حوار الخيمة العربية

حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com:1/index.php)
-   دواوين الشعر (http://hewar.khayma.com:1/forumdisplay.php?f=33)
-   -   موضوعات ابن حوران التاريخية والأدبية . (http://hewar.khayma.com:1/showthread.php?t=63075)

ابن حوران 09-08-2006 07:02 PM

نقاط ملفتة للانتباه في قاعدة الثقافة العربية الإسلامية

عند بداية عصر التدوين (143هـ) ومن بعده بعقود ، أغفل العلماء بنشاطهم مسألة هامة وهي مسألة النقاش بموضوع الخلافة ، وما تلاها من تحول الى نظام ملكي .. وإن كان الشافعي (المتوفى في 204هـ) ، قد أشار الى تلك المسألة بقاعدته التي تعتمد على ( الكتاب والسنة والإجماع والقياس ) ، فإن تناول تلك المسألة في رأيه طالما لم يكن فيه نصا بالكتاب و لم يصرح به الرسول صلوات الله عليه ، فإن الإجماع و القياس هما الفيصل في مسألة تناقل السلطة عند الشافعي ..

ولعل أول كتاب تناول مسألة الخلافة و ما تبعها من تفرق على هامشها ، كان للمؤرخ السني الكبير المعروف أبي محمد عبد الله ابن مسلم بن قتيبة الدينوري (213ـ 276هـ) ، بكتابه الموسوم ( الإمامة والسياسة ) ، وقد يكون ـ بالرغم من الهنات والمآخذ عليه ـ أقدم مرجع سني يشرح وجهة نظر أهل السنة في مسألة الخلافة ..

ومن يقرأ خاتمة الكتاب يدرك ما رمينا إليه فهو ينهيه بالقول ( قد تم بعون الله تعالى ما به ابتدأنا ، وكمل وصف ما قصصنا من أيام خلفائنا وخير أئمتنا ، وفتن زمانهم وحروب أيامهم ، وانتهينا الى أيام الرشيد ووقفنا عند انقضاء دولته ، إذ لم يكن في اقتصاص أخبار من بعده ، ونقل حديث ما دار على أيديهم وما كان في زمانهم كبير منفعة ولا عظيم فائدة . وذلك لما انقضى أمرهم وصار ملكهم الى صبية أغمار غلب عليهم زنادقة العراق ، فصرفوهم الى كل جنون و أدخلوهم الى الكفر ، فلم يكن لهم بالعلماء والسنن حاجة ، واشتغلوا بلهوهم واستغنوا برأيهم ) *1

واضح من النص أن المؤلف قد كتبه قبل عهد المتوكل ، الذي أعاد الى السنة دورها المحوري ، وأن المؤلف توقف عند عهد الرشيد المتوفى سنة 193هـ ، وأنه ناقم على المعتزلة الذي أحاطوا بالخلفاء بين الرشيد والمتوكل ..

لقد أسس صاحب كتاب ( الإمامة والسياسة ) ، لاعتماد ما دار في سقيفة (بني ساعدة ) .. واعتمد إيماءة الرسول صلوات الله عليه ، بأن يؤم أبو بكر بالمصلين ، وهي الإمامة الصغرى (الصلاة) ، بأنه صاحب الحق في إمامة المسلمين و خلافة الرسول ، وهذا ما فسره عمر ابن الخطاب ..ثم أن إشارة واختيار أبي بكر لعمر ، لها قوة الحق في تولي عمر ابن الخطاب الإمامة ، كون أن أبا بكر خليفة الرسول ( وثاني الاثنين في الغار) .. وأهلية تولي عثمان وعلي بأنهما كانا من اختيار أهل العدل الذين اختارهم عمر رضوان الله عليهم جميعا ..

ولكن أهل الشيعة قد سبقوا أهل السنة في معارضتهم ونقاشاتهم لموضوع الخلافة ، مستعينين بنصوص اعتقدوا أنها قوية بما تدعم وجهات نظرهم ، وقد ابتدئوا بتكييفها منذ عهد جعفر الصادق ، مشككين في أحقية أبي بكر و عمر وعثمان بالخلافة دون علي .. وقد اعتبروا الطعن في الماضي قنطرة للطعن في الحاضر ..

وإن كانت الطائفة الزيدية ، قد اعترفت بخلافة كل من أبي بكر وعمر ، رغم إيمانهم بأحقية علي عليهما ، فإن كل الطوائف الأخرى ( الخوارج والمرجئة وغيرهم ) قد اعترفوا بخلافة الخلفاء الراشدين الأربعة ..

لكن أهل السنة عادوا و صعدوا بخطابهم بشكل أقوى بعد مرور قرن على خطاب ابن قتيبة .. ومرد ذلك يعود الى أن الشيعة كانوا قد صعدوا بخطابهم خصوصا بعد أن أسسوا دولتهم ( الفاطمية ) .. وعليه فان الحرج الذي كان يجعلهم يتكلموا منتقدين أسلوب الحكم بطريقة غير مباشرة تجنبا لسخط من في الحكم ، فقد أصبح لهم حكم ، وأصبح لهم قاعدة ينطلقون منها في مهاجمتهم من يعتقدون أنهم خصوم ..

فقد وظف أبو الحسن الأشعري ( 260ـ 324هـ) كل إمكانياته مستفيدا من كل من سبقه ، في الرد على من غمزوا بأحقية وأهلية الخلفاء الراشدين ، فاستفاد من أسلوب الشافعي الذي جعل الاجتهاد في الشريعة تقنينا للرأي ، فكان الأشعري قد جعل من الكلام في السياسة تشريعا للماضي .. ووضع كتابه المعروف باسم (الإبانة ) ليكمل ما جاء في كتاب الشافعي (الرسالة ) ..

المراجع
ـــ
1ـ تاريخ الخلفاء ( الإمامة والسياسة ) ابن قتيبة / القاهرة 1963 ص 207
2ـ تكوين العقل العربي / د محمد عابد الجابري / مركز دراسات الوحدة العربية /بيروت ط5 1991 ص 108
3ـ‘ السلطة لدى القبائل العربية / فؤاد اسحق الخوري /دار الساقي/ بيروت ط1/ 1991
4ـ في سبيل علاقة سليمة بين العروبة والإسلام/ حسن خ غريب / دار الطليعة / بيروت /ط1 /1999ص 43

ابن حوران 10-08-2006 02:35 PM

( 16)

كان أبو ساري بسترته الواسعة و بنطلونه الفضفاض ، وعقاله الذي يثبت حطة بيضاء تتدلى الى منتصفه ، يبدو بهيئة تخفي عيوب قصره وسمنته ، وقد كان يساعده على التخفي من ملاحقة عيون الناس لتفحص عيوب جسمه ، حقيبة جلدية سوداء من تصميم العشرينات من القرن العشرين ..

كانت حقيبته ، تنبئ ناس العتيقة بوصول الشؤم وتكدير النفوس ، إنه (التحصلدار ) ، واسمه أخذ من وظيفة حكومية للجباية ، ربما ورثت اسمها الحكومات التي جاءت بعد الأتراك ، لكنها أبقت على الوظيفة واسمها كما هي .. لقد كان يضع بحقيبته التي تشبه في طياتها طيات (الأوكورديون ) سجلات خاصة بأصحاب الأراضي في القرى التي سيمر عليها أبو ساري . وكان بها ختم خاص وعلبة معدنية بسماكة تزيد عن السنتمتر بقليل ، غطاؤها مثبت بها بمفصلين دقيقين ، وضع بداخلها قطعة من قماش قطني أو اسفنجي غمر بسائل بنفسجي .. وبعض دفاتر وصولات القبض ، الذي لا تزيد مساحة أحدها عن مساحة علبة التبغ ..

لم يكن أبو ساري يحمل سلاحا ، ولا يرافقه حراس ، ومع ذلك كان له هيبة استمدها من ذاكرة عمرها أكثر من ألف عام ، فيكفي أنه يحمل ختم دائرة من دوائر الدولة ، ويكفي أنه يلبس بنطلون حتى يثير حفيظة الناس فتكرهه ، كما كانت تكره الدولة ، ولما كانت الكراهية عندنا لا تأتي إلا بعد اضطهاد من نكره لنا ، ومن يضطهدنا بالتأكيد هو أقوى منا ، وعلينا أن نكرهه أي نهابه أي نخافه أي ننصاع لما يملي علينا ، فكان أبو ساري مكروه مهيوب مطاع ..

لقد تذكرت سبب اختيار أبي ساري للملابس الفضفاضة ، فالشحات يأخذ معه كيس فارغ لأنه يتأمل أن يملأه من ما يعطيه الناس ، وأبو ساري (التحصلدار) يأتي بحقيبة مطوية ، متأملا ملأها من النقود التي تفرضها الدولة على الفلاحين من ملاك الأراضي وكانت تسمى ( مال وأعشار ) .. وملابسه يختارها فضفاضة تحسبا لزيادة في وزنه أو حجمه ، من فعل الديوك التي يأكلها في القرى التي يداهمها .

لم أكن أعلم من أي دائرة ينطلق أبو ساري ، ومن أي مدينة ، هل ينطلق من مركز المحافظة ، أم من العاصمة ، أم أنه لا ينطلق من مكان معين ، بل يبقى طوافا ، لا يهدأ فكان يقيم بالعتيقة حوالي أسبوعين أو ثلاثة . لا أدري كيف كان يحدد المدة ، هل حتى ينجز عمليات الجباية من الفلاحين ، أم حتى ينجز القضاء على كل ديوك القرية ، لينتقل الى قرية أخرى وهكذا ..

كان الحاج ابراهيم هو أول من يحط عنده أبو ساري ، وينام في ضيافته ، كل المدة ، وكان الحاج ابراهيم يعرف أحوال أبناء العتيقة بشكل كامل ، وهو الوحيد الذي كان لا يقدم الديوك لأبي ساري ، بل كان يذبح خروفا أو جديا و يدعو بعض وجهاء العائلات الذين تعاونوا مع ( موفد ) لفرز أراضي العتيقة .. كان حديث الحاج ابراهيم مع المدعوين ، يساعد أبا ساري في تحديد شكل المطالبة والإصرار عليها .. كان يحضر الوليمة الأولى كل من مدير الناحية و رئيس الدرك ..

كان ( البرج ) .. وهو مبنى يبعد مسافة نصف ساعة على الخيل من العتيقة ، كان أشبه بحصن ، تم بناؤه في العهد العثماني بسور يرتفع أكثر من عشرة أمتار ، تحيط بمبنى يتسع لقوات الدرك وخيولهم و منامهم و مؤنهم .. وكان من يأتيه طلب لمراجعة البرج ، تحل عليه العقوبة قبل وصوله للبرج ، فكان يمضي الليل يتقلب ، ما هو السبب ولماذا دعوني ، وماذا عملت ، حتى تذهب به الظنون الى أن استدعي لذنب ارتكبه أجداده المتوفون قبل نصف قرن .

الحاج ابراهيم ، ومعه الحاج حسين والحاج أبو حامد والحاج برجس والحاج عطية والحاج سعد ، كانوا يمثلون أكثر من ثلثي سكان العتيقة ، فهم وجهاء القرية وهم مجموعة تحالفت في وجه البقية من سكان العتيقة ، بزعامة الشيخ كساب ، وكلا الطرفين يتسابقا من أجل إثبات صدقهم لدى الدولة ، وكانت الدولة تفرح لمثل ذلك التنافس الشريف !

كان لأبي حامد أحد عشر ولد من الذكور ومن زوجتين ، ثلاثة من الأولاد وقعت أيديهم على مناشير سياسية (حزبية ) .. فكانوا يتكلموا بحضور والدهم عما يقرءون ، فكان أبو حامد يعجب بما يسمع من أولاده ، ولكنه لا يستطيع ترديد ما سمع منهم ، فكان بحضور الولائم التي يحضرها رجال الدولة ، يبتسم ابتسامة خبير ، بأنه قد مر عليه مثل هذا الكلام ويعرف تحليله ، لكنه لا يتكلم بل يبقى مبتسما ، فيثير شكوك الحاضرين من رجال دولة و مجتمع ، حتى أصبح بنظر الجميع أخطر رجل في العتيقة !

عندما تشكلت حكومة وطنية ، جاء مجد أبناء أبي حامد ، فهم على صلة بوزير الأشغال ووزير التربية .. وكونهم لا بد لهم من المباهاة بوضعهم أمام الناس ، فانهالت عليهم الطلبات من كل الناس لتوظيف ابن أو استصدار رخصة استيراد بغال أو الخ ..

فيأتي أحدهم بالمساء ليسأل أبا حامد عن قضيته ، فيجيب أبو حامد : البارحة كانت الدنيا مشحطة ( تختلط غيوم الندى بصفاء السماء ) .. فقلت لنفسي هل أنام ( بره) أم أنام في الداخل ( جوه ) .. فقررت أن أنام بالعتبة ، وفي الفجر قمت لأصلي الفجر ، ثم ناديت على زوجتي ( عوفة ) ويصرخ وهو يسرد بقصته لمن سأله ، فتأتي زوجته (عوفة ) : ها أبو حامد هل ناديتني ، يزجرها قائلا : روحي أنا أتحدث فقط ، فتذهب زوجته ، ويكمل سرد ما يقرب لجواب سائله ، فطلبت منها (فطورا ) .. فأحضرت لي بعض البيض المقلي واللبن الرائب ، ثم يتوقف .. ليبدي شكواه من طعم اللبن ، إن فيه طعم غريب ..

بهذه الأثناء يدخل بعض الذين اعتادوا على السهر في مضافة (أبي حامد) ، وبعد أن يناولوه رشفة من القهوة ، يظن أن الحديث عن اللبن ، فيتدخل ، ويقول ان طعم اللبن تعتمد على نوعية المرعى الذي ترعاه الأغنام ، ويزداد عدد الحضور ، ويذهب الحديث في اتجاه تذكر بعض الرعاة ، وكيف أن أحدهم من عائلة كريمة ووالده كان شاعرا ، فيتذكر أحدهم بعض أبيات القصيد الذي قاله ، ويدخل قادم جديد فيظن أن (سهرة ) اليوم عن الشعر ، فيدلي بدلوه ..

وصاحبنا ، صاحب الحاجة الذي أتى ليستفسر من أبي حامد عن حاجته في الوزارة ، يتقطع من داخله ، ويتساءل بصمت وقهر ، متى يكف هؤلاء عن الثرثرة ليجيبني أبو حامد على سؤالي !

ابن حوران 25-08-2006 02:15 PM

التشريع للمشرِع :

(1)

لقد كان التشريع الجزء الأخير من جهد (أبي الحسن الأشعري ـ إمام المتكلمين ) الذي قال عنه ابن خلدون إنه " توسط بين الطرق ونفى التشبيه وأثبت الصفات المعنوية و قصر التنزيه على ما قصره عليه السلف و شهدت له الأدلة المخصصة لعمومه . فأثبت الصفات الأربع المعنوية (= الحياة والعلم والقدرة والإرادة ) والسمع والبصر والكلام القائم بالنفس ، بطريق النقل والعقل . ورد على المبتدعة في ذلك كله ، وتكلم معهم فيما مهدوء لهذه البدع من القول بالصلاح والأصلح والتحسين والتقبيح وكمل العقائد في البعث وأحوال الجنة والنار والثواب والعقاب ، وألحق بذلك الكلام في الإمامة لما ظهر حينئذ من بدعة الإمامية من قولهم أنها من عقائد الإيمان وأنه يجب على النبي تعيينها "*1

لقد اختار الأشعري عنوان كتابه (الإبانة ) عن قصد واضح ، ليبين ما قصده الشافعي في كتاب (الرسالة) .. وليرد فيه على المعتزلة في مسائل العقيدة ، وليرد على الشيعة في مسألة الإمامة .. لقد بدأ الرجلان (الشافعي والأشعري) كتابيهما بآيات قرآنية تدلل على ما أرادا تبيانه ، ثم عادوا الى الحديث مبتعدين عن أهل الرأي ، ليختطا طريقا يخاطب العقل بأسلوب السلف ..

لقد استهل (الأشعري) الفصل الذي عقده بعنوان (إبانة قول أهل الحق والسنة) بتقرير الأصول التي سيرتكز عليها ، وبما أن الشافعي كان معاصرا لابن حنبل ، ومتفقا معه على المسائل العقائدية فإننا نرى الأشعري الذي جاء بعدهما يقرر خطه في هذا النص " وديانتنا التي ندين بها : التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل ، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وما روى السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ، ونحن بذلك معتصمون ، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته و أجزل مثوبته قائلون ، ولما خالف قوله مخالفون " *2

وإذا عرفنا أن ابن حنبل قال في الشافعي ( لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث)*3 .. وهذا يجده من يبحث في هذا الشأن ، في رسالة ابن حنبل في (الرد على الزنادقة والجهمية ) *4

لكن نرى في الوقت الذي كان الأشعري ، يعارض ويفند ما يذهب إليه الشيعة والمعتزلة (في آن واحد) وهذا يلمسه من يتفحص موقف ابن حنبل في الثورة المسلحة التي قادها ضد الأمويين (الحارث بن سريج) الذي ادعى أنه المهدي المنتظر .. وكيف أن الأشعري وافق ذلك الموقف . إلا أن الأشعري قد استلهم طرق المعتزلة ذات الإطار العقلاني ، وهذا اتضح بشكل أكبر عند تلاميذه الذين خلفوه .


إن اختفاء نصوص أوائل المعتزلة ، كواصل ابن عطاء مؤسس الفرقة ، والمتوفى في سنة 131هـ و نصوص منظر الفرقة (أبي الهذيل العلاف ) المتوفى سنة 235هـ . جعل من الصعب على المطلع أن يجد على الدوافع العقلية التي أوجدت تلك الفرقة ( الحالة الإيبستيمولوجية) .. لكن سيجد الباحث أو القارئ ما يريد في النصوص الكاملة للقاضي (عبد الجبار) المتوفى 415هـ ، لكن الفاصل الزمني الذي يزيد عن مائتي عام بينه وبين الأوائل من المعتزلة سيعقد المسألة بعض الشيء ..

وإن أراد المطلع أن يتعرف على وجه التقريب على فكر المعتزلة ، فبالإمكان الإطلاع على رسالة ( أصول العدل والتوحيد ) للقاسم بن ابراهيم بن اسماعيل الرسي ( 169ـ 246هـ) .. والمفارقة أن مؤلف هذا الكتاب هو أحد أئمة الطائفة الزيدية (الشيعية) .. وهي تتشابه مع المعتزلة في كل شيء إلا في مسألة الإمامة ..

يقول الإمام (الرسي) : إن العبادة تنقسم على ثلاثة وجوه : أولهما معرفة الله ، والثاني معرفة ما يرضيه وما يغضبه ، والثالث اتباع ما يرضيه واجتناب ما يغضبه .. فهذه ثلاث عبادات من ثلاث حجج احتج بها المعبود على العباد ، وهي [ لاحظ الترتيب] العقل و الكتاب والرسول .. فجاءت حجة العقل بمعرفة المعبود وجاءت حجة الكتاب بمعرفة التعبد وجاءت حجة الرسول بمعرفة كيفية العبادة ، والعقل أصل الحجتين الأخيرتين لأنهما عرفا به ولم يعرف بهما فافهم ذلك ..فأصل المعقول ما أجمع عليه العقلاء ..

يتبع

المراجع
ـــــ
1 ـ مقدمة ابن خلدون ج 3 ص 1046
2 ـ الأشعري /الإبانة ص 20
3ـ مقدمة للأستاذ شاكر لطبعة حققها عن رسالة الشافعي
4ـ عقائد السلف /علي سامي النشار /الإسكندرية 1971
( الهوامش أعلاه ذكرها الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه تكوين العقل العربي / ط5/ بيروت/ مركز دراسات الوحدة العربية / ص 132)
5ـ كتاب الملل والنحل / الإمام الشهرستاني / ص 85ـ94/ ط2 / القاهرة / 1954مكتبة الأنجلو المصرية / أشرف على إصدارها د محمود قاسم ، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة .

ابن حوران 26-08-2006 12:00 PM

( 17 )

لو أردنا معرفة سر صراع الناس في بقعة ما ، تتساوى فيه أعراقهم وديانتهم وطبائع معيشتهم ، لوجدنا أن السلطة الحاكمة في البلاد لها دور كبير في تأجيج أو إخماد الصراع فيما بينهم .. فعندما تقبل السلطة جاه أحد الوجوه في منطقة ما ، وترفض جاه آخر ، فإن مقبول الجاه يصبح محسودا و النظرة تجاهه نظرة مخلوطة بين احترام كاذب من قبل الناس ، واحتقار دفين لا يظهر ..

كما أسلفنا سابقا ، فإن العتيقة كانت مثار خلاف بين بريطانيا و فرنسا إثر اتفاقية ( سايكس ـ بيكو ) .. وقد انقسم وجوه العشائر بين من يؤيد الإدارة الفرنسية وبين من يؤيد الإدارة البريطانية ، و كان الشيخ كساب هو ومن يتبعه من مريدي الإدارة البريطانية ، وكان الشيخ كساب معروفا بشجاعته و قدراته القيادية في القتال ، ويسجل له أنه قاد العتيقة في حروبها مع البدو والتي استمرت قرابة العشر سنين ، قبل وصول الحكم الإنجليزي للبلاد .. فاكتسب صفة جماهيرية ، جعلت من إدارة أي دولة أن لا تتجاهل مكانته .. شأنه في ذلك شأن سبعة حكام محليين في مناطق مختلفة من البلاد ..

وقد كان للشيخ كساب مصادر دخل تأتيه ، من الذين يحتموا به ، فمقابل أن يمنحهم صفة الانتماء لحلفه ، فإنهم يأتونه بالخراف والسمن إذا ما جاءه أحد الضيوف المهمين ، فكانت عدد الخراف التي تأتيه في مثل تلك المناسبات تفوق عشرات المرات ما يذبح منها .. وكان فوق ذلك يأخذ من الإدارة البريطانية المحتلة (جنيهين ذهبيين ) عن كل فرد من هؤلاء الأفراد ، بحجة أنهم مجندين تحت إمرته ، وبطبيعة الحال لم يكن يعطي من تلك الأموال لأحد شيئا ..

بالمقابل كان هناك الشيخ (راغب) الذي أراد أن يجند بقية أهل العتيقة لحساب الفرنسيين (دون علمهم ) .. فكان يجيد اللغتين الفرنسية والإنجليزية إضافة الى التركية والعربية ، لقد أراد أن يجعل من بقية سكان العتيقة ، والذين لم تكن عشائرهم عشائر بمعنى الكلمة ، بل عائلات في أحسن الأحوال يكون بها عشرون رجلا ، فأراد أن يجعل من أحدهم مختارا ، كما كانت السلطات الفرنسية تساعده ، إذا ما توسط في تسهيل مهمة أحد هؤلاء الناس ، إذا كان موقوفا لديهم أو عنده مشكلة ما .. فكانت تستجيب له في العفو عن الموقوفين ..

لكن الشيخ راغب كان يقرأ أن مستقبل العتيقة وما حولها سيحسم عما قريب لصالح البريطانيين ، فكان يزورهم و يحسن من علاقته معهم .. بل والأكثر من ذلك كان على علاقة صداقة طيبة مع الشيخ كساب و أبناء عمومته ..

إلا أن أمرا طارئا قد حدث في بداية عام 1930 ، عندما مرض الشيخ كساب مرض الموت ، فنقل الى مستشفى في مدينة بعيدة .. وأصبح أخوانه وأبناء عمه يحسبون الحساب أن قيادة العتيقة ستؤول ـ لا محالة ـ الى الشيخ راغب ، كونه الأكثر قدرة على التعامل مع السلطات .. فدعوه الى حفل عشاء في ديوانهم وذبحوه و قطعوه ووضعوه في كيس من الصوف ورموه بأحد آبار العتيقة ، ولم تكتشف جثته إلا بعد أسبوعين ..

عندما اكتشف الأمر ، صادف أن توفي الشيخ كساب في المستشفى ، فأشار وجوه أهل العتيقة على ذويه أن يحملوا جثمانه ، ويدخل كل وجوه أهل العتيقة الى ديوان المغدور الشيخ راغب ، فما أن وضع الجثمان أمام الديوان ، حتى نثرت عليه نساء ذوي المغدور رماد المواقد ، دلالة على رفضهم الصلح .

غادر أبناء أخ الشيخ راغب و ابنه الشاب ، الى منطقة نفوذ الفرنسيين ، وأخذوا يغيرون ليلا على العتيقة ، يكمنون لمن تطوله أيديهم من أبناء عشيرة الشيخ كساب ، علَهم يجدون أحدا يقتلونه . فكانوا يطعنون المواشي لتحدث صوتا في الليل ، ولكن حذر خصمهم قد فوت عليهم الفرص لمدة أربعة سنوات متواصلة ، لا بل تمكن خصومهم من قتل شاب آخر من أبناء أخ الشيخ راغب .

أحدثت تلك القصة بداية انقسام بين سكان العتيقة ، ثم تلتها قصة أخرى ذهب ضحيتها سبعة أشخاص ستة رجال وامرأة واحدة ..ففي أحد احتفالات الأعراس ، انطلقت رصاصة من بندقية أحد المحتفلين فقتلت شقيق العريس ، وفسرت على أنها مقصودة للتخلص من خطيب أحد الفتيات ، فأغار أهل المقتول على عشيرة القاتل فقتلوا منهم الرجال الستة والمرأة .

ورغم مراسم الصلح التي تلت ، فإن الانقسام قد تشكل ، وأثر على سير الحياة في تلك القرية .. وأخذ يظهر في الانتخابات فيما بعد ، فإن ترشح للانتخابات أحد المخترعين من طرف فإنه لن يحصل على أي صوت من الطرف الآخر ..

لا بل تعدت الأمور ذلك ، فكانت المكائد تتم بالوشاية من الذين ينتمون لأحزاب سياسية ، أو يفكروا بذلك ، وقد وجدت الأجهزة الأمنية في ذلك النمط من العلاقات مبتغاها في الوصول للمعلومات الأمنية اللازمة . من خلال التقارير التي تكتب سواء كانت صادقة أو ذات صفة كيدية ، لإبعاد مرشح عن دائرة المنافسة الانتخابية ، أو إحداث خسارة في تجارة ما للطرف الآخر .

ابن حوران 11-09-2006 01:47 PM

استقالة العقل العربي :

( في الموروث القديم )

( 1 )


لو سلمنا بأن العقل أداة لتمييز ما يعرض عليها ، وانطلقنا من هذا التسليم لتتبع تكوين تلك الأداة و ما ظهر عليها من تطور لكان لزاما علينا اقتفاء أثر ذلك التطور منذ الأزمنة الغابرة ، قبل الإسلام ، وواضعناها في مقابلة العقل العربي الراهن الرسمي منه ( لغة المفكرين والأدباء ) والشعبي الذي يستدل بما يقوم به العقل الرسمي ..

فلو كانت أداة العقل كالسيارة مثلا ، فإن لها وقودا و قطع غيار ، وخبراء صيانة وتدريب الخ .. وهذه في حالتنا ستكون مدارس الفلسفة والفكر و ما تنشره وتقرره ليصبح بمثابة مساطر يقاس عليها ..

لقد انتقلت الصفوة المفكرة منذ أيام محمد علي باشا ، عندما قام بإرسال طلاب العلم الى أوروبا ليدرسوا مختلف مناحي العلوم ، فدرسوها وفق نظريات أوروبية ، ناقشت مخطوطات أجدادنا و شرحتها ولبستها بنكهة (إبستمولوجية ) أوروبية ، فعاد أبناء أمتنا يناقشوا قضاياها وفق مهنية فكرية غربية ، وحنين عروبي إسلامي مرتبك ، لا يبتعد كثيرا عن الاستعانة في النهاية عما تخطه أقلام الغربيين ..

إن ما ينشر اليوم من أبحاث عن الحركات الإسلامية ، في الغرب يفوق ما ينشر في بلادنا حوالي 27 مرة .. وتترجم تلك الأبحاث لمختلف اللغات و تعود إلينا لنترجمها كمنتوجات عربية إسلامية .. في حين يغلب الطابع الحماسي على مؤلفات مفكرينا ، دون الغوص في أعماق الأصل في الفكرة ، نتيجة تبني (التنحيل) والتفريق بصيغ الكتابة لهؤلاء المؤلفين وتأثر كتاباتهم بأمانيهم كأطراف ، لا كباحثين ..

إن من يقوم برتق شق في ثوب ، عليه أن يبدأ ما قبل الشق ، لكي يسد هذا الشق بقوة .. وهكذا ما يجب أن يكون في السعي لترميم شخصيتنا المرتبكة ..


لقد حدث أن ضربت تحويلات عن مسار طريق التتبع لنشأة العقل العربي ، أو محطات تزويده بالوقود وقطع الغيار ، قبل تلك الحالة التي نعيشها بقرون طويلة ، فإذا كان عصر الانحطاط الذي ألم بالأمة ولا يزال منذ مئات السنين ، هو ما دفعنا للإتكال على الغرب لكي نعرف أنفسنا من خلال عيونه .

فإن شيئا مماثلا وهاما قد حدث قبل ذلك بكثير ، ومهد لحدوث هذا الانحطاط . لقد تكدست كتب المعارف الفلسفية في مكتبة الإسكندرية منذ أيام اليونانيين (البطالسة ) .. ثم انتقلت الى أنطاكيا ، في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز ، وأصبح لها فروعا في فلسطين ، ثم انتقلت الى حران في عهد الخليفة المتوكل من سنة 232هـ الى سنة 247 هـ لتنتقل الى بغداد بعد ذلك ، وكان هذا الانتقال من أهم الأحداث الفكرية ، إذ كان الانتقال يعني انتقال ( المجلس العلمي) الذي كان يشبه دوره الى حد كبير دور ( الكرسي الفلسفي ) .

ابن حوران 11-09-2006 05:42 PM

( 18 )

لم يكن للناس عهد بالتفكير بمعارضة الحاكم ، فقد تمت تربيتهم على السكوت مدة ألف عام ، لكن بعد أن زال الحكم العثماني الذي اختلطت فيه مبررات بقاءه مع عدمها .. وأصبح الناس وجها لوجه أمام مستعمرين كفرة ، ويهود يحاولون بلع فلسطين ، وحدوث المقاومة في فلسطين وسوريا و العراق ، وانتشار وسائل الإعلام التي أخذت تسرب أخبارا عما يدور في ليبيا و الجزائر وريف المغرب .

بدأ الحس الوطني بالنهوض شيئا فشيئا ، حتى شارفت الأربعينات من القرن العشرين على الانتهاء ، ولما كانت الحكومات العربية ، ليست بذلك الاحتراف في خنق الأصوات كما هي اليوم . أخذ شباب العتيقة كما هم غيرهم من شباب العرب يفكرون ويتهامسون و يتبادلون نشرات كانت تصنف على أنها ممنوعة ، لكن المهربون كانوا ينقلونها على ظهور الخيل عبر الحدود ، لتصل إلى عينات من مثقفين لا زالوا في المدارس المتوسطة أو الثانوية ..

كان الشباب ينقسمون الى ثلاثة فئات فئة إسلامية ( سياسية ) بحزب اسمه (التطهير ) وحزب ( أممي ) وحزب (قومي ) .. وغالبا ما كانوا في حالات جدال مع بعض ، أحيانا تصل الى حد العراك بالأيدي أو السكاكين .. وكان معلمو المدرسة ينقسمون أيضا وفق هذا التقسيم ، وكان الأكثرية من القوميين والتطهيريين ثم بعض من الأمميين الذين كانوا يحاربوا من كل الأطراف إضافة للدولة والمجتمع ..

كانت العقوبات التي ينالها من ينتمون للحزب ( الأممي ) قاسية جدا ، نادرا ما تقل عن عشرة سنوات ( شاقة ) .. فكانوا يلجئون لحيلة في عقد اجتماعاتهم ، إذ كانوا يحضرون بعض زجاجات البيرة و يضعونها في دلو وينزلونها ببئر ماء لكي تبرد ، حيث لم تكن الكهرباء قد دخلت العتيقة بعد ، وأحيانا يملئون تلك الزجاجات بالماء ، وعندما يرتابون بحركة قد تلحق بهم الأذى يسارعون في استخراج زجاجات البيرة ( أو الماء ) ويتناولونها أمام القادم المريب ، فأسهل عليهم أن يقال عنهم سكارى من أن يتعرضوا للسجن الطويل ..

وقد أثير حديث ذات يوم بين أهالي القرية ، فعندما ذكر أحدهم كلمة (أممي) انبرى أحد جيران ( وكر ) تلك الخلية ، وقد اطلع على بعض طقوسهم .. فابتسم وقال : هل تعلمون كيف يصبح الأممي أمميا ؟ ثم أجاب : يضعون زجاجات في دلو وينزلونها في بئر ثم يستخرجونها ، وعندها يصبحوا أمميين !

لقد كان المعلمون يستغلون حصص التدريس ، ليمرروا أفكار أحزابهم ، من خلال شرحهم للدروس أمام التلاميذ ، حتى لو كان الدرس ( للحساب ) فإن المعلم يصنع مقتربات للدخول في الحديث عما يريد ، فبشرحه للفيزياء يذكر حسن كامل الصباح البدوي اللبناني ،الذي قتلته المخابرات الأمريكية بعد أن اخترع التلفزيون ( الذي سرق شرف الاختراع منه ) .. ليهجم في شرحه على الإمبريالية و الصهيونية .

وإذا أراد أن يتحدث معلم التاريخ عن الأندلس ، فلا ينسى يوسف بن تاشفين وتوحيده للأندلس التي تمزقت في عهد ملوك الطوائف ، لينوه بضرورة عمل ذلك في الوقت الحاضر ، وليتكلم عن ضرورات الوحدة براحته ..

كانت الجزائر عندما تتعرض المقاومة فيها لبعض الخسائر ، يحس الطلبة من خلال معلمهم بأن حدثا جللا قد وقع ، وعندما يسألوه ، كانت الحرقة والاختناق تكاد تقتل هؤلاء الأطفال الصغار ، ولا يعودوا في اليوم التالي إلا ومعهم بعض النقود القليلة ليتبرعوا بها لثورة الجزائر ..

وعندما بدأ المذياع بالانتشار ، اقتنى بعض الموسرين جهازا ضخما من نوع (سيرا) .. كان مربوط به ( بطارية ) تقل عن حجم بطاريات السيارات قليلا ، فكانوا يستمعون الى إذاعة ( الشرق ) التي أصبحت فيما بعد إذاعة لندن ، وكانت تبث من قبرص ، موجهة لتلقين الناس أخبارا معينة .

كان أبو حامد يضع جهاز المذياع الى جانبه ، ويخرج من جيب صدريته ساعة فضية اللون ، ربطت بسلسلة في أحد طيات الصدرية ، فيضغط على (زر) لتفتح الساعة و يطلع على الوقت ، ثم يدير مفتاح المذياع لأنه حان وقت الأخبار ، وبضعة رجال يجلسون من حول الموقد الذي وضع عليه دلال القهوة ، يرقبون ما سيبلغهم أبو حامد من أخبار يسمعها ، رغم أنهم يسمعون كما يسمع هو ، لكن اللغة العربية الفصحى لا تجعلهم يدركون على وجه الدقة ما يقول المذيع .

كان أبو حامد يعالج جمرات من الفحم المشتعل ، بملقط خاص ، في حين يطرق في نظره للأسفل ، ممثلا دور الخبير في معرفة ما يقول المذيعون .. أما الرجال فيرقبون حركات يديه في معالجة الجمر ، وتعبيرات وجهه عندما يعلو صوت المذيع .. وفجأة يطفئ جهاز المذياع ويهز رأسه قليلا .. فيبادر الرجال بسؤاله : خير أبو حامد ؟؟
فيجيب باقتضاب ( على قدر ما فهم ) : بس الله يرحمنا ..
فيعاودوا السؤال : خير أبو حامد .. ماذا قال المذياع ؟
أبو حامد يجيب وكأن هموم الأمة مرهونة برقبته : مولعة بمصر .

ابن حوران 28-09-2006 03:01 PM

استقالة العقل العربي :

( في الموروث القديم )

( 2 )




إن أهمية الموضوع الذي توصلنا إليه في المرة السابقة ، بأن المؤثرات التي تعمل عملها بالعقل العربي ، قد انتقلت من مكان لمكان ، وكانت تلك الأمكنة تقع على قرب من مكان الإدارة السياسية و ما يحيط بها من فقهاء و علماء يرضون بقول و يرفضون آخر .. فكانت تلك المراكز وشيوخها ترسم النظرة العامة لخاصة الخاصة و خاصة العامة ، لتصنع مزاجا يقبل به الحاكم ، أو يرفضه ، فإن قبل به كثر الشيوخ والعلماء الذين يتبنوا تلك النظرة الفلسفية ، وكثر طلاب العلم الذين يأخذونها من شيوخها و مدارسها لينقلونها الى مختلف الأصقاع ..

وإن رفضت وجهة النظر ، رحل صاحبها ، أو وضع في الحبس ، لكن نظرته يتم تداولها في السر ، أو يهرب أصحابها الى مكان آخر يقبل بالفكرة وأصحابها ، لرفضه من رفضها ..

وكان هناك عوامل لتصنيع وقود هذا العقل أو قطع غياره ( انسجاما مع المثال الذي شبهنا به العقل كأداة مثل السيارة ) .. ومن هذه العوامل :

1 ـ اللغة :

لم تكن أوضاع اللغة في السابق ، تختلف عما عليه الآن ، وإن كانت اللغة الآن قد دعمت بوسائل الإعلام الحديثة ، وانتشار المطابع و الكتب ، وغيرها من العوامل الأخرى .. إلا أن هناك حجم ضخم من اللهجات المحلية التي تحمل بثنايا كلماتها ومفرداتها مؤثرات تعمل عملها في تحديد النظرة لكثير من الأشياء ، وهي لا تقتصر على الأميين فحسب ، بل تؤثر حتى على المثقفين والمتعلمين ، لما هناك من مساحة كبيرة في تعاملات هؤلاء مع اللهجة المحلية ..

كما أن اللغة تعتمد بكثير من الأحيان على نوع من ( المنطق) الخاص بشعب دون آخر .. ولقد شكل فهم آية بالقرآن الكريم على ضوء ذلك المنطق ، نشاطا طال أمده أكثر من قرنين .. والآية هي : ( إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ ) الصافات 64و65 . .

لقد ارتكز بعض علماء المعتزلة على تلك الآيتين في تشكيكهم غير الصريح في اعتبار أن القرآن به بعض الضعف من حيث الصور ، وعليه فهم قد غمزوا بطرف أن يكون هو من عند الله .. وقد اعتمدوا في حجتهم تلك على أن العرب لا تشبه شيئين مجهولين على المشبه أو السامع .. فعندما يقول فلانة طويلة كالنخلة ، فإن كنا لم نتعرف الى فلانة و طولها ، لكننا نستطيع إخضاع الصورة لتخيل طول النخلة .. وعندما نقول مذاق كذا كالعسل .. فنتصور الموصوف الذي نجهله بالشيء الذي نعرفه .. من هنا استغرب علماء المعتزلة عدم الالتزام بالقاعدة المتعارف عليها عند العرب ، فالجحيم لم يتعرف عليه العرب وهو صورة من صور جهنم التي سيؤول إليها مصير الكفار ، وهذا لم يحدث حتى يتم التعرف عليه ، كذلك صفة طلع تلك الشجرة النابتة في الجحيم ، إذ وصف بأنه يشبه رؤوس الشياطين التي لم يتعرف عليها العرب أيضا ..

لقد بقي هذا الجدل حول الآيتين لمنتصف القرن الخامس الهجري ، عندما وجد نبات في اليمن اسمه (رؤوس الشياطين ) وعندها أعلن إمام المعتزلة القاضي عبد الجبار أنه آمن بأن هذا الكتاب هو من عند الله بشكل كامل ، لا لبس فيه .

كما أن التأويل ، الذي تعتمده بعض الطوائف الإسلامية ، لتبرير عرف درجت عليه تلك الطائفة ، في سلوك أو معاملة ، فإن استهجن أحد من غير أبناء تلك الطائفة ، ردوا عليه بتفسير للقرآن حسب فهمهم الذين كيفوه ليلاءم سلوكهم ويبرره ، فتجد لأخذ الخمس عند البعض ، أو زواج المتعة ، حججا تدعم بتأويل بعض الآيات بما يتكيف مع ما تمارسه تلك الطائفة ..

كما أن الأحاديث النبوية ، تسعف أولئك الذين يريدون تبرير سلوكهم الذي يؤمنون به ، وحتما فإن الحرية في موضوع الأحاديث هي أكثر من الحرية في موضوع النص القرآني ، الذي لا يتعدى التأويل أو الظن بالفهم حسب اللعب بجذر الكلمة ..

إن النخب الفقهية التي كانت تحيط بالحكام أو تعارضهم ، هي التي وثقت مساق الرؤى و الفهم لكثير من المسائل التي تعتبر علامات مرور للعقل في مشواره لفهم أي قضية ، في حين أن دهماء الناس ، الذين اختلط عليهم ما سمعوا من علماء أو وعاظ أو ما انتقل إليهم بالمشافهة من الأجيال الغابرة ، فتجد أن الدين الإسلامي أو المسيحي عند الأفارقة أو عند الصينيين يختلف عنه عند العرب ، فقد اختلطت المفاهيم القديمة من خلال التناقل الشفوي ، فقد سيطرت مفاهيم أو صور ( الهرمسية ) القديمة التي كانت سائدة في الهضبة الإيرانية ، وانتقلت الى مختلف أنحاء العالم ..

والهرمسية باختصار هي النظرة المتعلقة بنبي الله إدريس عليه السلام ، الذي عاش أكثر من ثمانية قرون علم الناس النجارة والكتابة والخياطة والطب وغيرها ، ويكاد أن يكون النبي الوحيد الذي لم يكن له أعداء ، وعندما توفاه الله شكك الناس بموته ، فمنهم من صار يتخيله بالنجوم ومنهم من اعتقد أنه هو (الله) .. ومنهم من اعتقد أنه ( ملك ) من الملائكة .. وأخيرا سيطرت فكرة أن يكون ( إدريس ، أو هرمس ) هو وكيل الله في الأرض .. ومن يتابع دور (البابا) في كل الطوائف المسيحية و ( المرجع الديني) عند بعض الطوائف الإسلامية ، سيعرف مدى ما قصدته من تأثير اللغة و ما يتسرب منها باللهجات العامية ، لتصبح نظريات تزاحم نظريات الفلاسفة و العلماء وكلها مؤثرات عقلية .

جنات عدن 28-09-2006 08:21 PM

من احد عوام عصر الجهل ... ارجوا ان تأخذ من المثقفين بعين الاعتبار

كتبت الأتى .. ولا سحر انما حق من الحق المبين
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم , بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله ذى الجلال والإكرام
اليوم أكملت لكم دينكم , وأتممت عليكم نعمتى , ورضيت لكم الأسلام دينا
وكانت هذة الآية آخر ما نزل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع وقرأ بسورة - ق- فى صلاة العيد حيث حضرها المسلمون من أقاصى الأرض ليحملوا رسالتهم الى العالمين كاملة من الرحمن لعبادة الطائعين ليسعدوا هم ومن على الأرض بها فى الدنيا ويدخلوا برحمته جناته سبحانه وتعالى - والدين إخوانى وأخواتى هو الحياة بأكملها من عبادات ومعاملات وخلق ومشاعر وحكم أى خلاف بين العالمين من الأنس والجن وأخبار الأمم السابقة لنعتبر بهم ونعمل , ونبأ من بعدنا لنتقى ونحذر....وهذا ما أمرنا الله به فى اليوم ليلاً ثم نهاراً - ولنعد بعده للحج
يبدأ اليوم فى أحسن تقويم من صلاة المغرب
حيث يصلى كل المسلمين كبيرهم وصغيرهم رجالهم ونسائهم فى المسجد واقفين بالصف لله رب العالمين كما أمر الرسول الرجال فالصبيان غير البالغين فالنساء- وخير صفوف الرجال أولها وخير صفوف النساء آخرها .و ذلك خلف إمام صالح يتقى الله ولا يخشى فى الله لومة لائم - حيث يتم إختياره بأمر الرسول من قبل أهل القرآن فى الحى الذى به المسجد فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : تخيروا أئمتكم فإنهم وفدكم إلى الله - فهذا الأمر للمصلين . حيث يعلم الناس الخير وكافة ما أمر الله ويبين لهم حقوقهم الصغير والضعيف والمرأة وينصح لهم ويدلهم على كل ما ينفعهم مما علمة الله , ذلك بعد صلاة المغرب وهو الوقت المحدد للعلم فقط فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : نهى عن النوم قبل العشاء والحديث بعدها -والحديث هو حلقة العلم بالمسجد وهو مكان العلم وليس المدرسة فهى مكان علم اهل التوراة والتلميذ هو دارس التلمود - فهل علمت ..اللهم بلغت اللهم فاشهد
ثم صلاة العشاء
ثم يرجع المسلمون لبيوتهم ولا يخرج أحد من جنته إلا لضرورة- فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: جنة الرجل بيته- كما نهى عن خروج الصغار فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : إحبسوا صبيانكم عند فوعة العشاء فإن للشياطين خطفة - فلتحذرالأمهات على ابنائها- ثم بعد طعام العشاء ينام الصغار بعد أن يتعلموا آداب الإستئذان من سورة النور حيث موعد أول عورات الليل من بعد صلاة العشاء حيث يتمكن البالغ من الإختلاء بنفسه, حين يضع ثيابه أو الزوج مع زوجته , ويتعلم الصغار كل شئ عن العورة ويجاب عن أسئلتهم حتى يأتى دورهم فى العورة والحياة وهم يعلمون شرع الله فلا يذنبون, وليتزوج البالغين من المسلمين فى الوقت المحدد لهم عند بلوغهم بأمر الله ليصلحوا ولا يفسدون وليأخذوا حقهم الذى أعطاة الله لهم فإنة الصراط المستقيم وسنة المرسلين وأمر الله للقائمين على الأمرفقال الله تعالى وأنكحوا الآيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم- و قال الرسول صلى الله علية وسلم : ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا . فليبدأ الكبيربرحم الصغيرليحق له التوقيرطلب بر الوالدين حين يكبروا , فقد خلقنا الله أزواجا وخلق الإنسان ضعيفا - ولنعلم ما المقصود والمعنى من كلمة الرحم- ويريد الله أن يخفف عنا ويريد الشيطان أن يضلنا عن سبيل الله وصلة الرحم- والأيم هى من لا زوج لها من الإناث ويبدأ عمر الزواج لهن من عمر عائشة أم المؤمنين كما فى السنة والتى أتبعها عمر بن الخطاب فى زواجة من بنت على بن أبى طالب أى من عمر التاسعة ( ومن لديه علم آخر فليأت به للننشره) وحتى أى عمر ترغب فية المرأة فى الزواج ومهما كبر عمرها ذلك لمن تطيب له من الخاطبين- فأمر الأختيار يرجع له ولها كما فى السنة- والخاطبين الذين يعلموا بها عن طريق إمام المسجد كأفضل حل وأسرعة لهذا الأمر العظيم حيث يدل الأمام المسلمين على الخيرويعلم الناس الخلق الواجب للخاطب ومن يختار وكيف يصنع مع ولىأمرها - والصغيرة البكر و(اللائى لم يبلغن المحيض) تستأذن فى ذلك أى يأتى الخاطب لولى الأمر الصالح التقى فإن رضى الولى خلقه يستأذنها فيه فصمتها إجابتها وإلا فترفض حتى يأتيها من تقبلة ويشرح ذلك بالتفصيل لها لتعلم حقها ويمكنها ان تطلب ذلك من اى احد ان لم يدل ولى امرها عليها للخطاب فإن الحمد لله وليس لأحد . أما الثيب وهى التى سبق لها الزواج فتستأمر أى هى التى تقبل أو ترفض بل وتطلب رجل معين وتجعل أمرها لمن شاءت ان لم يكن لها ولى صالح ليزوجها من شاءت حيث أن لديها من العلم ما ليس للبكر التى لم تجرب من قبل - وليراعى ويفهم الجميع أن الزواج هو السبيل للجنه فليختار كل منا من ستكمل معه الحياة إلى الجنة إن شاء الله - وهنا نعلم كيف نحب ولماذا وعلى الحب نقاتل, وقد أمر الرسول بالآتى قال صلى الله عليه وسلم: أسروا الخطبة وأعلنوا النكاح فى المساجد - كما يجب على إمام المسجد أن يجتمع مع أولى الأمر وأهل المشورة من البلد للتشاور فى أمر الفريضةاى المهر حيث الأولى أن تخفف إقتداءا بالرسول فى تزويج فاطمة ابنته فمن أغلى منها زوجها بخاتم من حديد ذلك لمن يحب إتباع الرسول لأن الأهم هو الزواج وأهميته فى سرعته لحاجة المسلم إلية إحتياج أهم من الطعام والشراب والمسكن ليسكن اليها وهو أحس تقويم وهو الصراط المستقيم للشباب والذى يبدأ عمر الزواج عنده من اول يوم بلوغه , وبذلك نزيل أسباب الفساد المتفشى فينا بفعل السابقين الخائضين من الأباء على مر القرون مما فرق بين المرء وزوجة فى كيفيته ومدته والذى هو هدف الشيطان الأول والأخير فلنضع هذا السد أمام المفسدين كما صنع ذى القرنين عندما فاقت قوة الفساد الحد فهلموا عباد الله بناة السد ليخرج جيل وذرية طيبة يكن لنا فيه أجر غير ممنون,كما ورد فى سورة التين والزيتون وان الذرية الصالحة من أفضل الأعمال الصالحة التى يثاب عليها المسلم ( احل لكم ليلة الصيام الرفث الى نساءكم )

ثم النوم ثم عورة أخرى قبل
صلاة الفجر - الصلاة الوسطى
والإستعداد لصلاة الفجر للجميع ثم علم وتسبيح و بيانات الأمام قبل الذهاب للعمل فى فترة النهار أو المعاش حيث يخرج الرجال والشباب والذين بلغوا السعى من الذكور بعد إفطارهم ( فى غير رمضان ) معا للعمل فى أعمال صالحة نافعة من تجارة وصناعة وزراعة وصيد ورعى وكل ما هو نافع الكل يعمل معا , وفى هذة الأثناء تعمل النساء معا فى بيوتهم مع الصغيرات فى أعمال خفيفة ومربحة من صناعة الحرير وتربية طيور وزهور وملابس وخيام للسفر وما هم أدرى به بشرط عدم تقليد ما قلد المفسدون المبذرون فللعمل علم يجب ان نتعلمه ونتدبره وهكذا تواصل تام بين المسلمين لا يتخلله الشيطان فقد أمر الله المسلمون قائلا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان- قال الرسول : المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا, ثم يرتاح الجميع فى صلاة الضحى ليستمدوا القوة من الله بشكره ليزيدهم من فضلة ويستأنفوا عملهم بنشاط حتى
صلاة الظهر
حيث تنتهى الفترة المحدده للعمل ويأكل الجميع من رزق الله ويذبحوا بإسم الله حتى يأكل إخوانهم من الجن ايضا كما أمر الرسول القاسم بذلك فأن لهم من الطعام كل عظم ذكر اسم الله عليه اوفر ما يكون لحما , ثم عور ة صلاة الظهر والقيلولة فقد قال الرسول صلى الله علية وسلم قيلوا فإن الشياطين لا تقيل فيرزقك الله الرؤيا الصالحة ... حيث لا يتهول لك الشيطان بهذ الوقت ..فتسعد بها ذلك بصدق الحديث بتلاوة القرآن وتدبره والعمل به فأن الاصدق حديثا يرزق ارؤيا الصادقة ... ويبشر المسلمون بعضهم بالرؤىبعد
صلاة العصر
ثم تبدأ مهام العصر من زيارات للخاطبين وللأقارب وتواصل الجيران ورعاية الأيتام والفقراء ولعب الصغار ولهو الكبار من ركوب للخيل ورماية وأعمال قوة وما قد يرزق الله من أفكار فى سبيلة من وحى قرآنه عز وجل الخبير الحكيم

وبذلك ينتهى عمل اليوم ليلا ونهارا وكل يوم مالم يحدث أمربين المسلمين فنجد حكمة فى كتاب الله وسنة رسوله فلا نضل ونهتدى ولا نختلف
وبعد اخوانى واخواتى من المسلمين
هل ترى حكمة الاسلام فى الحياة , هل تحب ان تحيى به , ؟
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
أليس الله بأحكم الحاكمين
بلى ربى وأنا على ذلك من الشاهدين

تصور لما سيأمر به الخليفة ببساطة الدين ويسرة .. وبدون الاسترسال فى غياهب الكلام فى عصور وصفت من الرسول بعصور الظلام والجهل

محمد .................................................. .................................................. . آدم

ابن حوران 29-09-2006 09:44 PM

( 19 )

عندما مات ( شاهر قوقة ) ، فرح ذويه بموته كثيرا ، فقد كان يسبب لهم الكثير من الحرج ، فقد كان معتوها ، في أواسط الخمسينات من عمره ، متسخ الثياب ، لا زوج له ولا أولاد ، لا يتحرج أن يتبول في الشارع أمام المارة ، يستطيع أن يلفظ ستة حروف فقط من الحروف الأبجدية ، فيرد على من يستهزئ به بقوله ( هماه ) ( ويقصد بها حمار ) .. كان الصبية يلحقونه ليستفزونه ليشتمهم بشتائمه المثيرة للضحك ..

و كأي ميت ، لا بد من عمل مأتم له و فتح دار عزاء ، خصوصا أن أخاه من وجهاء العتيقة المعروفين ، ولكن الناس تتثاقل في الذهاب الى مآتم الأطفال والنساء المسنات و المهابيل ..

كانت أخبار هؤلاء المهابيل في حوزة مدرس ابتدائي ، يتفنن في جمع أخبارهم ، و معرفة النقاط التي تثيرهم ، وأحيانا يجمعهم كلهم و كانوا أكثر من عشرة بقليل ، منهم من هو من أبناء العتيقة و منهم من يأتي من البادية ، ومنهم من يسكن عند أم له تزوجت بعد وفاة زوجها . كان ( أبو أركان) الأستاذ يعرف أسرار هؤلاء المهابيل ، وكلمات السر لجعلهم يجودون بنمرهم المجنونة .

كان أول من أتى أن يعزي بوفاة ( شاهر قوقة) ، مجنون يحافظ على كياسته ما لم يقال له كلمة السر التي تحوله من إنسان عادي الى مجنون رسمي ، كان اسمه ( عقلة) .. ولم يكن بديوان الشيخ ( سليم ) شقيق المتوفى ، سوى الشيخ ورجل مسن عصبي المزاج اسمه (مهاوش) ، يعتبر من أقدم تجار المنطقة ، وأقلهم ربحا ، لعصبيته .. فإن سأله أحد المشترين عن ( بندورة ) (طماطم ) .. وأجابه أن طلبه موجود ، فإن اعترض المشتري على ما عرض عليه ، وطلب أحسن من تلك البضاعة ، فإن البائع العصبي ، سيدوس مئات المرات برجليه على الطماطم حتى يأتي عليها ، وهو يردد : تريد أحسن من هذا ؟ تريد أحسن من هذا ؟ ، وإن اعترض أحدهم على ( زجاجة سراج ) يريد أن يستبدلها فإن كل رصيد البائع ( مهاوش ) سيتكسر أمام المشتري المعترض ..

كان ( مهاوش ) مجنونا ، ولكنه كان لديه زوجتان وأربعة عشر ولدا من الذكور العصبيين ، فلم يتجرأ أحد أن يصفه أو يصفهم بالجنون ..

لم يطق ( مهاوش) وجود عقلة ، فغمز الشيخ سليم وقال له : ( بغلين على طوالة واحدة لا يمكن ربطهما ) .. ففهم الشيخ سليم تلك الإشارة حتى يتم طرد (عقلة) من المجلس ، كي لا يثير مشاكل مع المعزين .. فوجه الشيخ سليم سؤالا الى (مهاوش) : هل عقلة كبير بالسن ؟ فأجاب (مهاوش) : والله لما كنت خيالا كان ( عقلة ) نشميا .. ففرح عقلة بجواب مهاوش وقال : الله يحفظك يا حاج مهاوش .. فأضاف مهاوش بمكر : كان يحمل على رأسه وعاء من خشب و يلحق الأبقار ليجمع روثها .. فغضب (عقلة ) وقال : يلعن شيبك يا مهاوش وخرج .

كان أولاد العتيقة و حتى رجالها ، يتسلون بالمجانين و المهابيل ، تسلية تعوضهم عن نقص الجوانب في التسلية ، حتى كانوا يبتكرون من بين الأسوياء ، أشخاصا ليضيفونهم الى قائمة المجانين ، فقد حدث أن ذهب رجل من الحارة الجنوبية الى الحارة الشمالية ليعبئ بعض (التبن ) من عند عديل له ، وكان يلبس ملابس رثة ، تلاءم قيامه بالعمل ، وكان من بين الملابس غطاء للرأس (يشمغ) مقطعا بعض الشيء ، وعندما أنهى عمله خرج وقد علق التبن في شقوق غطاء الرأس ، فبدا منظره غريبا و شاذا ، فلما لمحه أحد الأطفال ، ذهب وأخبر أترابه بأن مجنونا جديدا قد أتى للحارة ، فتراكض الأطفال يتضاحكون ويحذفونه بالحصى و هو يركض أمامهم ، مستسلما ، حتى دخل خرابة مهجورة فتسلل أحد الأطفال إلى مخبئه ، ففاوضه الرجل أن يعطيه بعض النقود مقابل أن يمنع الأطفال عنه ، فخرج الطفل يبلغ الأطفال : أن المجنون يريد إعطاؤه نقودا ، فهجم الأطفال ثانية عليه ، فما كان منه إلا أن يركض حتى وصل بيته ، مقطع الأنفاس ..

كان ( عقلة ) المجنون ، يغيب عن العتيقة عدة شهور ، ولم يعرف عنه أين يذهب ، حتى صدف أن الأستاذ ( أبو أركان) ، قد نقل من العتيقة للتدريس في قرية تبعد حوالي 50كم ، فلمح بعد أيام من التحاقه بالعمل رجلا يضع عمامة خضراء ، وبيده مسبحة طويلة ، يخرج من دكان بخطوات ثابتة ، فراقبه عن بعد فتيقن أنه ( عقلة المجنون ) .. فترك مجالا حتى ابتعد عبده عن الدكان ، فدخل الأستاذ الى الدكان و سأل صاحبها عن الرجل الذي خرج ، فأجابه : إنه الشيخ (أبو خضر) .. فابتسم الأستاذ بمكر ، ولقن صاحب الدكان بعض الكلام الذي يستفز الشيخ ، وهي كلمات سر يعرفها الأستاذ جيدا ، لكنه كان ماكرا في تلقينها لصاحب الدكان الذي أخبره بأن الشيخ سيعود حالا فقد ذهب لمكان سكنه ليحضر شيئا ، فطلب الأستاذ من صاحب الدكان أن يتخفى في مكان لا يراه عبده فيه .

عندما عاد ( عقلة ) ، كان صاحب الدكان قد حفظ دوره ، فبادره قائلا : يا شيخ ، عندي ابنة تعاني من بعض الوساوس و أريد منك أن تعالجها ، بصنع حجاب أو أي طريقة ، فإن شفيت سأعطيك (زوجا من أفراخ الحمام ) وكانت هذه من مثيرات عقلة ، فجفل عقلة و تنحنح و قال : ( دسِم كلامك) ، وسأعطيك (حليب العجلة الصَبحة) .. فغضب عقلة وقال بعنف : ( استحي) ، ثم أضاف صاحب الدكان : وإن تأكدت من شفاء البنت تماما سأعطيك كل ما لدي من (ملح الليمون ) .. وكانت تلك أشد ما يثير عقلة ، فأمسك بخناق البائع ، وقال له : إن لم تخرج ( رجل العتيقة ) من عندك سأذبحك .. وهنا خاف الأستاذ على الرجل فهو يعلم قوة (عقلة ) .. فإن ضرب بابا مغلقا بإحكام بحجر عن بعد فإنه سيفتحه لا محالة .. فخرج راكضا و خرج عقلة يطارده في شوارع القرية ، التي لم يعد لها ثانية بعدما كشف سره ..

أوراق الخريف 30-09-2006 11:04 PM

اخي ابن حوران
هاذا الكتاب او هذه القصة اعادت لي زكرى في قلبي
عن بيت ترعرت به مع جيرانه الذين كانو يفقون عمري ب ستين او سبعين عاما
وكنت بينهم كالاعوبة بين يديهم وكانو لي هم التاريخ كله
ظننت انني سوف انقش اسمي على جدران تلك الدار واعد يوما واشم رائحة سكانه
ولكنني عدت ولم يكن له اثار
سبحان الله اخي انني متشوقة لااتابع حلقة بحلقة عن موضوعك واعود لااسقي تلك الازهار العتيقة
واقول لها
لا تبكي يا ازهار الدار هي انا عدت ارويك
تحياتي لك اخي ولي عودة لو سمحت لي بعد انتهائي من قراءة ما كتبت
تسلم يداك

رنـا 10-10-2006 01:23 AM

رائع أخي الغالي إبن حوران،
وننتظر التتمة :)

حبيبتي أوراق، هي هيدي حال الدني
بس زكرى..... ولاشيئ يعود كما كان
دمتم بخير :)

جنات عدن 13-10-2006 04:52 PM

تابع .. للرفع

ابن حوران 25-10-2006 05:31 AM

الأخت الفاضلة أوراق الخريف
الأخت الفاضلة أوركيدا

أشكر لكما المرور الكريم

ابن حوران 25-10-2006 05:36 AM

( 20)

هناك أمور يحير بها المرء كثيرا .. فعندما ترى رجلا يكدح ليلا نهارا، من أجل أن يؤمن لقمة لطفل صغير ويحرم نفسه من الكثير من الأشياء، فإنك تحير بذلك السلوك .. وعندما ترى طيرا يهيم على وجهه ليلتقط رزقا يضعه في فم مخلوق صغير ينتمي له، وأمه ترقد معرضة نفسها لهجوم الضواري والأفاعي فإنك ستحير أيضا، والكثير من تلك الظواهر التي يستسلم لها المرء في النهاية ليقول إنها إرادة الله ويصمت .

في كثير من الظواهر الأخرى التي لا تنتمي الى النوع الأول، تكون الأعراف أو العادات أو الضرورات الحياتية هي ما تكمن كمسببات وراء تلك الظواهر، فلماذا يتخصص القط بملاحقة الفأر ولماذا يتخصص الكلب في ملاحقة القط، فهذه ستكون من مهام العلماء المتخصصين في تلك الشؤون ..

أما أن يقوم الإنسان على خدمة الحيوان، ويبذل قصارى جهده في تلك الخدمة فهذا ما لم أعرف سره كما لن يعرف سره من يعيش في أيامنا هذه، قد يتعجل أحدنا عندما يقرأ مثل هذا الكلام ويجيب على الفور إجابات لم يبذل بها أي جهد، أو أنه لم يجرب مراقبة هذا النوع من الخدمات في حياته ..

في بعض القرى الجبلية واللواتي لا تكون ملكيات المواطنين فيها من السعة بمكان، قد يصدف أحدنا فلاحا يحرث مساحة لا تزيد عن 500متر مربع هي كل ما يملك، وتكون وسيلة الحرث بواسطة حمارا ضئيل الحجم، ولو توقفنا بجانب ذلك الفلاح، وسألناه : كم تتوقع أن يأتيك ناتجا من هذه المساحة، لتردد وتعصب قبل أن يجيب ، ولكن على السائل أن يتحلى بالصبر ويكرر على الفلاح السؤال، فإنه سيحصل على إجابة بأن الناتج لن يغطي كلفة اقتناء الحمار لمدة شهر، وإن واجهنا الفلاح بما استخلصنا من عدم جدوى اقتناءه لبادر بطردنا على الفور .

في العتيقة لم تكن تمر ساعة دون أن يكون للحيوانات ذكر في الأوامر أو القصص أو العمل نفسه، ومن يتفحص مكونات ذلك الاهتمام لاستنتج على الفور عبثية تلك العلاقة .

فكنا نسمع أسئلة رب المنزل لذويه : هل أسقيتم (الَطرشَات ) وهي كلمة تدلل على الحيوانات المنزلية من أبقار و خيل وحمير وغيرها .. هل (كربلتم ) التبن للطرشات ، أي هل أزلتم التراب والشوائب من التبن لتقدموه للحيوانات .. هل نظفتم تحت الطرشات .

هذا بالإضافة الى أن الآبار التي تكون في ساحات المنازل، لا يشرب أهل المنزل منها، لأنها تلوثت ببقايا روث الحيوانات، وعليه فإنه يتوجب أن يحضروا ماء شربهم من مكان لم يتلوث ببقايا الحيوانات، صحيح أنهم سيستخدمون الحيوانات لنقل الماء، لكن لولا وجود الحيوانات لوفروا هذا الجهد وتناولوا ماءهم عن قرب ..

وإذا جاءت سنين قحط (محل) فإن قسم من السقوف ستزال من مكانها، وسيؤخذ التبن لتغذية تلك الحيوانات، ومن الطبيعي أن طبقة بسمك نصف متر تقريبا قبل ضغطها والتي كانت توضع بالسقوف ستحل مشكلة تغذية الحيوانات لعدة أسابيع، وعلى أصحاب تلك الحيوانات أن يعيدوا ترتيب السقوف في وقت لاحق ، وهو جهد لولا الحيوانات لن يحدث ..

هناك حالة أخرى كنا نراها عند تغذية العجائز لصيصان ( صغار الطير) في حالات الديك الرومي، فتشوي العجوز بيضا و تخلطه ببعض القمح المجروش، وتغذي تلك الكائنات الحية به، في حين يجلس الأطفال يسيل لعابهم دون أن يحصلوا على مثل هذا الغذاء الخصوصي ..

في أيام (الدراس ) أي سحق القش لاستخلاص الحبوب منه، يقضي الفلاحون مدة شهرين وأكثر حتى ينجزوا تلك العملية. صحيح أنهم كانوا يستخدمون الحيوانات في تلك العملية، لكن كل أو معظم ناتج تلك العملية ستأكله الحيوانات نفسها، فمن المستفيد بالدرجة الأولى ؟ إنها الحيوانات .. ومن يستخدم من ؟ إنها الحيوانات التي كانت تستخدم الإنسان، ولكنه كان يخدمها دون أن يسأل أو حتى يفكر .. هكذا وجدوا آباءهم !

ولو نفق حيوان ( مات) فإن الحزن عليه سيفوق الحزن على أحد أعضاء المنزل من البشر، وسيكون حديث الناس لعدة أيام هو كيف أن فلان قد فقد حماره بالموت، ولكنهم لم يعملوا له بيت عزاء، وهو أمر لن يعترضوا عليه لو بادر أحدهم ذات يوم واخترع مثل هذا التقليد ..

كانت الأدوات وحتى المفردات اللغوية المختصة بالحيوانات تفوق تلك التي تستخدم للبشر، ففي حين لم تكن تجد طبيبا واحدا للبشر في عشرين قرية، كنت تجد في كل قرية بيطارا يهتم بصحة الحيوان. وستجد من يفصل لها الرسن والجلال ( غطاء الظهر) والمرشحة ( للخيل) و غيرها ..

لو قدر لأحدنا أن يعثر على أحد أبناء ذلك الجيل، والذي أظنه امتدادا لأجيال تصل الى آلاف السنين، وكان هذا المعمر قد رأى مدى التطورات التي حدثت في البلاد على كل الصعد، وتوجه أحدنا إليه بالسؤال أو بتلك الملاحظات التي أوردناها، وطلب منه تفسير للحكمة من كل هذا الحجم من الوفاء للحيوان، لضحك بصوت عال .. ولكنه لن يجيب ..

*سهيل*اليماني* 25-10-2006 07:18 AM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة ابن حوران
( 20)

هناك أمور يحير بها المرء كثيرا .. فعندما ترى رجلا يكدح ليلا نهارا، من أجل أن يؤمن لقمة لطفل صغير ويحرم نفسه من الكثير من الأشياء، فإنك تحير بذلك السلوك .. وعندما ترى طيرا يهيم على وجهه ليلتقط رزقا يضعه في فم مخلوق صغير ينتمي له، وأمه ترقد معرضة نفسها لهجوم الضواري والأفاعي فإنك ستحير أيضا، والكثير من تلك الظواهر التي يستسلم لها المرء في النهاية ليقول إنها إرادة الله ويصمت .

في كثير من الظواهر الأخرى التي لا تنتمي الى النوع الأول، تكون الأعراف أو العادات أو الضرورات الحياتية هي ما تكمن كمسببات وراء تلك الظواهر، فلماذا يتخصص القط بملاحقة الفأر ولماذا يتخصص الكلب في ملاحقة القط، فهذه ستكون من مهام العلماء المتخصصين في تلك الشؤون ..

أما أن يقوم الإنسان على خدمة الحيوان، ويبذل قصارى جهده في تلك الخدمة فهذا ما لم أعرف سره كما لن يعرف سره من يعيش في أيامنا هذه، قد يتعجل أحدنا عندما يقرأ مثل هذا الكلام ويجيب على الفور إجابات لم يبذل بها أي جهد، أو أنه لم يجرب مراقبة هذا النوع من الخدمات في حياته ..

في بعض القرى الجبلية واللواتي لا تكون ملكيات المواطنين فيها من السعة بمكان، قد يصدف أحدنا فلاحا يحرث مساحة لا تزيد عن 500متر مربع هي كل ما يملك، وتكون وسيلة الحرث بواسطة حمارا ضئيل الحجم، ولو توقفنا بجانب ذلك الفلاح، وسألناه : كم تتوقع أن يأتيك ناتجا من هذه المساحة، لتردد وتعصب قبل أن يجيب ، ولكن على السائل أن يتحلى بالصبر ويكرر على الفلاح السؤال، فإنه سيحصل على إجابة بأن الناتج لن يغطي كلفة اقتناء الحمار لمدة شهر، وإن واجهنا الفلاح بما استخلصنا من عدم جدوى اقتناءه لبادر بطردنا على الفور .

في العتيقة لم تكن تمر ساعة دون أن يكون للحيوانات ذكر في الأوامر أو القصص أو العمل نفسه، ومن يتفحص مكونات ذلك الاهتمام لاستنتج على الفور عبثية تلك العلاقة .

فكنا نسمع أسئلة رب المنزل لذويه : هل أسقيتم (الَطرشَات ) وهي كلمة تدلل على الحيوانات المنزلية من أبقار و خيل وحمير وغيرها .. هل (كربلتم ) التبن للطرشات ، أي هل أزلتم التراب والشوائب من التبن لتقدموه للحيوانات .. هل نظفتم تحت الطرشات .

هذا بالإضافة الى أن الآبار التي تكون في ساحات المنازل، لا يشرب أهل المنزل منها، لأنها تلوثت ببقايا روث الحيوانات، وعليه فإنه يتوجب أن يحضروا ماء شربهم من مكان لم يتلوث ببقايا الحيوانات، صحيح أنهم سيستخدمون الحيوانات لنقل الماء، لكن لولا وجود الحيوانات لوفروا هذا الجهد وتناولوا ماءهم عن قرب ..

وإذا جاءت سنين قحط (محل) فإن قسم من السقوف ستزال من مكانها، وسيؤخذ التبن لتغذية تلك الحيوانات، ومن الطبيعي أن طبقة بسمك نصف متر تقريبا قبل ضغطها والتي كانت توضع بالسقوف ستحل مشكلة تغذية الحيوانات لعدة أسابيع، وعلى أصحاب تلك الحيوانات أن يعيدوا ترتيب السقوف في وقت لاحق ، وهو جهد لولا الحيوانات لن يحدث ..

هناك حالة أخرى كنا نراها عند تغذية العجائز لصيصان ( صغار الطير) في حالات الديك الرومي، فتشوي العجوز بيضا و تخلطه ببعض القمح المجروش، وتغذي تلك الكائنات الحية به، في حين يجلس الأطفال يسيل لعابهم دون أن يحصلوا على مثل هذا الغذاء الخصوصي ..

في أيام (الدراس ) أي سحق القش لاستخلاص الحبوب منه، يقضي الفلاحون مدة شهرين وأكثر حتى ينجزوا تلك العملية. صحيح أنهم كانوا يستخدمون الحيوانات في تلك العملية، لكن كل أو معظم ناتج تلك العملية ستأكله الحيوانات نفسها، فمن المستفيد بالدرجة الأولى ؟ إنها الحيوانات .. ومن يستخدم من ؟ إنها الحيوانات التي كانت تستخدم الإنسان، ولكنه كان يخدمها دون أن يسأل أو حتى يفكر .. هكذا وجدوا آباءهم !

ولو نفق حيوان ( مات) فإن الحزن عليه سيفوق الحزن على أحد أعضاء المنزل من البشر، وسيكون حديث الناس لعدة أيام هو كيف أن فلان قد فقد حماره بالموت، ولكنهم لم يعملوا له بيت عزاء، وهو أمر لن يعترضوا عليه لو بادر أحدهم ذات يوم واخترع مثل هذا التقليد ..

كانت الأدوات وحتى المفردات اللغوية المختصة بالحيوانات تفوق تلك التي تستخدم للبشر، ففي حين لم تكن تجد طبيبا واحدا للبشر في عشرين قرية، كنت تجد في كل قرية بيطارا يهتم بصحة الحيوان. وستجد من يفصل لها الرسن والجلال ( غطاء الظهر) والمرشحة ( للخيل) و غيرها ..

لو قدر لأحدنا أن يعثر على أحد أبناء ذلك الجيل، والذي أظنه امتدادا لأجيال تصل الى آلاف السنين، وكان هذا المعمر قد رأى مدى التطورات التي حدثت في البلاد على كل الصعد، وتوجه أحدنا إليه بالسؤال أو بتلك الملاحظات التي أوردناها، وطلب منه تفسير للحكمة من كل هذا الحجم من الوفاء للحيوان، لضحك بصوت عال .. ولكنه لن يجيب ..



اخي ابن حوران .. تقبل الله منك صالح العمل وتجاوز عن سيئه وكل عام وانت بخير ..
اكرمك الله باكرامنا وجزاك عنا كل خير ومعروف .. لما كنت بيننا اخا كريما .. ومعلما حليما ..
واجبرتني مع العيد ان اشارك في نصيبك وبديع ارجاءك .. وابدأ بموافقتك بمقولة اهل الابل عن ابلهم انها .. الفقر المحبوب ..
كما ان غالبية اهل البادية من الذين لايزالون بها او نزلوا المدن لايستغنون عنها ولابد ان يكون لاغنامهم منزال آخر يكرمونها فيه .. ويسمونها ( الحلال ) .. فترى احدهم يتركها بداية .. ومايلبث ان يعود لها وينزلها حول منزاله باحد نواحي مدينته .. ليتنفس الصعداء بها ويزين لونه ويشرق جبينه ويتهلل .. وينطلق بالبشرى اليها في كل مرة .. له بها جمال الصباح وطمأنينة المساء .. ان كان موظفا اضافها الى مصروف ابنائه .. وان كان غير ذلك يبارك الله له بها .. وكلما مر عليه ضيف اكرمه منها .. وهي قد لاتتجاوز اصابع اليد اوضعفها .. ولكنها ارتبطت بحياتهم كالماء والهواء .. كما ان اغلب من يحرم منها ولاتسمح الظروف له باقتنائها .. تجده متعكر المزاج متزايد الاوجاعه بسبب فقده لما كان يسليه ويمتع قلبه ويبهج اساريره .. كما ان الغنى عند العرب غنى النفس والسؤدد لايشترى بمال والعزة حريتهم فمابقي اذن ..
ونحن نغبطهم الان وليتنا كنا نملك الوقت لذلك ولو ملكنا الوقت لخدمنا غبارها واكرمنا نزلها .. لانها في خير ليس في شر .. كيف ونحن نرى ان اغلب الذين لايجدون مايشغلهم او يسليهم .. يمنيهم الشيطان ويزين لهم اسباب الخسران .. ولو كان عندهم ماكان عند آبائهم من حيوانات يخدمونها .. لما خدموا باموالهم اشر من الحيوانات .. وظلموا انفسهم ..
واعجبتني كثيرا هذه العجملة في قولك ..
لو قدر لأحدنا أن يعثر على أحد أبناء ذلك الجيل، والذي أظنه امتدادا لأجيال تصل الى آلاف السنين، وكان هذا المعمر قد رأى مدى التطورات التي حدثت في البلاد على كل الصعد، وتوجه أحدنا إليه بالسؤال أو بتلك الملاحظات التي أوردناها، وطلب منه تفسير للحكمة من كل هذا الحجم من الوفاء للحيوان، لضحك بصوت عال .. ولكنه لن يجيب ..
( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) ...

اخي الكريم ابن حوران اعلم انني لم اضف لك شيئا تجهله .. ولكني اجدك كريما في تقبل اخوتك دائما ..

ابن حوران 11-11-2006 08:38 PM

استقالة العقل العربي :

( في الموروث القديم )


( 3 )

لقد كان لتفاعل الفلاسفة وتلاقح الاعتقادات الأثر الأهم في ما جعل أجيال الفلاسفة والمفكرين التي تلت عصر التدوين عند العرب أن تتأثر بهذا التلاقح .

ولعلى أوفى دراسة عن الهرمسية هي تلك التي قام بها الفرنسي المقتدر (فيستوجيير Festugere) والتي حقق فيها النصوص الهرمسية القديمة وترجمها في أربعة مجلدات للغة الفرنسية، ثم أردفها بأربعة مجلدات أخرى وضع بها دراسة عامة للفكر الأوروبي، وبالرغم من أن تلك الدراسات قد ربطها المفكر الفرنسي بالمركزية الأوروبية وبإفلاطون تحديدا، إلا أنها تعتبر دراسة قيمة .

ولتعديل الصورة يجب ذكر (أفاميا) تلك المدينة التي تقع جنوب أنطاكيا في سوريا ، وهي تسمى اليوم (قلعة المضيق) فقد كان لها دور يساوي دور الإسكندرية أو يزيد، وتكتسب أهميتها من أنها ملتقى لمعارف فلسفية كثيرة، فقد انتقلت إليها من الشرق معارف (فارس و العراق) ومن الشمال (أنطاكيا وآسيا الصغرى) حيث مدرسة (فرجاموس Pergame ) ومن الجنوب (فلسطين والإسكندرية) حيث شهدت (أفاميا) انتقال معظم محتويات مكتبة الإسكندرية، في عهد السلوقيين (خلفاء الإسكندر المكدوني ) في بلاد الشام، في حين كان (البطالسة) في مصر .. وقد وصل عدد سكان (أفاميا) في ذلك العهد زهاء (120) ألف نسمة ..

وقد ولد في (أفاميا) التي بقي أثرها حتى القرن الرابع الميلادي، مجموعة من الفلاسفة زاوجوا بين الفلسفية الشرقية والفلسفة الإغريقية فنشأت نمطية جديدة من التفكير العقلي والفلسفي، ثم أضيف مؤثر خارجي على أداء (أفاميا) هو احتكاك رجال اللاهوت اليهود والمسيحيين من فلسطين (جنوب أفاميا) .. وكان من أبرز من ولد بها من فلاسفة ( بوزيدنيوس) الذي يعتبر مصدرا رئيسيا (للهيلينيستية) التي غلب عليها الطابع الشرقي .. و ( سيردون) الفيلسوف السوري و آخرون.

وهكذا وبعد أن أصبحت أفاميا مركزا وقبلة للفلاسفة من مختلف الجهات، ولأكثر من أربعة قرون .. فقد تسللت الأفكار التي تجسدت من النشاط الفلسفي فيها الى حين ابتدأ النشاط الفلسفي (الفكري والعقلي) عند المسلمين في نهاية الدولة الأموية والدولة العباسية ..

وباستطاعتنا تلخيص المعتقدات الفلسفية والفكرية، التي تحاذت مع النشاط الديني المسيحي، وتعاملت مع بناه فلاسفة البراهما (الهنود) والمجوس وقدماء المصريين والعراقيين والتي كانت تتعامل مع فكرة ( الهرمسية ) بما يلي :

إقامة ثنائية حادة بين الإله والمادة، بين الخير والشر، باعتبارهما من طبيعتين مختلفتين تماما، وقد عبر تلك الثنائية خير تعبير (نومنيوس) كالآتي :

1ـ تصوير الإله الواحد كمدبر وهو الإله المتعالي وهو مصدر كل الخير وهو المنظم للكون .. ولكنه لا يدخل في علاقة ما مع الكون، بمعنى أنه منزَه عن الكون نفسه ..

2ـ بالمقابل هناك في الطرف الآخر (المادة) وهي مصدر النقص والشر، بل هي الشر نفسه، وباعتقاد أصحاب الرأي بأن تلك المادة قديمة جدا وهي لم تصدر عن مصدر الخير (الإله المتعالي) لأنها نقيض للخير، فلا يعقل أن يصدر الشر عن الخير ..

3ـ كان لا بد من طرف ثالث عند أصحاب هذا الاعتقاد، وهو ما وجد في النصوص الهرمسية : وهو (الإله الصانع) .. وعلاقته بالإله المتعالي حسب رأي أصحاب الاعتقاد : بأنه كالعلاقة بين مالك الحديقة والبستاني الذي يغرس الأشجار، فالإله المتعالي بذر البذور وأوجد الخلق والإله الصانع يتولى غرسها وإعادة توزيعها .. والإله الصانع عند هؤلاء أصبح وكأنه والعالم شيئا واحدا أمام الذات الإلهية العليا ..

إن هذا الشكل من التفكير والذي كان يسمى (الغنوصية) قد تسلل الى نفوس أو (عقول) الكثير من رجال الدين في الديانات (حتى السماوية) منها .. واحتل مكانا عند بعض الطوائف الإسلامية ولا يزال .. وهو يشكل دافعا إبستمولوجيا قويا لتصنيف الكثير من المواقف الدنيوية والتي تلف بطابع ديني بظاهرها ، إلا أن الجذور الفلسفية الغنوصية تظهر لمن يريد التأمل بكثير من هذا السلوك .. والذي أصبح يتسلل الى صانعي القرار السياسي في كثير من بلدان العالم من الولايات المتحدة حتى إيران ..

ابن حوران 12-11-2006 04:49 PM

أخي الفاضل سهيل اليماني

أشكرك جزيل الشكر على المرور وإثراء تلك الوصلة بعمق الرؤية التي لا نختلف عما ورد بها .. ولكن الإثراء الأهم هو أن هناك من يتابع تلك الشطحات بعين فاحصة وهو على قدر كبير من الاحترام

احترامي و تقديري

ابن حوران 12-11-2006 04:50 PM

(21)

عندما يتكلم أطفال الابتدائية بالسياسة، ويتسمع إليهم من يعتقد أنه يستطيع الإجابة على تساؤلاتهم، فإنه يغوص في بحر تساؤلاتهم، من زاوية يحن للطفولة ومن زاوية أخرى يتفقد ما تبقى من تلك الطفولة حاضرا وجاهزا في أعماقه رغم تقدم العمر، فتخبو لديه الرغبة بالتطوع لإجابتهم عن تساؤلاتهم، كما أنه لا يستطيع دوما الانتصار على الطفل السابت الحاضر في نفسه.

من تلك التساؤلات، كيف يستطيع حاكم البلاد أن يسيطر على كل تلك المساحات الشاسعة، والمدن بعماراتها العالية وذات الشقق الكثيرة، والقرى والأرياف والأزقة، والبوادي، فيجيب طفل آخر أحيانا إن تلك القدرة هي لله وحده وأنه يهبها من يشاء و ينزعها ممن يشاء.

كان من يتسمع لهذا الحوار الصغير والتساؤلات الفتية، يهم أن يقول لمن يتساءل، إنها رغبة واستعداد الأغلبية لتقبل ذلك، حيث يتركوا تلك المهمة لمن هم فيها طوعا أو قسرا، ولا يريدوا أن يفسدوا رتابة حياتهم اليومية في مناقشة مثل تلك التساؤلات ..

لكن هناك من يعتقد بعدم أحقية من في الحكم، وأن بالاستطاعة التخلص من أي حكم مهما بلغت قوته، في حالة ضبط خطط التخلص من ذلك الحكم، وقد يبالغ البعض في تسهيل مهمة التخلص من الحكم وأنها تتلخص بالإرادة فقط.

كما قد تبالغ بعض الحكومات في تضخيم أفعال بسيطة وتعتبرها أخطارا، لا بد من مواجهتها بقوة، كما فعلت الحكومة العثمانية مع فتى اسمه (عمر الفاخوري) من لبنان عندما ألف كتابا أو (كتيب) بعنوان (كيف ينهض العرب) وكان قد قرأ للفيلسوف (جوستاف لوبون) الذي كان متخصصا في الكتابة ضد اليهود وتأثر به ، فاعتقدت الحكومة العثمانية أن هناك خطرا قادما من تلك البقعة فحاصرت طرابلس وقامت بحملات شنق وصلت عدة مئات في حلب ودمشق وبيروت وطرابلس، حتى اكتشفوا في النهاية أن هذا الفتى لا يزيد عمره عن ستة عشر عاما إلا قليل ..

في العتيقة ظهرت فئة تشبه ما كان عليه عمر الفاخوري من احتقان وحماس، كانت الفئة لم تكمل منهاجها الثقافي في الفصيل السياسي الذي تنتمي إليه، حتى لم تنهي المراحل الأولى من ذلك المنهاج، فظهر على أفكارها خلط بين أقصى اليمين الى أقصى اليسار، وقد استغلت تلك الفئة أنباء إنشاء حلف (بغداد) والمظاهرات التي سارت في شوارع بعض المدن العربية، فخرجت للتظاهر بشوارع العتيقة وكان يتقدمها شخص تلقب بالفوهور ومع ذلك كان محسوبا على الخط الأممي، فكان يرتقي (مقرص) ويخطب من فوقه ثم يقفز على طريقة أبطال الكاوبوي، وكان الأطفال من خلفه يهتفون : فلان راكب طيارة .. وعلان راكب حمارة .. فلان يفصم بزر .. وعلان يلقط قشر .. هذه أهم الهتافات التي كان يرددها المتظاهرون ..

استمرت المظاهرات عدة أيام بشكلها الصبياني، ثم قرر (الفوهور) أن ينقل القارمة التي تقول حدود الدولة ووضعها في طرف بين الدولة وحدود العتيقة، وفرض رسوم عبارة عن (100فلس) لكل سيارة تدخل (جمهورية العتيقة الديمقراطية) .. وقد ورد خبر عاجل في الإذاعة البريطانية التي كانت تبث من قبرص عن نشوء تلك الجمهورية التي لو انتبه أهالي العتيقة لأدخلوها في موسوعة (جينيس) كأقصر فترة حكم جمهوري بالتاريخ ..

فقد كان أحد المتطوعين من العشائر المتخاصمة قد انتهى من توصيل تقريره للعاصمة لتتحرك القوات البرية يتقدمها المشاة زاحفة زحف (النمرة و القردة) لمسافة خمس كيلومترات، متوقعة أن تلقى دفاعا صاروخيا من تلك القرية، وقد ورد لمسامعي أن اللواء الذي كان يقود تلك القوات بعد مرور ثلاثين عاما، أنه كان لديه أوامر أن يقصف العتيقة بالمدفعية قبل دخولها، لكن الخطة قد تغيرت بآخر لحظة!

جمع قادة الوحدات العسكرية الذين سيطروا بسرعة على القرية، وجوه العشائر وأمروهم أن يصطفوا بصفين مواجهين لبعضهم، ثم أمروا كل واحد أن يبصق في وجه من يقابله .. ومن يرفض كان يتعرض للضرب ..

أما الشباب (الثُوَار) فقد انهزموا الى قطر عربي مجاور، كلاجئين سياسيين، وكانوا يزيدون عن مائة ، بقي في المهجر، قسم منهم حوالي عشرين عاما، كما قد انهزم معهم من ليس له أي علاقة، عندما رأوا كم هو البطش الذي يحل بمن في سنهم عندما يلقى القبض عليه..

كان من بين الفارين شخص أشقر طويل عيناه واسعتان لكنه يغمض إحداهما نصف إغماضا، وقد اعتبره كل رجال الإعلام والصحافة الذين تجمعوا ليسألوا القادمين عما جرى في الدولة المجاورة، وما هي أخبار (جمهورية العتيقة الديمقراطية). فاختاروا ذلك الطويل الأشقر، حيث لم يعد هناك من يدَعِي بأنه على رأس الثورة، ولم يمانع الواقفون من تنصيب هذا الأشقر ناطقا بلسان الثورة، رغم معرفتهم بأنه أقرب للحمقى منه للعاقلين. وعندما توجه إليه أحد الصحفيين بالسؤال، رد على الفور بأنه في حالة جوع شديد، فجيء بطعام على الفور (له وحده) .. فطلب كوبا من الشاي فأحضروا له كوبا، فطلب لفافة تبغ، والصحفيون ينتظروا ما سيدلي به الناطق بلسان الثورة من تصريح .. ولما انتهت طلباته، وكرروا عليه السؤال أجاب: (طعة وقايمة) يعني أعلن عن عدم فهمه عما جرى .. فخرجت العناوين : وامتنع الناطق بلسان الثورة عن التصريح ..

ابن حوران 17-11-2006 03:12 PM

(22)

في كتابة العقود بين المتعاقدين، يتولى كتابة العقد محامي يظن أنه ملم بالقوانين، أو مأذون في حالات عقد الزواج، ومن أراد التملص من العقد أو التحايل عليه، قد يستعين بمحامي، أو يتفحص نقاط الجزاء في حالة المخالفة حتى يدفعها أو يتفاوض من أجلها لينهي فترة التعاقد ..

في عقود الزواج، التي يعبئها المأذون ويوثقها لدى دوائر عدلية تثبت حالة العقد وتعتبره نافذا، في الغالب يكون العقد مكونا من صفحة والقليل من التفاصيل، بل يشمل المهر المقدم والمؤجل والأثاث و مكانا لتوقيع الشهود، وليس للعقد أهمية إلا شرطيته الشرعية والقانونية..

ولكن لا توجد في عقود الزواج، شروطا تبين نسبة الملح في الطعام ولا ارتفاع صوت المرأة أو الرجل، ولا من سيحلب البقرة، ولا من سيفتح الباب إذا طرقه طارق .. ومئات الألوف من الحركات اليومية التي لا تستطيع مجلدات أن تحويها ..

في العتيقة كانت المرأة لها دور لم تنص عليه المواثيق المكتوبة، ولم يتطرق إليه خطباء الجمعة، ولم يذكره الناس في مجالسهم، لكنه تم انتشار تفاصيله مع الهواء وامتزج بدخان المواقد و(الطوابين) والتصق على جدران الحارات، وحفظه أبناء البلدة كما تحفظ صغار (السحالي) طرق المناورات من الأعداء الخارجيين، ولا أظنها أنها ( أي السحالي) قد تخرجت من جامعة أو معهد لكي تتعلم مهاراتها في فن البقاء ..

لم تكن هناك حركة نسائية مناضلة لتوصل النساء الى ما وصلت إليه، ولم تكن تتذمر النساء من وضعها، كما لم يكن الرجال يحتاجون لقطع يكتبونها على صدورهم تقول (هنا رجل) ولا النساء تحتاج الى مثل تلك القطع..

عندما كانت حاجات الإنسان معروفة ولكل سلعة وظيفة وضرورة، كان الناس يتعاملون مع تلك السلع في محلاتهم التجارية وفق تلك الضرورة والوظيفة، فالتجار كونهم من الناس، كانوا يحضرون ما يلزم للناس و يتلاءم مع إمكانياتهم، دون أن توزع غرف التجارة و روابط رجال الأعمال قوائم بتلك الحاجات، لكن لما غزت السلع الأسواق و فرضت على المشترين التعامل مع تلك السلع (كمحور محرك لحركة الاقتصاد)، كيَف الناس أوضاعهم وفق تلك السلع، فارتبكت اعتيادية وانسيابية حياتهم، فظهرت التشوهات الاقتصادية والاجتماعية حتى تشوهت معه حالة ثبات وثبات نمو وتطور المجتمع.

لم تكن المرأة تضع في فهارسها طلبات لم يكن لها ضرورة ووظيفة حياتية تتعلق بدور المرأة التي لم تكن عنصرا إضافيا، بل كانت عنصرا أساسيا ليس مكملا لدور الرجل، بل ملتحما في دوره التحام وجهي ورقة النقد، تفقد الورقة النقدية دورها إذا تلف أحد وجهيها أو تشوه .. وكان الإقرار من كل المجتمع بهذه العلاقة الصميمية والعضوية ..

لم يكن يعتدي الرجل على دور المرأة، فعندما يتم سؤاله من قبل أبناءه عن شيء هو من اختصاص والدتهم، سيحيله فورا لها، كما كانت المرأة تحيل ما يناط بالرجل للرجل، تماما كما هي الحالة في دور لاعب الدفاع في كرة القدم، ودور حارس المرمى، فإن أمسك لاعب الدفاع الكرة بيده فإنها مخالفة قد تعرض الفريق لضربة جزاء ..

كانت المرأة معنية بتربية كل ما هو داخل أسوار الدار، ابتداء من صغار الطيور الى الأبقار و الإبل و حتى رجل البيت، فهي تعني برعاية كل هؤلاء وتغذيتهم وجعلهم يظهرون للآخرين بأبهى صورهم، ليعود الفخر والمجد منسوبا لها في النهاية، وكان الرجل كالمقاول الذي يزود (معلم البناء) بمواد البناء، وما يتبقى يعود للأخير ..

وفوق ذلك كانت تذهب للحقول لتزود البيت بمواد الطعام من (خبيزة وعكوب وبعض ما تخرجه البراري) لتقدمه كوجبات لمن في البيت، وكانت تحضر معها أعواد (المكانس) وأعواد الحطب .. وعليها أن تقتصد في موجودات البيت من مؤن، حتى يمضي العام على خير، لا بل وتحتاط تحسبا لقدوم عام من القحط لا غلال فيه .. وكانت ترثي ما يتمزق من الملابس .. وفي أوقات فراغها ونزهتها تقوم بغزل وحياكة الصوف، لتعمل منه رداءا جميلا يلتصق بجسم طفل أو رجل ليترك بصمات روح الأسرة لأطول فترة ممكنة، أو تقوم بتلوين عيدان القش من القمح لتعمل منه أداة منزلية يحفظ بها الخبز أو تحمل بها الحبوب ..

وكانت توفر على الاقتصاد الوطني ما تتحمله الآن الدول من استيراد (حليب أطفال مجفف) .. لترضع أبنائها كل عوامل القوة والتلاحم الوراثي بين الأجيال.

هكذا كانت المرأة، قبل أن يلقى عليها قوائم من طلبات أو غايات، تعرف قسما منها وقسم آخر لا تعرفه .. لتدخل في صراع مع نفسها و مع الرجل، وتدخل الأمة في صراع من أجل البحث عن مسارات لا تمت لواقعنا بصلة ..

ابن حوران 05-12-2006 06:55 PM

( 23 )

لو راقب أحدنا نفسه أثناء عمليات الاقتراع (التصويت)، لأدهشه سلوك غريب، قد يتشابه عند كل الناس، فهو إن كان مرشحا في تلك الانتخابات التي يجري لها التصويت فإنه سيضع اسمه أول اسم، حتى وإن كان له حلفاء في نفس القائمة والذين سيدرجهم بعد كتابة اسمه، وإن لم يكن هو المرشح، وكان له قريب أو صديق فإنه سيضع اسمه في رأس القائمة، ثم يكتب أسماء المرشحين الذين ألزم نفسه بهم أدبيا !

يتساءل البعض: لماذا هذا السلوك العفوي؟ هل يخشى صاحب هذا السلوك أن يأتي زلزالا يمنعه من كتابة اسمه بالأول، أو أن أوامر مفاجئة تأتي من قوة ملزمة بالتوقف عن الكتابة .. ولو أخضعت هذه الأسئلة للمنطق، لما وجد لها مبرر إطلاقا، فما فائدة كتابة اسم المرشح إن أتى زلزال أو قمعت العملية الانتخابية ؟

إن تلك المسألة تتعلق باعتبار الفرد ولحظات حياته كمحور لعملية التاريخ، ففلان أكبر مني بخمسة سنوات باعتباري نقطة للمقارنة واشتريت ذلك القميص عندما ذهبت للمدينة الفلانية، باعتبار حركتي هي نقطة مقارنة الأحداث ..

عند الجماعات المغلقة أو شبه المغلقة يكون التاريخ، يرتبط بحدث يتذكره الجميع، فعندما يذكر تاريخ زواج أحد أفراد مجموعة، سواء كانت عشيرة أو قرية، فإنهم يختارون حدثا حادا للمقارنة معه، فيقولون تزوج بعد أن قتل فلان، خصوصا إن كان مقتل فلان قد طبع بصمة قوية في ذاكرة المجموعة ..

في قديم الزمان كان عرب الجنوب (اليمن) يؤرخون بأحداث وطنية معينة، كأن يقولوا بعد هدم سد مأرب بمائة وخمسين عاما، وأصبح عرب مكة ومن يحيط بها يؤرخون بعام الفيل .. وهكذا حتى استقر التأريخ الهجري، واستعمل معه التاريخ الميلادي ..

بعض الموظفين في أيامنا يضعون على مكاتبهم مفكرة مكتبية يكتبون عليها ملاحظات ثم يقلبونها لليوم الذي يلي اليوم الذي كتبوا عليها الملاحظات، ولا أدري على وجه التحديد كيف سيستفيدون من الملاحظات التي كتبوها على الأوراق السابقة .. لكنها أصبحت تقليد عند معظم الموظفين ..

كان الحاج فالح يواظب على كتابة معلومات معينة على (مفكرة جيب)، وقد استمر على تلك العادة لمدة سبع وسبعين عاما متواصلة، وكانت آخر عشرين مفكرة جيب كتبت بخط مهزوز نتيجة الرجفة التي أصابته بعد تعرضه لجلطة بعمر الثمانين ..

وكان يتمتع بتلك الميزة، عندما يأتي إليه طرفان قد تراهنا على مسألة ما، متى كان يوم ولادة فلان أو زفافه ومتى توفي فلان، فكان يبتسم وأحيانا يضحك حتى تنزل بعض الدمعات من عينيه لتضيع بين شعرات لحيته البيضاء، ومن يدري لما كان يضحك، هل لأنه يريد التباهي بخصلته النادرة، أم لتندره بتعذيب السائلين لبعض الوقت، وهو يسأل هذا: وأنت ماذا تقول ؟ ثم يعود للطرف الآخر ليسأله عن رأيه، وبعد جهد يأمر أحد أبناءه أن يأتي بسلم ويصعد الى (طاقة) في أعلى جدار (المضافة) ليحضر له عشرة مفكرات، حصر فيها وقت الحادثة التي سئل عنها .. ويأخذ بالقراءة بصوت مسموع، أمام مجموعة تستمع إليه، ولا يذهب الى ما سئل عنه فورا، بل يسمعهم تواريخ وفيات لأشخاص مهمين، أو لتواريخ معينة.. فتسمع من حوله تنهدات وعبارات ( يا الله) أو (الله يرحمه).

كان الحاج فالح يهتم بتاريخ الوفاة وعقد القران والأمانات التي تودع عند معارفه، وأحوال الطقس، وأسعار اللحم والتبن والقمح وبقية الحبوب، وتتبع أخبار المسافرين، حيث سافر أخي محمد الى حمص ويبقى لا يزال أخي محمد بحمص، ذهبت لتفقد الزرع الشرقي، كان طول الزرع أربعة أصابع، ثم يتابع في اليوم الذي يليه (رهام خفيف) أي مطر قليل .. وينتقل لليوم الذي يليه، لا زال أخي محمد بحمص، طقس بارد جدا( حورة .. أي صقيع) .. وينتقل الى اليوم الذي يليه سعر كيلو لحم الخروف عشرين قرشا ولحم الجمل 18 قرشا، سعر حمل تبن العدس 60 قرشا ( الحمل حوالي 150كغم) .. حضر أخي محمد من حمص وقد اشترى بغلا ..

ثم ينتقل، ليوم آخر ( صلينا على جنازة محمود الأشقر) .. ويتابع .. رفس البغل الذي أحضره أخي محمد، رفس ابراهيم وشج رأسه .. وبعدها بعدة أيام تجده يكتب: ذهب أخي محمد الى فلسطين لبيع البغل .. وتتكرر الأمور اليومية، عن الطقس والزرع والوفيات .. مع تأكيد كل يوم أن (أخي محمد لا يزال بفلسطين) .. حتى يصل الى عاد أخي من فلسطين ومعه البغل ..

كان الحاج فالح يتعامل مع المفكرة كما يتعامل ناس اليوم مع الشيكات، فلا شطب ولا مسح ولا غيره .. وقد اطلعت على قضية طريفة حيث كان قد سجل في مفكرته ( توفي اليوم سعيد الحامد) .. وقد سجَل الحاج فالح وفاته بناء على خبر سمعه من آخرين .. ولكن سعيد الحامد عندما حفروا له قبره، وغسلوه ونقلوه الى المقبرة استفاق فجأة وعاد الى الحياة .. والغريب أن الحاج فالح الذي كان يكره الذهاب للمآتم، لم يعلم بحالة استفاقة سعيد الحامد، وقد صدف ووجد الحاج فالح ذلك الميت الذي بُعِثَ مبكرا عند محل لبيع اللحم (قصاب) .. فسأله الحاج فالح: الست سعيد الحامد؟ فأجاب سعيد (بدلال) : آه والله يا حاج. فسأله الحاج فالح : ألم تمت قبل شهور؟ فأجابه : بلى والله .. وتوقع سعيد أن يأخذه الحاج فالح بالأحضان .. ولكن الحاج فالح بادره : (تضرب في شكلك) أهي لعبة أولاد صغار؟ والله لن أشطبك ..

ابن حوران 06-12-2006 03:15 PM

تطور مفهوم العقل بعد الإسلام عند العرب :

لا يمكن أن نتوسع بموضوع (الهرمسية) أكثر مما ذكرنا في هذا المقام، الذي نزعم أنه قراءة متواضعة لما كتب في موضوع (العقل العربي) .. ولكننا أحببنا أن نمر عليه لإلقاء النظر على بداية تكوين الموروث العربي الإسلامي، الذي تأثر في بداية عصر التدوين وما بعده فيما أسماه (علم الأولين) ، وقد مررنا من خلال إشارات بسيطة عن التفاعل الذي استطاع به المفكرون العرب والمسلمين مع ما سبقهم من مفكرين يونانيين وهنود وغيرهم، من خلال الإرث الذي وصل من مكتبة الإسكندرية و (أفاميا) وغيرها ممن صنعوا أسس الفلسفة والمنطق قبل الإسلام ..

وإن المشككين في أن مكونات العقل العربي، والذين يشيرون الى أن العرب كانوا قد استوردوا مكونات علومهم الطبيعية والفلسفية من الخارج، مستندين في اتهامهم الى ذلك الحجم الكبير من المواد وأصناف العلوم التي تم نقلها من علوم الأولين .. أي الذين سبقوا الإسلام الذي أطلق طاقات المبدعين من الراغبين بتنشيط قدراتهم في تلك المجالات، سواء كانوا من أصل عربي أو من أصول غير عربية اعتنقوا الإسلام، أو حتى الرعايا غير الإسلامية التي كانت تقيم في كنف الدولة الإسلامية.

ولا يسعنا إلا أن نذكر حجة الذين يشككون في وجود عقل عربي إسلامي مستقل له خصوصياته، إذ يشيرون الى أن من يتفحص ما تناقلته النخب على مر السنين منذ عهد التدوين والدراسات التي خصصت لبحث ما أنتجته الأمم، سيجد (في وجهة نظر المشككين)، أن التأثر بتلك الدراسات والأفكار قد حُِبس في نطاق تلك النخب فتوارثت النخب إعجابها بنمطية تفكيرية، كما توارثت عداوة غيرها. في حين كانت الأغلبية الشعبية التي تواصلت منذ الأزل نقاط احتكامها لتسيير أمور حياتها بالمشافهة وبلغة أو (لهجات) تختلف عن تلك التي تناقلتها النخب الفكرية، وكانت نسبة تأثر الجماهير العريضة بنشاط النخب آني، ثم يزول وتبقى آثار المشافهة متواصلة (في المغرب العربي و المشرق ووادي النيل) .. حيث تحتضن اللهجات المحلية الأمثال والقيم والأغنية وأسماء الأشياء و صفاتها وقيمتها المعنوية وغيره .

لو أردنا التكلم بعدالة لقبلنا التسليم بهذا الرأي ـ ولو الى حد ما ـ فما نراه اليوم من خلافات بين النخب العراقية (على سبيل المثال) لوجدنا أن انبعاث نقاط الخلاف القديمة، قد أعيد ترميمها وتكييفها مع الواقع، دون أن تنجر فئات الشعب بكاملها التي تجاورت وتناسبت وتشاركت مع أبناء الطائفة أو القومية الأخرى دون حساب أو توقف عند نقاط اختلاف النخب.

وقد أشار ابن خلدون في صناعته لعلم (فلسفة التاريخ) لشكل التفاعلات الفكرية التي حدثت بين المسلمين ومن سبقهم. كما أن الشهرستاني بكتابه (الملل والنحل) قد ذكر ذلك بعين فاحصة عارفة لما نقله العرب والمسلمون عن اليونانيين والذي أسماهم الشهرستاني (أساطين الحكمة القدماء السبعة) ، كما أشار الى المتأخرين وهم (المشاؤون والرواقيون) أصحاب الرواق وأصحاب أرسطو طاليس، وقد ربط الشهرستاني كل ذلك بالهرمسية .

أما ابن خلدون فقد تتبع أثر القدماء وبالذات أولئك الذين أغاظهم ظهور الإسلام وبروز نجم مكة والمدينة المنورة .. فقد حاول هؤلاء المغتاظون من دس حجم ليس بقليل من الإسرائيليات والفارسيات (المفاهيم اليهودية والفارسية)، ليتبناها في النهاية مؤرخون عرب وإسلاميون وتبقى تزاحم أفكار المفكرين والمثقفين الى اليوم ..

وعند حالات تردي الإنتاج الفكري التي امتدت عدة قرون، ذهب الطلاب العرب الى أوروبا والغرب ليدرسوا تاريخ أمتهم على أيدي مستشرقين طوعوا ما سرقوه أو آل إليهم من مخطوطات ليخضعوه لفلسفتهم ورؤاهم الخاصة التي تناغمت مع عهد الحداثة الغربية وما رافقها من توثب إمبريالي، فغدت نخبنا الفكرية العربية (ممولة العقل العربي) تحتاط على تراث متشظي واجتهادات لم تجد طريقها الى العقل الجماعي الذي احتفظ بشعبيته الممتدة منذ آلاف السنين. وقد يكون هذا ما يفسر الصدود الجماهيري للالتفاف حول نخب تأتي وتذهب دون أن يأسف عليها الناس.

ابن حوران 29-12-2006 04:56 AM

الهوية العربية تلازم العقل العربي حتى داخل الهوية الإسلامية

( 1 )


لم ينصهر العرب خلال فتوحاتهم بالشعوب التي دخلوا إلى أقطارها، بل كونوا ثقافة ووضعوا أسسا لحضارة، وسلوكهم ذلك يعتبر من الظواهر الفريدة في التاريخ، حيث تنصهر الشعوب القادمة الى أقطار بواقع السكان الأصليين. وكان شعارهم الإسلام أولا ثم العربية ثانيا، ومن هنا جاء قوام النظام المعرفي (البياني) .. الفقه و اللغة ..

وقد لوحظ أن الحركة الثقافية والحضارية انطلقت مع انطلاق الدعوة للدين الجديد من مجتمع مدني ـ عكس ما يعتقد الكثيرون ـ فقد كان في مكة مجتمع يقسم الأدوار فيه كما هي في الدول الراقية وكانت حركة التجار في مكة والمدينة المنورة ـ فيما بعد ـ تسمح لهم بالاحتكاك بمجتمعات ذات طابع مدني، ومنذ الانطلاقة الأولى للإسلام فقد حض على العلم والتعلم واستنكر الأسلوب البدوي (الأعراب) وربط بين العلم والتعلم والدين ..

وقد نشطت الحركة الثقافية العربية الإسلامية مع الفتوحات مباشرة، فبعد أن كانت المدينة المنورة، تم تنشيط مراكز الكوفة والبصرة ثم الفسطاط والقيروان وأوكلت مهمة الريادة فيها لعرب معروفين بقدرتهم القيادية وإيمانهم الشديد بالدين الجديد. في حين لم يكن الاهتمام بالمراكز الثقافية القديمة: (حران، أفاميا، الإسكندرية ، أنطاكيا، جنديسابور) إلا متأخرا في القرن الثالث الهجري، بعد أن اعتقد العرب أنه لا خوف عليهم من الإطلاع على ثقافات غيرهم بعد أن أسسوا لنفسهم شخصية عربية إسلامية.

وقد انتبه الخليفة عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، والذي كان يشغل قبل الإسلام منصب السفارة المحصور بآل نوفل قبل الإسلام، لظاهرة صيانة عروبة الشخصية الإسلامية في بداية الفتوحات فأرسل الى الأمصار رجالا قادرين على تعليم الآخرين أصول الدعوة، مثل ابن مسعود (الكوفة) وأبو الدرداء (الشام) وأبو موسى الأشعري (البصرة) وهؤلاء الذين علموا الناس كيفية قراءة القرآن وكيفية فهم ما يقرءون، فتكونت حولهم حلقات من القراء و توحدت النظرة في الفهم لهذا الدين الجديد الذي بشر بالعدالة والتحرر.

ثم ظهر التابعون بعد الموجة الأولى من الرواد الأوائل الذين توزعوا بالأمصار، وأدى التباين في الظروف المحلية لكل منطقة وما ورثه سكانها الأصليون من ماضيهم، فكانت النشاطات تختلف بالكيفية التي يتعامل بها المبشرون في الدين (في المرحلة الأولى)، ثم حراسة الإنجاز وعدم انحرافه، وكان هذا يتطلب الى العودة الى النموذج الأساسي التي بُنيت عليه الدعوة الجديدة، وكان الأساس لغوي بالدرجة الأولى ومن ثم فقهي يتعامل مع النصوص الأساسية من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة.

وعندما تطورت فكرة جمع الأحاديث وفرزها كان على الجامعين أن يكونوا محترفين لغويا، فتشعب النشاط الثقافي والفكري الى محورين أساسيين الفقه واللغة .. فكانت مساحة توكيد الهوية اللغوية ( العربية) تلازم وتحاذي أي نشاط، فظهر معها التفاخر و ذكر الأنساب (قحطان عدنان ربيعة بكر تغلب أزد الخ) وبقيت ملازمة كل نشاط ومتدخلة فيه الى بداية العصر العثماني.

لقد توحدت اللغة العربية بلهجاتها ( حتى الفصحى منها) في بلاد الفتوحات، وساعدها بل أسس لها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، فغدت لغة التخاطب لغة موثقة بشكل أسس له وفق علوم القواعد واللغة والبلاغة و العروض، حتى توحدت معه الشخصية العربية على مر التاريخ وفق جدر و قنوات لا يمكن الخروج منها، حتى من قبل الأقوام التي انصهرت مع العرب (حملة الرسالة)، رغم ما جاء لتلك الأقوام من فرص كثيرة للتخلص من السلطة السياسية العربية ولكن ذلك ثبت عند الشعوب التي كان لديها استعداد للتلاقح الروحي مع العرب، لعلاقات قربى قديمة سبقت الإسلام بآلاف السنين، كما في مثال شعوب شمال إفريقيا والتي لم يدم فيها حكم العرب سوى قرون قليلة، فبقيت تفكر و(تعقل ) الأمور بنفس الأدوات التي يفكر فيها أبناء العرب الأقحاح و (يعقلون) بها. في حين لم يدم هذا الوضع في مناطق تفتقد الاستعداد للتلاقح الروحي، كما حدث عند شعوب اسبانيا رغم طول المدة التي حكم العرب بها تلك الشعوب.

لقد تدخلت الدولة العربية بعد أن استقر وضع شخصيتها في توجيه ومركزية تكوين الشخصية المتعلمة، وكان ذلك بشكل واضح في القرن الرابع الهجري، عندما تأسست المدارس و الكليات لتوزع علما موحدا يحمل نفس عناصر الشخصية أينما وجد، فكان الأزهر في عهد الفاطميين وكانت المدارس النظامية (نسبة لنظام الملك) .. و القرويين في المغرب.. وكانت حرية التنقل بين طالبي العلم والأساتذة بغض النظر عن طبيعة الحكم السياسي ودرجة العداء بين دولتي الحركة لهؤلاء ..

هذا التحرك الأفقي الذي كان يتم بين الأمصار فتجد عراقي يذهب ويقيم في الهند و مغربي يذهب ويقيم في الشام، ويذهب كلاهما إذا كان أستاذا فتسبقه شهرته (الاستعداد لتقبله) ويتبوأ مكانة علمية واضحة في مكانه الجديد.. أما التحرك العمودي والذي كان ينتقل عبر الزمن فتجد أنصار ومؤيدي وجهة نظر معينة يتنقلون عبر التاريخ الى عصرنا الحاضر، فمن يعتبر الخلاف السياسي الذي جرى بين علي ابن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان رضوان الله عليهما هو محرك لشكل تاريخ الأمة الإسلامية، فإنه يلحظ بسهولة مدى النظرة (الشعوبية) والعرقية.. فاهتمام الفرس ( المسلمين) ليس منبعه الحرص الديني، فلو كان كذلك لما أقيم لقاتل عمر بن الخطاب رضوان الله عليه وهو الخليفة العادل الذي شهد بعدله الفرس، مقاما ومزارا و ميدانا في طهران باسمه (أبو لؤلؤة المجوسي) .. ولما خلت كل إيران من اسم خالد وعمر وهما اللذان توفيا قبل فتنة علي ومعاوية وقبل مقتل الحسين .. لكن المسألة لها علاقة بزوال إمبراطورية (فارس) على يدي هذين القائدين !

ابن حوران 08-01-2007 05:05 PM

قضية الأحواز
 
قضية الأحواز

منيت الأمة العربية بنتائج مضاعفة ترتبت على الحرب العالمية الأولى، وقد كانت امتدادا لما سبقها من محاولات طمس هويتها وتفتيت وحدتها المعنوية، من خلال تغيير اللغة أولا، فمن محاولات ( التتريك) في المشرق الى محاولات (الفرنسة) في المغرب، الى اعتبار أجزاء هامة من الوطن العربي، سلع يجري التفاوض عليها في المساومات بين الدول .. فهذا وعد ( بلفور) يمنح فلسطين لليهود، وهذا لواء الإسكندرونة يمنح للأتراك من قبل الفرنسيين، وهذه الأحواز تمنح للفرس من الإنجليز ..

الأحواز .. تاريخ و جغرافية ..

سكن العرب منطقة الأحواز في فترات بعيدة سبقت ظهور الإسلام، فكان أول من سكنها من العرب هم (آل كثير) و (بني مرة) و ( بني العمر) .. وكانت أراض خصبة، قسموها فيما بينهم الى (حوزات) فكل قبيلة أخذت حوزة فأطلقوا على المنطقة اسم ( الأحواز) .. وفي العهد الصفوي أطلق الصفويون عليها اسم (عربستان) ويعني ( أرض العرب) باللغة الفارسية، وهو اعتراف صريح بعروبة المنطقة .. ثم أطلقوا عليها اسم (خوزستان)، أي أرض القلاع، حيث بنا العرب المسلمون بعد معركة القادسية قلاعا كثيرة فيها ..

وتقع الأحواز في الجنوب الغربي من إيران و الجنوب الشرقي من العراق، وهي محصورة بين خطي العرض 30 و33 شمالا وبين خطي العرض 48و 51 شرقا
وهي امتداد طبيعي لسهول العراق. وتبلغ مساحتها 185ألف كم2، اقتطع الفرس منها 11ألف كم2 وضموها الى فارس، و10آلاف كم2 ضموها الى أصفهان، و4.4آلاف كم2 تم ضمها الى محافظة (لورستان) .. لتبقى مساحة (الأحواز) 159.600كم2.

يحاول الفرس التستر على أعداد نفوس الأحواز من العرب، رغم محاولاتهم الكثيرة في تشتيت السكان الأصليين، فبالرغم من أن السكان في الإقليم تبلغ نسبتهم 99% من العرب. فقد بين الفرس في تعداد سكان إيران عام 1962 أن سكان (الأحواز) بلغ (4.7) مليون نسمة، وأن نسبة العرب منهم (حسب إحصاء الفرس) كانت 70%، ولو سلمنا بإحصائية الفرس، لا بتقديرات الأمم المتحدة في حينه، ووضعنا نسبة زيادة في السكان تبلغ 3%، بالرغم من أنها تزيد على ذلك بحوالي 0.6 في إيران .. فنحن نتحدث عن عرب تعدادهم داخل إيران يقدر ب 12.5 مليون نسمة عام 2007.

ويشير (جورج كيرزن) في كتابه ( فارس والمسألة الفارسية) المنشور في عام 1892م (( أن سكان الأحواز هم من العرب الخلص.. وخاصة بعد التحرير العربي في عام 641م، فقد تتابعت الهجرات العربية من غربي وشرقي نهر دجلة والخليج العربي)) .. وفي قائمة أعدها القنصل البريطاني في البصرة (روبرتسون) في ثمانينات القرن التاسع عشر أن القبائل العربية في الأحواز حافظت على عروبتها، وأشهرها قبيلة (كعب) و (البو غبيش) و (العساكرة) و (الخنافرة) و (الباوية) و (البوناصر) و (الكثير) و (بيت الحجي) و (بنو رشيد) و (بنو صالح) و (بنو طرف) و (الحمودي) و (الحميد) و (الشرافة) و (شرفا) و (السواري) و (السودان) و (سليمان) و (المنتفك) و (بني لام) .

وبينما كان بنو كعب يسودون ضفاف نهر القارون، كانت قبائل بني طرف تسود أقصى الغرب، إذ استقرت في الخفاجية والحويزة على حدود محافظة ميسان العراقية، وبنو طرف بطن من بطون (طي)، جاءوا الى الأحواز وتوطنوا بجوار ( بني سالة) إحدى قبائل المنطقة، ثم انتقلوا الى (الخفاجية) وكانت لهم صلات متينة مع أهل (العمارة) . وبنو طرف ينقسمون الى قسمين رئيسيين : بيت (سعيد) و بيت (صياح) ..

وسكن مدينة الأحواز عشائر (سوارى) و (بني سالة) و (كنانة) و (الخزرج) و (الصرخة) و (بنو مالك) و (بنو أسد) و عشائر بيت (سيد عرب) . أما مدينة (الدورق) وهي ثاني مدينة من حيث الأهمية، فيسكنها (بنو كعب) التي تتفرع قبيلتهم الى أربعة فروع : ( العسكر والدريس) و (البوغبيش و النصار) و (الخنافرة) و ( مجدم) . كما تسكنها عشائر (الجلاف) و (بنو سكين) و (الأمارة) و (الشريفات) ..

أما سكان (المحمرة) وهي المدينة التي شيدها العرب على أنقاض مدينة (خاراكس) السومرية القديمة، وسميت بالمحمرة لأن طينها الغريني محمر. فسكنها هي ومدينة (عبادان) عشائر (البغلانية) و (بيت بخاخ) و (المحيسن) و (البو دبيس) و (الخزرج) و (تميم) و (بني لام) .

وهناك عشائر أخرى مثل ( السواعد) و (الساجية) و (الحيادر) و (أهل الجرف) و (المزارعة) و (بنو نعامة) و ( نيس) و ( القاطع) و مواطن هذه العشائر (الحويزة) . أما عشائر ( الشواكر و الحردان و الجامع و الهواشم و معاونة و ومرونة و البو رواية) فتقطن الأحواز، وفي المحمرة عشائر أخرى منها (العتوب) و ( المعدان) .

وتنتشر عشائر (المقاطيف) و (بيت بلال ) و (الخميسي) في مدينتي (رامز) و (الفلاحية) .. أما عشيرة (السادات ) فتستقر في مدن (دسبول) و (تستر) و (عقيلي) ..

يتبع

المرجع :
قضايا عربية معاصرة/د ابراهيم خليل وآخرون/ جامعة الموصل/1988

ابن حوران 24-01-2007 03:19 PM

( 24 )

وضع العالم الروسي (بافلوف ) نظريته بالاستجابة الشرطية، حيث اكتشف من خلال تجاربه على الكلاب أنه إذا أحضر قطعة لحم للكلب ولوَح بها فإن لعاب الكلب يسيل، قبل أن يحصل على القطعة. وعندما أضاف بافلوف رنين جرس قبل إحضار قطعة اللحم، وكرر ذلك الترتيب، أصبح لعاب الكلب يسيل عندما يسمع صوت رنين الجرس، ثم أضاف لونا أحمر قبل رن الجرس فصار لعاب الكلب يسيل قبل رنين الجرس وقبل إحضار اللحم، كون تلك الخطوات المتتابعة توصل في النهاية لقطعة اللحم.

استفاد مربو النحل من تلك الأبحاث فوجدوا أن لكل خلية رائحة خاصة، فيكتشف أفراد خلية النحل الدخيل على الخلية من خلال الرائحة. فعندما يريد مربي النحل تغيير ملكة كسلانة وغير منتجة فإنه يلجأ لتطبيق تلك النظرية بتعفير الخلية بالطحين وسحب الملكة المجبرة على الاستقالة ودس ملكة جديدة منتجة، ويغلق باب الخلية ومنافذها بالأعشاب، فما أن ينتهي أفراد الخلية بقرض الأعشاب حتى يتعودوا على الرائحة الجديدة للملكة المعينة الجديدة.

عند زيارة أحدنا لبيت غير بيته، فإنه سينجذب لرائحة البيت الذي يزوره، إن كان يكن لصاحبه ودا، وسيحب رائحته، وإن كان لا يكن ودا لصاحب البيت فإن الروائح المنبعثة من البيت ستكون منفرة للزائر ويحس بسوئها ..

من أراد الكلام عن الصور يمكن أن يستخدم صورا من (كاميرا) ويرفقها لما يكتبه ومن أراد الحديث عن أصوات مقرئين أو مطربين يستطيع إرفاق تسجيل بما يتحدث عنه .. في حالة الروائح يجد من يريد الكلام عنها صعوبة بالغة لأن التقنيات الحديثة لم تتوصل بعد الى مثل ذلك الاختراع .. لكن اعتماد بعض الروائح المتعارف عليها عند كل الناس سيقرب الوصف بعض الشيء.


في صناعة النسيج، يكون هناك (نول) تستند إليه الخيوط الملونة لتعطي في النهاية ثوبا من القماش له مواصفاته الخاصة التي تحمل في النهاية اسما، فهذه سجادة وهذه عباءة وهذا قفطان وكل نوع قماش له علامته المسجلة التي يسهل على معظم الناس التعرف عليها ..

في العتيقة الروائح التي تشكل (نول) أو أساس للصبغة العامة المتعلقة بالروائح تستمد خصائصها من الأرض والحيوانات المتعايشة مع السكان. فإن دخلت الى حظيرة تربض بها بقرة والدة حديثا، فإن الرطوبة التي تحيط بالبقرة، تكون مزيجا من إدرار حليب انساب بفعل ضغط جنب البقرة على ضرعها، أو انسكب نتيجة ضعف الرؤية داخل الحظيرة، من يد من تحلب. ويمتزج مع الحليب أنفاس البقرة المجترة لحشائش مضغت على عجل ودُفعت إلى إحدى أوعية كرش البقرة ثم تتم استعادتها بين لحظة ولحظة ببطء لتمضغ ثانية فأثناء سحقها تختلط مع إفرازات بكتيريا الكرش (غير الضارة) لتصعد مع الأنفاس وتلتصق على ثوب (الحلابة) أو على جدران الحظيرة، لتمتزج مع (الأمونيا) المتصاعدة من بول البقرة أو برازها..

فإن فاض من تلك الروائح من داخل الحظيرة، فإنه سيتحد مع دخان ينبعث من مواقد (الخبيز) أو (الطبخ) ..وسيطيب بعطر التبن الذي يدفن في أماكن لتخزينه فإن تم تحريك التبن المرصوص فإنه يطلق عطرا شهيا خصوصا إذا كان التبن حديثا .. كل تلك الروائح وغيرها تتسلل الى الغرف والأزقة و حتى شعيرات الجسم وما يستره من ملابس ..

عندما يطبخ أحد البيوت طعاما ليس اعتياديا، فإن أمره سينفضح بواسطة الرائحة الشاذة على الروائح الاعتيادية، وليس باستطاعة أفراد البيت أن ينكروا ما عملوا فيما لو فاتحهم أحد بذلك. لذا فإن عليهم أن يطعموا كل ما يمكن أن تصل له الرائحة، تجنبا لمعاتبته، فغدت المسافات التي تصلها الرائحة معروفة بالفطرة عند أهل العتيقة، وقد تكون تلك المسافة هي الجار السابع، لذلك يقال أن الدين وصَى بسابع جار ..

في الحقول الروائح لها سمة مختلفة، لكنها لا تتنافر مع روائح القرية، فرائحة (الدحنون) و (النفل) و (الأقحوان) و(المقرة) وحتى ما لم يعرف من أسماء نباتات برية كثيرة تمتزج مع بعض في أواخر الشتاء وينمو(زوالها) وجفافها متناغما مع (أجندة) الروائح السنوية .. وقد تجد في بعض الأحيان أزهارا من (السوسن البري) و(النرجس) ترسل وميضا من الروائح، بين فترة وأخرى، فتكافئ الصابرات والصابرين على المشي أو من يركبون دوابهم وهم منطلقين لشأن يهم حياتهم، فيكونون بمجيئهم ومرواحهم كأنهم في نزهة، وإن لم يكونوا قد صنفوها كذلك ..

الحيوانات المتعايشة مع سكان العتيقة كانت تحمل سمة اعتمادها على الروائح، ولا أحد يستطيع الزعم بأنه يقدر أن يرتب من الذي اكتسب مِن الآخر تلك المهارة.. فما أن يتم فقس بعض صغار (الكتاكيت) أو أفراخ (الحمام) حتى تتجمع القطط، وما أن يضع الناس موائدهم، حتى تطل على مكان تناول الطعام رؤوس الدجاج والقطط والكلاب، رغم تنافرها في سلوكها، إلا أنها تتهادن في تلك اللحظات ..

وإن كان هناك من يركب حمارا أو فحلا من الخيل، ولم يكن ينتبه فقد ينزلق من على رقبة الفحل الى الأرض، إثر توقف مفاجئ للفحل قرب قطعة من روث (أنثى) .. فيشمها بعمق، ويرفع رأسه الى السماء مغمضا إحدى عينيه، ومكشرا عن أسنانه، ويبقى لحظات في هذا الوضع حتى يصل لجهازه العصبي المركزي نتيجة تحليل الفحص، فإن كانت الأنثى في حالة (عِشار) فإنه يمضي غير أسِفا، وإن كانت الأنثى (بِكر) فإنه يعاود الفحص والشم، حتى ينهره من يركبه ..

ابن حوران 31-01-2007 04:02 AM

الأقليات في الوطن العربي
 
الأقليات في الوطن العربي

كان هذا الموضوع ولا يزال من المواضيع التي يتجنب الكثير الحديث فيه، لحساسيته من ناحية ومن عدم رغبة الدول القائمة في الوطن العربي من السماح في الحديث فيه. فغدا من المواضيع المسكوت عنها، حتى عندما يٌراد الحديث فيه تخرج الكلمات متشنجة محتقنة تتصف إما بالتظلم والتشكي وعدم الرضا من طرف من يكتب من تلك الأقليات، أو الاستخفاف وروح العنجهية من كتاب ينافقون السلطات التي تحكمهم ..

وانتبهت الدوائر الإمبريالية الى تلك الحالة، فاعتبرتها من أهم النقاط التي تفتت بها جسم الأمة وتصنع من تلك الأقليات مشاكل أزلية لم تتناولها كثير من إدارات الدول العربية بروح عصرية مستفيدة من حالة التآخي القديمة التي استمرت عشرات القرون أو آلاف السنين ..

ورغم أنه لا يوجد دولة في العالم لا تخلو من نسيج مختلط من أقليات مختلفة، بما فيها الدول التي تلعب على وتر الأقليات من الدول الإمبريالية فالعروق والطوائف موجودة في أمريكا وأوروبا وآسيا وإفريقيا، إلا أن الأقليات في منطقتنا العربية والتي ترافقت مع ترهل وسوء إدارة في كل المجالات، إلا أن الدوائر الإمبريالية تسكت على مظاهر الفساد والترهل طالما أنها تخدم مصالحها، وتثير موضوع الأقليات بالتحديد.

وقد سببت ظاهرة الأقليات التي تم استغلالها خلال القرون السابقة، تشتيتا في جهود التقدم التقني والإداري والسياسي في منطقتنا العربية، كما تسببت في زهق الكثير من الأرواح ولا زالت وهي مرشحة للتزايد في أكثر من بقعة.

وبالرغم من ندرة المراجع واتسام المواضيع المكتوبة بالروح العنجهية فيما لو أخذت عن كتَاب عرب، والروح المتظلمة المتشككة في إمكانية التعايش مع العرب، فإننا سنحاول تسليط الضوء على تلك الظاهرة، بقدر الإمكان بما يتوفر من إمكانيات مرجعية نزيهة، ونمر عليها منذ دولة النبي صلوات الله عليه الى عصرنا الراهن، بشيء من التبسيط والإيجاز المدعوم بوقائع تاريخية..

في سبيل تعريف الأقلية :

تعددت التعريفات الاجتماعية والسياسية للأقلية، معتمدة المدخل الأنثروبولوجي والذي يهتم بمفهوم العرق Race والمجموعات الإثنية Ethnic Groups أي التركيز على التماثلات الثقافية وتاريخ الأعراق الرئيسية والسلالات وهذا المدخل قد ينجم عنه نظريات وتبريرات عنصرية مختلفة *1

أما المدخل الثاني وهو الاجتماعي، ويعالج العلاقات العرقية ووضعية الأقلية تجاه الأغلبية والتعصب والتحيز العنصري وأشكال الصراع وسبل حل المشكلة مثل الدمج والتذويب والتعددية والانفصالية و الديمقراطية التوافقية التي تخصص مقاعد معينة للأقلية ( لبنان، الأردن كمثال) .

الأقليات و العرقية

يشكل مفهوم العرق Race أو السلالة أو العنصر موقعا هاما في تحريك مسائل الأقلية، وفي بعض الأحيان يتطابق العرق مع الأقلية.. والعرق كلمة مطاطة مخاتلة ومضللة في كثير من الأحيان، لأنها مثقلة بالانحياز القيمي (Value Laden) وليست محايدة وثابتة. فقد تعطي المعنى حسب الحقبة التاريخية أو الإطار الثقافي أو الموقف السياسي*2

إن كان العرق يتحدد ببعض العوامل الوراثية، والسوسيولوجية فإنه لا علاقة له بموضوع الذكاء والتعاطي الذهني وتراكم المعرفة والأداء الحضاري، الذي تحدده عوامل أخرى ليست لها علاقة بموضوع العرق. بل تتدافع الحضارة التي تتحكم فيها قوة حضارية بارزة في عينة من الوقت، وتسير كالنهر الذي يرفد بمسيل روافد فرعية تغذي مجراه، أو يتفرع ليصب في فروع تأخذ نصيبها من زخم النهر الأساس.

هكذا كانت الحضارة العربية ورثت مسيل الحضارات التي سبقتها، من حضارات وادي النيل والرافدين والكنعانيين والحيثيين وحضارات جنوب الجزيرة العربية، لتأخذ شخصيتها النهائية في صدر الإسلام، وتعيد إنتاج مفردات ما سبقها من حضارات وفق الأسس الجديدة الإسلامية.

قضية الأقليات في الفكر السياسي الإسلامي

أقر الدين الإسلامي لأول مرة في التاريخ حق الشعوب الخاضعة لسلطانه في الحفاظ على معتقداتها وتقاليدها وطراز حياتها في زمن كان المبدأ السائد هو إكراه الرعايا على دين ملوكهم*3. وقد رأينا ذلك قبل الإسلام في قضية (أصحاب الأخدود) .. كما رأيناها، في محاكم التفتيش عند الأسبان بعدما طردوا العرب من الأندلس، حيث وصلت الضحايا الى الملايين..

وسنحاول في هذه المساهمة البسيطة أن نتوقف عند بعض النقاط التي من شأنها إيجاد قاعدة للتفكير في تلك المسألة التي أصبحت تقض مضاجع المجتمع العربي في أكثر من بقعة في أرجاء الوطن العربي، بعبث خارجي واستعداد داخلي قد يكون مشبوها أحيانا وقد يكون حقيقيا في أحيان أخرى.

المراجع:
*1ـ أزمة الأقليات في الوطن العربي/د حيدر ابراهيم علي/دار الفكر المعاصر/ ط1/ 2002/ ص 16
*2ـ المصدر السابق ص 28.
*3ـ الأقليات والسياسة في الخبرة الإسلامية: من بداية الدولة النبوية وحتى نهاية الدولة العثمانية/ د كمال السعيد حبيب/مكتبة مدبولي/2002/ص17

محمد العاني 31-01-2007 11:41 AM

أخي و أستاذي الفاضل ابن حوران..
بوركت على المجهود الرائع الذي تبذله في مواضيعك.

ربّما عدم الحديث في هذا الموضوع سببه هو صعوبة التحدث بموضوعية بالنسبة للإنسان العربي. فكما تعلم أخي الكريم أن الإنسان العربي عاطفي أكثر من الإنسان الغربي. و بناءاً على ذلك لا يستطيع الإنسان العربي أن يحكم بموضوعية لأنه يتخذ موقفاً عاطفياً من كل شئ.

ابن حوران 04-02-2007 08:15 PM

التأريخ للعقل العربي .. هل هو تضليل .. أم حقيقة لا نحسن التعبير عنها؟

نلاحظ أحيانا بأن هناك مثلا من أبناء الخليج العربي أو بلاد الشام قد غاب عن وطنه عشرة أو عشرين أو ثلاثين سنة وأحيانا أكثر .. عندما يعود لمسقط رأسه فإنه لا يحتاج من يذكره بما سيقوم به، فهو إن كان قبل مغادرته موطنه قد اعتاد بعض أشكال التعامل والسلوك، كأن ينزع حذاءه في باب الغرفة أو يقبل يد من هو في مقام والده .. فإن السنين التي غابها عن بلاده لن تنسيه تلك العادات إطلاقا ..

كما أن مذاق الطعام وطرق تناوله كما كانت في السابق ستجد طريقها لنفس الغائب الحاضر على وجه السرعة .. وقد يكون الذي نتحدث عنه قد تزوج أو عاشر من نساء المهجر .. ولكنه لن يجد صعوبة في التكيف السريع، حتى في شكل النظرة للمرأة، ليس كما كانت عليه عندما غادر موطنه، بل وما طرأ على تلك النظرة والتعامل أثناء غيابه!

فما الذي يحدث؟ هل كان الإنسان الذي نتحدث عنه في رحلة جوية، سواء كانت (أجواءها) العلوم التي تعلمها أو الأيديولوجيات التي اعتنقها أو العادات اليومية التي تعايشها .. فإن كل تلك الأجواء ستزول بمجرد هبوطه على الأرض (واقعه بجذور ماضيه) ..

لقد قابلت ذات يوم أحد أبناء حيفا الذين هاجروا الى الأرجنتين، وكان قد غاب زهاء خمسين عاما، كان هو وزوجته الأرجنتينية يحاولا أن يسألا أحدا عن مسألة ما، وكان يبدو عليهما ذلك، فهيأت نفسي لتمثيل دور الذي يقبل أن تنهال عليه وجبة من الأسئلة، وحدث ما أردت .. فعلمت ما علمت عن الرجل وأخبرني بطبيعة عمله، بلهجة عربية صعبة الفهم، فهو لم يمرنها منذ وقت طويل، فامرأته أرجنتينية .. وعمله غريب نوعا ما، حيث عندما سألته عنه أجاب، حيث كنت أساعده ليعبر عما في نفسه في مناولته بعض الكلمات لإسعافه من الثأثأة، فكان عمله هو (مصادقة الحيوانات!) هكذا ترجمته .. وتلخيص طبيعة عمله هو أنه يقدم الأعلاف للجاموس البري (البافلو) مجانا، لينفرد بأحدها (دون انتباه الآخرين) .. ويذبحه ويبيع لحمه .. إذن لا احتكاك مهني يؤثر على تنمية اللغة كأداة للعقل، وليس هناك مجال لتنمية رصيده السابق من المعرفة ..

ومع ذلك فاجأني من خلال تطفلي لسؤاله عن تلك (البقج) أو (الأكياس) التي كانت مطروحة جانبا .. فقال: إنها ملابس فولكلورية .. حيث أريد إنشاء فرقة دبكة فلسطينية! لقد كان عمره فوق الخمس وسبعين عاما عندما قابلته، ولكن (أس) معرفته وهويته لم تمحه سنون الغربة أو تستطيع حوافر أو قرون الجاموس أن تزيله من ذاكرته أو مخزونه المعرفي (العقل كوعاء) ..

ظاهرة أخرى تسترعي وجوب سؤالنا، عن التضليل والحقيقة في مسألة التأريخ للعقل .. وتلك الظاهرة هي التي تتعلق بعودة الملحدين من شيوعيين ويساريين وغيرهم الى دينهم ومواظبتهم على صلواتهم وقيامهم بمعظم فرائض الدين، هذا خلاف تحول بعضهم الى فلاسفة ودعاة دينيين ( مثل مصطفى محمود) .. إنهم يتعاملون مع إلحادهم وكأنها فترة احتراف رياضي في مجال ما، ثم تلي ذلك الاحتراف حالة اعتزال، لكن الاعتزال يعود الى حالة الإيمان السائدة قبل رحيل هؤلاء لمساحات الإلحاد ..

هناك من يقول أو سيقول: إنها حالة التوبة .. وتتعاظم الرغبة للتوبة كلما تقدم العمر .. حسنا .. لقد أسس هؤلاء التائبون على قاعدة (عقائدية) أقروا بها سابقا ثم تمردوا عليها وعادوا إليها .. إن كان كذلك .. فسنجد أن تلك القاعدة العقائدية تملك سلطات واسعة مستترة، قد ينطق بها أناس (كُلفوا) أو (تطوعوا) ليكون وعاظا .. أو أن تلك السلطة (تسكن) في أي نفس من المجموع العام للمجتمع ..

هنا يبرز سؤال: كم عمر هذه الشخصية المستترة والتي تحتل الكيان الجماعي لشخصية الأمة .. ومن يحصنها من العبث؟ ومن يطور عليها .. وهل تلك الجيوش من الباحثين الذين يقرؤون ويكتبون ويخطبون ليلا ونهارا، هم من يصون تلك الشخصية (العقلية) أم أن وجودهم وعدمه له نفس الأثر؟

إن تعجلنا في الإجابة على السؤال السابق سندخل في حالة من اللبس والارتباك، فإن قلنا إن هؤلاء ليسوا لهم أثر فإننا سنكون ظالمين لهم وللنظرية العلمية التي تستوجب التطور والحتمية. لكن سيدهشنا أكثر أن أكثر الملتزمين بالدين وفرائضه هم من الأميين أو الناس التي لا تقرأ .. وهي حالة وجدناها في صدر الإسلام .. حيث كانت تضحيات من حفظ عشرة آيات في بدء الرسالة أكبر من تضحيات من تعلم الفقه والحديث ونال الشهادات العليا هذه الأيام ..

إن تلك الظاهرة سنجد لها تفسير سنني يرتبط بالمجموع وسلوكهم ومصالحهم، وطرق اتقاءهم الأخطار و تغنيهم ببطولة أبناء مجموعتهم .. تماما كما تكون فنون (أصناف أو تحت أصناف ) الكائنات الحية الأخرى فهناك أصناف كثيرة من الثعالب، كل صنف له طرائقه في الصيد وقوائم أعداء وأمكنة اختباء تختلف عن الصنف الآخر ..

فلذلك نجد أن الدين لا يمنع أن يتضاد أبناء الدين الواحد فيما بينهم ليجدوا مبررات تفلسف عدائهم لأخوانهم في الدين ( إيران ـ العرب) .. سيقول قائل: إنها الفوارق الطائفية .. وعنا سنقول لقد اصطف أبناء الكرد السنة مع الفرس الشيعة وتعاونوا مع الأمريكان أصحاب الدين المختلف ضد أبناء العرب.. أين التضليل وأين الحقيقة في فواصل التأريخ للعقل العربي؟؟

ابن حوران 05-02-2007 01:03 AM

لقد أخجلتني أخي محمد في إطرائك لي

فإن كان لدي من بعض معرفة فالفضل يعود لمنبعكم

ابن حوران 05-02-2007 01:04 AM

اختلاط العروق البشرية :

يصنف علماء الأنثروبولوجي الجنس البشري الى ثلاث عروق أو عناصر رئيسية، هي: القوقازي و المغولي والزنجي .. أو الأبيض والأصفر والأسود*1، وهناك من يقول من العلماء بأن العرق هو مجموعة مُعَرَفَة اجتماعيا (Socially defined) ومميزة فيزيقيا، سواء وجدت تلك الفروق الفيزيقية أم لم توجد. ولكن هذا التصنيف يتحدد بعوامل سياسية على اجتماعية على ثقافية، فالعرق الذي يسمى (الإفرو ـ أمريكي) يتوقف عن أن يكون زنجيا (Negro) حين يغادر الولايات المتحدة.. فهو في جنوب إفريقيا (Colored) وفي نيجيريا ـ رغم تقارب اللون ـ يُعتبر أوروبيا أو أجنبيا.. وفي البرازيل يُدعى (يانكي) .

ويُحدد (كروجمان) في تلك المسألة ثلاثة احتمالات للحوار وهي:

1ـ الإقرار بوجود العرق في المجتمعات البشرية ..
2ـ إنكار وجود العرق في المجتمعات البشرية ..
3ـ وجود الأعراق بين البشر .. ولكن بلا أي أهمية تصنيفية ..

ولو سلمنا بالاحتمال الثالث وأحببنا أن نلتزم بتتبع تقرير (اليونسكو) الذي صدر في شكل بيان عام 1950 سُمي (بيان باريس) .. فإن البيان قد توصل لما يلي:

1 ـ أصل الإنسان واحد وينتسب كل الناس الى مجموعة واحدة هي الإنسان العاقل أو الناطق (Homo Sapiens)، وتناسل الجميع من هذا الأصل ثم تفرقوا وانقسموا الى مجموعات أثرت عليها عوامل بيئية مختلفة، أظهرت الفروقات الفيزيقية التي تميز الناس عن بعض بسهولة.

2ـ التشابه بين أبناء الجنس البشري أكبر من نقاط الاختلاف التي يثيرها البعض لغايات أيديولوجية ..

3ـ والعرق يعني هنا (جماعة من الناس تتميز بتكتلها، وصلاتها القرابية قربى توافق فيما بينها وتجعلها تتوارث عناصر فيزيقية متشابهة، قد تختفي مع الزمن بسبب عوامل جغرافية .. أو عزلة ثقافية قد تثبت وتستمر*2

4ـ ينفي التقرير وجود عرق يتحدد بمنطقة أو دين أو لغة أو وطن أو ثقافة، فليس هناك عرقا إنجليزيا نقيا ولا عربيا نقيا ولا مسلما أو يهودي أو مسيحي أو كردي أو هندي أو حتى أولئك الذين يتواجدون في جزر يُهيئ للبعض أن من فيها يكونون عرقا نقيا .. وذلك نتيجة الهجرات والمصاهرة والحروب وغيرها.. كما أن فكرة الدم النقي غير موجودة فكل أبناء البشرية يلتقون في مجموعات الدم الأربعة المعروفة ..

لقد وجد علماء الأنثروبولوجي أن فكرة العرق لا يمكن تتبعها حتى في أضيق المناطق .. ولا يمكن تتبع نشأة العرق بناء على أي محدد، فاستبدل بعض العلماء مصطلح العرق واستعملوا بدلا منه (مجموعة إثنية Ethnic Group)
وهنا تم الدخول بتعريف للمجموعة الإثنية حيث أخضع التعريف الى أسس اجتماعية تقوم على تماثلات ثقافية بين جماعات أو أعداد من الناس، وهذا لا ينفي أن تكون أحيانا هذه المجموعة الإثنية المعينة ذات خصائص جسمية و جينية (موروثة) .. ولكن التصنيف اعتمد أصلا المسألة الثقافية المشتركة، أي العادات والتقاليد والدين واللغة وهي خصائص موضوعية ومستقلة .

الرق والأقليات :

لم يكن الرق قديما .. بل وجد بعد تطور الحياة والحضارة والزراعة، فكان الأسرى في القدم يأكلهم من يأسرهم لندرة الغذاء، وأحيانا يقتلونهم ولا يأكلوهم، ولكن بعد أن ظهرت الزراعة والقروض والحروب .. كان من يعجز عن تسديد دينه في عينة من الوقت يؤخذ هو وأسرته كرقيق للدائن، وقد نهى الإسلام عن الربا لأنه في أحد نتائجه كان يقود الى الاستعباد في النهاية .. حيث كان من يستلف طنا من القمح مثلا، عليه تسديده مضاعفا في الموسم القادم وإن لم يأت موسم قادم يصبح أربعة أطنان في الموسم الذي يليه وإن لم يأت موسم فيه غلال في المرة الثالثة يصبح ثمانية أضعاف، وبعدها كان يحق للدائن أن يستولي على الرجل وأبناءه وبناته وزوجته أو زوجاته حسب العقد الذي كُتب به العقد، ويبيعهم بأسواق العبيد .. أو يحتفظ بهم وهذا الشكل كان له تشريع واضح عند البابليين ووجدت عشرات المواد في شرائع (حمورابي ) تنظم ذلك *3

وقد انتشر الرق بأشكال مختلفة وأسماء مختلفة بعد الإسلام، فقد أحضر العباسيون من الزنج ليقوموا على سياسة الخيول وكسح السباخ من تحتها، ويقال تم إحضار ما يقارب الثلاثة ملايين من إفريقيا ووضعوا في خدمة السادة، ولكنهم كانوا أحيانا يثورون (ثورة الزنج) في عهد المعتصم .. وما بعده ..

ثم كان هناك المماليك .. الذين كانوا أحيانا يصلوا الى أعلى مصاف السادة فاختلطت الأعراق بين المواطنين في الدولة الإسلامية وانتشرت في بقاع كثيرة من بلادنا، وبقي أثرها الاجتماعي (الإثني ) الى يومنا هذا ..

وكما هي الحال عندما يتزلف ويتقرب الكثير من الرعايا الى سادة القوم في حال انتصارهم، فيفرح من يقال له (مولى ) فلان .. لأن فلان ذائع الصيت .. أو كما يحاول أحدنا أن يقدم نفسه على أنه ابن عم فلان الوزير أو الكاتب أو الحاكم، أو اللاعب أو غيره .. وهو في الحقيقة لن يكون قريبه بدرجة كافية، فقد يرتبط به بالنسب بالجد العاشر! .. فإن الاستنكاف عن معرفة المجرمين أو الخائبين يكون سمة تملص الناس عندما يواجههم الناس بقربهم من فلان سيء الصيت .. فإنه يهز رأسه أنه لا صلة له بذلك الخائب ..

وهكذا تتملص الكثير من المجموعات التي سكنت الوطن العربي وتعايشت مع العرب، بالابتعاد عن انتمائها للعرب المترعين (بخيبتهم ) هذه الأيام .. بل ويجاهر البعض بالسخرية من العرب و شتمهم ليلا ونهارا وأمام المشاهدين بالتلفزيون وعلى صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية وغيرها..


المراجع:

*1ـ مفهوم العرق في كتاب الأنثروبولوجيا : ولستون كروجمان/تحرير (رالف لنتون) / ترجمة عبد الملك الناشف/بيروت 1967/ص 79
*2ـ العنصرية والأعراق / ممدوح حقي / بيروت 1961/ ص 99.. يدرج فيها المؤلف بيان اليونسكو
*3ـ شريعة حمورابي / عباس العبودي/ جامعة الموصل/1990/ص250

xalid 10-02-2007 10:04 AM

الم يخلقنا الله بشرا .. وان ادم -عليه السلام- هو اب للبشرية اذن فان كافة البشر هم اخوة لاب واحد الا اذا اراد-- اخر--ان يكون من اصل اخر -فله ان يختار-ليس لعربي على اعجمى فضل- الا بالتقوى وما يقدمه من خير واحسان لبنى جلدته من بنى البشر ..لماذا تنظر الاكثرية بفوقية الى الاقلية .. ليرفع ابن الاقلية صوته معاتبا واحيانا رافضا؟؟
ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء ..
يا اخى ما انا فحمة ولا انت فرقد

ابن حوران 10-02-2007 04:24 PM

ألستم من اعتبرتم هذه أحسن الأقوال ؟؟

اذا رايت شيئا فلا تعجل بالحديث حتى تقرا ماوراء رؤياك

ابن حوران 11-02-2007 02:14 PM

أهم مدن الأحواز :


يشير الدكتور مصطفى عبد القادر النجار في كتابه الموسوم (التاريخ السياسي لإمارة عربستان العربية 1897ـ1925) أن السكنى الحقيقية في الأحواز تتركز بشدة على جوانب الأنهار والتي تكوَن حولها قرابة (50) مدينة أهمها:

1ـ المحمرة :

وقد شيدها (يوسف بن مرداو) من شيوخ (البو كاسب) سنة 1812م على أنقاض مدينة قديمة كانت قائمة قبل ستة قرون .. حيث ارتبطت بالبصرة ارتباطا اجتماعيا واقتصاديا وثيقا، وقد غير الفرس اسمها الى (خرمشهر) .. وهي ميناء تجاري مهم .. وربطوها بطهران بخط سكك حديد، وتبعد (المحمرة) عن (الأحواز) حوالي 120كم.. وسكانها حوالي نصف مليون.

2ـ الأحواز :

وتسمى أيضا، الناصرية نسبة الى الشيخ ناصر بن محمد أول رئيس لبني كعب على الإقليم. ويطلق الفُرس عليها اسم (الأهواز)، حيث لا يلفظ الفرس حرف (الحاء) .. وتقع المدينة على ضفاف نهر القارون الى الشمال الشرقي من المحمرة ، ويبلغ عدد سكانها أقل من مليون بقليل.. وكانت مركزا لإمارة الأحواز ردحا من الزمن .

3ـ عبادان :

وتقع على شط العرب جنوبي المحمرة بحوالي 18كم في جزيرة (الخضر) وهي الميناء الرئيسي لتصدير نفط (الأحواز) .. وسُميت بهذا الاسم نسبة للقائد العربي الذي أول من رابط فيها (عباد بن الحصين) .. وفيها مصفاة نفط كبيرة وعدد سكانها يساوي عدد سكان المحمرة. واعتبرها الكثير من المؤرخين الإسلاميين مدينة من مدن العراق.

3ـ الحويزة :

وهي من أكثر مدن الأحواز عراقة، وكانت عاصمة للدولة (المشعشعية) التي أُسست عام 1441، وقد تبعت مدينة البصرة لإمارة الحويزة بين عامي 1693 و1700.. وتقع الحويزة شمال غربي المحمرة تجاه محافظة (ميسان) العراقية على نهر (الكرخة) .. وحافظت على هويتها العربية حتى اليوم، رغم أن بعض التجار الإيرانيين قد استوطنوها بعد احتلال الأحواز عام 1925.

4ـ دسبول :

مدينة ذات ماضي تاريخي، فيها قامت مدرسة (جنديسابور) الطبية الشهيرة، وحول الفرس اسمها الى (ديزه فول) .. والى الجنوب الغربي منها توجد أطلال مدينة (السوس) التي يطلق عليها الفرس اسم (الشوش) .. وقد عثر عالم الآثار الفرنسي الشهير (شيل) عام 1902م فيها على (مسلة حمورابي) التي سرقها الفرس .. وتقع مدينة (دسبول) على نهر (الدز) أحد روافد نهر (قارون) .. ولقربها من الحدود العراقية (قرب محافظة ميسان) .. أنشأ بها حلف (السنتو) قاعدة مركزية قوية .. دكها الجيش العراقي في الحرب العراقية الإيرانية، بطريقة أصبحت تُدرس في مختلف الكليات الحربية في العالم كفن حربي سجل باسم الجيش العراقي ..

وهناك العديد من المدن، مثل (الفلاحية) التي سكنها أمراء بني (كعب) قبل بناء (المحمرة) .. وغير الفرس اسمها الى (شادوكان) .. وتقع على نهر (الجراحي) وتشتهر بنخيلها .. وهناك مدينة (تستر) التي يلفظها الفرس (شوشتر) وهي غوطة الأحواز، حيث ذكرها (المقدسي) في كتابه (أحسن التقاسيم) ووصفها بأنها من المناطق الممتعة لمياهها و بساتينها .. وهناك مدينة (الخفاجية) التي بدل الفرس اسمها ليصبح (سوسنكرد) .. وهناك مدن أخرى مثل : الحميدية، والخزعلية، والفيلية، و الدبيس، و قلعة الملا، و معشور، والبسيتين، وقلعة الشيخ، وكوت صالح، والتميمية، وقد غير الفرس اسمائها كلها، فالحميدية مثلا صارت (فرح آباد) و كوت صالح صارت (أنديمشك) و التميمية أصبح اسمها (الهندبان) .. وخور عبد الله أصبح (بندر شاهبور) ..


• التاريخ السياسي للأحواز :

أولا: في العصور القديمة:

شهدت الأحواز التي ارتبط تاريخها بتاريخ العراق أحداث ولادات و اندثار الكثير من الحضارات والإمبراطوريات، ففي حوالي الألف الرابعة قبل الميلاد نزلها (العيلاميون)*1 . وقد اكتشف علماء الآثار (837) لوحا طينيا مكتوبا باللغة الأكدية والحروف المسمارية، ومن بين تلك الألواح ما يبين مركز(عيلام) الإداري والاجتماعي والثقافي والعلمي والعسكري والديني.. وكان العيلاميون يطلقون عليها اسم ( Hal Tamti ) وهال باللغة (العيلامية) تعني: أرض وتامتي: الله .. وتعني بلغتهم أرض الله .. ويقول البروفيسور (Walter Hinz) أستاذ علم الآثار بجامعة (كوتنكن) الألمانية في موسوعة (كمبردج) التاريخية عن عيلام: (بينما كانت عيلام المتاخمة لسهول وادي الرافدين تشهد تطورا حضاريا وحربيا، نجد أن ما وراء عيلام غامض لا يُعرف عنه شيء ولم تردنا أية إشارة فيما يخص فارس، بل كل ما كان وراء هذه الهضبة متوار في ظلام دامس) .

وحين بدأ (سرجون) الأكدي (2371ـ 2316 ق م) يؤسس إمبراطوريته الواسعة، زحف على عيلام وضمها، وقد تمكن من الوصول الى جبال (زاكروس) ويوضح ذلك لوحان أثريان، يسردان تفاصيل حملته على عيلام، وفيهما من المعلومات الثمينة ما يحدد تاريخ عيلام في 2325 ق م عندما كان الملك العيلامي (لوخ إيشان) وهو الملك الثامن من سلالات ملوك عيلام من أسرة (بيلاي)على عرش إيوان (دسبول).

وتؤكد الألواح الطينية أن سرجون هذا كان له ملك واسع تجاوز الخليج العربي إذ تشير تلك الألواح أنه غسل سلاحه في مياه (البحر السفلي) إشارة الى الخليج العربي، حيث كانت تسميته عند شعوب وادي الرافدين، في حين كان البحر المتوسط (البحر العلوي) .

ولكن سيطرة الأكديون لم تدم طويلا على عيلام، فقد تحالفت دول جنوب غرب إيران في عهد الملك (نرام ـ سين 2291ـ2255 ق م) وهو ابن الملك (ريموش) ابن (سرجون) .. وكان الحلف يتكون من (عيلام ) و (زخارا) و (برخشة) .. وانتصر عليهم الملك الأكدي الذي أصبح يلقب ملك الجهات الأربع (شار كبرات أربعيم) باللغة الأكدية ..

وقد استطاع البابليون (دولتهم تأسست 2200ق م) أن يبقوا سيطرتهم على عيلام ، وخصوصا أيام ملكهم الشهير (حمورابي 2094ق م) .

كما قضت الدولة الآشورية التي قامت على أنقاض الدولة البابلية، على عودة انتعاش الدولة العيلامية التي استفادت من فترة ضعف الدولة البابلية، حيث استقلت دولة عيلام، إلا أن استقلالها عاد واضمحل تحت سيطرة الآشوريين.

في عام 606ق م اقتسم الكلدانيون والميديون الدولة الآشورية، وكانت الأحواز من نصيب الكلدانيين ..

ويدلنا التاريخ المكتوب على أن أول غزو فارسي لبلاد الأحواز ظهر الى الوجود، عندما استطاع كورش الفارسي دخول بابل بمساعدة اليهود الذين وعدهم بمكافئتهم بإعادتهم الى فلسطين وإعادة بناء الهيكل .. وقد اتخذ (كورش) مدينة (السوس) العيلامية عاصمة صيفية له. ولم يمكث الفرس (الأخمينيون) في الأحواز أكثر من قرنين، حيث انهزموا أمام (الإسكندر المقدوني) في معركة (أرابيلا) سنة 331 ق م .. وبعد موت الاسكندر أصبحت الأحواز تحت حكم السلوقيين ورثة الاسكندر. . ظهر (الفرثيون) الذين انتزعوا الأحواز من السلوقيين .. ثم ظهر (الساسانيون) الذين قضوا على (الفرثيون) واتخذوا من (المدائن ) عاصمة لهم على الضفة اليسرى من نهر دجلة، وحكم منهم اثنا وعشرون ملكا .. في حكم الضفة اليمنى اثنا وعشرون ملكا عربيا من المناذرة، كانوا على اتفاق معهم، وكانت عاصمتهم (الحيرة) .

من المراجع :

1ـ عربستان الجزء العربي المغتصب/ شفيق الرشيدات/ القاهرة 1967
2ـ تاريخ المشعشعين/جاسم حسن شبر/النجف 1965
3ـ قضايا عربية معاصرة/مجموعة مؤلفين/جامعة الموصل 1988

ابن حوران 13-03-2007 12:55 AM

الأحواز في العصور الإسلامية

تزامن ظهور الإسلام ودعوة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، مع تناحر الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية. ولم يكتف الملك الساساني (يزدجرد بن شهريار) برفض دعوة الرسول الكريم الى الإسلام، بل بدأ يعد للعدوان على العرب المسلمين. وأقد أرسل الخليفة أبو بكر رضوان الله عليه بعض المجاهدين الى العراق بقيادة خالد ابن الوليد.. وما أن آل الحكم الى الخليفة عمر بن الخطاب، فأرسل جيشا بقيادة سعد بن أبي وقاص لمحاربة الفرس. واستطاع الجيش العربي الإسلامي أن يلحق الهزيمة بالجيش الساساني سنة 636م في معركة القادسية.. وقد استمر العرب المسلمون في زحفهم المقدس لتحرير مدن العراق و الأحواز من السيطرة الفارسية.

قام الحاكم الفارسي لمنطقة الأحواز، ويدعى (الهرمزان)، وهو من المقربين للملوك الساسانيين، بتنظيم حركة مضادة لحركة التحرير العربية الإسلامية، إلا أنه لم يستطع أن يوقف التقدم العربي لعدة أسباب منها :

1ـ إصرار العرب المسلمين على تحرير الأحواز، وإيمانهم بضرورة استكمال إنهاء فلول الفرس واحتلال الهضبة الإيرانية من أجل القضاء على تلك الإمبراطورية للأبد.

2ـ انضمام القبائل العربية القاطنة في الأحواز الى جيوش العرب المسلمين، ومساهمتهم في تحرير الأحواز ومن تلك القبائل (بنو حنظلة) .

3ـ أدت انتصارات العرب المتتالية في القادسية وما تبعها من المعارك الى ضعضعة معنويات الفرس وانهيارها. وقد ذكر المؤرخان (أبو محنف) و (الواقدي) أن القائد العربي أبا موسى الأشعري سار الى الأحواز (فلم يزل يفتح رستاقا وراء آخر ونهرا وراء آخر) حتى غلب على جميع أرضها، والى (السوس) و (تستر) و (مناذر) و (رامهرمز) ويقول الدكتور (بشار عواد معروف) في مقاله (تحرير الأحواز في صدر الإسلام) أن هذه المدن كانت محصنة. ومع ذلك فإن أبا موسى الأشعري سار الى (مناذر) وحاصرها واشتد القتال حولها. ثم خلف عليها (الربيع بن زيادة الحارثي) الذي استطاع تحريرها بعد ذلك عنوة وسار هو الى (السوس) فحاصرها مما اضطرها الى الاستسلام سنة 18هـ . كما استسلمت (رامهرمز) للقوات العربية في نفس السنة.

أصر الخليفة عمر بن الخطاب، والذي يحتفظ الفرس لغاية اليوم بكراهيته، على استكمال تحرير الأحواز، وبخاصة مدينة (تستر) التي كانت تعد من أحصن المدن هناك. وقد تجمعت فلول الفرس فيها واحتفروا الخنادق العميقة وتخندقوا بها أمام أسوار المدينة التي لم تصمد طويلا أمام عزم المقاتلين العرب الذين تمكنوا من إحداث ثغرة تمكنوا بعدها من دخول المدينة، وجرت معركة ضارية استشهد فيها الصحابي (مجزأة بن ثور السدوسي) .. وسقطت (تستر) سنة 20هـ. ثم توجه القائد أبو موسى الأشعري وقواده بعد ذلك، وأبرزهم (البراء بن مالك ) أخو (أنس بن مالك) وعمار بن ياسر و (حذيفة بن اليمان العبسي) و(النعمان بن مقرن المزني)، الى السيطرة على جيوب الفرس المتناثرة هنا وهناك من الأحواز حتى استقام أمرها.

لقد كان لتحرير (الأحواز) أهمية كبرى في تخليص الشعوب الإيرانية من الفرس المجوس، حيث تم تخليصهم من عبادة النار بعد أن اقتحمت الجيوش العربية (أصبهان) ثم تقدمت الى الجنوب نحو (فارس) حيث مركز الديانة المجوسية، فحررتها في عهد الخليفة (عثمان بن عفان) رضوان الله عليه، كما حررت جميع أملاك فارس في (خراسان و سجستان) وغيرهما. ويلاحظ أن سكان البصرة هم من عرب الجزيرة والأحواز وتوثقت العلاقات فيما بينهم وبين عرب الأحواز بعد الفتح الإسلامي. وارتبطت منطقة الأحواز ماليا وإداريا فيما بعد بالبصرة ..

ويذكر الدكتور عبد الحميد اسماعيل أن الأحواز لم تخرج بوضعها قانونيا عن الدولة في عهود الراشدين والأمويين والعباسيين .. وقد رفد أبناء الأحواز الحياة العلمية والفكرية للحضارة العربية بالكثير من الجهد، فهم الذين كانوا قائمين على مدرسة (جند يسابور) الطبية والعلمية، وانتقل منهم الى عاصمة الخلافة الكثير من العقول منهم: أبناء (بختشيوع) و (عيسى بن صهار) و (يوحنا بن ماسويه) .. وغيرهم من الشعراء والأدباء الموجودة أسمائهم في التراجم والتي تنتهي بالأحوازي والأرجاني و التستري و الدروقي و السوسي..

ابن حوران 14-03-2007 03:00 PM

(25)


تكتسي الكائنات الحية التي تشاركنا المملكة الحيوانية (ضمن التصنيف المتعارف عليه) بريش أو شعر أو صوف يغطي أجسادها.. وعندما نحاول تذكرها أو النظر إليها فلا نستطيع تمييزها بوضوح عن بعضها ضمن الصنف والنوع الذي ينتمي له كل فرد من أفراد تلك المملكة .. فهذه بطة وهذا خروف وهذه زرافة الخ .

انفرد الإنسان من دون الكائنات تلك بتغليف نفسه بكساء يستر عورته أولا ويحقق له بعض المنافع الأخرى كاتقاء البرد وغيره ثانيا .. وقد بدأ بوضع قطعة من جلد لم يتم إزالة الصوف أو الشعر عنها، على أمكنة قرر هو بوحي من خالقه أنه من الواجب عليه تغطيتها .. ثم تطور هذا الدافع لتتأسس عليه اليوم مدارس في صناعة الأزياء و الملابس .. وقد تجاوز الإنسان الفكرة الأساسية منذ زمن في تغطية ما يجب تغطيته، حتى أصبح اليوم دور أزياء للكلاب وغيرها من الحيوانات، التي قرر الإنسان أن يتولى كسوتها ..

لو عدنا للتصنيف السابق لحاجات الإنسان (الحدية والرمزية و الإستيطيقية) فإن الكساء في أولى مراحله لم يلق اهتماما بنوعية الجلد أو القماش أو شكل التفصيل، بل كان يراعي النقطة الأساسية في ستر العورة واتقاء عوامل الجو، ثم تطورت الأمور بعد أن علم إدريس عليه السلام أو (هرمس) كما تطلق عليه الثقافات الأخرى غير العربية والإسلامية، الخياطة والنسيج للناس .. فكانت الموضة ( الزي ) يستمر عدة قرون دون تغيير يذكر .. لا كما يحدث في أيامنا هذه، أن تكون لكل فصل (موضة) ..

في العتيقة تلك القرية التي اختفت من الذاكرة، كانت العينة التطورية للأزياء فيها آتية من المرحلة الأولى من الحاجات وهي الحدية مع تجاوز بسيط للمرحلة التي بعدها، وهي الرمزية. فكنت ترى جمهرة من نساء عن بعد، فيتراءى لك أنك تنظر لقوارير (شامبو) من النسخة الأولى لصناعة هذا المخترع .. فترى أجساما أسطوانية يعتليها تشكيل يقصد منه التأشير أن هنا يوجد (رأس) .. وعندما يمشين، فإنه يخيل إليك أن كائنات من فصيل البطريق أكبر حجما وجدت في تلك المنطقة .. علما بأنه لم يكن لنا عهد بمعرفة (البطريق)..

إن الملابس تلزم من يلبسها بسلوك من نوع يتماشى مع هيئة الملبس، وليتأمل أحدنا اليوم من يلبس (الدشداشة) أو القفطان، ويعتمر غطاءا لرأسه، ويضع فوق الغطاء (عقالا)، فإن حركته ستأخذ طابعا معينا، لا يميل للعنف والحركات الرشيقة لكي لا يسقط (عقاله) أو تنشب أطراف ثيابه الطويلة في بروز أو نتوء ما من حوله فيسقط أرضا، أو تتمزق ثيابه، فلذلك يتعود هؤلاء على الهدوء في الكلام وعدم استفزاز الآخرين، والتوصل لحلول وسطى في كل مشاكلهم مع الآخرين. لذلك كان ولا يزال يطلق على من يلبس هذا النمط من الملابس صفة (العاقل) .. هل لأنه لا يميل للعنف .. أم لأنه يضع (العقال) على رأسه؟

كان الناس في العتيقة، لديهم خياط واحد للرجال وخياطة واحدة للنساء، وكانت مواسم شراء (الكسوة) تلي مواسم الانتهاء من البيادر أي استخراج الحبوب من المزروعات، وهي عادة تكون في نهاية الصيف .. فيذهب رب الأسرة الى التاجر ويقول له : اقطع لي كذا ذراعا من قماش كذا وكذا .. وكانت العلامات التجارية للأقمشة محفوظة عن ظهر قلب لدى الناس .. فأقمشة ( حبر، ومارونس، والمخمل ) لثياب النساء الخارجية، و (الربيعي و الموهير) للملابس الداخلية لهن. في حين كانت أنواع القماش للرجال (كلمنظا، ومنصوري، والبوبلين، والجوخ) .. ثم دخلت أقمشة مثل (البرلون و التركال) وغيرها ..
كان على المكتسي ذكرا كان أم أنثى، أن يراعي أن كساءه هذا لطوال العام، ومن يدري، فقد لا يأتي الموسم الزراعي القادم جيدا، فعلى الجميع التهيؤ للبقاء في تلك الملابس (حولا) آخرا .. وعلى النساء أن تجتهد في (ترقيع) ما تلف من تلك الملابس أو التوجه لتصغير ملابس آخرين قد ضاقت عليهم ملابسهم وهي نادرا ما تحدث كون معظم الملابس فضفاضة تستوعب أي زيادة بالوزن حتى لو كان الضعف، أو أن صاحب الملابس قد توفى، وتسمى تلك العملية ب(التقييف) وهي مأخوذة من (قيافة) أي الهيئة النهائية للشكل ..

كما تقوم النساء في غزل صوف الأغنام وعمل منه (كنزات) يلبسها المحظوظون في الشتاء.. إضافة لعمل (الدامر) وهو لباس أقرب الى (الجاكيت) تلبسه النساء و الرجال .. وإن كان الرجال يلبسون (فراء) من جلود الخراف، لا زال تفصيلها يحمل نفس الشكل منذ أيام (الظاهر بيبرس) حتى اليوم..

في الأحذية، كان الرجال يلبسون (مداسا) والمداس يبدو أنه مشتق من داس على الأرض .. والنساء يلبسن (الوطية) واسمها اشتق من وطئ الأرض، وفلان (واطي) أي منحط .. أما الأطفال فكانوا يشترون لهم (شوز) وأكيد اسمه ليس بالعربي .. وكان من قماش وله أرضية من المطاط ، كان على الطفل أن يحرص أن يحافظ على حذاءه لمدة عام، لكن نادرا، ما كان يوفق أي طفل في الإيفاء بوعده .. فبعد عدة شهور سيبرز إبهام قدمه من مقدمة الشوز .. وسيواجه الطفل عقوبة معينة أقلها التوبيخ مع البصاق في وجهه.

لم يكن أهل العتيقة ينفردون بهذه الكآبة الكسائية .. فقد ذكر لي أحدهم وقد عين مدرسا في منطقة تبعد 200كم عن العتيقة .. أن أهالي تلك المناطق ينظرون لأهل العتيقة بعيون حاسدة للرخاء الذي ينعمون به!

فقال: لقد طلبت من أحد التلاميذ أن يخرج الى اللوح (الصبورة) ليحل مسألة، فعندما حلها بجدارة، لاحظت أنه حافي القدمين، فسأله عن السبب فقهقه كل التلاميذ الذي تبين أنهم كلهم حفاة .. فكافأته بشراء (شبشب) كي يلبسه، فكان يربط الشبشب بخيط ويعلقه على رقبته، في حين يرجو منه بعض التلاميذ أن يضعه في قدمه ويسير بضع خطوات ..

رنـا 26-03-2007 08:18 PM

ككل موضوعاتك اخي الغالي إبن حوران هذا الموضوع رائع ومميز،
متابعة معك .. ودمت بخير وعافية ...:)

ابن حوران 09-04-2007 11:04 PM

الأحواز بعد سقوط بغداد

عندما احتل المغول بغداد عام 1258م اعتبروا الأحواز أحد أقاليمهم الهامة لما لها من أهمية إستراتيجية لوصل البحر باليابسة في منطقة من أهم المناطق في العالم، حيث تصل بلاد العرب بما يليها من بلاد العجم وتربط مياه المتوسط بمياه الخليج من خلال الطرق البرية .. وبعد أن كانت (تستر) عاصمة الأحواز تتمتع بسلطة مستقلة أحيانا و تتبع للبصرة أحيانا أخرى، ضمها المغول وربطوها ببغداد مباشرة بعد 14 سنة من احتلالهم لها ..

دب الضعف بالحكم المغولي، فانفصلت البصرة ومعها الأحواز عام 1332م ، حيث استولى عليها أمراء (اللر) وضموها لإمارة (اللر) الكبرى التي أنشأها (أبو طاهر) في عهود (الأتابكة) عام 1149م.. وبقيت تلك الإمارة مستقلة حتى سقطت عام 1423م تحت حكم (تيمورلنك) والذي جعل (شيراز) عاصمة للأحواز ولكن القبائل العربية أنشأت إمارات متعددة داخل الأحواز، فقامت إمارة لبني ربيعة وإمارة لبني أسد و إمارة لبني عبادة وإمارة لبني حطيط وإمارة لبني سعد في حين ظلت المدن الكبرى مثل (ديسفول) و (تستر) و (دورق) تحت حكم التيموريين ..


دولة المشعشعيين :

وشهد النصف الأول من القرن الخامس عشر الميلادي، نشاطا لتوحيد القبائل العربية، وقد نجح رجل عربي عراقي مشهور بحكمته وسعة إطلاعه اسمه (محمد بن فلاح المشعشعي) الذي أنشأ دولة استمرت زهاء ثلاثة قرون كانت عاصمتها (الحويزة) وكانت تمتد أحيانا لجنوب بغداد بثلاثين كيلومترا .. فقد جمع جيشا من القبائل استطاع أن يهزم به جيش (تيمرلنك) .. وقد توافق ظهور (دولة القرة قوينللو )*1 التي حكمت العراق بين عامي (1410ـ 1467) أن كان هناك تفاهم بين تلك الدولة والدولة (المشعشعية) .. وبعد ظهور الدولة الصفوية كانت الدولتان على عداء معها ..

لقد انعكس الصراع بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية، على الدولة المشعشعية، فكان أعداء الدولة العثمانية يعتبرونها ملجأ لهم، وبعد أن احتل العثمانيون بغداد عام 1512م ، حاولوا بسط نفوذهم على الدولة المشعشعية ولكنهم لم يفلحوا إذ أنهم لم يستخلصوا منها سوى البصرة بوحدها، وهذا مما شجع الدولة الصفوية من مهاجمة مدينتي ( تستر و دسبول) في عهد (بدران بن فلاح المشعشعي) الذي تولى الحكم عام 1512م.. وبهذا الصدد يذكر المؤرخ الإيراني صاحب كتاب (تكملة الأخبار) بالقول: ( ظلت كل الأحواز في يد العرب).


قاوم (المشعشعيون) الصفويين .. فحاول العثمانيون التحرك من البصرة الى بسط نفوذهم على (الأحواز)، لكن جيشهم انهزم وتراجع الى بغداد.. وبعد انتصاراتهم، خشي شاه الصفويين من تحرك المشعشعيين نحو فارس التي كانت تتعرض لهجوم عثماني من حدودها الشمالية، فخاطب أمير الأحواز يترجاه بعدم مهاجمة فارس واصفا إياه ب ( ملك الحويزة وكل عربستان) ..

التزم المشعشيون بعدم التحرش بفارس، مما شجع الشاه الصفوي لطلب مساعدتهم في احتلال بغداد في زمن حاكم الدولة المشعشعية (منصور) الذي جاء الى الحكم سنة 1619م ، الذي رفض والتزم الحياد .. مما أدى الى هزيمة الصفويين أمام العثمانيين وتوقيعهم على معاهدة (زهاو) عام 1639م والتي كان من بنودها الاعتراف باستقلالية الدولة المشعشعية .

دب الخلاف الأسري بين ورثة العرش المشعشعي فجاء بعدها الدولة الكعبية، عام 1724م، وهرب آخر حكامها (محمد بن عبد الله المشعشعي ) الى بغداد وكان قد تولى الحكم عام 1719..

الدولة الكعبية

حاول نادر شاه حاكم الدولة الفارسية، أن يجرب حظه ويمد نفوذه نحو الأحواز متحرشا بدولة (بني كعب) حديثة التكوين، فأرسل جيشا بقيادة ( حمد حسين خان) غير أن الهزيمة لحقت بهذا الجيش وتم قتل كل أفراده في معركة القبان..

ترجع جذور بني كعب الى نجد، وهم من أبرز القوى العربية التي ظهرت في الخليج العربي في القرن الثامن عشر، وكان أكثر تواجد لهم عند الأطراف السفلى من مصب نهر (قارون) .. وقد غلب على معظمهم الطابع البدوي، في حين استوطن شيوخهم المدن، وكونوا إمارة قوية أقلقت كل القوى الموجودة من بريطانيين وبرتغاليين وفرس و عثمانيين .. وقد كان أوج قوتها في عهد أميرها( الشيخ سلمان 1737ـ 1768) الذي كانت إمارته في أوسع رقعة حيث سيادته على معظم الموانئ، مما حدا بالقوى المذكورة الى فرض حصار على موانئه لمدة سنتين .. ولكن تلك القوى عادت ورفعت حصارها لحاجتها لتلك الدولة التي انتزعت اعتراف الكل..

توفي الشيخ سلمان في آب/أغسطس 1768م وخلفه ابنه (غانم) الذي كان في حالة حلف مع ( كريم خان الزند) حاكم فارس وهي إشارة واضحة على استقلالية الدولة الكعبية، حيث لا يتم حلف إلا بين دولتين ..

عانت الأحواز، كما هي الحال في منطقة البصرة من وباء (الطاعون) الذي انتشر في المنطقة عام 1772ـ 1773م، وحسب ما ذكره أحد الرحالة فإن الضحايا زادت عن ربع مليون، جراء هذا الوباء..

يتبع

هوامش
ـــ
القرة قوينللو: وهي دولة كانت في نواحي ديار بكر، سميت بهذا الاسم ويعني (الخروف الأسود) لأن جيشها يلبس سترة من جلود الخراف السود.. وقد مررنا عليها في (جيران العرب/ إيران)

يتيم الشعر 11-04-2007 05:24 PM

أشكر لك أخي الكريم - تغذيتنا - بهذه المواضيع القيمة

أرجو ألا أثقل عليك بإرسال نسخة من مواضيعك الجميلة في خيمة الثقافة والأدب إلى بريدي الإلكتروني ؛ ففي ذلك عظيم إفادة لي ..

بارك الله فيك

ابن حوران 14-04-2007 03:40 PM

العفو أخي الفاضل .. فلست أقوم إلا بما يملي علي واجبي .. فلا شكر على واجب

أما تزويدك بنسخة .. فاعذرني لجهلي بالتقنيات التي تنجز ذلك .. فخذ ما شئت
وبطريقتك .. فعندما يتم تنزيل المساهمة .. فلم تعد ملكا لي ..

احترامي وتقديري

ابن حوران 14-04-2007 03:42 PM

أساليب إيران في السيطرة على الأحواز لا تختلف عن أساليب الصهاينة

عندما تم احتلال فلسطين، وطرد العرب من أراضيهم واستبدلت أسماء القرى والمدن بأسماء صهيونية، كان يرمي الصهاينة من ذلك، محو هوية فلسطين العربية و تحويلها الى كيان مختلف.

كذلك كان الفرس في عملهم مع الأحواز، ففي حين كان الفرس يطلقون عليها منذ القرن الخامس عشر الميلادي اسم (عربستان) أي أرض العرب، فقد حولها الشاه (رضا بهلوي) عندما ضمها بالقوة عام 1925 من خلال تآمر الإنجليز معه، فأصبح اسمها (خوزستان) وهو اسم لا يعرفه لا أهل الإقليم ولا أهل المناطق المجاورة، كما تم تحويل أسماء المدن : ( الحويزة: دشت ميشان) (الخلفية: خلف آباد) (الخفاجية: سوسنكرد) (ملا جري: آغا جاري) (الصالحية: انديمشك) (المحمرة: خرمشهر) (تستر: شوشتر) ( الأحواز: الأهواز) (قنطرة القلعة: دزفول) (العميدية: أميدية) (البسيتين: بستان) (الفلاحية: شاه ديكان) (رفيش: لشكرآباد) (سبع أقطار: هاف تبه) (الحميدية: فرج آباد) (الخزعلية: خزعل آباد) ( ميناء خور عبد الله : بندر شاهبور، ثم بندر خميني) (عبادان: آبادان) (رامز: رامهرمز) ..

ولم تسلم أسماء الشوارع والأنهر من التفريس، فنهر (دجيل) وهو تصغير لدجلة وقد ذكره ابن بطوطة باسم النهر الأزرق، أسماه الفرس (كارون) ونهر (الدبيس ) الذي حفره الوالي (عبد الله بن عامر) في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضوان الله عليه، استبدله الفرس باسم (منياو) ونهر (شوارب) حوله الفرس الى (سولان) ونهر (مشرقان) الى نهر (أردشير) .. كما حول الفرس أسماء الشوارع فشارع (الخزعلي) في المحمرة أصبح اسمه (خيابان بهلوي).

الحصار الاقتصادي على عرب الأحواز

دفعت السلطات الفارسية موجات من الهجرة الفارسية الى الأحواز، فاستولوا على الأراضي، واستولوا على الوظائف، وتم تفكيك الإدارات المحلية التي كانت بيد العرب قبل الاحتلال، وأجبر الفرس شيوخ العشائر بتسليم أراضيهم للدولة دون تعويض، وتحول الفلاحون هناك الى خدم عند الإقطاع الإيراني .. كما تم حرمان من تمسك بأرضه من المياه من خلال تحويل مياه نهر (الكرخة) الى مجرى نهر (الدز) وهي خطوة سبق بها الفرس الصهاينة بسرقة مياه نهر الأردن..كما حوصر التجار العرب، وأوقف التعامل معهم من خلال منع التوريد وفرضت ضرائب طائلة على مستورداتهم، حتى غدا القطاع التجاري التبادلي داخل الإقليم بيد الفرس.. كما أصدرت إدارة الدولة الفارسية في 12/12/1964 قرارا حرمت فيه العرب من إشغال الوظائف الحكومية المهمة، ومنعتهم من الدخول الى كليتي الشرطة والحربية، وما جاءت فترة الستينات حتى لم يبق من العرب الذين يعملون في التجارة داخل الإقليم سوى1% من مجموع التجار الفرس..

الحصار القضائي

تدخلت السلطات الإيرانية في القضاء وطريقة التعامل مع الخلافات فيما بين السكان، فمنعت الترجمة بين المتخاصمين من والى العربية، حتى لا يفهم صاحب الحق أين ذهب حقه وكيف؟. كما حرم السكان من حق التنقل والإقامة وجوازات السفر للطلاب الراغبين في تكميل دراساتهم، وحرمت العرب من لبس زيهم المعروف، بل أجبرتهم على لبس الزي الفارسي بالذات ..

الحصار الثقافي والتعليمي

أنكرت الحكومات الفارسية المتتالية على الحكم في طهران، على شعب الأحواز حقه في التعليم في كل مراحله، ففي عام 1956 مثلا، كان عدد سكان مدينة الأحواز 266ألف نسمة لم يكمل منهم الدراسة الثانوية إلا (100) وكان 50 طالبا فقط في الجامعات .. وأن نسبة الأساتذة العرب في جامعة الأحواز هو 1% فقط ..

وقد وضعت السلطات الفارسية المناهج باللغة الفارسية، مما اضطر العرب الى إرسال أبنائهم للكتاتيب، خشية من تفريسهم .. وقد حاولت حكومة القطر العراقي أن تسد هذا النقص فأسست باتفاق مع الحكومة الإيرانية ثلاث مدارس عراقية في كل من الأحواز والمحمرة وعبادان، لكن إيران منعت كل طالب لا يحمل جنسية عراقية من دخول تلك المدارس! كما أن مظاهرات إيرانية قد اشتعلت عندما أسست الحكومة العراقية مدرسة متوسطة في المحمرة، فقامت ضجة إعلامية واصفة ذلك بالغزو الثقافي العربي للأحواز .. وقد كانت اللغة العربية قد ألغيت من الأحواز منذ 1925 عند احتلال الإقليم، وقد نهبت القوات الإيرانية ما كان في خزائن الإقليم من كتب وتراث عربي ..

الترويع والتخويف المستمر لسكان الأحواز

يستعمل رجال الأمن الإيراني كل وسائل التخويف والترويع للسكان، فيغيرون على البيوت، ويحلقون شعر النساء وحواجبهن، ومن تعترض منهن يلهبون ظهرها بالسياط بعد تعريتها ..

كما يقطعون المياه عن قرى لمدد طويلة، ومثالا على ذلك ما ذكره المؤرخ العربي (الأحوازي) السيد (علي الحلو) في الجزء الثالث من كتابه (الأحواز) من أنه في أواخر عام 1968 قطعت السلطات الإيرانية الماء عن قرية عربية حدودية مع البصرة، فخرج الأطفال والنساء والشيوخ يستعطفون الحاكم، غير أنه أخبرهم أنه لا يفهم لغتهم، فعندما يتعلموا الفارسية سيعيد إليهم الماء!

وإن كان جهاز المخابرات في عهد الشاه (السافاك) قد نكل بسكان الأحواز، فإنه في عهد (خميني) قد استبدل بجهاز (السافاما) وأمرهم بكتم أنفاس العرب ومراقبة تحركاتهم ..

ابن حوران 22-04-2007 11:44 PM

الجبرية في العقل الجماعي العربي :

لو دخل غريب الى حي، وتعرض الى عبث مجموعة من المراهقين أو الشباب المتزمتين الذين لا يرحبون بالغريب، فإنه يعود الى عقله الفردي ليقرر شكل سلوكه مع عبث العابثين، فهو قد حسب قوته وخمن عوامل قوة العابثين، فسيكون قراره التساهل ومحاولة التخلص من هؤلاء العابثين بأقل قدر ممكن من الأذى .. تماما كما يفعل حكم مباراة (كرة قدم) في اتخاذ قراراته في أجزاء من الثانية، فالموقف لا يسمح بالعودة لمرجع استشاري سواء كانت هيئة بشرية أو كتب مكتوب فيها ما يعينه على اتخاذ قراره ..

نحن لا نتكلم عن عقلية فردية، بل نتكلم عن عقل جماعي، وطبعا الكلام هنا لن يكون دقيقا في أي حالة من الأحوال، فلن يكن هناك كما أسلفنا سمة خاصة بسكان دولة كاملة أو مدينة كاملة أو حي كامل أو حتى أسرة تبين تطابق سلوك أفرادها وأداء عقولهم بشكل وكأن هذه المجموعات البشرية عبارة عن نسخ مكررة من فرد ومضروب بعدد المجموعة .. لكن نحن نتكلم عن السمات العامة التي تميز شعب أو حضارة بسمة ما، فنقول سلوك اليهود ونصفه على ضوء ما صنعنا من صورة متكررة فيما كتب عنهم وما وصلتنا أخبارهم عبر السنين، ونتغاضى عن أشخاص أو مفكرين أو علماء لا يروقهم سلوك اليهود، وهم من اليهود، تماما، كما نسمي كيس من (الحنطة) باسمه، حتى لو كان فيه من الشوائب ما يصل الى خمسه فيبقى كيس من القمح (هكذا اسمه) ..

في حالات وصف عمل العقل العربي، تكلمنا عن جانب مهم في تكوينه (كأداة) و (كوعاء) في نفس الوقت من خلال تطور وتراكم المفاهيم التي تحدد شكل ردة فعل تلك الأداة والتي تنضح مهاراتها من وعائها في نفس الوقت .. وهذا قد تعرضنا إليه من خلال النظرة السريعة في تأريخ الموروث المعرفي للأمة ..

لو نظرنا من باب المحاكمة الجماعية للعقل العربي من خلال، المقارنة في الأشكال الجماعية الإدارية (طبعا) وكيفية سلوكها وتحكيم العقل في أدائها اليومي، لرأينا أي فريق عمل ضيق تتوزع به الأدوار ليقوم كل عضو من الفريق بتفقيه أداءه و إخضاعه للعقل عنده (كوعاء) من خلال الاستعانة بمعرفته الخاصة (كمستشار) و (منفذ) بالفريق، هو من ينجح في إنجاز مهمته بصورة قاطعة وحاسمة. ففريق طبي يقوم بعملية جراحية يتوزع دوره بين الجراح والفيزيائي والمخدر وغيرهم، ولا تحتمل العملية أي خطأ من أخطاء الفريق. كذلك في فريق (كرة القدم) وفريق التعليم في الكليات الجامعية الخ ..

في الدولة الحديثة، لن يستطيع رأس الدولة أن يدير دولته إلا بتقسيمها، الى قطاعات جغرافية وتعيين حكام محليين و هم بدورهم ينسبون حكاما للمساحات الأصغر، هذا على صعيد السيطرة الجغرافية، وهو شأن معروف منذ القدم.. أما على صعيد التنوع فإن النشاطات ستقسم ويوضع لها مسئولون باسم وزير للمسئول الرأسي أو مدير عام ومدير ورئيس قسم للموظفين الأقل شأنا .. ثم يحيط رأس الدولة نفسه، بمستشارين خاصين يفهم كل منهم الشأن الذي يطلب منه الاستشارة فيه .. وهكذا يفعل الوزراء الخ ..

نعود الى الأمة أو الشعب بنشاطه الحضاري وما يخصه من نشاط عقلي يحدد سلوكه وتصرفه وقبوله لسلوك الدولة أو اعتراضه ورفضه لها .. ما الذي يحرس القيم التي تحافظ على سمات أمة أو شعب، وتجعل تطور معالمه الحضارية تنسجم مع مجمل الصفات التي عرف بها هذا الشعب؟

في السلوك الفردي تتحكم ثلاثة عوامل حاسمة في تحديد شكل السلوك للفرد أينما وجد، الأول: الحصيلة التراثية التي تزود القاعدة الخلقية بضوابط تجعل هذا السلوك مقبول اجتماعيا أو مرفوض، وهي تتمثل بالدين ومفاهيم الشرف والنزاهة وغيرها، ويغذي هذا العامل مجاميع الوعاظ و مناهج التعليم والأدباء والشعراء و الفنانون وغيرهم .. ويكون كل رجل مهم يعمل في تلك المناحي تحت رقابة غيره ممن يهتمون بالمنحى الذي يهتم به و يخضعونه لضوابط معقدة لها علاقة بشكل أو بآخر بالسمات الشخصية العامة للطابع الحضاري، فيهاجمونه إذا أخل بالالتزام بالسمة العامة للمجتمع وسماته التي عرف عنها، ويحيونه بالإشارة الى عمله في كتاباتهم وأحاديثهم الخ ..

والثاني: قوانين الدولة، وهي الرادع للمخالفين والضابط لحركة المجتمع بمختلف نشاطاته الاقتصادية والسياسية والأخلاقية وكل ما يصدر عن الأفراد أو المجموعات، وعندما تتناغم تلك القوانين مع السمات العامة للمجتمع وخصائص الشعب أو الأمة الحضارية، فإن قوة إضافية قد جاءت لتقوي الحراسة، على الصفات العامة للمجتمع وحضارته، وتدعم مسيرته نحو التطور بخطى ثابتة ومتناغمة مع أصالة صفاته.. وبعكسه أي عندما تتساهل القوانين في أداء الأفراد و غض النظر عن أخطائهم، فستكون الفوضى والارتباك و فقدان حماسة العاملين في النشاطات الأدبية المذكورة في تطوير خطاباتهم، كون أن القوانين لا تساعدهم في مهمتهم .. وتكون النتائج أكثر خطورة، عندما تغض القوانين النظر عن أشخاص أو مؤسسات تبشر بنسف المفاهيم التي اعتاد عليها المجتمع وخصوصا تلك الثوابت التي تمس حضارة البلاد بأعمق مواطنها، سواء كانت تلك التي تمس الدين أو الوطن ..

أما المصدر الثالث: فهو الصحبة والجماعة المحيطة بشكل دائم بالفرد، فتلميذ المدرسة أو طالب الجامعة يكون الطلاب هم صحبته اليومية التي يختلط بها، فيتغذى منها و يحاول أن يلتزم بسلوك شخصيتها العام تحت باب (نزعة القطيع) فلا يحاول الشذوذ عنها، حتى لو كان شذوذه هو الأصح .. وهذا يحدث في المجموعات المهنية سواء في التجارة أو الحرفة بكل أشكالها، حيث تتولد عادات وسلوكيات متأثرة بالأجواء الخلقية والقانونية السائدة ..

يتضح لنا أن المناداة بالمُثل والقيم، من قبل بعض الأصوات من كل المناحي، سيواجه صعوبات هائلة في إعادة النموذج العام للشخصية العربية و عمل العقل فيها وفق التدرج الذي صعدنا به في هذا التدريج .. لكن بجميع الحالات قد تسبت القوة المطالبة بالعودة الى النموذج العقلي العام للشخصية العامة للشعب أو الأمة، لكنها لن تموت، بل تبقى تتحين الفرص لعودة انطلاقتها من جديد، وهذه الحالة تتكرر في كل أمة حية ..

وإن كانت الجبرية آتية من سطوة القوى الثلاث في تحديد شكل السلوك وإعمال العقل في نمط لا تقبله الشخصية العامة للمجتمع، فإن تغيير تلك السطوة هو ما يفسح المجال لإطلاق العقل العربي و عودة نشاطه وفق ضوابط شخصيته من جديد ..


Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.