ترإلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك ..الآية". ولنتصور معًا شدة السخرية حينما يكون المغرور الذي يستهزئ به ابن زيدون -من شدة قوته- قد استدعى النمرود مسالمته !! ثم يصفه بأنه قد بلغ من القوة مبلغًا جعل الملك جذيمة الأبرش يصير نديمه أي صديقًا يحكي له أحزانه وأفراحه صديق يسليه!!

جذيمة الأبرش :
قيل فيه انه أول من حذا النعال، وأدلج من الملوك وصنع له الشمع، وكان شاعراً، وقيل له الأبرص والوضاح لبرص كان به، ويعظم أن يسمى بذلك فجعل مكانه الأبرش

وشيرين قد نافست بوران فيك , وبلقيس غايرت الزباء عليك , وان مالك بن نويرة انما ردف لك ,
وعروة ابن جعفر انما رحل اليك , وكليب بن ربيعة انما حمى المرعى بعزتك , وجساسا انما قتله بانفتك ,

شيرين : امرأة فارسية بنت أحد الملوك اتسمت بالجمال الشديد ،بوران زوجة المأمون وقد كان عرسها خياليًا يكاد يكون أعجب عرس في التاريخ وزعت فيه الدنانير الذهبية وكان فراشها وثيرًا يضرب به المثل في النعومة .إن روعة هذا التعبير تنبع من السخرية به حتى ينتقل به من مكانة الملوك إلى مكانة معشوق النساء .بوران وشيرين عاشتا عصرين مختلفين تمامًا وليس بينهما صلة لهذا يستهزئ به مرة أخرى من خلال فكرة (المونتاج) ليخترع ابن زيدون قصة خيالية مفادها أن بوران وشيرين تنافستا فيه فما عساه هذا الخصم !!
بلقيس هي ملكة اليمن عاشت في القرن العاشر قبل الميلاد وهي زوجة نبي الله سليمان عليه السلام بعد أن أسلمت تزوجها . أما الزباء فهي الملكة زينوبيا ، وعاشت في القرن الثالث الميلادي كانت تسمى الملكة المحاربة واتسمت بالعديد من صفات الرجاحة والحكمة .
وهنا يستهزيء به مرة أخرى ابن زيدون فبعد أن كان خصمه في صفات الملوك إذ به يجعله في مصاف العشاق ويجعله خصمًا خياليًا لأحداث لم تحدث .خاصة عندما تكون بلقيس قد غارت منه لانحيازه إلى الزباء ،وهو ما لم يحدث!!
إن عبقرية الوعي بالتاريخ تجعل من ابن زيدون رجلاً متلاعبًا بخصمه فيجيء به يمينًا ويسارًا. وبعد ذلك يكون غريمه القاسم المشترك للعديد من الحكايا الوهمية !!

المشرقي الإسلامي 02-01-2010 02:44 AM

وأن مالك بن نويرة إنما ردف لك ,
وعروة بن جعفر إنما رحل إليك , وكليب بن ربيعة إنما حمى المرعى بعزتك , وجساسا إنما قتله بأنفتك
ومهلهلا إنما طلب ثأره بهمتك

مالك بن نويرة:
كان مالك بن نويرة من كبار بني تميم وبني يربوع، وصاحب شرف رفيع وأريحية عالية بين العرب، حتى ضرب به المثل في الشجاعة والكرم والمبادرة إلى إسداء المعروف والأخذ بالملهوف. كانت له الكلمة النافذة في قبيلته
عروة بن جعفر:
هو يدعى بعروة الرحّال ، وكان قد أجار قافلة للملك النعمان (أجار أي أعطاها عهدًا بالأمان) واغتاظ من ذلك أحد كبار القوم من قبيلة أخرى يدعى البراض . واستدعاه البراض ليستفهم عن سبب إعطائه هذه القافلة الأمان (كأن هذا التأمين للقافلة دليل على أن كلمة عروة أكثر تأثيرًا من كلمة البراض وكأن البراض لا مكانة له لأن عروة لم يستأذنه في ذلك) فغافله وقتله أي قتله غدرًا .
وبسبب ذلك قامت حرب الفجار والتي ساهم فيها النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وهو في حلف الفضول .والمراد الذي يقصده بسخرية ابن زيدون :
وأنت فيك كل الخصال حتى أنك كنت في عظًم مكانة البراض كي يخرج إليك خصيصًا عروة بن الورد.
وفي هذا سخرية كبيرة بالخصم وإلباسه كل هذه الخصائص جاء ليثبت عكسها جميعها .
كليب بن ربيعة :
أحد سادة قومه ويكفي أن نعرف أنه ثاني اثنين لقبا بلقب ملك العرب .وكان يضرب به المثل في الكبرياء والغطرسة .وكان لا يستطيع أحد أن يأتي على مرعى إلا بإذنه.
جساس :
هو ابن عم كليب بن ربيعة وقتله بسبب اعتداء كليب على إبله ، ولذلك حكاية يطول شرحها .وكان جساس غير معتد ،وإنما أبت عليه عزة نفسه أن يرتضي قيام كليب بن ربيعة بالتمادي في الاعتداء على أموال وبعض أرواح قبيلته .وبسبب قتله كليبًا بن ربيعة قامت حرب البسوس والتي استمرت أربعين سنة قتِل َ فيها جساسٌ .وقد قتَل جساس (وهو من قبيلة بكر) 15 فارسًا من قبيلة كليب بن ربيعة (تغلب)حتى قُتِلَ .
مهلهل:
مهلهل بن ربيعة هو شقيق جساس وقد كان من الذين أبلوا بلاءً حسنًا في هذه الحرب للأخذ بثأر أخيه.
ويقول ابن زيدون ساخرًا لمناوئه : وأنت اجتمعت فيك كل هذه الصفات فأنت فيك مكانة مالك بن نويرة ، وعروة الرحال ، كبرياء كليب ،وعزة نفس جساس وهمّة مهلهل حتى إن كل هؤلاء الناس جميعًا كلهم كانت دوافعهم في كل ما فعلوه هي إرضاؤك ،وأنهم لولاك لما عُرِفوا بما عُرِفوا به.
وتعلمون كلكم دلالة هذه التعبيرات وسخريتها خاصة عندما يضاف إلى ذلك أن الكلام كان على لسان أنثى وهي ولادة بن المستكفي .فهو بذلك (ابن زيدون) يمرّغ رأس غريمه في التراب إذ هو (غريمه ابن عبدوس )علمه أقل من علم امرأة ، ولا يستطيع مجاراتها لاسيما وهي تذكره بمناقب الرجال التي هو منها براء !!


المشرقي الإسلامي 02-01-2010 03:57 PM

والسموءل انما وفى عن عهدك , والاحنف انما احتبى في بردك , وحاتما انما
جاد بوفرك , ولقى الاضياف ببشرك , وزيد بن مهلهل انما ركب بفخذيك , والسليك ابن السلكه انما عدا على
رجليك , وعامر بن مالك انما لاعب الاسنة بيديك


السموءل
هو رجل جاهلي يضرب به المثل في الوفاء . وقصته أن أحدًا قد أعطاه أمانة وهاجر ، ثم مات فجاءه أحد خصوم هذا المتوفَى يسألونه أن يعطيهم إياها ، فأبى إلا أن يعطيها لورثته .
وقد غاظ ذلك خصومه ، وكان السموءل في حصن ، فاختطف أحدهم ابنه وهدده بذبح ابنه لو لم يعطه الأمانة ، وكان السموءل ينظر إلى ما حدث من الحصن ، فأبى السموءل إلا الوفاء بالأمانة . وذبِح ابنه فعلاً . ونتيجة ذلك قامت حرب ذي قار والتي اتحد العرب فيها جميعًا لمحاربة الفرس وانتصروا فيها انتصارًا عظيمًا هو الأول من نوعه .

ويقصد ابن زيدون بهذا القول :السموءل وفى عن عهدك -بسخرية- أنك بلغت من العظمة منزلاً جعل السموءل يضحي بابنه من أجلك ،كأنك أنت يابن عبدوس من مات السموءل من أجل الوفاء بعهده.
الأحنف وحاتم :
الأحنف بن قيس أحد حلماء الجاهلية وأدرك الإسلام وأسلم رضي الله عنه . حاتم الطائي معروف بكرمه الشديد ولا يحتاج السطر إلى إيضاح
.

زيد بن مهلهل
زيد بن مهلهل هو أحد الناس الذين أدركوا الإسلام وكان يلقب بزيد الخيل فسماه صلى الله عليه وسلم بزيد الخير وكان له خمسة أفراس اشتهرت بقوتها وعنفوانها .وقال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم :"«ما ذكر لي رجل من العرب إلا رأيته دون ما ذكر إلا ما كان من زيد فإنه لم يبلغ كل ما فيه».أي أن كل العرب يبالغون في تعظيم قيمة ممدوحيهم إلا زيد فإن العرب على شدة ما وصفوا محاسنه فإنه أعلى منها .وكان مشتهرًا بالفروسية والجمال والحلم .

والمقصد الذي يريده ابن زيدون بسخرية : أن هذا الفارس العظيم ركب بفخذيك أنت أي أنك أنت يابن عبدوس -بسخرية- سبب شهرة هذا الرجل ، فلولاك لما اشتُهِر!
السليك بن السُلَكة :
واحد من أشهر صعاليك العرب اشتهر بعدوه السريع حتى قيل إنه كان يلاحق الظباء !
والمقصد من هذا الكلام أن هذا الغريم ابن زيدون -والكلام على لسان ولادة- بلغ من العظمة مكانًا جعلته هوا لمحرك لكل هذه الشخصيات التاريخية العظيمة حتى إن الخيل والعدائين المشهورين استعاروا قدميه نلاحظ الانتقال إلى مستوى الجزئيات كان موفقًا للغاية .كذلك بعض التصنيفات والانتقالات من الملوك والحكام إلى النساء ثم أشهر الفرسان ..إلخ ولنا عودة بعد الصلاة بإذن الله.

المشرقي الإسلامي 02-01-2010 05:05 PM

وعامر بن مالك إنما لاعب الأسنة بيديك
عامر بن مالك أحد الذين أسلموا وكان في الجاهلية ذا شأن عظيم وكذلك في الإسلام.
اتسم بالفروسية والزعامة . ولقَب بهذا اللقب .جاء في المستقصى في أمثال العرب: أَفْرَسُ مِنْ مُلاَعِبِ اْلأَسِنَّةِ: هو أبو براء عامر بن مالك بن جعفر فارس قيس وإنما لقب بذلك لأنه بارز ضرار بن عمرو فصرعه فقال له من أنت يا فتى كأنك ملاعب الأسنة؟! فلزمه الاسم. وهناك روايات أخرى في سبب التسمية.
يقصد ابن زيدون مستمرًا على نهجه في التهكم مستخدمًا جزئيات الجسم :وإن هذا الرجل الشهير مُلاعب الأسنة إنما لاعب الأسنة بيديك ،كأنه يقول بشكل ساخر : أنت رجل كلك بركة ،وكل جزء من جسمك لا يستغني عنه عظيم من عظماء التاريخ فكيف بك ذاتك ؟!

وقيس بن زهير إنما استعان بدهائك
قيس بن زهير :هو قيس بن زهير بن ربيعة بن عبس .
صاحب الحصان داحس، والفرس الغبراء ، الذين بسببهما وقعت الحرب مع بني ذبيان ، فسميت بحرب ( داحس والغبراء ) .سيد بني عبس ، وكان يلقب بقيس الرأي ، لجودة رأيه ، وقد ضرب به المثل في الدهاء فقيل : أدهى من قيس بن زهير .
ومقصد ابن زيدون أنك -بالعامية- الكل في الكل فقد امتدت خصائصك العبقرية الباطنية وليس الظاهرية فقط لتكون يا بن عبدوس من يستعين قيس بن زهير بدهائه! تصور أخي العزيز واحدًايقال له بسخرية : إن آنشتاين ما علم النظرية النسبية إلا بشرحك!!
وإياس بن معاوية انمااستضاء بمصباح ذكائك :
إياس بن معاوية كان أحد أشهر عباقرة القضاء في العالم الإسلامي أجمع ويضرب به المثل في الذكاء .
وفي رأيي أن ابن زيدون كان عبقريًا في استخدام المترادفات بين الذكاء والدهاء .فالذكاء هو قدرة عقلية متطورة يستطيع بها الفرد حل مشكلاته.أما الدهاء فهو معنى أقرب إلى المكر والخديعة . لذلك استخدم شخصيتين متناقضتين في استخدامهما للذكاء ليقول بسخرية إن هذا الغريم ليس ذكيًا فحسب بل وفيه هذه التدرجات من استخدام الذكاء .

وسحبان انما تكلم بلسانك
سحبان وائل أحد أشهر فصحاء العرب .
ومقصد ابن زيدون أن هذا الغريم (لعبقري) قد صار جزءًا من كل محمدة من الخصال ، ولنا عودة لاحقة فيما بعد بإذن الله .
وعمرو بن الاهتم انما سحر ببيانك
عمرو بن الأهتم أحد الصحابة الذين لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلاغته قال :"إن من البيان لسحرًا". وهنا تبدو عظمة المفارقة حينما يكون غريم ابن زيدون -وهو يسخر منه-رجلاً استمد منه هذا الصحابي الجليل سحر البيان !!

ولنأت إلى بقية الرسالة :
وأن الصلح بين بكر وتغلب تم برسالتك , والحمالات بين عبس وذبيان اسندت الى كفالتك , وان احتال هرم بن سنان لعلقمة وعامر
حتى رضيا كان عن اشارتك, وجوابه لعامر _ وقد سأله عن ايهما كان ينفر _ وقع عن ارادتك
.
أما الصلح بين بكر وتغلب ، فهي بعد حرب البسوس التي دامت أربعين سنة بين بكر وتغلب والتي تم الإشارة إليها سابقًا عن كليب وجساس . وهنا يكون للسخرية وقع عظيم حينما يشبهه ساخرًا بأنه الحارث بن عبّاد الذي أصلح بينهما ، فما عجز عنه السابقون في أربعة عقود استطاع ابن عبدوس (عبقري زمانه ) أن ينهيه .
كذلك حرب داحس والغبراء التي قامت بين عبس وذبيان لسبق فرس فرسًا ، الحمالات أي الديّات فكأنما ابن عبدوس هو ذلك السيد الذي أسندت إليه مهمة عمل مقاصّة بين دية كل منهما ليكون هو صاحب الرأي السديد المطاع .أما عن المنافرة ، فقد كان هرم بن سنان قد أتاه كل من علقمة وعامر -وهُما من سادات قومهما- يطلبان المنافرة أي المجادلة أيهما خير من صاحبه ليكون هو الحكم بينهما . وكانا صديقيه ، فدعا كل منهما إلى بيته وجعل كل واحد عل حدة يقيم عنده ثلاثة أيام ويحذره من قوة حجة الآخر ، وينصحه بالانسحاب . حتى إذا اكتمل الأسبوع انصرف كل منهما دون منافرة وكان هذا بفضل استخدامه حيلة ذكية للحيلولة دون ذلك حتى لا تنشب بين القبيلتين حرب .
لذلك نجد ابن عبدوس موصوفًا بكل تلك الصفات في هزء يثبت عكس ذلك.

أما المهلب بن أبي صفرةفهو من أهم ولاة الأمويين على خراسان. عينه الحجاج عاملا على خراسان عام (78هـ - 697م) وقام بفتوح واسعة فيما وراء بلاد النهر فقد قاد المهلب حملة أستولى من خلالها على إقليم "الصغد" وغزا "خوارزم" وافتتح "جرجان" و" طبرستان"بذلك فرض سيطرة الدولة الأموية على أراض كثيرة فيما وراء النهر وكــان لها أكبر الأثر في إثراء الحضارة الإسلامية، وقال عنه ابن الزبير رضي الله عنه سيد أهل العراق وهو واحد من القادة الذين اشتُهِروا بالذكاء والحلم والجود والشجاعة وكان الساعد الأيمن في فتوحات الأمويين وقتها.لذلك كانت سخرية ابن زيدون منه ،ليثبت له عكس من وصفه به.

وافلاطون اورد على ارسطاطاليس ما نقل عنك , وبطليموس
سوى الاسطرلاب بتدبيرك , وصور الكرة على تقديرك , وبقراط علم العلل والمراض بلط حسك , وجالينوس
عرف طبائع الحشائش بدقة حدسك , وكلاهما قلدك في العلاج , وسألك عن المزاج , واستوصفك تركيب الاعضاء , واستشارك في الداء والدواء , وانك نهجت لابي معشر طريق القضاء , وأظهرت جابربن حيان على سر الكيمياء .

أرى أن هذه الرموز كلها واضحة لا تحتاج إلى إعادة الشرح ،تلك التيمة التي يعزف عليها ابن زيدون ألحان هجائه الموجع هي إثبات مرة أخرى للفارق الثقافي بين كل منهما وكأنه يقول له من بعيد : ترى أي واحد منا أيها الجاهل أولى بهذه المرأة ولادة بنت المستكفي ؟
وان صناعة الالحان اختراعك , وتاليف الاوتار والانقار توليدك وابتداعك , وان عبدالحميد بن يحيى بارى اقلامك , وسهل بن هارون مدون كلامك , وعمرو بن بحر مستمليك , ومالك بن انس مستفتيك , وانك اللذي
اقام البراهين , ووضع القوانين , وحد الماهية , وبين الكيفية والكمية , وناظر في الجوهر والعَرَض ,
وميز الصحة من المرض , وفك المعمّى , وفصل بين الأسم والمسمى , وصرف وقسم , وعدل وقوّم ,
وصف الاسماء والافعال , وبوب الظرف والحال , وبنى وأعرب , ونفى وتعجب , ووصل وقطع , وثنى وجمع ,
وأظهر وأضمر , واستفهم وأخبر , وأهمل وقيد , وأرسل وأسند , وبحث ونظر , وتصفح الاديان

ورجح بين مذهبي ماني وغيلان
كل هذه المسميات واضحة ،عبد الحميد بن يحي هو أول من وضع أصول الكتابة النثرية للعرب وتوفي مع مروان بن محمد آخر ملوك بن أمية مقتولاً من بني العباس وكان معروفًا بخصائص ميزت النثر على امتداد عصور ازدهار الأدب العربي ، وفي هذا استهزاء بيّن . أما سهل بن هارون فهو وزير فارسي لقب بذي الوزارتين وكان بليغًا في كتاباته جامعًا من مآثر الفرس والعرب القدر الوافر الكثير . أما عمرو بن بحر فهو الجاحظ ، وتبرز السخرية بأن يجعل الجاحظ هو الذي يسأل ابن عبدوس عمّ يكتب ، ومالك بن أنس هو أحد الأئمة الأربعة من أبرز فقهاء أهل السنة والجماعة وله المثل المعروف لا يُفتى ومالك في المدينة. قمة السخرية أن يكون هذا الخصم قد بلغ بعلمه وخصائصه أن يكون الإمام مالك رحمه الله تلميّذا لديه!!

إيناس 02-01-2010 07:40 PM

كلمة الشكر قليلة في حق هذا العمل الكبير والقيم الهادف الذي تكرمت به أخي المشرقي الإسلامي علينا
فعلا قرأت وإستفدت وإستمتعت وإنبهرت بهذا الكم الهائل من المعلومات التاريخية، وفي جميع الميادين ؛ السياسية والثقافية والفلسفية والدينية جمعها هذا العبقري إبن زيدون في رسالة لغريمه كتبها له بمداد نار الغيرة ..
فشكرا لولادة المرأة التي من أجلها وبفضلها وغيرة عليها وحبا فيها، ثارت ثائرة إبن زيدون لتخرج حمما من روائع الكلام ومجمع الأحداث وديوان الأمم وتراث الأزل، وأجمل ما قيل في الهجاء البناء ..
وكما يقال وراء كل رجل عظيم إمرأة ;) ...، وهاهي ولادة تثبت لنا مرة أخرى حقيقة هذه المقولة ..:)
بارك الله فيك أخي المشرقي وجزاك الله كل خير على هذا العمل الرائع

المشرقي الإسلامي 29-05-2010 06:50 PM

فكدمت في غير مكدم : اي أخطأت في اختيارك ويضرب هذا المثل يقصد به الخيبة وعدم التوفيق.
استسمنت ذا ورم: مثل يُضرب في الفرد الأحمق الذي لا يُحسن تقييم الامور فيكون كمن يرى ورمًا فيحسب أنه صيد ثمين وهو مثل يضرب في دنوّ الهمة.
نفخت في غير ضرم:يضرب هذا المثل في الفشل ، كالذي ينفخ في مادة ليس فيها عناصر الإحراق وبالتالي لا تشتعل النار .
لم تجد لرمح مهزًا: لا أحسبه من أمثال العرب ولكنه هجاء ابن زيدون لغريمه ،وهز الرماح يكون دلالة على القوة الاستعداد للحرب ، والمقصود بكلام ابن زيدون أن غريمه مخذول حتى أن رمحه لا يجد من يهزه وبالتالي يظل مغمورًا لأنه لم يحارب به. وربما يكون المقصود هو ضعف التأثير حتى إن رماحه لا تهز ما تصدمه.
ولا لشفرة محزًا :نفس المعنى ولكن بأسلوب آخر يعتمد على الترادفات لتعميق صورة الخيبة والخزي ،فكأن شفرته وهي آلة حادة كالسكين ونحوه لا يكون لها حزّ وهو اثر يظهر في الأشياء التي يقطعها .
رضيت من الغنيمة بالإياب : مثل يَضرب فيمن لم ينل شيئًا من الغنيمة إلا أن يعود فارغًا فقط.
وتمنيت الرجوع بخفي ّ حنين : معروف دلالة هذا المثل ، ولا يمنع هذا من ذكر قصته من خلال الرابط :
http://www.aleppo-sy.com/vb/showthread.php?t=12420
لأني قلت لقد هان من بالت عليه الثعالب: هذا المثل له قصة وهي أن أبا ذر رضي الله عنه قبل إسلامه كان يعبد الأصنام فلما جلس رأى ثعلبين يبولان فوق الصنم فقال رضي الله عنه هذا البيت وقيل أن الذي قاله رجل آخر (وليست هناك فائدة كيرة من التوسع في هذا الجانب).

هممت ولم أفعل وكدت وليتني
يستخدم هذا البيت للتدليل على شدة الندم وأصله من بيت قاله أحد الذين آذوا عثمان بن عفان رضي الله عنه:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني *** تركت على عثمان تبكي حلائله
أي ليتني لم أرع لك حرمة يا بن عبدوس
ولولا ان للجوار ذمة , وللضيافة حرمة , لكان الجواب في قذال الدّمُستقِ , والنعل حاضرة , ان عادت العقرب ,
والعقوبة ممكنة ان أصر المذنب
في هذه الجزئية نجد ابن زيدون ينتقل للفخر بمحاسنه هو ، فقد قام بإسباغ محاسن على نفسه دون أن يقول صراحة وذلك من خلال القول : ولولا أن للجوار ذمة .... أما العبارة لكان الجواب في قذال الدمستق فهي تحوي قدرًا كبيرًا من المعرفة التي يستعرضها ابن زيدون فالقذال هو مؤخرة الرأس والدمستق هو قائد من قادة الروم ،وابن زيدون يلمح في ذلك إلى بيت من أبيات المتنبي رحمه الله إذ قال :
وكنت إذا كاتبته قبل هذه *** كتبت إليه في قذال الدمستق
جعل أثر السيوف في رأسه بالجراحات كالكتاب إليه لأنه يتبين به كيفية الأمر أي أني يا بن عبدوس لولا مراعاتي حرمة الجوار لكان الجواب ضربًا برأسك ، وما بعد هذه العبارة كلام واضح لا يحتاج إلى شرح .
وهبها لم تلاحظك بعين كليلة عن عيوبك , ملؤها حبيبها , حسنٌ فيها من تود , وكانت انما حلّتك بحُلاك ,
ووسمتك بسيماك , ولم تعرك شهادة , ولا تكلفت لك زيادة , بل صدقت سن بكرها فيما ذكرتهُ عنكَ , ووضعتِ
الهِناءَ مواضع النقبِ بما نسَبتهُ اليك , ولم تكن كاذبةً فيما أثنت به عليك , فالمعيدي تسمع به خير من ان تراه .
هجين القذال , ارعن السبال , طويل العنق والعلاوةِ , مُفرط الحمق والغباوة , جافي الطبع , سيئ الاجابة
والسمع , بغيض الهيئة , سخيف الذهاب والجيئة , ظاهر الوسواس , منتن الانفاس , كثير المعايب , مشهور
المثالب , كلامكَ تمتمة , وحديثُك غمغمة , وبينك فهفهة , وضحكك قهقهة , ومشيُك هرولة , وغناك مسألة ,
ودينُك زندقة , وعلمُك مخرقة.
المعيدي تسمع به خير من أن تراه : مثل يُضرب في الفرد الذي لا يُجالَس ، فالمعيدي هو أديب كان دميم الوجه ويقال عنه تسمع به خير من أن تراه،ويقصد ابن زيدون بذلك لو افترضنا أنك كنت ذا شأن أيها الذي تجاوز خطوطه وأوغر محبوبتي عليّ ، فإنك منبوذ منها ، ونلاحظ أن ابن زيدون هنا ربما تكلم على لسان محبوبته ولادة وربما تحدث بلسانه هو .

مَساوٍ لو قسمن على الغواني لما أمهرن الا بالطلاق
أي أنه يساوي في دناءته رجلاً منحرفًا لكان الطلاق مهرًا له ! وهذه سخرية في قمة الروعة للتعبير عن هذه الدناءة التي يرمي بها ابن زيدون عدوه وربما تكون كلمة مساوٍ تخفيفًا لكلمة مساوئ
حتى ان باقلا موصوفٌ بالبلاغة اذا قرن بك , وهبنّقة مستحق لاسم العقل اذا اضيف اليك , وطويسا مأثور
عن يمن الطائر اذا قيس عليك
باقل وهبنقة اثنان من الناس الذين ضرب بهم المثل في البلاهة والغباء ، أما طويس فللعرب مثل :أشأم من طويس وهو رجل -كما قيل- كان مولده يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وفطامه يوم موت الصديق رضي الله عنه وبلوغه الحلم يوم وفاة عمر رضي الله عنه وزواجه يوم وفاة عثمان رضي الله عنه وأخيًرًا :إنجابه يوم وفاة علي رضي الله عنه ..ومدى صحة هذا الخبر محل نقاش لهذا يستهزئ به ابن زيدون ويقول :طويس (الغرب إن صح التعبير) مقارنة بك يكون بشير خير ،والهبنقة وباقل مقارنة بغبائك يكونان عبقريين !!!
, فوجودك عدم , والاغتباط بك ندم , والخيبة منك ظفر , والجنة معك سقر .
كيف رأيت لؤمك لكرمي كِفاء , وَضِعَتُكَ لشرفي وفاء , واني جهلت ان الاشياء انما تنجذب الى أشكالها , والطير إنما تقع على ألافها
أي تقع الطيور على أشكالها مثل يضرب بالإنساان ورفاقه فهو لا يصاحب إلا من هم على شاكلته ، كذلك ابن عبدوس كما(في نظر ابن زيدون)أنه حينما حاول استفزاز ولاّدة بمشيه مع جارية ، فهذه الجارية مثله سيئة بها نفس قبائحه.
وهلا علمت ان الشرق والغرب لا يجتمعان , و شعرت ان المؤمن والكافر لا يتقاربان ,
وقلت : الخبيث والطيب لا يستويان , وتمثلت :
ايها المنكح الثريا سهيلا
عمرك الله كيف يلتقيان
ثريا كانت امرأة من جميلات العرب وسهيلاً هو واحد من أبناء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وكان دميم الوجه فلما تزوجها قال شاعر يغار على ابن عبد الرحمن بن عوف وكان يأمل أن تكون ثريا زوجته قال هذا البيت ، وهو بيت يُقصد به الاستغراب من اجتماع الطيب والخبيث ، وهنا نجد ابن زيدون يقصد حب ابن عبدوس لولادة بهذا البيت ؛ لأن ابن عبدوس كان قد مشي مع جارية يقصد بها إغاظة ولادة وربما لم يقصد ذلك ثم بعدها جلس مع ولادة وتحدث إليها مما أوغر قلب ابن زيدون.

المشرقي الإسلامي 01-08-2010 06:19 PM

وذكرتَ أني عِلقٌ لا يباع فيمن زاد , وطائرٌ لا يصيده من أراد , وغرض لا يصيبه إلا من أجاد

العِلق هو الشيء الثمين النفيس ، ويقصد ابن زيدون الحديث على لسان ولادة محبوبته وكأنها تقول لابن عبدوس أنت أيها الكاذب تقول أنني امرأة غالية كالعلق أي الشيء الثمين الذي مهما زاد سعره لا يُباع أبدًا ، وأنني كالطائر الذي يفشل الصيادون في الوصول إليه لعلوه وكبريائه وقدرته وغرض لا يصيبه إلا من أجاد أي تقول عني أنني لا يصل إليّ إلا العالم بي فعلاً القادر على الوصول إلى قلبي ولكنك عكس ذلك
ما أحسبك إلا كنت قد تهيأت للتهنئة , وترشحت للترفئة , ولولا ان جرحالعجماء جبار , للقيت من الكواعب ما لاقى يسار,
فما هم الا بدون ما هممت به , ولا تعرض الا لايسر ما تعرضت
.
اين ادعاؤكك رواية الاشعار , وتعاطيك حفظ السيروالاخبار , اما ثاب لك قول الشاعر
:
بنو دارم اكفاؤهم آل مسمع وتنكح في أكفائهاالحبطاتُ



يقول ابن زيدون هازئًا على لسان ولادة ، أظنك أيها المغفل مثل من تهيأ للتهنئة وترشح للترفئة أي لقولة بالرفاء والبنين وهذه صورة عادية لكن ابن زيدون حولها إلى صورة في غاية الإقذاع والإساءة عندما قرنها بصورة الطفيليين

ولولا أن جرح العجماء جبار

العجماوات جمع عجماء أي بهيمة وفي الحديث (جرح العجماء جبار) أي أن الدابةالمفلتة من صاحبها , ليس لها قائد ولا راكب يدلها على الطريق ما تجرحه يذهب هدراًلا دية فيه ولا غرامة, وسميت عجماء لأنها لا تتكلم , وكل من لا يقدر على الكلام فهوأعجم

أي لولا أن البهائم ليس لها دية لفعلت ُ بك مثل ما فعلت الكواعب بيسار

ماذا فعلت الكواعب بيسار إذن ؟ ومن هو يسار ؟
تلاقي كما لاقى يسار الكواعب) ويسار هذا فيما يزعمون كان عبداً، طمع يوما في بنتسيده، فأخذ يتحرش بها وهي تحذره من مغبة ذلك وتنهاه، فلما رأت إصراره قالت: لن يكونما تريد حتى تقبل أن أصنع لك طيبا تتجمر به فقبل، فأخذت معها شفرة (موس) فلما طيبته قطعتمذاكيره وهو يصرخ يحسب أنه من قرب الطيب والجمر وهي تقول له: اصبر على جمر الكرام،فما لبث أن مات متأثراً بجراحه، فضربت به العرب المثل فيمن يطلب ما ليسله.

وهذه السخرية يقصد بها ابن زيدون تعرية الآخر وتشبيهه بأحط الصفات على لسان ولادة .على أنه أخطأ خطأً لغويًا شنيعًا مرده إلى تكلف القافية .

كان ابن زيدون يقصد أنني كنت أريد أن أفعل بك مثل ما فعلت الكواعب بيسار ،لكن للأسف سأضطر لدفع دية فيك وأنت خسيس لا تستحق ذلك . الخطأ هنا أن معنى " جرح العجماء جبار" أي ليس فيه دية ، وكان من المفترض أن يقول ولأن جرح العجماء جبار سأفعل بك كما فعلت الكواعب بيسار أي كأن المسمى العبد المسمى ب(يسار) هو كالدابة ليس له دية .وطالما أنه لادية فيه كان من المفترض أن تفعل به (ولادة التي يتحدث على لسانها) ما تريد ، لا أن يمتنع .لكن اضطرار القافية جره إلى خطأ بهذه الدرجة من السخافة والسذاجة!! ولقد فهم ابن زيدون معنى هذا المثل بشكل مقلوب ،مشكلة أوقع ابن زيدون فيها نفسه بهذه الجملة ، تتمثل في أنه لو قال الكلام الصحيح "ولأن جرح العجماء جبار للاقيت ما لاقى يسار" أنه سيظهر في شكل المخلف لوعده والعاجز عن تحقيق ما تحدث به .

فما هم إلا بدون ما هممت به , ولا تعرض إلا لأيسر ما تعرضت .

قصد ابن زيدون على لسان ولادة أن يساراً كان أشرف وأنبل غاية من ابن عبدوس لما أراد أن يخلو له الجو مع ولادة ، وأن ما لاقاه يسار أبسط مما كان يستحقه ابن عبدوس ، وفي رأيي الشخصي أن المبالغة قد وصلت شأوًا لا يُعقل يؤدي إلى الاستحالة الحقيقية وكذلك المعنوية وهذه إحدى زلات ابن زيدون في النص .فالتحرش أسوأ من المصاحبة لامرأة ما ، لكن ابن زيدون لرغبته في تعظيم محبوبته وتشويه عدوه قلب الموازين بشكل يجعل مجرد القرب من ولادة جريمة أشنع من جريمة التحرش بأي امرأة أخرى من النساء خاصة الإماء . وهذا لا يخلو من نزعة شبه عنصرية عند ابن زيدون مردها إلى المكانة الاجتماعية والسياسية التي تشغلها ولادة .

المشرقي الإسلامي 01-08-2010 06:21 PM

أين ادعاؤكرواية الاشعار , وتعاطيك حفظ السيروالاخبار ,أما ثاب لك قول الشاعر :
بنو دارم أكفاؤهم آل مسمع

وتنكح في أكفائهاالحبطاتُ




بنو دارم : قبيلة اتسمت بالشرف ، وأكفاؤها أي مثيلاتها ومن هم كفء مثلهم –وجمعها أكفاء- هم قبيلة آل مسمع أما الحبطات: فإنها قبيلة متواضعة لا ينبغي أن تنكح أحدًا من القبيلتين الكبيرتين .

وسبب هذا البيت أنالفرزدق بلغه أن رجلا من الحبطات بن عمرو بن تميم خطب امرأة من بنيدارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، فقال الفرزدق : بَنُودَارِمٍ أكْفاؤُهُمْ آلُ مِسْمَعٍ ... وتنكح في أكفائهاالحَبِطاتُ

ويقصد ابن زيدون بذلك أن ابن عبدوس ليس من حقه أن يتمنى مصاهرة ولادة أو من في مستواها وعليه أن يقنع بمن هم في مثل مستواه كما لا يصح لبني دارم أن تتزوج إلا من آل مسمع لأنهم مثلهم ، بينما ابن عبدوس كالدخيل الذي ليس له مكان بينهما (صعلوك بين الملوك) الكلام وإن كان مقصودًا به حرفيًا العلاقات الاجتماعية والزواج إلا أن ابن زيدون سحبه على العلاقة الشخصية الخارجة عن هذا الإطار .

وهلا عشّيت ولم تغتر! وما اشك انك تكون وافد البراجم , أو ترجع بصحبة المتلمس , اوافعل بك ما فعلهعقيل بن علفة بالجهني حين اتاه خاطبا , فدهن استه بزيت , وأدناهمن قرية النمل .
ومتى كثر تلاقينا , واتصل ترائينا , فدعوني اليك ما دعا ابنةالخس الى عبدها من طول السواد
,
وقرب الوساد !





وهلاعشيت ولم تغتر(*)

ومن أمثال العرب: عش ولا تغتر. وأصل ذلك أن يمر صاحب الإبل بالأرض المكلئة فيقول: أدع أن أعشي إبلي منها حتى أرد على أخرى، ولا يدري ما الذي يرد عليه.يقصد ابن زيدون أي وليتك يابن عبدوس بحثت عن غرض بسيط يناسبك بدلاً من أن تطمح لما هو أعلى وأصعب منه ثم لا تناله.

(*)هذا المثل وجدت شرحه في شبكة المنهاج الإسلامية والتي كان مكتوبًا فيها "يُرجى الإشارة إلى مصدر اقتباس هذه المعلومة"

المشرقي الإسلامي 01-08-2010 06:28 PM

وما أشك انك تكون وافد البراجم , أو ترجع بصحبة المتلمس

وافد البراجم مثل يضرب فيمن رأى شيئًا ظنه خيرًا ، ولكن كانت فيه هلكته وله قصة

ويقال بأن المثل لعمرو بن هند وكان سويد بن ربيعة التميمي قتل أخا له وهرب فقتلعمرو تسعة من ولده وحلف ليقتلن مائة من قومه فقتل ثمانية وتسعين رجلا منهم إحراقابالنار فرأى رجل من البراجم وهم من تميم الدخان يرتفع فقال إن الملك يطعم الناسفقصده فلما دنا قال له عمرو ممن أنت قال من البراجم قال إن الشقي وافد البراجم وأمربه فألقي في النار.

ويقص ابن زيدون بكلامه هذا أنك يا بن عبدوس ظننت أن اتصالك بولادة خير لك ، ولكن ستعلم أن فيه هلاكك لأنك دخلت منطقة ليست لك (وكأن النساء في غير الزواج حلال على ابن زيدون حرا م على غيره!)

صحيفة المتلمس

المتلمس كان شاعراً ويضرب به المثل للشيء المكتوم الذي يحمل شرك والقصة أن النعمان غضب عليه لأنه ذكر هو وشاعر آخر أخته فكتب النعمان رسالتين حتى لا يكون الإعدام في حضرته فقال جائزتكما عند فلان (يعني أحد ولاته) فالمتلمس شك فقال لصاحبه لنفتح الرسالة فقال صاحبه رسائل الملوك لا تفتح فتخلّف المتلمس وخرج صاحبه وفي الطريق فتح المتلمس الرسالة وفيها أمر قتل صاحب الرسالة فنجا هو وقُتِل صاحبه فصار العرب يضربون المثل

ويقصد ابن زيدون أي أنك ستنال مني شرًا كالذي ناله المتلمس ، لا يقصد الفعل نفسه ولكنه يقصد أن في هذا الأمر شرًا لك من حيث لا تدري.و إن كنت أظنه يلف حول معنى واحد بأساليب تاريخية مختلفة .

أو أفعل بك ما فعله عقيل بن علفة بالجهني حين اتاه خاطبا , فدهن استه بزيت , وأدناهمن قرية النمل .
القصة والمثل يغنيان –في رأيي – عن الشرح

ومتى كثر تلاقينا , واتصل ترائينا , فدعوني اليك ما دعا ابنة الخس الى عبدها من طولالسواد ,
وقرب الوساد !
فدَعَوْني إليك ما دعا ابنة الخس إلى عبدها من طو ل السواد ,وقرب الوساد)
بنت الخس
يعرفهاالمتقدمون بأنها هند بنت الخس بن حابس بن قريط الإيادي وقد يعدها بعضهم من العماليق،وكانت من أكثر نساء العرب حكمة وذكاء وقيلت عنها قصة غير متأكد من صحتها وهي التي ضمنها ابن زيدون كلامه وهذه القصة هي

أنها ارتكبت الاثم مع مولاها. وأنه قيل لها ما حملك على ما فعلت؟ قالت: قرب الوساد، وطولالسِّواد. السواد: المساراة أي المتعة . وابن زيدون يقصد على لسان ولادة ومتى كثر تلاقينا , واتصل ترائينا

أي أنني لست ببنت الخس التي تفعل هذا الفعل لكي أتصل بك ، وفي ذلك تصريح خبيث من جانب ابن زيدون على لسان ولادة بدناءة الغرض الذي يعيش غريمه من اجله



وهل فقَدتُ الاراقم فانكح في جنبٍ , او عَضَلَني همام بن مرة فاقول : زوج من عود , خير من قعود !
ولعمري لو بلغت هذا المبلغ , لارتفعت , عن هذه الحِطة , ولا رضيتبهذه الخطة , فالنار ولا العار ,
والمنية ولا الدنية , والحرة تجوع ولا تاكل بثدييها
فكيف وفي ابناء قومي منكح
وفتيان هِزّان الطوال الغرانقة




وهل فقَدتُ الاراقم فانكح في جنبٍ

هذا المثل يضرب بالشخص الذي لا يجد لابنته الرجل الذي لا يزوج ابنته من شخص كفء لها بسبب أنها في غربة عن أهل المكان ، فيضطرون للقبول بأي فرد وللمثل قصة

وذلك أن مهلهلا نزل في جنب وهو حي وضيع من مذحج . فخطبت ابنته فلم يستطع منعها ، فزوجها فقال :


أنكحها فقدها الأراقم في



جنب وكان الحباء من أدم


..يمكن متابعتها عبر هذا الرابط :

http://sirah.al-islam.com/display.asp?f=rwd1114.htm

أو كتابة بيت الشعر السابق في محرك البحث ..

لقد كان في أبناء قومك منكح
وشبان هزان الطوال الغرانقة

هذا البيت قاله الأعشى عندما طلق زوجته وكان لا يشك في أخلاقها ولكن لعدم توافق بينهما
و(هزان) قبيلة في السعودية ،الطول : طوال الجسم ، الغرانقة : الغر البيض وهي من سمات الجمال في الشباب
ويقصد الأعشى أن طليقته من أصل طيب . أما ابن زيدون فهو يستخدم موقف الأبيات وليس مضمونها فهو يقصد
بمعنى غير مباشر على لسان ولادة أنه لا إمكانية لاستمرار العلاقة بينهما على افتراض أن من أهل ابن عبدوس أناسًا
طيبي الأصل
.
ما كنت لاتخطى المسك الى الرماد , ولا امتطي الثور بعد الجواد , فانما يتيمم من لم يجد ماء ,
ويرعى الهشيمَ , من عدِمَ الجميم , ويركب الصعب من لا ذلول له , ولعلك انما غرك من علمت صبوتي اليه ,
وشَهِدت مساعفتي له , من أقمار العصر , وريحان المصر , اللذين همُ الكواكب عُلُوّ هممٍ , والرياضُ طيب شيم


ما كنت لاتخطى المسك الى الرماد

كناية عمن يحاول الوصول إلى هدف ثمين غال ولكنه يتخطاه فيصل إلى شيء تافه ، وغالبًا المقصود أن المسك يوضعَ في مجامر ليصبح أكثر انتشارًا في الرائحة ولكن التسخين أو الحرق الزائد عن حده يؤدي إلى تحوله إلى رماد . لكن لا أعلم هل هذا خطأ من ابن زيدون أم لا (إن صح ظني) لأن العود هو الذي يوضع على المجامر ويتطاير منه رماد الحرق وليس المسك السائل .والكلام عل لسان ولادة أي أنني ما كنت لأتخطى الإنسان الجيد لأرتبط بإنسان سيء وفي ذلك تعريض أي إساءة بشكل غير مباشر لابن عبدوس كأنه تقول له (ما كنت مثلك لأتخطى المسك إلى الرماد)

ولا امتطى الثور بعد الجواد : نفس المعنى بشكل غير مباشر ، فالجواد هو الخيل رمز للفروسية والعزة بعكس الثور الذي لا يُركب أساسًا وتعمد ابن زيدون وضع هذه الصورة الساخرة لنكون أمام مفارقة نشعر فيها بتدني قيمة غريمه ابن عبدوس.

يرعى الهشيم من عُدِم الجميم : الجميم هو نبات طويل ، ويقصد ابن زيدون أن ابن عبدوس خائب في مقصده وهو لا يرضى إلا بالهين اليسير والنساء التافهات لأنه لا يستطيع الوصول إلى امرأة بقيمة ولادة .والهشيم هو الرماد ، فالذي يرعى الرماد هو من لا يجد النبات .ويركب الصعب من لا ذلول له : مثل تقوله العرب عمن يضطر إلى شيء لا يحبه ، وهنا إسقاط على ابن عبدوس

المشرقي الإسلامي 01-08-2010 06:45 PM

ويركب الصعب من لا ذلول له :
مما قالته العرب من أمثالهم أي أن من يضطر للأصعب هو من لا يجد الشيء الذي يناله بسهولة وهو مثل يُقصد به النحس ، وابن زيدون يقول على لسان ولادة أنك يا بن عبدوس ما اضطررك للمشي مع هذه الجارية إلا استيئاسك من مصاحبتي .



, ولعلك انما غرك من علمت صبوتي اليه ,
وشَهِدت مساعفتي له , من أقمار العصر , وريحان المصر , اللذين همُ الكواكب عُلُوّ هممٍ , والرياضُ طيب شِيَم


نأتي بعد ذلك إلى جزء مفصلي من الراسلة من خلال التعبير الذي يتحدث فيه ابن زيدون على لسان ولادة ويتخيل ولادة تمدحه وهذه قمة الغرور والثقة الزائدة بالنفس (إذ الرسالة أدت عكس ما كان يتمنى!! )ويقول عن نفسه –على لسان ولاة- أنه هو من أقمار العصر وريحان المصر والمصر هو القُطر أو الدولة ، وهم في علو الهمم كالكواكب وفي كرم الشيام كالرياض جمع روضة وهي البستان .

من تلقى منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري
فحن قدح ليس منها , ما انت وهم ؟ واين تقع منهم ؟ وهل انت الا واو عمرو فيهم , وكالوشيظة في العظم بينهم


معروف معنى السطر الأول لكن معنى الجملة فحنّ قدح لي منها :

حن قدح ليس منها : أصله ان احد أ قداح(أكواب) الميسر اذا كان ليس من جوهر باقى القداح ، ثم اجاله المفيض خرج له صوت يخالف اصواتها ، فيعرف به انّه ليس من جملتها ، فضرب مثلا لمن يمدح و يفتخر بقوم و ينسب فيهم مع انه ليس منهم

أي أن من يقومون بتوزيع الأكواب أكواب الميسر كانوا يضربون الأكواب من مؤخرتها برفق فيعرفون كل الأكواب من صوتها فالذي له صوت غريب يعرفون أنه كوب مختلف عنهم .

يقصد ابن زيدون أنك يا بن عبدوس كهذه الكؤوس الدخيلة وتفاخر بما لست أهلاً له .

انت الا واو عمرو فيهم , وكالوشيظة في
العظم بينهم
!

قمة العبقرية في السخرية إذ يرى على لسان ولادة أن هذا الدخيل ابن عبدوس ملحق بهم كحرف الواو في كلمة عمرو ، فهو زيادة فقط للتفريق بين اسم عمر وعمرو ، كذلك ابن زيدون جاء في ذيل الكلام ولا وجود له بدليل أن واو عمرو لا تنطق ، فهو مثلها صنم فحسب !!

كالوشيظة في العظم : الوشيظة : قطعة عظم تكون زيادة في العظم الصميم

.
والوشيظ من الناس : لفيف ليس أصلهم بواحد والجميع : الوشائظ ومن معانيه ما تعلق في القوم وليس منهم. لاحظوا كيف استخدم ابن زيدون للتقليل من قيمة عدوه أشياء متكافئات أحيانًا ومختلفات أحيانًا أخرى ليعبر عن استكمال النقص فيه ، فتارة ينعته بالأقل كما يكون الزائد من العظام والعظام بطبيعتها أقل أهمية –عند الأكل –من اللحم فكيف بهذا الغريم الذي هو زائد عن العظم وليس اللحم؟!! قمة السخرية والتهكم والإجادة. وكان قبل ذلك يشبهه في (قلة أصله وزيادته على الناس)بأكواب أو أقداح الخمر الزائدة ، ثم هو يجعل ابن عبدوس في الحروف مثل حرف الواو الزائدة ، فحتى الحروف التي هي اداة تفضيل البشر عن غيرهم من الكائنات يقبع ابن عبدوس غريمه في مكانة وضيعة!!







المشرقي الإسلامي 01-08-2010 06:47 PM

وان كنت انما بلغت قعر تابوتك , وتجافيت عن بعض قوتك , وعطرت اردانك , وجررت هميانك ,
واختلت في مشيتك , وحذفت فضول لحيتك , واصلحت شاربك , ومططت حاجبك , ورفعت خطعذارك ,

واستانفت عقد ازارك , رجاء الاكتنان فيهم , وطمعا في الاعتداد منهم , فظننت عجزا , واخطات استك الحفرة .

يقصد ابن زيدون من هذه العبارة مجموعة من الصور الساخرة لتشبيه خيبة غريمه في أن ينال شرف اللقاء بولادة وأنه في النهاية (أخطا استه الحفرة) فهو يعطر أردانه أي أكمامه ويجر هميانه والهميان هو و ظرف من الجلد يوضع في النطاق، ويضع فيه صاحبه النقود والأشياء الثمينة،و الهميان المعروف ليس بعربى محض وهو شداد السراويل والمنطقةوكيس للنفقة يشد في الوسط .يشبه ما يلبسه الحجاج من حزام على زي الإحرام . فهو يستهزئ بالغريم ويقول له جررت هميانك في صورة كاريكاتورية لتأتي به في صورة ساخرة مركبة من حيث الثوب أو الشكل أو المشية..

أخطأ استك الحفرة : الاست هي المؤخرة ، وهذا المثل يُقال لمن ظن شيئًا فيه صواب لكنه وقع فيه بالخطأ وقصة ذلك

شرب رجل الخمر بعد تحريمها هو وطائفة وتأولوا قوله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات فلما ذكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه اتفق هو وعلي بن أبي طالب وسائر الصحابة على أنهم إن اعترفوا بالتحريم جلدوا وإن اصروا على استحلالها قتلوا وقال عمر لقدامة اخطأت استك الحفرة أما إنك لو اتقيت وآمنت وعملت الصالحات لم تشرب الخبرفكتب عمر إلى قدامة يقول له: (( حم )) [غافر:1] (( تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )) [غافر:2] (( غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ))[غافر:3] ما أدري أيُّ ذنبيك أعظم، استحلالك المحرم أولاً؟ أم يأسك من رحمة الله ثانياً.



والله لو كساك محرق البردين , وحلّتك مارية بالقرطين , وقلدك عمرو الصمصامة , وحملكالحارث علىالنعامة , ما شككت فيك , ولا سترت اباك , ولا كنتَ الا ذاك .

والله لو كساك محرق البردين

المحرق : لقب عمرو بن المنذر المعروف بعمر بن هند وكان من حديث البردين أن الملككساهما عامر بن احيمي علي أنه أعز العرب علي اثر منافره وقعت في حضرته

وحلّتك مارية بالقرطين

ماريه: بنت ظالم بن وهب الكندي وزوجه الحارث بن جلبه الغساني وقرطاها مشهورينبلولو تين كبيرتين كان يتورها الملوك

وقلدك عمرو الصمصامة

عمرو بن معد يكرب الزبيدي : من ابطالالعرب المشهورين في الجحاهليه وصدر الا سلام والصماصمه اسم السيف

وحملكالحارث على النعامة :

الحارث بن عباد التغلبي . سيد بني وائل والنعامه اسمه فرسه

ويقصد ابن زيدون من كلامه أن غريمه ابن عبدوس لو اجتمعت فيه كل مزايا هؤلاء جميعًا فإنه سيظل خامل الذكر في نظره ونظر ولادة محبوته ولن ترتفع قيمته مهما فعل !

وهبك ساميتهم في ذروة المجد والحسب , وجاريتهم في غاية الظرف والادب , اليس تأويالى بيت قعيدتهلكاع , اذا كلهم عزب خالي الذراع !

يقول ابن زيدون أن غريمه ابن عبدوس –حتى في حالة افتراض أنه يستحق ولادة أو ابن زيدون جدلاً – فهو يأوي إلى بيت قعيدته لكاع وهذه الجملة (بيت قعيدته لكاع له مثل صيغ في أبيات من الشعر ) :

أطوف ما أطوَّف ثم آوي

إلى بيت قعيدته لكاع

يقصد الشاعر صاحب البيت أنه يطوّف أي يبالغ في الطواف وربما مقصود من الطواف الكدح والعمل ، وأن شدة التطواف مدعاة للحنين إلى زوجته ولكنه حين يعود يجدها امرأة لكاع أي متجمدة الأحاسيس والمشاعر ثم هي بعد ذلك كسولة لا تهتم بنظافة بيتها . والبيت هذا يكنى به عن الجهد الذي يذهب سدى . ويقصد ابن زيدون –على لسان ولادة- أنه وإن تساوى معهما (ابن زيدون وولادة) في الأدب والظرف والخبرة والمعرفة فإنه إنسان متجمد المشاعر والأحاسيس ودنيئ الطباع .

واين من انفرد به ممن لا اغلب الا على الاقل الاخس منه ! وكم بين من يعتمدني بالقوةالظاهرة , والشهوة
الوافرة , والنفس المصروفة الي , واللذة الموقوفة علي , وبيناخر قد نضب غديره , ونزحت بيره , وذهبنشاطه , ولم يبق الا ضراطه !

حديث ابن زيدون على لسان ولادة ، فهي تقول أو هو يقول بلسانها : أين يا بن عبدوس من انفردت بها أي الجارية وهي أخس منك ، ثم هي تكمل استهزاءها لتقول ما يغني عن التفسير من كلامه فغريمه ابن عبدوس يظهر لها أنه قوي الشخصية والمنصب وكان حينئذ وزيرًا ، والشهوة الوافرة ربما يقصد بذلك نوعًا من التعبير عن الشوق وأن غريمه حيواني الحب إن صح التعبير

فهو في أول الأمر منصرف النفس لمحبوبته ولادة ثم هو في النهاية قد تغير عن ذلك تمامًا.يقصد ابن زيدون على لسان ولادة أن غريمه هذا قصير النفَس في الحب حتى يأتي بتعبير ساخر لم يبق إلا ضراطه!

لابد ان نضع في النص احتمالات للتفسير أخرى تتعلق بالقصة وهي أن يكون ابن زيدون قاصدًا بشكل غير مباشر التشهير بولادة لأنه اغتاظ من ميلها بعض الشيء له ولأن حياتهما معًا هو وولادة لم تخل من مشاكل ومشاجرات ربما يكون قد خلص من خلالها ثأره منهما في هذا النص بشكل غير مباشر .

وهل يجتمع لي فيك الا الحشف وسوء الكيلة , ويقترن علي فيك بك الا الغدة والموت فيبيت سلولية !
تعالى الله يا سلم بن عمرو أذل الحرص اعناق الرجال

الحشف وسوء الكيلة :

مثل يُقال فيمن يجمع بين سيئتين ، وقصة المثل أن رجلاً بائعًا كان يبيع تمرًا وكان يضع الحشف( أرادأ أنواع التمر) وكان مع ذلك يغش في المكيال ، وكان المشتري يلاحظه جيدًا فقال له :أحشف وسوء كيلة ؟ فصارت مثلاً كقولنا مثلاً :بليد وبيبجح

ويقترن علي فيك بك الا الغدة والموت فيبيت سلولية !

مثل يضرب لمن جمع شيئين سيئين نفس المضمون السابق ولكن له قصة أشد ألمًا وخزيًا ، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عرض الإسلام على عامربن طفيل ولكنه كان يطمع في أن يكون له –مقابل الإسلام- حكم على القبائل ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم مذا لي إن أسلمت ؟ فقال صلى الله عليه وسلم :"لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم" فغضب من ذلك عامر (لعنه الله ) وقال :والله يا محمد لأملأنها عليك خيلاً جرداً .. ورجالاً مرداً .. ولأربطن بكل نخلة فرساً ..
ولأغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء.فقال صلى الله عليه وسلم اللهم اكفني عامرًا واهد قومه . فخرج عامر وتعب من المسير خرج عامر مع أصحابه حتى إذا فارق المدينة .. تعب من المسير .. فصادف امرأة من قومهيقال لها سلولية أو هي امرأة من قبيلة سلول وهي قبيلة لا ذكر لها يعيّر الناس بانتسابهم إليها وكانت في خيمة لها ..
وكانت امرأة فاجرة .. يذمها الناسويتهمون من دخل بيتها ..
فلم يجد مأوى آخر .. فنزل عن فرسه مضطراً ونام فيبيتها ..
فاخذته غدة وانتفاخ في حلقه كما يظهر في أعناق الإبل فيقتلُها .. ففزعواضطرب ..
وجعل يتلمس الورم ويقول : غدة كغدة البعير .. وموت في بيت سلولية

المشرقي الإسلامي 01-08-2010 06:50 PM

ما كان اخلفك بان تقدر بذراعك , وتربع علي ضلعك , ولاتكن براقش الدالة على اهلها , وعنز السوء المستثيرة
لحتفها , فما اراك الا سقط العشاء بك على سرحان , وبك لا بظبي أعفر , أعذرت ان اغنيت شيا , واسمعت لو
ناديت حيا.

ما كان اخلفك بان تقدر بذراعك , وتربع علي ضلعك

مقصود منه لقد كنت حريًا بأن تعرف قدرك ولا تطمح في أكثر مما هو متاح لك أو تعرف قدر نفسك وتعيش على قدر إمكاناتك

ولا تكن براقش الدالة على أهلها

من أمثال العرب: اشأم من براقش

وقصة المثل على اغلبالروايات او اكثرها

ان براقش هي كلبة عند قوم فقراء وحالتهم حاله
وكانت براقش غارت في يوم من الايام على قوم بجوار قومها واكلت من طعامهم وزادهم ودجاجهم ... الخ
وعندما لحقوا بها وطلبوها ذهبت الى مرابع قومها
اشتكى اصحاب الضرر (والطعام المأكول) الى من له الامر فحكم على قوم براقش بدفع تعويض عما اقترفته براقش
لكنهم كانوا فقراء فعزموا وقرروا ان ينفذوا بجلودهم ويهربوا وعلم القوم الذين يطالبونهم بما قرروا عليه فلحقوا بهم

وعندها اختبأ قوم براقش عن الأنظار حتى لايرونهم من يطاردونهم

وفجأة طار طير من عشه بجانبهم فهجمهتعليه براقش وهي تبنح فسمعوا نباحها وهجموا عليهم فقتلوا الكلبة واسروا اصحابها

عنز السوء المستثيرة أهلها



هي عنز قوم أرادوا أن يذبحوها فلم يجدوا السكين فأخذت تفحص برجليها في الأرض حتى عثروا على السكين مدفونة بعد أن أزاحت العنز عنها التراب فأخذوا السكين وذبحوها فوراً..!

قال الشاعر في رجل هجاه:

وكُنت كعنز السوء قامت لحتَفءها =إلى مُدءيَة تحت الثرى تستثيرها..!

والقارئ يلاحظ في هذه الرسالة كمية الإقذاع والنعوت (أوصاف) التي أصاب بها ابن زيدون غريمه وكان نعته بسمات من سمات الحيوانات كالكلاب والماعز والثيران...إلخ دليل على هذه التشكيلة المتنوعة من جوانب البيئة المختلفة التي أثرت العمل وجعلت للرسالة أثرها الذي لا ينساه قارئها .

سقط العشاء بك على سرحان

قال أبو عبيد: أصله أن رجلاً خرج يلتمس العشاء فوقع على ذئب فأكله والذئب من أسمائها السرحان . وقال الأصمعي: أصله أن دابة خرجت تطلب العشاء فلقيها ذئب فأكلها. وقال ابن الأعرابي: أصل هذا أن رجلاً من غني يقال له سرحان بن هزلة كان بطلاً فاتكاً يتقيه الناس فقال رجل يوماً: والله لأرعين إبلي هذا الوادي، ولا أخاف سرحان بن هزلة. فورد بإبله ذلك الوادي فوجد به سرحان وهجم عليه فقتله وأخذ إبله وقال:
أبلغ نصيحة أن راعي أهلها ... سقط العشاء به على سرحان
سقط العشاء به على متقمر ... طلق اليدين معاود لطعان
يضرب في طلب الحاجة يؤدي صاحبها إلى التلف



إن العصا قرعت لذي الحلم

ذو الحلم هو ذو العقل الرشيد غالبًا
إن العصا قرعت لذي الحلم": إن ذا الحلم هذا هو عامر بن الظَّرِبِ العَدْوَاني، وكانمن حكماء العرب، لا تَعْدِل بفهمه فهماً ولا بحكمه حكماً، فلما طَعَنَ في السن أنكرمن عقله شيئاً، فقال لبنيه: إنه قد كبرَتْ سِنِّي وعرض لي سَهْو، فإذا رأيتمونيخرجْتُ من كلامي وأخذت في غيره فاقرعوا لي المِجَنَّ بالعصا، وقيل: كانت له جارية،يقال لها خصيلة، فقال لها: إذا أنا خُولِطْتُ فاقرعي لي العصا،

وهنا تبلغ السخرية شأوًا بعيدً إذ أن ابن زيدون يقول لغريمه ساخرًا : إنك ستكون صاحب (حلم) أي عقل راجح في حالة واحدة فقط


وهي أن يكون العصا أداة تأديبك!! وفي هذا إلماح إلى نحسه ويكون التلاعب باللغة ويكون من عبقريات أسلوب ابن زيدون أنه استخدم مضمون الفكرة البلاغية عند العرب وهي توكيد الذم بما يشبه المدح ..

والشيئ تحقره وقد ينمي

معناه واضح فقد تستهزئ بشيء تحسبه يسيرًا وتهمله فينقلب عليك . وفي هذا الشطر سخرية غير عادية إذ ينعت غريمه بأن مجرد شيء ورغم أن كلمة الشيء معرّفة إلا أنها أقرب إلى النكرة لأن هذا الشيء غير محدد كذلك إسقاطات هذا البيت أقرب إلى ما تكون النباتات الطفيلية والجراثيم وما في مستواها وهذا من وجوه روعة الرسالة.ويلاحظ أن الجملتين (إن العصا قرعت لذي الحلم) جملة منفصلة عن (والشيء تحقره وقد ينمي) وليستا شطرتي بيت شعر .

وان بادرت بالندامة , ورجعت على نفسك بالملامة , كنت قد اشتريت العافية لك بالعافية منك

قمة الإجادة في السخرية إذ يكون الفرد يقي الآخرين نفسه فبذلك يكون قد رحمها ، فهو يقول له بشكل غير مباشر اشتر نفسك بالبعد عني جملة العافية لك بالعافية منك فيها تلاعب عبقري بالألفاظ ليكون العافية لك يابن عبدوس بالعافية منك أي ببعدك عنا وهنا يكون لكلمة العافية معنيين ظاهر وآخر باطن الأول العافية والثاني بمعنى البعد أو الإعفاء .

جعجعة بلا طحين

يقال هذا المثل عن شيء يشابه الهالة الإعلامية حول شيء تافه أو الكلام الكثير والفعل القليل (ضجة على الفاضي) كما نقول بالعامية

رب صلف تحت الراعدة







الصلف:قلة النزل والخير


الراعده:السحابه ذات الرعد


بنفس المعنى يضرب المثل لمن هو كثير الكلام قليل الفعال ،كما أن الرعد قد لا يجيء بمطر فكذلك الشخص الذي تثار حوله ضجة فارغة .


وأشدت :
لا يؤنسنك من مخدرة قول تغلظه وان جرحا
فعدت لما نهيت عنه , وراجعت ما استعفيت منه , بعث من يزعجك الى الخضراء دفعا ويستحثك نحوها وكزًا وصفعا .


لا يغرنَّك من مخدرة
قول تغلظه وإن جرحا


هو بيت لبشار بن برد يقول فيه لا يغرنك أيها الرجل أن المرأة المخدرة أي التي تجلس في خدرها وهو مكان خاص بالسيدات قد تغلِظ لك في القول فإن لها مفاتيح لتراودها بها عن نفسها . والبيت له تكملة لا تحتاج إلى شرح :

عسر النساء إلى مياسرة
والصعب يمكن بعد ما جمحا



يقصد ابن زيدون على لسان ولادة : يا بن عبدوس لو أنك ظننتني ممن ينطبق عليها هذا الكلام ولم تعد إلى صوابك فإن هناك من يبعث بك من يزعجك إلى الخضراء دفعا . والضمير في (يبعث) يعود غالبًا على ابن زيدون . وتقصد بالخضراء الحديقة (ربما) أي لو أنك يا بن عبدوس لو لم تكف عن مضايقتك إياي ولو دار بخلدك أنني ينطبق عليّ هذا البيت لأرسلت إليك من يزعجك إلى الحديقة دفعا أي من يدفعك إلى الحديقة وربما تقصد به شيئًا آخر ويستحثك نحوها وكزًا وصفعا .الوكز هو الضرب بالكوع تقريبًا أوشيء يشبه (النغز) خلاصة المعنى أن ابن عبدوس لو لم يترك ما هو فيه من التجاوز لحدوده فإن ولادة سترسل إليه من يهينه ويهدر كرامته.



فإذا صرت إليها عبث أكاروها بك , وتسلط نواطيرها عليك , فمن قرعة معوجة تقوم في قفاك ,
ومن فجلة منتنة يرمى بها تحت خصاك , ذلك بما قدمت يداك , لتذوق وبال أمرك وترى ميزان قدرك


فمن جهلت نفسه قدره


رأى غيره منه ما لا يرى





أكاروها أي الفلاحون ، والمفرد أكار فأنت يابن عبدوس إذا أنت لم تترك ما أنت فيه فإنك" ستسوى بك الأرض" ويعببث بك الفلاحون ويتسلط عليك النواطير وهم الحراس . والبيت الأخير موجه إلى الجارية التي أرسلها ابن عبدوس إلى ولادة ، كما يُحتمل أن يكون البيت موجهًا بشكل غير مباشر تجاه ولادة تخليصًا لثأر كان بينهما بسبب اختلاف عارض .ومعناه أن من لم يعرف قدر نفسه فإنه يجر وبالاً على من معه هذا البيت ربما يقصد به أحد تفسيرين :


*الكلام على لسان ولادة تقصد به ابن عبدوس وجاريته


*الكلام لابن زيدون ويقصد ولادة وابن عبدوس. وفي هذه الحالة فإنه يستخدم أسلوبًا نادرًا ما يُستخدم في النثر خاصة في كلام العرب القدامى وهو انتقال الحديث وفصل ضمير المتكلم ، وهي تقنية أقرب إلى تقنيات المسرح المسماة بتداخل الأصوات .




في نهاية الرسالة أرى أن ابن زيدون قد ظل يتكلف أساليب السخرية وظل يبحث عن كلمة يمينًا وشمالاً ليكمل بها كلمات شاردة منه فطاش صوابه في النهاية أو انقطعت لياقته قرب النهاية ، فمجمل ما كان يريد أن ينهي به الرسالة أني سأفعل بك ما يهينك وأسوي بك الأرض ، وإن كتت أرى في رأيي المتواضع أن ابن زيدون حول التوعد إلى صورة كرتونية أقرب إلى ما نشاهده في توم &جيري لسيطرة الانفعال على التعبير .


العمل أعظم من أن أصفه ولي بإذن الله تعليقات عليه وتحليل لكثير من وجوه جماله وبعض زلاته والأساليب المستخدمة فيه ،والحمد لله أن مكّنني من إتمام شرح الرسالة وسأعاود بإذن الله الرجوع إليها لتصليح ما قد يكون قد فات ، وأرجو أن تسعدوا بهذه المادة الأدبية الدسمة التي هي ولابد من التوجه بالشكر إلى بعض المنتديات التي وجدت فيها ما ييسر لي فهم هذه المواد وسأذكرها لاحقًا بإذن الله .والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


إيناس 27-09-2010 12:08 PM

إبن زيدون علامة من أعلام العرب البارزين، ترك أثرا خالدا فى الأدب العربى بما أبدعه من نظم رقيق، ونثر أنيق، وسياسة بارعة وحكمة بالغة، لكن ما لاحظته (ويمكن أكون خاطئة) هو أنه على الرغم من أصالة مواهبه الأدبية وشهرته العظيمة، لم ينل ما هو أهل له من التقدير، فالباحثين والمؤرخين لم يولوه ما يستحقه من عناية بالغة ولم يُقبلوا على دراسة أثاره دراسة علمية دقيقهة إلا منذ أمد قصير، ولعل هذا راجع إلى عوامل عديدة صرفت الباحثين عنه طويلا بل عن الأدب الاندلسي ككل، يمكن يرجع عدم هذا الإهتمام لفقد الأثار الأندلسية "عمدا أو إهمالا" وما طبع من التراث الأندلسي العربي قليل جدا ...

لذلك أجد أن هذا العمل الرائع جدا الذي بين أيدينا أخي المشرقي الإسلامي سيكون بمثابة مرجع هادف ونافع، سيعطي لهذا الشاعر العبقري إبن زيدون بعض ما قصر فيه مأرخي وناقدي في حق هذا الشاعر العبقري العملاق خاصة والأدب الأندلسي عامة
....
فجزيت خيرا أيها الناقد الفذ ودمت للأدب وللكلمة نجما لا يأفل



Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.