حوار الخيمة العربية

حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com:1/index.php)
-   الخيمة الفـكـــريـة (http://hewar.khayma.com:1/forumdisplay.php?f=68)
-   -   جابر بن حيان أول من قال بإمكانية خلق الأنسان علميا وعمليا (http://hewar.khayma.com:1/showthread.php?t=84282)

تيسير العفيشات 01-10-2010 02:33 PM

جابر بن حيان أول من قال بإمكانية خلق الأنسان علميا وعمليا
 
ثلاثة أيام مضت وأنا غارق في قراءة كتاب المستشرق باول كروس حول جابر بن حيان .. والكتاب هو ملخص لرسالتة التي تقدم بها الى السربون لنيل شهادة الدكتوراة .. نشر الملخص أسين بلاثيوس وكان قد وعد بنشر الرسالة كاملة ولا نعلم هل أتم وعده أم لا ولا نعلم إذا ما كانت السربون أوالمعهد التابع للكولج دي فرا نشر هذه الرسالة. هذا مع العلم أن كافة أعمال كروس وجدت طريقها الى النشر وهي ثلاثة أعمال ضخمة تناولت العديد من المواضيع ذات الأهمية البالغة والتي لم يتم نقلها الى العربية للأسف الشديد وكان قد قدم لها وصفا يسيرا بلاثيوس في مقدمته الرائعة عن الحياة القصيرة التي عاشها هذا المفكر الكبير والمستشرق المأسوف على شبابه كروس
الذي و قبل أن يناقش رسالته تلك أقدم على إنهاء حياته بنفسه والسبب وراء ذلك حكاية عجيبة أعرض عن سردها لأنها قضية كبرى فيها من الألم والجزع مما لا تقوى النفوس النبيلة على أحتمالة .. أستغفر الله بل فيها قوة وروعة جزع الاختيار التي تحدث عنها ابن سبعين قبل أن ينهي حياته هو أيضا بأختياره اي أن يختار هذه النهاية المدوية العاصفة فكم هو التشابه هنا رائع بين القصتين .. لماذا يقدم المفكر الممتاز على إنها حياته بهذه المسحة التراجيدية ويريق دمه الطاهر على جسد الحقيقة التي كشف عنها
لكنه لم يحتملها .. وا أسفاه... . نحن أمام العقل أم أمام اللاعقل أم أمام إرادة العقل عندما يبلغ أعلى درجات تمثله للحياة التي تفقد إمكانياتها بإزائه؟ . ثم ما هو العقل أساسا إذ لم يكن هو ارادة الحياة عندما تتحول الى فعل وهذا ما جسده كامو في كل ما كتبه حول اللامعقول
ما أفلح البير كامو الذي أقدم عدة مرات على هذه الفعلة الوجودية الكبرى كما صرح هو ذاته في رسالته الى صديقه بييرجان .. لكن اللامعقول هنا هو الذي تدخل على حين غرة.. فمات كامو بعد ان حصل على جائزة نوبل وطار ذكره في الخافقين لتنتهي حياته في حادث سير وهو عائد من احدى ضواحي باريس الى مسكنه كان في ريعان الشباب متسنما ذرى المجد .. فكان هو ذاته اللامعقول وهو الذي افاض بالحديث طويلا عن اللامعقول في تجربة باول كروس تلك ..... هل الحقيقة هناك في منأى بعيد جدا في متناول يد ما ..؟ لكن الحقيقة في الواقع لا تعدو عن كونها تاريخ هؤلاء العظماء الذين اصيبوا بالجنون الذي هو أيضا موت من نوع آخر أو أصيبوا بلعنة الصمت أو ذهبوا باختيارهم الى الموت ... وذلك موضوع آخر وبحث آخر ..

شخصية جابر بن حيان شخصية مذهلة حقا شخصية غريبة أمعنت في الغموض واكتنفها السر حتى كادت أن تتحول الى اسطورة من الاساطير التي مرت في التاريخ البشري .و لقد تسامت هذه الشخصية حتى ليقف المرء اليوم ذاهلا أمام ما قدمته لنا من نظرات فلسفية عميقة كلها حياة وكلها روعة وكلها غرابة ، وامام هذه الروح العامة التي تسودها روح التنويروالتجريبية العلمية ، والنزعة الإنسانية التي تصبو الى إكتناه الأسرار، حيث تشعر بما يشيع فيها من قوى مبدعة فترتفع بالإنسان الى مقام الألوهية ويحدوها الامل في التقدم المستمر الوثاب للإنسانية في تطورها المتصاعد ، وشخصية هذا حظها الروحي ستظل حية باستمرار وسيعاد لها الأعتبار يوما ما . لأنها من النماذج الحية أبدا للإنسان السالك سبيله قدما نحو تحقيق الصورة العليا على الأرض، ولن يستطيع البحث العلمي ولا الحضاري أن يفرغ منها فراغا تاما مهما أنفق من جهد في هذا السبيل ، بل ستمعن في البعد كلما توغل في الطريق إليها وسوف يزداد مقدارها كلما تلمس المرء نواحيها ، ونحن اليوم أبعد ما نكون عن إدراكها إجمالا ، فضلا عن الإحاطة بخطوطها الرئيسة وتيارتها الدافقة العنيفة ، لأن البحث فيها لم يكد يبدا جديا بعد .. وويح مثقفينا العرب المعاصرين الذين لا يحسنون ابدا كيف يدرسون تاريخ الشخصيات العظيمة التي مرت بتاريخهم إلا من تلك الزوايا المظلمة التي لا نور فيها ولا حياة ولا فكر، فهي دراسات وصفيه من الخارج لا تنفذ أبدا الى صميم هذا الروح وباطنها الزاخر لتكشف عن ثورة الأفكار التي نثرها في مجرى الحياة العامة مدشنا بذاك فضاءات مهولة للبحث والنظر ومواصلة البحث والنظر ..
ماذا أقول … إن التراث العلمي في التاريخ العربي لا زال الغموض يلفه من جميع أطرافه ، بل تسكنه هذه السطحية المفرطة فليس هناك بحث علمي جاد ولا بحث فلسفي ولا تاريخي يمكن ان يأنس به الفرد ويركن إليه، لقد إنعدمت روح البحث العلمي الجاد وأنعدمت أدواته في هذه الأمة التي غادرت التاريخ الإنساني بإمتياز عجيب .. ونظرة فاحصة الى هذه الجامعات العربية المتناثرة في طول البلاد العربية وعرضها (برغم إمكانياتها المادية المهولة ) بما تنتجة من بحوث علمية في التاريخ والفلسفة والفكر يصيبك الإشمئزاز والقرف رغم هذه المظاهر الكاذبة والأدعاءات الجوفاء الفارغة .. بأنها منائر للعلم والفكر والبحث العلمي .. أنظروا الى هذه الكتل من العقول الآدمية التي ترمي بها هذه الجامعات في كل يوم الى الحياة العامة من أشباه المثقفين وأنصاف المتعلمين الذين يتسيدون الحياة الثقافية والعلمية العامة في هذه المجتمعات المثقلة بعقولها والمشيحة بوجوهها نحو الموت التي رضيت بالحياة الميته في الدنيا والآخرة على السواء ... فأحالت حياتنا الى خواء يخلوا من أي معنى ..
... وحدهم المستشرقين هم الذين يقومون بشيء من الكشف عما يتضمنه تاريخنا العربي من مآثر بل وعن هذه الشخصيات المرعبة التي مرت في هذا التاريخ . لكنهم ويا للأسف لم يوجهوا عنياتهم لدراسة تاريخ العلوم الطبيعية في الاسلام إلا منذ فترة وجيزة، ولم يأخذ هذا البحث مظهرا جديا بعد.. اي الى غاية هذه اللحظة . وإن كان ظفر بعناية جد بسيطة في بداية عام 1925 م على يد نخبة من الشباب .. لقد كانت عنايتهم اي المستشرقون عامة منصبة على الناحية التاريخة والفلسفية واللغوية والعرفانية في القرن الماضي وظلت مستمرة بل وضاغطة حتى يوم الناس هذا.. لكن مع تبديات خجلة في الاهتمام بالمسار العلمي الطبيعي اقصد في العلوم الطبيعية .. وإن استثنينا من ذلك دراسات نلنيو في علم الفلك عند العرب .. وهي تلك الدراسات التي اسست لكشوف مذهلة في هذا المجال .. مما سمح لجيل من الشباب المستشرقين الذين ذكرناهم سالفا في بديات الربع الثاني من القرن الماضي وهو التيار الجديد الذي بدا يتجه نحو الدراسات العلمية .. فظهر روسكا وأنجل ومارفرت في مجال الكيمياء، وروسكا صاحب الكتاب المستور في الفكر الإسلامي الذي يبحث في سر الخليقة المنسوب الى بليناس الطواني زورا وبهتانا .. ثم نجد بلسنر الذي عني بالدراسة النظرية في الاستقراء العلمي عند البيروني والتوحيدي وابن مسكوية .. ثم هيلدر في تدبير المتفق عند جابر بن حيان والنظرية الرياضية ومناهج الاستدلال العلمي .. ثم سان سيمون و رتر... في كتاب غاية الحكيم في مسلمة المجرطي .. ونظرية الجوهر الفرد في الإسلام ... وغيرهم الكثيرين .. الكثيرين ..
لنصل الى باول كروس المأسوف عليه الذي أنتحر مباشرة بعد أن قدم رسالته لنيل شهادت الدكتوراه من السوربن .. حول جابر بن حيان ..
وعناية كروس بجابر بن حيان قديمة جدا حتى ليمكننا القول إن مجهوده العلمي قد لازمته هذه الشخصية اي جابر كل الملازمة منذ اللحظة الأولى... و هو يعتبر جابر أعظم ممثل للتيار الروحي المستور الذي كان يشكل مدار اهتمام كروس طيلة حياته العلمية ..
لن أطيل عليكم هنا .. إن كروس استطاع أن يكشف عن ثلاث نظريات مهمة جدا كانت قد سكتت عنها المصادر الاسلامية في بواكرها الأولى ولم تلق اهتماما يذكر في الدراسات المعاصرة .. لكنه أي كروس مع استنطاق المصادر الشيعية التي لم تتعرض الى الدراسة حتى هذه اللحظة ايضا ، والتي نسبت الكثير من الكتب الى جابر فأكتشف زيفها ثم اكتشف أيضا ما يتخللها مما هو حق نظريات لجابر بن حيان من خلال المصادر الاغريقية التي أطلقت على استحياء شرارات البحث العلمي في هذا المجال..
لقد كان جابر بن حيان لحظة من اللحظات التي توقف عندها التاريخ وتحرك الزمن في مدارها ..
يقول الزركلي في الأعلام عند تعريفة بجابر أن مؤلفاته بلغت 500 مؤلف ضاع أكثرها
وقد تنوعت ما بين الفلسفة والكيمياء والطب والفلك والرياضيات أو علم الحساب والموسيقى .. وغير ذلك من فروع العلم .. وكتابه الخواص الصغير .. أو خواص الخواص هو ربما أغرب كتاب لهذا العالم الفذ .. وهو الذي استند إليه كروس في جزء كبير من رسالته التي أطلق عليها اسم ( رسائل ابي موسى جابر بن حيان ) ولعل أخطر نظريات جابر في هذه الكتاب و التي لم يقل أحد بها سواه من قبل او بعد حتى هذه اللحظة الراهنة.. هو إمكانية خلق الإنسان وكذلك خلق النبات والحيوان أو خلق الكائنات الحية .. . يقول جابر بهذا الصدد: خلق الإنسان نتيجة لتظافر قوى طبيعية .. والطبيعة في إنتاجها للكائن الحي إنما تخضع لقوانين الكم والنسب وهي قوانين عددية أي اذا ما اكتشفنا هذه النسب التي شكلت الذرة الأولي ما قبل الجنينية للإنسان أو لأي كائن حي يمكن حين إذ من أعادة خلقة .. كما يمكننا من خلال التلاعب بهذه النسب الكمية أن نخلق إنسانا متطورا يمتاز بقوى خارقة وعمر مديد قد يصل الى عدة مئين من السنوات .. ونشر كراوس عدة نظريات ومقالات تتكون من سلسلة متشابكة من الأرقام والكلمات التي هي أشبه ما تكون بلغة خاصة أو طلسمات لم يتأتى حلها بعد ... هي لغة خاصة .. اسماها جابر المتقابلات الكمية النظرية لتدوير خلق الأكسير الحي .. وهو يقصد هنا خلق الإنسان .. ولم تتوصل بعد أية دراسة ممكنة لحلحلة هذا الأججية المعقدة من المعادلات الرياضية ..
الثاني .. قول جابر بن حيان بنظرية الانتخاب الطبيعي التي سبق العلم الحديث بالقول بها والتي وضع لها قواعد وأسس نظرية .. والتي اسماها اسما قريبا جدا من المصطلح العلمي ..تنازع البقاء في الحياة رادا إيها الى نظريته في الخلق .. وهي قصة يشرحها كراوس بعمق ويحللها بأسلوب علمي رصين ....
الثالث : قوله بنظرية إرادة الحياة ... اي أن في الحياة إرادة سارية واعية وهي إرادة يمكن تفسيرها علميا ……
سنعود للتوسع في هذا الموضوع .. .. مع عرض موجز عن كتاب الخواص الكبير وكتاب الخواص الصغير …..

عصام الدين 12-10-2010 07:53 PM

أرحب بكم أخي الكريم في هذا المنتدى الذي أنارت جنباته بكم وبمشاركتكم الطيبة.

تخللت مقالتك أخي الفاضل حديثا عن ألبير كامي وعن جدلية الحياة والموت لدى بعض المفكرين والذين عرج بعضهم إلى أقصى التصورات ومنها وضع حد لحياتهم بإرادتهم وكأن العقل والعقلانية أعداء للحياة قبل أن تكون في خدمة هذه الحياة.
ما علينا.
هناك صور نقلتها عدسات الكاميرا ليراها العالم أجمع، وهي حادثة معروفة وقعت في اليابان وبطلها كاتب وأديب مشهور هو كيميتاك هيرادكا أو الإسم الذي عرف به، يوكيو ميشيما وقد جعل من موته مشهدا مذهلا بهر العالم وهز اليابان هزة قوية وقد مات منتحرا على طريقة الهيراكيري ليرد على الحاضر المحزي كأنه يقول، حياة الحاضر مخزية فليكن الموت أيضا بطريقة غير طريقة الحاضر. يستطيع هذا الكاتب أن يبرر موته بطريقته، إنه شكل من أشكال الحرية المطلقة وليس كل واحد قادر على ممارستها إلى حدودها القصوى، إنها لحظة امتلاء ولحظة امتلاك كل شيء، امتلاك العام بأسره كما يقول، وكل ذلك في سبيل اليابان التي تأسف على حالها.
ما علينا، لنرجع إلى جابر، والمبتغى القديم الجديد، وهو الخلود الذي بدأ مع آدم، تفاحة الخلود، إلى أسطورة جلجامش مع نبتته، وتعليقي أن جابر بن حيان انتمى إلى جماعة إخوان الصفا وخلان الوفا، وهم نفر من الأكاديميين، بمستوى ما نسميه اليوم "الدكاترة والباحثين"، وقد كانت لهم صولات وجولات في العلم والدين وسببها الرغبة الملحة في التخلص من السلطة التقليدية المكبلة بأي شكل فأطلقوا بعض النظريات والفرضيات التي لم يكن لها سند علمي في ذلك الوقت، ففي قمة "عقلانيتهم" آمنوا بالتنجيم، وفي قمة العقلانية التي ادعوها أيضا آمنوا بالخيمياء، أي تحويل الحديد إلى ذهب، وإذا كانت الفكرة مقبولة اليوم لدى سكان القرن العشرين وبعده وفق ظروف صعبة ومسار طويل لآلاف السنين وأكثر حتى تتحقق، فلنا أن نفهم أفكار جابر بن حيان والتي ما كانت جادة أو بالأحرى صحيحة تماما في عصره، إضافة إلى المنحولات والمنسوبات بهتانا إليه، فأنت تقول أن لجابر 500 مؤلف، وبعملية بسيطة نستنتج أن لصاحبنا هذا 10 مؤلفات في السنة، إذا افترضنا أنه قضى 50 سنة متواصلة في التأليف وهذا محال.
وقيل أن جابر يعتبر أننا قادرون على صناعة إنسان أو حيوان أو نبات من خلال الصناعة الكيميائية أو إطالة أمد حياته فهذه نضيفها إلى تراثنا في الخيمياء والتي أتعب فيه أصحابنا أنفسهم وضيعوا جهدهم في مطاردة الوهم، فلا صنعوا بالكيمياء إنسانا، ولا حولوا الحديد إلى ذهب.
الخلاصة أن الإنسان عندما يطلق لعقله العنان، ويسقط المسلمات الدينية على الخصوص ينتهي به الأمر دائما إلى التطرف في رغبائه ويبدأ التحليق عند الحدود القصوى وفي التخوم، هذا التطرف يتمظهر كتجل وجودي في الموت، أو يتجلى في الخلود، مادامت الفواصل منعدمة بين الموت والحياة.
وفي الختام أقول، أراء جابر فلسفية أكثر منها كيميائية أو طبية في هذا الميدان. وما أشبه جابر بيوكيو ميشيما وشخصيا لا أرى أي فرق بين الرجلين.
والسلام عليكم ورحمة الله.
وبانتظار عودتكم تقبل شكري.


Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.