حوار الخيمة العربية

حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com:1/index.php)
-   الخيمة السيـاسية (http://hewar.khayma.com:1/forumdisplay.php?f=11)
-   -   أَطْرِقْ كرا، أَطْرِقْ كرا (http://hewar.khayma.com:1/showthread.php?t=86191)

ابن حوران 12-02-2012 05:00 PM

أَطْرِقْ كرا، أَطْرِقْ كرا
 
أَطْرِقْ كرا، أَطْرِقْ كرا

لم يترك العرب القدماء مشهداً أو قضيةً إلا ما كَثَّفوها في مثلٍ أو حكمة، تصبح أيقونة لذلك المشهد. فعندما ينبري أحدٌ ما ليعترض على كلامٍ لم يكن أصلاً موجهاً إليه، بل لأحدٍ يفوقه بالمقام، فإنه سيسمع نُطق هذا المثل (أَطْرِقْ كرا، أَطْرِقْ كرا، إن النعام في القرى). والكرا هذا طائر ضئيل الحجم يُعادل حجمه حجم الكروان، لكنه لا يغني ولا يصدح كما هو الحال عند الكروان. والمقصود بتنبيهه بالمَثَل يعني (أصمت يا ضئيل الحجم، فإن المعني هو النعام)، ومعروف جلال النعام وتقدير العرب القدماء له...

إن تجمع قومٌ على جدال أبٍ لابنه وهو يقرعه على سوء نتيجته بالامتحانات، وكان بين الحضور من يحمل الدكتوراه، وغيره من علية القوم من أديب وطبيب ومهندس، وكان يقف الى جانبهم رَجلٌ أمي تشهد له الناس بفسقه وعدم مبالاته، وانبرى عن دون الحضور بتأجيج الأب على ابنه، فهو بلا شك جدير بأن يُقال له ذلك المثل...

في حالة ما أُطلِق عليه الربيع العربي، انقسم الناس بين مُبتهجٍ ومؤيد لما يدور في المنطقة، وقال بعضهم: إن التفرد بالسلطة واستغفال الأقلية للأكثرية، والتمتع بمقدرات البلاد، وتبادل أدوار الحكم بين أفراد طبقة ضيقة، هو ما دفع الناس للخروج من صمتهم و المطالبة بالتغيير. وقال البعض الآخر: إن عمليات التراتب السياسي والاجتماعي والاقتصادي هي ظاهرة أزلية منذ القدم، فلا بُد أن يظهر من هم في القمة، ولا بُدَّ أن يكون هناك من يشعر بالاستياء...

يتوهم من يرفع شعار مقاومة من في الحكم بالسلاح ستغير حكماً، اللهم إلا إذا كانت ثورة حمراء أعد لها أصحابها العُدَّة مُسبقاً وعبئوا لها الجماهير تعبئة فكرية واضحة المعالم اقتنع بها الناس وتبنوها وأعلنوا استعدادهم للموت من أجلها، وهذا حدث في الثورة الأمريكية والفرنسية والصينية والروسية (السوفييتية). ولكنه لم ينجح مع (الخمير الحمر في كمبوديا) ولم ينجح مع العراق، عندما خرجت من الكويت بجيش منسحب، وسقطت خلالها معظم محافظات العراق، فلم يكن يلزم النظام في العراق سوى عدة أسابيع لاستعادة النظام والقضاء على المناهضين..

سيقول قائل: ولكنها نجحت في ليبيا، ونقول لولا تدخل الأجنبي في ليبيا لما استطاع من حمل السلاح أن يصمد أكثر مما صمد من حمله في العراق..

قد تكون الحالتان في تونس ومصر تختلفان عن المسارات العربية الأخرى، فمصر وتونس ليس بهما قبلية وليس بهما تجمعات تمت على الرصف الأفقي، وتلك الطبيعة التي تجعل من مصر متقدمة حوالي قرنين من الزمن على شقيقاتها العربيات، وإن النتائج التي آلت إليها الثورة فيهما ما هما إلا تمهيد لنضالٍ طويل قد يمتد عشرات السنين حتى يشعر المواطن أن تغييراً ما قد حصل...

لنَعُد الى المثل: إن سوء المشهد في كل بلدٍ عربي، واضحٌ للعيان، ولا يستطيع المدافع عنه أن يجد لنفسه موضع قدم ليكون دفاعه مُبرراً، وإن سوء المشهد، قد يحمل بين ثناياه ما يدفع الى التفاؤل ولو اللحظي، فالحكام العرب، لم يعد حالهم كما كان قبل تلك الموجات المتعاقبة من الغليان، وثَبَت لكل واحد منهم أن المسألة لم تعد تتحمل الاستفراد بالحكم (على الأقل بالطرق القديمة)، ومنهم من كان ناجحاً في التقاط الرسالة كملك المغرب، ومنهم من سفهت له شياطينه ما يدور وأعلن استخفافه بكل ما يجري حوله، ولكن مصيره سيتراجع تراجعاً ملحوظاً...

إن الكرا في مثلنا، هم أولئك الذين لم يتركوا بنداً من الحقبة الاستعمارية إلا واستفادوا منه، من تقسيم حدود وتعيين (مشايخ)، والحكم لديهم يشغله أكثر الناس فساداً وأقلهم تأهلاً، ومع ذلك دورهم كدور الغانية في إلقاء النصائح لفتاة ضُبطت تؤشر لحبيبها من نافذة (أطرِق كرا، أطرق كرا، إن النعام في القرى).


Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.