حوار الخيمة العربية

حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com:1/index.php)
-   دواوين الشعر (http://hewar.khayma.com:1/forumdisplay.php?f=33)
-   -   موضوعات ابن حوران التاريخية والأدبية . (http://hewar.khayma.com:1/showthread.php?t=63075)

ابن حوران 04-05-2007 01:35 AM

التراتب الاجتماعي ومسألة الأقليات

التراتب الاجتماعي Stratification Social مصطلح شائع في علم الاجتماع، ويعني فيما يعنيه موقع وعلاقة الفرد بالمجموعة أو المجموعة بالمجتمع وتسلمها مواقع سلطوية أو إدارية أو اكتسابها مكانة مرموقة في سلم الترتيب الاجتماعي ..

ويبدو أن تلك المسائل لا ثبات فيها ولا قانون دائم يحكمها في كل الظروف والأزمنة والأمكنة .. فتوزيع الأدوار في المجتمع وبروز مكانة الفرد أو المجموعة محكوم بعوامل أبرزها العاملين بشكلهما التالي :

1ـ هوية الفرد أو المجموعة وموقعها في محيطها الضيق .. فأبناء عشيرة قليلة العدد في قرية أو بادية لم تكن لهم السيادة في العهود السابقة، ولن تكون لهم في الوقت الراهن، حتى لو تم اعتماد الانتخابات كأسلوب لتناقل السلطة بين أفراد المجتمع، فمرشح الأسرة أو العائلة قليلة الأفراد، حتى لو كان مخترعا أو يحفظ كل كتب مكتبات العالم عن ظهر قلب، لن يفوز على مرشح ابن العشيرة الأكثر عددا .. وإن تساوى المرشحان في الهوية الوطنية والقومية والطائفية أو المذهبية ..

هذه الحالة، لن تكون منتشرة في أوساط المدن الواسعة، أو الدول التي تعتمد نظام التعددية الحزبية والمدعومة بالمال ضمن الضوابط الليبرالية المعروفة.

لن يثير أحد مشكلة أبناء العشائر الصغيرة، على أنهم في مظلمة لن يتمكنوا يوما من تبوء مكانة اجتماعية أو سياسية مرموقة، وهم في واقع الحال، في وضع أسوأ بكثير مما هم عليه أبناء الأقليات العرقية، الذين يحظون بمقعد أو عدة مقاعد حسب (كوتة) تحددها تطور القوانين ..

2ـ هوية الأقلية المهنية، وطمس الأهمية لمنتسبيها:

هذه المسألة لها علاقة بالجانب الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، وهي ما تساهم في تحديد مكانة الفرد، بغض النظر عن ديانته و قوميته. فقد نجد صانعا للأعواد (جمع عود .. آلة موسيقية) اكتسب مهارته من خلال طفرة أو صدفة في قرية نائية وفقيرة، ولكنه لم يستطع إثارة انتباه سكان القرية الفقراء، الذين لم يضعوا مسألة مهنته بين أولوياتهم .. ولكنه لو انتقل الى مدينة كبيرة لها نشاطها الثقافي والاقتصادي أو وجد أصلا فيها، فإن ندرة حرفته ستكسبه شهرة ومكانة مرموقة بغض النظر عن ديانته و قوميته وصغر أسرته ..

في حين لن تسعف الكثرة جمهرة العمال غير المهرة، في مجتمع صناعي أو إقطاعي، تنحصر المراتب العليا فيه بين طبقة متسلطة بعينها، ليخرج من تلك الكثرة شخصيات لها مكانتها ودورها ..

يبرز هنا مصطلحان في هذه القضية، في الوسط الاجتماعي الأوسع البعيد (مرحليا) عن السلطة والمراتب العليا وهما: التعصب وعدم التسامح العرقي..

التعصب Prejudice : وقد عرفه بعض علماء الاجتماع على أنه (( اتجاه عاطفي غير مرن، أو استعداد أو تهيؤ مسبق لاستجابة معينة بطريقة ما، تجاه من الناس))*1. وتأسيسا على هذا التعريف فإن صورة تتكون عن مجموعة عرقية أو أمة، لدى المتعصب، فيصبح من خلال تلك الصورة ينظر الى كل العرق أو سكان البلد أو أبناء مجموعة كأنهم شخص واحد يملكون الصفات التي تكونت بمخيلته رغم اختلاف هؤلاء الأشخاص فيما بينهم وهذا السلوك يتحول حسب رأي (والتر ليبمان) الى النمطية (Stereotype) .. وهنا لن تكون الأحكام حول المجموعة العرقية مسبقة فحسب، بل مسبقة وخاطئة..

أما عدم التسامح Intolerance : فهو برأي (Cox) مصدره العوامل الاقتصادية.. وهو يرى أن النظر الى اليهود (مثلا) من باب عدم التسامح، في حين يرى أن النظر الى الزنوج من باب التعصب .. وبرأيه أن المجتمع الأوسع يقصد في سلوكه المتسم بعدم التسامح الى دفع الأقلية للاندماج الكامل بالمجتمع الأوسع وضبط حركتهم، دون القصد من ذلك إنهاء وجودهم .. وهذا ما يحدث في الوقت الحاضر مع الجاليات الإسلامية والعربية في فرنسا.. فخطاب أكثر المرشحين تطرفا نحو اليمين للرئاسة (سركوزي) لا يختلف كثيرا عن غيره، فكل خطاباتهم لا تخلو من عدم التسامح .. بل تصل في بعض الأحيان الى حد التعصب العنصري ..

تطور التعصب :

في الأحداث الحادة، يتم استغلال بذور التعصب الكامنة في المجتمع وتغذيتها، بفتح شلالات الإعلام المحرك لها في ظرف يمكن المحركين من استثمارها بشكل سريع لتحقيق أهداف وضعت في مخططات من يريد التحريك .. ثم تشتعل حمى المنافسة في تزويد تلك الحالة بوقود يطور من تصعيدها، حتى يصبح التحريض واضحا للعيان .. لتبدأ المجموعات العرقية في النهاية بمهاجمة غيرها، كما حدث في المدن البريطانية إثر تفجيرات لندن، عندما هاجمت مجموعات متعصبة إنجليزية، أحياء المسلمين. وكما يحدث في العراق الآن عند بعض المجموعات.

وتعود أسباب تطور التعصب في مجملها الى نواح اقتصادية وسياسية واجتماعية، وتكون الأسباب الأساسية مموهة وغير واضحة، فيبحث المحركون لاستثمار التعصب عن كبش فداء يبرر تحركهم الغامض في كثير من الأحيان، ويجدونه في قالب التعصب ..



هوامش:
1ـSimpson, G.E. and Yinger نيويورك/ هاربر 1972/ص 14

ابن حوران 15-05-2007 07:48 PM

أشكر تفضلكم بالمرور أختنا الكريمة

احترامي وتقديري

ابن حوران 15-05-2007 07:53 PM

(26)

تؤثر كمية الغذاء المتوفرة للكائنات الحية على نمطية حياتها وكثرة أعدادها، فحيوانات الصحراء لندرة الغذاء تتصف بقلة أعدادها واكتسابها مهارات تجعل بقاءها وفرص حياتها متوفرة .. فمثلا تحتاج بومة (الحظائر) حتى تفقس ستة مرات في السنة الى ثلاثة آلاف وستمائة جرذ.. فإن لم تلق هذا العدد في بقعة فإنها ستغادره الى مكان آخر.. وهذا الكم من الجرذان حتى يتوفر لتغذية هذا البوم وأفراخه لا بد من توفر الغذاء له .. كذلك نجد تلك الظاهرة في النحل ففي الأحوال التي تكون فيها الأزهار متوفرة، فإن كمية العسل المنتَج ستزيد، وأعداد أفراد الطائفة ستزيد .. إنها مسألة طبيعية بحتة ..

نظام التغذية عند البشر يتوقف هو الآخر على توفر عوامل الإنتاج للغذاء في بقعة يتواجد فيها قاطنون من البشر، فأحيانا تكون المنطقة صناعية، ولا وجود للمزارع القريبة منها، فيضطر أصحاب المشروع الصناعي سواء كانوا من الأهالي أو الدولة الى إحضار الغذاء لهذا التجمع الصناعي، فتنتشر الأسواق التي تعج بالبضائع المنقولة من مسافات بعيدة، ويذهب السكان الصناعيون الى الأسواق ليشتروا ما يحتاجون من مواد، ويدفعوا ثمن مشترياتهم من الأموال التي تقاضوها بدل أتعابهم الصناعية .. هذا في المجتمعات المتقدمة ..

في المجتمعات التي انتقلت من حياتها القديمة، الى حياة مدنية جديدة، يتصارع الناس على الغذاء، ويحاولون التفنن في البقاء، فيرحل الكثير من سكان البوادي والأرياف ليحلوا ضيوفا غير مرغوب فيهم على ضواحي المدن الكبرى، حتى فاق عددهم في الكثير من الأحيان عدد سكان المدن الأصليين، فتهمشوا في سكناهم ودورهم وحياتهم، وأصبحوا بيئة تفرخ الكثير من المصائب غير المحسوب حسابها في سياسات الدول العرجاء .. وهي ظاهرة موجودة بوضوح في معظم مدن البلدان العربية ..

تقاس نسبة الزيادة بالسكان، على ضوء عدد الولادات والناجين من الأطفال دون موت، منقوصا منها نسبة الوفيات، وتخرج إحصائيات عن متوسط أعمار السكان.. وتدخل عندها دراسات السكان، والحالة الصحية، فتحتل الدول المتقدمة مرتبة أولية في قلة نسبة الوفيات في الأطفال، وزيادة متوسط أعمار الأفراد، وقلة عدد المعاقين الخ ..

في العتيقة، حافظ السكان على عددهم الثابت طيلة سبع وعشرين سنة، منذ عام 1927 وحتى عام 1954 .. لا زيادة تذكر. عندما تأتي ضواري الغابات لتلحق بقطيع من الغزلان أو الحيوانات العاشبة (المتغذية على الأعشاب) فإنها تصطاد الصغار من المواليد التي لا تستطيع الهرب، كذلك تصطاد المتأخر والمتخلف من القطعان نتيجة عجزه وعدم لياقته. كان المرض وهو الوحش المستتر ينهش العاجزين عن الركض أمامه نتيجة سوء لياقتهم الآتية من سوء التغذية، كما أن الأطفال حديثي الولادة، ولسوء الحالة لمرضعاتهم، فإنهم يرضعون العجز منذ صغرهم، فيكونون هم الآخرون فريسة سهلة لأي مرض ساري.. فكانت الحصبة مثلا تأكل أبناء خمسة سنوات عن بكرة أبيهم، لا تبقي منهم أحدا ..كما أن مرضا مثل السل أو الكوليرا لا يرحم هو الآخر، وكان سكان العتيقة يطلقون أسماء على الأمراض، لم يبق أحد يتذكرها مثل (أبو مزراق) عن الطاعون ..

كان الأكل والشرب، يحتل سلم الأولويات لدى مواطني العتيقة، وأظن أن هذا الترتيب لم تنفرد (العتيقة) به، ولا يزال الناس في كثير من الأحيان عندما يريدون وصف رخاء أحد الأفراد يقولون بتباهي وتفاخر (مآكل شارب نايم)، يعني أنه أكل ( وهو الأهم) وشرب ونام .. ولن يذكر ما يتقاضاه من الأجر، فالدلالات تلك كافية لإخبار من يستمع عن حالة النعيم التي يكون المعني فيها ..

كانت مهمة رب البيت تشبه الى حد كبير مهمة ملكة (بيت النمل) في حركة مستمرة لتأمين عوامل البقاء من تدبير الغذاء وتخزينه.. كان تعلق الناس بالمطر وما يعنيه من (بشارة) على بقاء حياتهم، يشكل تعلقا أسطوريا غريبا، فبالرغم من أنهم مسلمون، لكن لفظ (ديم في العراق) و(بعل في بلاد الشام) لا زال يرافق حياتهم حتى اليوم، فأهل العراق القدماء الذين لم يسكنوا الى جانب الأنهر هم كأهل بلاد الشام الذين لم يسكنوا جانب الأنهر، فأهل العراق لا زالوا يسمون الزراعة المعتمدة على المطر بالزراعة (الديمية) نسبة الى الإله (أديم) وأهل بلاد الشام لا يزالون يطلقون على الزراعة المطرية عندهم بالزراعة (البعلية) نسبة الى الإله (بعل) ..

لم تكن هناك فرص للحياة دون الاعتماد على ما يرى الناس من عوامل مادية حولهم، صحيح أنهم كانوا يتوكلون على الله، ولا يقبلوا أن يبذروا بذور محاصيلهم إلا وهم على (طهارة) إذ كانوا يصلون الفجر ويذهبون للحراثة، ولا يحمل أحدهم (مذراة) أو (مقطف) إلا إذا كان متوضئا، حتى لا تطير بركة الله من المحصول .. كان الخوف من المجهول يحاصرهم، والمجهول عادة يتعلق بانحباس المطر لموسم وأحيانا ينحبس لموسمين وقد ينحبس لخمس سنوات على التوالي.. في تخطيط الرجال أرباب الأسر، يقوم الرجل بمهمة التخطيط الإستراتيجي، فلا يتصرف بما يخزنه من محاصيل في سنة وفيرة الإنتاج مرة واحدة، فقد يحسب حساب سنتين قادمتين، وعندما يأتي الموسم القادم على قدر من الخصوبة، فإنه ينتقل بسلم أولوياته من الأهم وهو الغذاء والتغذية الى مهمة تحتل درجة ثانية كبناء غرفة أو شراء ملابس أو شراء فرس للركوب ..

إذا كان أجدادنا قبل الإسلام، قد كانوا على درجة من رفعة النفس عندما يجوعون، فيلجئون الى (الإعتفاد بالفاء) أي الموت الجماعي، للأسرة كاملة حتى لا تهدر ماء وجهها في سلوك تأمين الغذاء في سنين القحط، عن طريق التسول أو بيع شرفها .. فإن تلك الخاصية الوراثية كانت موجودة في العتيقة .. فكان الناس يخفون جوعهم بشكل كبير حتى لا يتشفى بهم أي مراقب حتى لو كان صديقا .. وإن كان (هاشم) قد ذبح (النوق) ليحتذي به أهل قريش، فإن تلك الصفة قد انتقلت الى أهل العتيقة، فكانوا يتراحمون بينهم رغم عوز الجميع..

لقد أتت ثلاث مواسم (قحط) متتالية، فلم يحصل أي واحد من سكان العتيقة على حبة قمح أو شعير فيها، فكان لرجل ابن عم يسكن في منطقة كثيرة الأمطار فطلب منه أن يقرضه أربعة قناطير من القمح لحين أن يأتي الموسم، وحين وافق ابن عمه ، أرسل أبناءه على أربعة (جمال) ليحضروا القمح، في حين ذبح (جديا) ليحتفي بتلك المناسبة، وكان ترتيبه الاجتماعي في الحي متقدما بعض الشيء على جيرانه. فأخبر جيرانه بأن يحضروا لتناول طعام العشاء، وكان جاره، الذي يفصل بين منزليهما جدار قليل الارتفاع، من بين المدعوين، وعندما أتى لتناول العشاء اصطدم بحجر فسقط، فتبين للآخرين أنه مصاب بالعشى الليلي (عدم القدرة على الرؤية في الليل)، وبخبرة الناس، يعرفون أن من يصاب بذلك الداء، هو من الذين يحل بهم الجوع الشديد .. فانتبه صاحب الدعوة وسأله :
ما بك يا جار؟
الجار : لا شيء
صاحب الدعوة: إنني أرى امرأتك تأتي يوميا تحضر معجنها (وعاء العجين) لتخبز في (التنور) لدينا ..
سقطت دمعة من عين جاره وقال بصوت متكسر: إنها تأتي بوعاء العجين وتضع فوقه غطاء.. وتدخل الى (فرنكم) عندما يحين دورها (وهي عادة كانت تستخدم في سنين القحط، حيث تبطل معظم مواقد الحي إلا واحد أو اثنان، لتوفير الوقود) وأضاف الجار : إن وعاء العجين يكون فارغا ستة أيام في الأسبوع، حتى لا يكتشف أهل الحي أننا لا نخبز ..

بكى صاحب الدعوة وأمر أبناءه عندما عادوا أن يعطوا جارهم حمولة بعير من القمح الذي اقترضه من ابن عمه ..

السيد عبد الرازق 16-05-2007 11:33 PM

أديب الخيمة الفاضل ومؤرخها ابن حوران
مررت علي هذه القرية التي لم تعد موجودة.
تقبل مروري ولك تحياتي وتقديري
وخالص المودة.

ابن حوران 25-05-2007 08:22 PM

موضوعات ابن حوران التاريخية والأدبية .
 
الإسكندرونة .. اللواء المنسي

تتكاثر القضايا الساخنة في منطقتنا العربية، واحدة بعد الأخرى، منها ما هو قديم، ومنها ما يتخلق بشكل مستمر من (دارفور) الى الصومال، الى العراق، حتى باتت حالة التشظي في وطننا العربي الكبير ماثلة أمام الجميع، ويساعدها جو حكومي متراخي مهزوز، وجو أيديولوجي بين النخب، يقود الى مساجلات بين التيارات الوطنية، تصبح في النهاية تلك المساجلات وكأنها هدفا بحد ذاتها، فعندما تلتقي القوى الماركسية مع القوى ذات الطابع الديني الإسلامي، في إنكار هوية الأمة القومية، فتغض النظر عن الأطماع الفارسية والتركية، بحجة مشاركة تلك الدولتين العرب في دينهم، وتغض النظر عن قضية العرب الكبرى (فلسطين) بحجة التسليم للواقع القطري، لتستمر نكبة الفلسطينيين تحت عباءة الأممية، وتتصرف بها في النهاية نخب قطرية أسيرة لألاعيب الاحتلال الصهيوني المدعوم إمبرياليا .. ومن بين تلك القضايا المقلقة لواقع أمتنا (قضية لواء الإسكندرونة) ..

مقدمة جغرافية وتاريخية :

يقع لواء الإسكندرونة في الزاوية الشمالية الغربية من سوريا. ويعد المنفذ البحري(تاريخيا) لمدينة حلب ومنطقتها، حيث كان اللواء في العهد العثماني أحد أقضية حلب.. ويضم في مساحته البالغة 4800كم2 مجموعة من المدن المعروفة، منها (أنطاكية، وبيلان، و قرق خان، و الريحانية، و أرسوز، والسويدية، وكساب، و البركة، والأوردي، و الصاو، وقلوق، و بلياس (جبل موسى) ..

وقد بلغ عدد سكان اللواء قبل اقتطاعه من سوريا، 220ألف نسمة .. كان العرب منهم 105آلاف، والأتراك 85ألف، والأرمن 25ألف والأكراد 5آلاف .. ولو علمنا أن نسبة الأتراك كانت لا تتعدى 29% عام 1921، وأن الأرمن تم إبعادهم من شرق الأناضول عام 1916 الى كل من الإسكندرونة والموصل في العراق.. لأدركنا على الفور أن هذا الإقليم عربي بهويته وسكانه وتاريخه ..

ويتمتع اللواء بطبيعة خلابة حباه الله عز وجل بها، وسهول ساحلية خصبة، ويحاذي سلسلة جبال (الأمانوس) التي تعطيه ميزة سياحية فريدة ..

مقدمة تاريخية :

مثلت جبال (طوروس) الحد الفاصل بين أرض العرب وجيرانهم الشماليين، حتى قبل أن يستولي العثمانيون على تركيا .. فقد وقفت الجيوش العربية في تحريرها أرض العرب من الروم عند حافة جبال طوروس لتوافق ذلك مع النظرة التاريخية بأن تلك الأرض عربية وكان ذلك في السنة 16هـ .. لتصبح الأرض التي شمال تلك النقطة للروم والتي جنوبها للعرب ..

وعندما نقول توافق تصرفهم هذا مع النظرة التاريخية المعروفة، فإننا نستذكر ما أنشده الشاعر العربي المعروف (امرؤ القيس ) وهو في طريقه الى القسطنطينية يطلب نصرة ملك الروم لاستعادة ملكه على مملكة (كندة) العربية التي فقد ملكها، فلما وصل منطقة (الدرب) وهو الاسم الذي كان يطلقه العرب على جبال طوروس أنشد يقول :
بكى صاحبي لما رأى (الدرب) دونه ...
............. وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
فقلت له : لا تبك عينيك أننا
....... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا *1

وقد اتفق المؤرخون أن كل المنطقة التي جنوب جبال طوروس وهي ولاية (أدنة)*2 قد خضعت تاريخيا لحكم عربي، وتقسم الى قسمين: الغربي والذي ضم إضافة لما قلنا مدن (مرسين و طرسوس*3) ومرعش و عينتاب والإسكندرونة.. أما القسم الشرقي فضم ولاية (ديار بكر) والمدن التابعة لها: ماردين، ونصيبين وآورفة، وحران *4 و ميافارقين*5

وسكان تلك المناطق (قديما) يرجعون الى قبائل بكر و تغلب، حتى قبل الإسلام، ويعرفون بفصاحة لسانهم ( منهم الشاعر المعاصر المشهور سليمان العيسى )، وقد اتخذ العرب بعد الإسلام تلك المناطق قواعد عسكرية للدفاع عن الثغور، ومطاردة المعتدين .. أي أن العرب سبقوا الأتراك بقرون طويلة في توطن تلك المناطق ..

وقد وضع لواء الإسكندرونة في معاهدة (سايكس ـ بيكو) ضمن المنطقة الزرقاء التابعة للانتداب الفرنسي .. أي أعتبرت تلقائيا مع سوريا ..

هوامش:
ـــ
*1ـ كان امرؤ القيس يخاطب رفيق دربه (عمرو بن قميئة) في رحلة دعم القيصر بإرجاعه للملك على مملكة كندة في جزيرة العرب.
*2ـ كانت هذه الولاية تابعة للإدارة المصرية في عهد المماليك، لسنة 1517 أي و الدولة العثمانية قائمة ..
*3ـ المدينة التي دفن فيها الخليفة المأمون وهو يتفقد جيشه.
*4ـ من المدن التي حط بها نبي الله ابراهيم عليه السلام في هجرته من (أور) في العراق.. الى فلسطين ..
*5ـ من المدن الرئيسية التي كانت تحت حكم سيف الدولة الحمداني والتي من ضمنها الموصل وحلب ..

السيد عبد الرازق 26-05-2007 01:56 AM

شكرا أخي الفاضل المؤرخ التاريخي
ابن حوران
تحياتي وتقديري
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابن حوران 30-05-2007 01:29 PM

اشتعال المقاومة العربية في الأحواز

في الشهر الذي وقع فيه الاحتلال الإيراني للأحواز(نيسان/أبريل1925) اندلعت انتفاضة في المحمرة سميت (انتفاضة الغلمان) قام بها حراس الشيخ خزعل ومجموعة من حاشيته استمرت ثلاثة أشهر، تكبدت فيها القوات الإيرانية خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، إلا أنها دفعت الكثير من أبناء عشيرة الشيخ خزعل الى الهجرة الى العراق و الكويت ..

كما انفجرت ثورة أخرى في نفس العام 1925 قام بها وحركها بعض رجال الدين أمثال عبد المحسن الخاقاني، ولكن السلطات الفارسية قمعتها بقصف مدينة المحمرة بالمدفعية، وقبضت على قيادات تلك الثورة وأعدمتهم.

صرخة امرأة عربية تحرك ثورة

تمادت السلطات الإيرانية في إهانة عرب الأحواز بنزع الطابع العربي سواء باللغة أو بتغيير الملابس. فقد جاء (السرتيب) أي العقيد فرج الله خان على رأس قوة إيرانية كبيرة، وأحضر رؤساء العشائر العربية هناك وأبلغهم في اجتماع تعليمات القيادة الإيرانية بتسليم أسلحة الأهالي، وتبديل الملابس العربية بأخرى فارسية، وإلا تعرضوا للإعدام والتنكيل بذويهم .. وكان ذلك في (الخفاجية) عام 1928.. وعلى إثر هذا الاجتماع تم إرغام رؤساء عشائر (الشرفة، وبنو سالة وبنو طرف ) على قبول ارتداء الملابس الإيرانية، ومن بينهم الشيخ ( محيي الدين الزيبك)

وبينما الشيخ في طريق عودته الى دياره، فوجئ بصرخة امرأة عربية من نساء (البو عبيد) في منطقة السارية تقول: يا للعار أنت أيها الفارس تلبس ملابسهم وتنزع عنك أصالتك؟ .. فما كان منه إلا أن مزق الملابس الفارسية وهتف بأعلى صوته: ( سرتيب كلاوك ذبيته) أي لتسمع أيها العقيد الفارسي أنني رميت ملابسك .. وتناقلت مدن وقرى الأحواز أهزوجته المعروفة ( يعكال إنسويلك هيبة) .. عقالنا الذي على رأسنا (وهو رمز عربي) سنحفظ هيبته.

تنادت العشائر حول الشيخ محي الدين وتجمعت عناصر الثورة المسلحة، ليكون هدفها منطقة (الكطاع) شرقي الخفاجية لضرب القاعدة العسكرية هناك، انطلق الشيخ على رأس 500 فارس من عشائر الشرفة وهاجموا القاعدة ودارت معركة شرسة لمدة سبعة أيام، واستخدم الفرس الطيران، حيث أسقط الشيخ بنفسه طائرة فارسية، وتم قتل (السرتيب فرج الله) القائد الفارسي، وتم الاستيلاء على القاعدة والتي اعتبرت منطقة محررة .. فدب الفزع بالفرس حيث ولوا هاربين واستمر تحرير المناطق المجاورة للقاعدة ( الحويزة و البسيتين والخفاجية) وبقيت تحت حكم الثوار لسبعة أشهر.. وبعدها حشد الفرس قواتهم وقبضوا على قيادة الثوار، وتم إعدامهم، إلا أن الشيخ محي الدين لجأ للعراق مع مجموعة من أبناءه وفرسانه وسكنوا منطقة (الجبايش) وكان ذلك في نهاية عام 1929، إلا أن الملك فيصل الأول ملك العراق توسط لدى السلطات الإيرانية وتم عودته الى منطقة الحويزة ليبقى تحت الإقامة الجبرية الى أن توفاه الله.

وبالرغم من أن عدو عرب الأحواز لم يكن الفرس فقط بل ومعهم الإنجليز الذين قايضوا الفرس بالسماح لهم بالتهام الأحواز ومعاونتهم على ذلك، بتزويدهم بتحركات العرب وما كانوا ينوون القيام به، فتحتاط قوات المحتل لذلك، مقابل مصالح نفطية هي أصلا في أرض عربية صرفة، تماما كما فعلوا بفلسطين عندما قايضوا اليهود بإعطائهم فلسطين مقابل خدمات استخبارية قدمتها الجاليات اليهودية في العالم للبريطانيين ..وبالرغم من هذا فإن عرب الأحواز لم يستكينوا ولم يهدءوا ففي عام 1936 ثار أبناء عشائر بنو طرف، وقد كان البريطانيون قد أوصلوا معلومات مسبقة عن تلك الثورة، فقام الشاه بتصفية دموية مروعة لتلك الثورة، وأمر بدفن قادتها وهم أحياء..

وفي عام 1940 قامت عشائر بنو كعب بثورة عارمة على ضفاف نهر (دبيس) وعاونتها معظم العشائر، وقاد تلك الثورة الشيخ (حيدر بن طليل)، وقد استطاع الثوار محاصرة كل الحاميات العسكرية في الأحواز ولاحت في الأفق بوادر نصر عارم، لكن حيلة تدخل بها الإنجليز للتوسط والحل السلمي لمسألة الاحتلال الفارسي، تم غدر القادة المفاوضين واعتقالهم وإعدامهم وهم: الشيخ حيدر ومهدي بن علي بن عمير وداوود الحمود وكوكز بن حمد وابريج وكاطع الشذر وأعدمتهم في شباط/فبراير 1940

وفي عام 1943 قامت انتفاضة الفجرية حين استطاع الشيخ جاسب بن الشيخ خزعل أمير الأحواز دخول الإقليم بعد الاتفاق مع شيوخ العشائر العربية في الإقليم، وتمكنوا من إلحاق خسائر جسيمة بالقوات الإيرانية وإسقاط طائرة، إلا أنهم تراجعوا لعدم كفاية الإمدادات اللوجستية ..

وفي عام 1944 قاد الشيخ عبد الله بن الشيخ خزعل ثورة أخرى، تحقق بها بعض النجاح إذ تم احتلال مبنى شركة النفط هناك، واحتلال الكثير من المرافق.. إلا أن السفير البريطاني تدخل، وقال لهم عودوا الى العراق واطمئنوا بأننا في صدد إعادة الأحواز الى سابق عهدها كإمارة مستقلة، فلا تفسدوا الأمر، واتصل بعد عودنهم لبغداد بالحكومة العراقية فوضعتهم تحت الإقامة الجبرية!

انتبه العرب الى المكائد البريطانية، فقاموا عام 1945 بانتفاضة عارمة قادتها قبيلة بنو طرف واشترك فيها بنو سالة وبنو لام والشرفة والمحيسن، وتم احتلال معظم المدن والقرى والمخافر والحاميات الفارسية .. فاستعملت القوات الفارسية الطائرات والمدرعات وتقدمت بجيوش لا قبل للانتفاضة بمقاومتها وحدها ..

علم عرب الأحواز أن الانتفاضات المحدودة والثورات التي تخمد، لا تكفي وحدها بتحرير بلدهم المغتصب فلا بد من تنظيمات دائمة تدير تلك المقاومة وتغطيها إعلاميا وتنشط سياسيا في تعريف العالم بقضية شعب، أدار له العرب ظهرهم .. وهذا ما سنتناوله في المرة القادمة ..

ابن حوران 04-06-2007 06:47 PM

موضوعات ابن حوران التاريخية والأدبية .
 
[FRAME="8 70"][ أبيات شعر وطنية خالدة

بلاد العُرب أوطاني ....... من الشام لبغدان
ومن نجد الى يمن........ الى مصر فتطوان
فلا حد يباعدنا .............. ولا خُلفٌ يفرقنا
لسان الضاد يجمعنا ....... بقحطان وعدنان

لنا مدنية سلفت ...... سنحييها وإن دَثَرَت
ولو في وجهنا وقفت ... دهاة الإنس والجان
فهبوا يا بني قومي ...... الى العلياء بالعلم
وغنوا يا بني أُمي... ... بلاد العرب أوطاني

فخري البارودي
[/FRAME]

*سهيل*اليماني* 04-06-2007 08:13 PM

[FRAME="11 70"][ ابن حوران][ أبيات شعر وطنية خالدة

بلاد العُرب أوطاني ....... من الشام لبغدان
ومن نجد الى يمن........ الى مصر فتطوان
فلا حد يباعدنا .............. ولا خُلفٌ يفرقنا
لسان الضاد يجمعنا ....... بقحطان وعدنان

لنا مدنية سلفت ...... سنحييها وإن دَثَرَت
ولو في وجهنا وقفت ... دهاة الإنس والجان
فهبوا يا بني قومي ...... الى العلياء بالعلم
وغنوا يا بني أُمي... ... بلاد العرب أوطاني

فخري البارودي


أنا الحجاز أنا نجد أنا يمن

أنا الجنوب بها دمعي وأشجاني

وفي ربى مكة تأريخ ملحمة

على ثراها بنينا العالم الثاني

في طيبة المصطفى عهدي وموعظتي

هناك ينسج تاريخي وعرفاني

بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا

بالرقمتين وبالفسطاط جيراني

النيل مائي ومن عمان تذكرتي

وفي الجزائر إخواني وتطواني

والوحي مدرستي الكبرى وغار حرا

بدايتي وبه قد شع قرآني

وثيقتي كتبت في اللوح وانهمرت

آياتاها فاقرؤوا يا قوم عنواني

فأينما ذكر اسم الله في بلدٍ

عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني




(( من لم يدخل بغــداد لم يدخل الدنيــا ))



لبغداد العراق دموع صب

على عرصاتها ذبنا غراما

تذكّرك الربوع حياة قوم

هموا كانوا لدنيانا قواما



اجتمع أربعة أدباء ، نجباء خطباء ، فتعاهدوا ، وتعاقدوا ، وتواعدوا ، على أن يصفوا بغداد ، دار الأمجاد ، وبيت الأجواد ، وكوكبة البلاد .
فالأول : عليه وصف علمائها ، وفقهائها .
والثاني : يصف خلفاءها وأمراءها .
والثالث : يصف شعراءها وأدباءها .
والرابع : يصف أرضها ، وسماءها ، وماءها ، وهواءها ، وبهاءها .
فبدأ الأول ويُدعى أبا قتادة ، وهو صاحب ذكاء وإجادة ، وعلم وإفادة .
فقال : والله لو كتبت بدمع العيون ، على صفحات الجفون ، ما أنصفت بغداد على مداد القرون ، لكن سوف أصف ما كان فيها من علم وعلماء ،بلغ مجدهم الجوزاء :




ما الدار بعدَك يا بغداد بالدار

تفنى عليك صباباتي وأشعاري

أنت المنى وحديث الشوق يقتلني

من أين ابدأ يا بغداد أخباري





ولكن أقول ، بعد الصلاة والسلام على الرسول : اعلم أن من بغداد أشرقت شمس الرواية ، وبزغ فجر الدراية ، كانت في العلوم آية ، وفي الفنون غاية . فكان بها أهل الحديث ، ولم يكن بها بعثيّ خبيث .
ولك أن تتخيل مجلس أحمد بن حنبل ، عمائم بيضاء ، وهمة قعساء ، وسكينة وحياء . إذا قال أحمد : حدثنا أو أخبرنا ، أطرقت الرؤوس ، وخشعت النفوس ، وتفتحت أبواب السموات ، وتنـزلت الرحمات :



سقوني وقالوا لا تغنِّ ولو سقوا

جبال سلمى ما سُقِيتُ لَغنّتِ

ثم تذهب إلى مجلس فيه طائفة من الخاشعين ، فتجد وسطهم يحيى بن معين ، يحدث عن رسول رب العالمين ، يجرّح ويُعدّل ، ويُجْمِل ويُفصَّل ، كأنه ميزان منـزل .




لو حل خاطره في مقعد لمشى

أو ميت لصحا أو أخرس خطبا



ولله كم من ذكريات تشجيني ، إذا ذكرت علي بن المديني ، ذاك البطل ، إمام العلل ، السليم من الزلل ، فتراه يفتش الأسانيد ، وينخل المسانيد ، بفهم دقيق ، وعلم وتحقيق ، يعرف العلة في المسند المستقيم ، كما يعرف الطبيبُ السقيم .



برأيٍ مثل ضوء الفجر ضافٍ

كـــأن بريقــــه حــــد الحســــامِ



ولا تنس البخاري ، الضياء الساري ، والنهر الجاري ، قيد الألفاظ ، وأفحم الحفاظ إن شك في حديث علقه ، وإن طال متنه فَرّقه ، وإن لقي كاذباً مزّقه ، هو السيف الحاسم لسنة أبي القاسم ، اقرأ تبويبه ، افهم ترتيبه ، لترى كل عجيبة .




من كالبخاري إذا ما قال حدثنا

أو بوّب الباب أو شدَّ الأسانيدا

كأنما هو إلهام يعلمه

أو أنّه قبس يعطاه تأييدا



بغداد تشرفت بالسفيانين الثوري وابن عيينة ، وأصبحت بالعلماء أجمل مدينة ، وهي مدينة الكرخي معروف ، والإمام الشافعي المعروف .
من بغداد أصحاب الصحاح والسنن ، وأهل الذكاء والفطن . وهي للحديث دار الضرب والصلب بها تضرب الموضوعات للوضاعين ، ولكن تصلب الكذّابين على خشب السلطان المتين . قال بعضهم : من لم يدخل بغداد لم يدخل الحياة الدنيا، ومن لم يشاهد حسنها ما شاهد النجوم العليا .
فقام الثاني يصف الخلفاء والأمراء ، الذين ملؤوا الدنيا بالعطاء والسخاء .
فقال : هذه مدينة السفاح ، الذي خضب السيوف والرماح ، وكان لكل مجرم بطاح ، ولكل عدو نطاح .
هذه مدينة المنصور ، صاحب الدور والقصور ، الداهية الجسور ، والأسد الهصور .
هذه مدينة الرشيد ، صاحب القصر المشيد ، والمجد الفريد ، والصيت البعيد .
هذه مدينة المأمون ، صاحب الفنون ، وجامع المتون ، ولكنه بالفلسفة مفتون .
هذه مدينة المعتصم المغوار ، الذي أوطأ الخيل الكفار ، وأورد نحورهم كل بتار .




بغداد أنت حديث الدهر والأممِ

إذا مدحتك سال السحر من قلمي

أنت المنى أنت للتأريخ ملحمة

كم من رشيد ومأمون ومعتصمِ




ثم قام الثالث يصف الأدباء ، ويثني على الخطباء .
فقال : في بغداد أكبر ناد ، للشعراء الأجواد ، إذا شرب الشاعر من ماء الفرات ، أتى بالمعجزات ، وخلب الألباب بالأبيات ، سَمِّ لي شاعراً ما دخل بغداد، اذكر لي أديباً ما تشرف بتلك البلاد :




بغداد يا فتنة الشرق التي خلبت

بسحرها العقل والأقلام والأدبا

ماذا أردد يا بغداد من حزني

إذا ذكرتك بعت الهم والنصبا





من بغداد أبو تمام ، والبحتري الهمام ، وترنح بها المتنبئ بعض عام .
سجل بها ابن الرومي رواياته ، وأبدع إلياذاته ، وأروع أبياته .
وفي بغداد أبو العتاهية ، الشاعر الداهية ، منذر القلوب اللاهية، وصاحب الرسائل الباهية ، الآمرة الناهية . وهي أرض بشار ، ناسج أجمل الأشعار .
من بغداد انطلقت في البحار والبراري ، رائعة ابن الأنباري : علو في الحياة وفي الممات . من بغداد استمع الدهر في عجبْ ، لدويّ : السيف أصدق أنباء من الكتبْ .
بغداد مهرجان أدبي كبير ، لكل أديب نحرير ، فيها شعر ونثر ، وحصباء ودر ، وصديق وزنديق ، وحر ورقيق ، وموحد وملحد ، وحانوت ومسجد ، وبارة ومعبد ، ومقبرة ومشهد ، جد وهزل ، وحب وغزل ، كأن التاريخ كله في بغداد اجتمع، وكأن الدهر لصوتها يستمع . وكأن ضوء الشمس من بغداد يرتفع .
مصيبة بغداد الحكام الأقزام ، من عينة صدام ، أبطال الشنق والإعدام .
فقام الرابع فقال : كأن الأرض أخذت من بغداد جمالها ، أفدي بنفسي سهلها وجبالها ، دجلة له خرير ، والفرات له هدير ، والنسيم به له زئير ، كأن الهواء سرق من المسك أريجه ، وكأن الماء أخذ من العاشق نشيجه . تغار من زهر بغداد الزهراء ، وتحمر خجلاً من حسن بغداد وجنتي الحمراء .
كأن السحاب في سماء بغداد مع الشفق خضاب ، وكأن بريق الفجر في مشارف بغداد ذهب مذاب . كأن وجه بغداد مشرق ، قبل ميشيل عفلق . فلما دخلها الرفاق ، وحزب النفاق ، كتب على بغداد الشقاء والإخفاق .




لله يا بغداد أنت نشيدة

غنت بك الأعصار والأمصار

من لم ير ذاك الجمال فإنه

ضاعت عليه مع المدى الأشعار

أظن بغداد أصابها عين ، أو دخلها لعين ، ما لها قتلت المبدعين ، وطردت اللامعين.




ماذا أصابك يا بغداد بالعـين

ألــيس كنــت يقينــا قــرة العــين

وأنا عاتب على بغداد ، والعتاب لا يغير الوداد ، لأنه جُلد بها أحمد ، وقُتل بها أحمد، وأُكرم بها أحمد . فجُلد بها أحمد بن حنبل ، الإمام المبجل، وقُتل بها أحمد بن نصر الخزاعي ، الإمام الواعي ، وهو إلى الحق داعي ، وإلى البر ساعي، وأُكرم بها أحمد بن أبي دؤاد ، داعية البدعة والعناد ، والفتنة والفساد .
لكن بغداد لها حسنات يذهبن السيئات . ونهر الفرات ودجلة يطهران من الحدث ، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ...




مقامات القرني
[/FRAME]

ابن حوران 05-06-2007 06:32 PM

عجبت لقومٍ يخضعون لدولة ... يسوسهم في الموبقات عميدها
وأعجب من ذا أنهم يرهبونها.. وأموالها منهم، ومنهم جنودها


معروف الرصافي

السيد عبد الرازق 05-06-2007 11:41 PM

أديبنا ومؤرخنا الأستاذ الفاضل ابن حوران
أراك هنا تسبح بين شعراء الوطنية أنتم والأخ الفاضل الأستاذ سهيل اليماني
دمتما بخير وبود
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

*سهيل*اليماني* 07-06-2007 01:33 AM

[FRAME="11 70"]أَتُنكِرُ رَسمَ الدارِ أَم أَنتَ عارِفُ
أَلا لا بَلِ العِرفانُ فالدَمعُ ذارِفُ

رَشاشاً كَما انهَلَّت شَعيبٌ أَسافَها
عَنيفٌ بِخَرزِ السَيرِ أَو مُتَعانِفُ

بِمُنخَرقِ النَقعَينِ غَيَّرَ رَسمَها
مَرابِعُ مَرَّت بَعدَنا وَمَصايفُ

كَلِفتُ بِها لا حُبَّ مَن كانَ قَبلَها
وَكلُّ مُحِبٍّ لا مَحالَةَ آلِفُ

إِذ الناسُ ناسٌ والبِلادُ بِغِرَّةٍ
وإِذ أُمُّ عَمّارٍ صَديقٌ مُساعِفُ

وإِذ نَحنُ أَمّا مَن مَشى بِمَوَدَّةٍ
فَنَرضى وأَمّا مَن وشى فنُخالِفُ

إِذا نَزاواتُ الحُبِّ أَحدثنَ بَينَنا
عِتابا تَراضَينا وَعادَ العَواطِفُ

وَكُلُّ حَديثِ النَفسِ ما لَم أُلاقِها
رَجيعٌ وَمِمَّا حَدَّثَتكَ طَرائِفُ

وإِنّي لأُخلي لِلفَتاةِ فِراشَها
وأُكثِرُ هَجرَ البَيتِ والقَلبُ آلِفُ

حِذارَ الرَدى أَو خَشيَةً أَن تَجُرَّني
إِلى موبِقٍ أُرمَى بِهِ أَو أُقاذِفُ

وَإِنّي بِما بَينَ الضُلوعِ مِن امرىءٍ
إِذا ما تَنازَعنا الحَديثَ لعارِفُ

ذَكَرتُ هَواها ذِكرَةً فَكأَنَّما
أَصابَ بِها إِنسانَ عَينيَّ طارِفُ

وَلَم تَرَ عَيني مِثلَ سِربٍ رأَيتُهُ
خَرَجنَ عَلينا مِن زُقاقِ ابنِ واقِفِ

خَرَجنَ بأَعناقِ الظباءِ وأَعيُن ال
جآذِرِ وارتَجَّت بِهنَّ الرَوادِفُ

طَلَعنَ عَلينا بَينَ بِكرٍ غَريرَةٍ
وَبَينَ عوانٍ كالغَمامَةِ ناصِفِ

خَرَجنَ عَلينا لا غُشينَ بِهوبَةٍ
وَلا وَشوشيّاتُ الحِجالِ الزَعانِفُ

تَضَمَّخنَ بِالجاديِّ حَتّى كأَنّما
الأُنوفُ إِذا استَعرَضتَهنَّ رَواعِفُ

كَشَفنَ شُنوفاً عَن شُنوفٍ وَأَعرَضَت
خُدودٌ وَمالَت بِالفُروعِ السَوالِفُ

يُدافِعنَ أفخاذاً لَهُنَّ كأَنَّها
مِنَ البُدنِ أَفخاذُ الهِجانِ العَلائِفِ

عَلَيهنَّ مِن صُنعِ المَدينَةِ حِليَةٌ
جُمانٌ كأَعناقِ الدَبا وَرَفارِفُ

إِذا خُرِقَت أَقدامُهنَّ بِمِشية
تَناهَينَ وانباعَت لَهُنَّ النَواصِفُ

يَنُؤنَ بأَكفالٍ ثِقالٍ وَأَسوقٍ
خِذالٍ وَأَعضادٍ كَسَتها المَطارِفُ

وَيَكسِرنَ أَوساطَ الأَحاديثِ بِالمُنى
كَما كَسَر البَرديَّ في الماءِ غارِفُ

وأدنَيتِني حَتّى إِذا ما جَعَلتِني
لَدى الخَصرِ أَو أَدنى استَقَلَّك راجِفُ

فإِن شِئتِ واللَهِ انصَرفتُ وإِنَّني
مِن أَن لا تَريني بَعدَ هَذا لَخائِفُ

رأَت ساعِدي غولٍ وَتَحتَ ثيابِهِ
جَناجِنُ يَدمى حَدُّها وَقَراقِفُ

وَقَد شَئِزَت أُمُ الصَبيَّينِ أَن رأَت
أَسيراً بِساقيهِ نُدوبٌ نَواسِفُ

فإِن تُنكِري صَوتَ الحَديدِ وَمِشيَةً
فإِني بِما يأَتي بِهِ اللَهُ عارِفُ

وإِن كُنتِ مِن خَوفٍ رَجَعتِ فإِنَّني
مِنَ اللَهِ والسُلطانِ والإِثمِ راجِفُ

وَقَد زَعَمَت أُمُّ الصَبيينِ أَنَّني
أَقَرَّ فؤادي وازدَهَتني المَخاوِفُ

وَقَد عَلِمَت أُمُّ الصَبيَّين أَنَّني
صَبورٌ عَلى ما جَرَّفتني الجَوارِفُ

وإِنّي لَعَطّافٌ إِذا قيلَ مَن فَتىً
وَلَم يَكُ إِلا صالِحُ القَومِ عاطِفُ

وَأُوشِكُ لَفَّ القَومِ بِالقَومِ لِلَّتي
يَخافُ المُرَجّى والحَرونُ المُخالِفُ

وإِنّي لأُرجي المَرءَ أَعرِفُ غِشَّهُ
وأُعرِضُ عَن أَشياءَ فيها مَقاذِفُ

فَلا تَعجَبي أُمَّ الصَبييَّنِ قَد تُرى
بِنا غِبطَةٌ والدَهرُ فيهِ عَجارِفُ

عَسى آمِناً في حَربِنا أَن تُصيبَهُ
عواقِبُ أَيامٍ وَيأَمَنَ خائِفُ

فيُبكينَ من أَمسى بِنا اليَومَ شامِتاً
وَيُعقِبنَنا إِنَّ الأُمورَ صَرائِفُ

وَإِن يَكُ أَمرٌ غَيرَ ذاكَ فإِنَّني
لَراضٍ بِقَدرِ اللَهِ لِلحَقِّ عارِفُ

وإِنّي إِذا أَغضى الفَتى عَن ذِمارِهِ
لَذو شَفَقٍ عَلى الذِمارِ مُشارِفُ

وَينفُخُ أَقوامٌ عَليَّ سُحورَهُم
وَعيداً كَما تَهوي الرِياحُ العَواصِفُ

وأُطرِقَ إِطراقَ الشُجاعِ وإِنَّني
شِهابٌ لَدى الهَيجا وَنابٌ مُقَاصِفُ

وَداويَّةٍ سَيرُ القَطا مِن فَلاتِها
إِلى مائِها خِمسٌ لَها مُتَقاذِفُ

بُطونٌ مِنَ المَوماةِ بَعَّدَ بَينَها
ظُهورٌ بَعيدٌ تَيهُها وأَطايفُ

يَحارُ بِها الهادي وَيَغتالُ رَكبَها
تُنائِفُ في أَطرافِهِنَّ تَنائِفُ

هَواجِرُ لَو يُشوى بِها النَيُّ أَنضَجَت
مُتونَ المَها مِن طَبخِهِنَّ شَواسِفُ

تَرى وَرَقَ الفِتيانِ فيها كأَنَّها
دَراهِمُ مِنها جائزاتٌ وَزائِفُ

يَظَلُّ بِها عَيرُ الفَلاةِ كأَنَّهُ
مِنَ الحَرِّ مَرثومُ الخَياشِمِ راعِفُ

إِذا ما أَتاها القَومُ هَوَّلَ سَيرَهُم
تَجاوبُ جِنّانٍ بِها وَعَوارِفُ

وَيَومٍ مِنَ الجَوزاءِ يَلجأُ وَحشُهُ
إِلى الظِلِّ حَتّى اللَيلَ هُنَّ حَواقِفُ

يَظَلُّ بِها الهادي يُقَلِّبُ طَرفَهُ
مِنَ الهَولِ يَدعو لَهفَهُ وَهوَ واقِفُ

قَطَعتُ بِأَطلاحٍ تَخَوَّنَها السُّرى
فَدَقَّ الهَوادي والعيونُ ذَوارِفُ

مَلَكتُ بِها الإِدلاجَ حَتّى تَخدَّدَت
عَرائِكُها وَلانَ مِنها السَوالِفُ

وَحتّى التَقَت أَحقابُها وَغُروضُها
إِذا لَم يُقَدَّم لِلغُروضِ السَنائِفُ

نَفى السَيرُ عَنها كُلَّ ذاتِ ذَمامَةٍ
فَلَم يَبقَ إِلا المُشرِفاتُ العَلائِفُ

مِنَ العَيسِ أَو جَلسٍ وَراءَ سَديسِهِ
لَهُ بازِلٌ مِثلُ الجُمانَةِ رادِفُ

مَعي صاحِبٌ لا يَشتَكي الصاحِبُ العِدى
صَحابَتُهُم وَلا الخَليطُ المؤالِفُ

سَراةٌ إِذا آبوا لُيوثٌ إِذا دُعوا
هُداةٌ إِذا أَعيى الظَنونُ المُصادِفُ

إِذا قيلَ لِلمُعيى بِهِ وَزَميلِهِ
تَروَّح فَلَم يَسطِع وَراحَ المُسالِفُ

رأَوا شِركَةً فيهِنَّ حقّاً وَكَلَّفوا
أُولاتِ البَقايا ما أَكَلَّ الضَعائِفُ

أَولاتِ المِراحِ الخَانِفاتِ عَلى الوَجى
إِذا قارَبَ الشَدَّ القِصارُ الكَواتِفُ

فَبَلَّغنَ حاجاتٍ وَقَضَّينَ حاجَةً
وَفي الحَيِّ حاجاتٌ لَنا وَتكالِفُ

وَنِعمَ الفَتى وَلا يُودّعُ هالِكاً
وَلا كَذِباً أَبو سُلَيمانَ عاطِفُ

لِجارَتِهِ الدُنيا وَلِلجانبِ العِدى
إِذا الشُولُ راحَت وَهيَ حُدبٌ شَواسِفُ

وَبادَرَها قَصرَ العَشيَّةِ قَرمُها
ذَرى البَيتِ يَغشاهُ مِنَ القُرِّ آزِفُ

يُنَفِّضُ عَن أَضيافِهِ ما يَرى بِهِم
رَحيمان ساعٍ بِالطَعامِ وَلاحِفُ

كأَن لَم يَجِد بؤساً وَلا جُوعَ لَيلَةٍ
وَفي الخَير والمَعروفِ لِلضُرِّ كاشِفُ

يَبيتُ عَن الجيرانِ مُعزِبَ جَهلِهِ
مُريحَ حَواشي الحِلمِ للخَيرِ واصِفُ

إِذا القَومُ هَشّوا لِلطِّعانِ وَأَشرَعوا
صُدورَ القَنا مِنها مُزَجُّ وَخاطِفُ

مَضى قُدُماً يُنمي الحَياةَ عَناؤهُ
وَيَدعوا الوَفاةَ الخُلدَ ثَبتٌ مواقِفُ

هوَ الطَاعِنُ النَجلاءَ مُنفِذُ نَصلِها
كَمبدَئِها مِنها مُرِشٌّ وَواكِفُ

وَما كانَ مِمّا نالَ فيها كَلالَةً
وَلا خارِجياً أَنفَذَتهُ التَكالِفُ
[/FRAME]

ابن حوران 07-06-2007 01:03 PM

وللمستعمرين وإن ألانوا ....... قلوب كالحجارة لا تَرِقُ
ففي القتلى لأجيال حياةٌ....وفي الأسرى فدىً لهم وعتقُ
وللحرية الحمراء بابٌ............... بكل يدٍ مضرجةٍ يُدَقُ




احمد شوقي

*سهيل*اليماني* 07-06-2007 01:50 PM

لقد نهيتُ بني ذبيانَ عن أقرٍ ،
وعنَ ترَبُّعِهِمْ في كلّ أصْفارِ

وقلتُ: يا قومُ، إن اللّيثَ مُنقَبِضٌ
على براثنهِ ، للوثبة ِ الضاري

لا أعْرِفَنْ رَبْرَباً حُوراً مَدامِعُها،
كأنّ أبكارها نعاجُ دوارِ

ينْظرْنَ شزْراً إلى من جاء عن عُرُضٍ
بأوجهٍ منكراتِ الرقّ ، أحرارِ

خَلَفَ العضاريطِ لا يوقَينَ فاحشة ً،
مستمسكاتٍ بأقتابٍ وأكوارِ

يُذرينَ دمعاً، على الأشفار مُنحدراً،
يأملنَ رحلة َ حصنٍ وابنِ سيارِ

إما عُصِيتُ، فإنّي غيرُ مُنفَلِتٍ
مني اللصابُ ، فجنبا حرة ِ النارِ

أو أضعُ البيتَ في سوداءِ مظلمة ٍ ،
تقيدُ العيرَ ، لا يسري بها الساري

تدافعُ الناسَ عنا ، حينَ نركبها ،
من المظالمِ تدعى أمّ صبارِ

ساق الرفيداتِ من جوش ومن عظمٍ
و ماشَ منْ رهطِ ربعيٍ وحجارِ

قَرْمَيْ قُضاعة َ حَلاً حَولَ حُجرته
مَدّا عليهِ بسُلاّفٍ أنْفارِ

حتى استقلّ بجمعٍ ، لا كفاءَ له ،
ينفي الوحوشَ عن الصحراءِ جرارِ

لا يَخفِضُ الرِّزّ عن أرضٍ ألَمّ بها؛
ولا يَضِلُّ على مصباحِهِ السّاري

وعَيّرَتْني بَنُو ذُبيانَ خَشْيَتَهُ،
وهل عليّ بأنْ أخشاكَ مِنْ عَارِ؟

ابن حوران 07-06-2007 02:44 PM

عقل عربي أم عقول عربية؟

عندما تناول المفكر محمد عابد الجابري، موضوع العقل العربي، ووضع به ما يشبه الموسوعة الفكرية الشاملة في عدة كتب قيمة، هي: تكوين العقل العربي وبنية العقل العربي، والعقل العربي السياسي، والخطاب العربي النهضوي، والتراث والحداثة وغيرها*1 ولم يبتعد في كتاباته الأخرى عن محور العقل العربي، فهو يعود الى هذا المحور عندما يتكلم عن الدولة والدين وعندما يتكلم عن (الإبستومولوجيا) لا يفارق محوره المفضل .. وأجد نفسي منحازا باعتزاز لنمطية مناقشاته تلك..

بهذه الأثناء ظهرت رؤى يتبناها مفكرون عرب آخرون، تتضاد مع منهجية الجابري، في محاكمته للعقل العربي، ولا أزعم أنني اطلعت عليها كاملة، كما لا أزعم بنفس الوقت أنني أكملت هضم منتجات الجابري بكمها الغزير. وتلك قضية أخرى لا تخلو من مبعث للشعور بالأسى والبؤس، خصوصا إذا كان ادعاؤنا نحن الطبقة الثالثة من المثقفين العرب، وفق التراتب الذي يضع المفكرين الكبار في المرتبة الأولى والمختصين الجامعيين من أساتذة، وكبار كتاب الصحافة والإعلام في المرتبة الثانية. وعندما يكون ادعاؤنا بأننا نشكل مقاربة تجسر أعمال من هم أكثر رقي منا مع من هم مثلنا أو بعدنا، فإن مهمتنا تكون منقوصة بشكل خطير عندما لا نستكمل فهم ما يُكتب ويُترجم من أعمال فكرية عظيمة..

وقد تكون حجج من ينتقدون منهج الجابري في محاكمة العقل العربي أو تحليله، تحمل في ثناياها بعض الوجاهة .. وإن كان بعضهم يغالي في النقد، فينكر أن هناك عقلا عربيا (هشام غصيب*2) فإن هناك من يقول أن هناك عقولا عربية .. وقد اختلف قسم منهم في الأسلوب ، ولم يعترض صراحة على المنهج كما فعل (عبد الله العروي)*3 و (أبو يعرب المرزوقي)*4


ولكن من يتتبع استنطاق الجابري للتاريخ والتراث والثقافة، سيدرك أهمية منهجه، الذي سيكشف بالنهاية الحالة الراهنة للعقل العربي، من خلال تتبع نتوءات المعرفة*5، وما تراكم ويتراكم على تلك النتوءات من معارف، والتي كونت في النهاية الوعاء (العقلي) العربي الراهن، بشكله المشخص بالاضطراب والمساجلة والتموج بين منحى وآخر ..

إذا كان العقل للإنسان الفرد، هو ما يملي عليه ما سيتخذ من ردة فعل تجاه ما يواجهه من مواقف حادة، أو ما يعرض عليه من آراء، تقبل التصديق والتكذيب، فيكون قرار الفرد صادرا من (أداة العقل) الذي يؤدي عمله على هدي ما تراكم في (وعاءه) المعرفي من معلومات يستدل من خلال تشابهها مع يمر به بشكل لحظي ..

فإن كان نوع الحدث، التعامل مع حالة اصطدام مركبة يقودها الفرد بمركبة أخرى أو بشخص يسير في الطريق، فإن عقل الفرد يأمره بشكل فوري باتخاذ ما يلزم، من التوقف وانتظار شرطي المرور أو التصالح الفوري أو الوصول للقضاء والاستعانة بأحد المحامين، أو أحيانا يأمره عقله بالهرب والاختفاء من ساحة الحدث!


وإن عُرض على الفرد خبرا من محطة تلفزيونية، فإنه سيعيد الخبر الى جذوره، ويستعيد تاريخ ما يعرف عن هذه المحطة وفهرس مثيلات الخبر المذاع ومدى صدقه أو كذبه، مقارنة بمحطات أخرى..

هذا، بالنسبة للفرد، وهو جزء ضئيل جدا من مجتمع أكبر هو الشعب أو الأمة، وكل واحد منهم له أداء مختلف عن الآخر كاختلاف البصمات، فكيف يكون هناك إذن عقل جماعي يشمل كل المجتمع بأفراده ؟

هل نتحدث إذن عن عقل عربي أم عقول عربية؟ هنا تكمن مواطن الاختلاف في المناهج بين المفكرين العرب، ومن يتأثر بهم من جمهور المثقفين في مختلف تراتبهم الثقافي ..

لكن في المثالين السابقين، اعتمد الفرد على حصيلة تجارب مشابهة لما مر بها هو، أو سمع من أصدقاءه أو أبناء مجتمعه، أو ما قرأ عنه من تجارب مشابهة حدثت في أزمنة وأمكنة مختلفة، وسيتم نسيان من ابتدأ التجربة حتى لو كان مخترعا علميا، وتصبح تلك التجربة مكوِن من مكونات التراث المحلي أو القومي أو العالمي، بمختلف المناحي العلمية والحربية والأدبية والدينية الخ

لا يُعقَل أنه إذا أراد أحدٌ أن يفكر بتصنيع سيارة، أن يجعل إطاراتها مربعة الشكل، ثم يكتشف بعد ذلك أنها لو كانت دائرية لكانت أفضل! فعمومية العلم تجعل أبناء الكرة الأرضية يستفيدون من تجارب بعضهم البعض.. ولا يتوقفون كثيرا عند المكتشف الأول لتلك المعلومة أو بلده أو دينه، فالمكتشفات عند الشعوب تبقى في مكانها فترة بسيطة ثم تضاف للتراث الإنساني ..

لكن يبقى هناك أساس يميز حضارة عن حضارة وشعب عن شعب، وسيبدو الشعب الواحد بنظر من هم خارجه وكأن أفراده عبارة عن نسخة واحدة مضروبة بعدد أبناء الشعب نفسه، وهذا ما ينظر إليه عندما نتحدث عن الشعب المصري أو اللبناني أو العراقي، فيما بيننا كعرب، وقد يختار أبناء مصر مدينة أو إقليم ليتندروا بالحديث عن أبناء ذلك الإقليم وكأنهم فرد واحد، ويفعل كذلك السوريون والعراقيون وغيرهم، وبالمقابل فإن من هم خارج العرب سينظرون للعرب وكأنهم نسخة واحدة لشخص ارتسمت صورته في أذهانهم ..


هذا ما تناوله صموئيل هانتنغتون في كتابه (صدام الحضارات)*6 عندما حاول وضع خطوط فاصلة بين الحضارات فبعد أن تسلسل في سمات سكان سردينيا و طرائقهم الحياتية واختلافها عن سكان نابولي و فينيسيا، وصل الى أن هناك شخصية إيطالية لها سماتها التي تميزها عن الألمانية والهولندية والإنجليزية، لكنها تلتقي كلها في سمات الشخصية الحضارية الأوروبية ..

لقد عالج الجابري تلك المسألة بإرجاعها ل (النظم المعرفية)، وكنا قد ذكرناها في الحلقات الأولى من هذا الملف، لكن باقتضاب وسنعود إليها ببعض التفصيل لاحقا ..

في إحدى السنوات حاولت جمع بعض بذور (النفل) وهو نبات رعوي معروف يتبع للعائلة البقولية، تستسيغه كل الحيوانات التي يقتنيها الإنسان، ويزيد إنتاجها وتتحسن أحوالها إذا تغذت عليه. وعندما تنطلق الحيوانات في المرعى فإنها تقبل على نبات (النفل) حتى تقضي عليه كله، ثم تنتقل بعد ذلك الى ما دونه من الأصناف الأقل جودة واستساغة منه. فاجتهدت في محاولة تكثير ذلك النبات بجمع قسم من بذوره الناضجة، وخصصت لها مكانا محددا من الأرض وبذرتها ورعيت بذورها بالاهتمام بسقيها وتعشيبها، وفق الأسس المعروفة في زراعة المحاصيل الحقلية. لكن لم ينبت من البذور ولا بذرة واحدة، لا في السنة الأولى ولا في السنة الثانية ولا بعدها .. وعندما بحثت في ذلك وجدت أن هناك العديد من أصناف النباتات الرعوية يمتلك خصائص تجعلها تمتنع فيها عن الإنبات بانتظام .. وتعاود الإنبات في ظروف لا دخل للإنسان فيها ..

هذه الحالة، من يتمعن في الجنس البشري، سيجدها ماثلة في سلوكه ومظاهر (عقلنته) وذروة نشاط عقله. فنحن لا نستطيع التعرف على عقل شعب إلا من خلال ما ينتجه هذا الشعب من عطاء حضاري، بأشكاله المختلفة، وقد تعبر عن هذا العقل الدولة، أو النخب المسموح لها بالتعبير من خلال قوانين وظروف الدولة نفسها .. وقد تكون عينة الدولة في كثير من الأزمان لا تعبر عن الحالة الحضارية لما يكمن في مخزون الشعب، وقد تمر فترات طويلة لا يتم التعرف بها على الإمكانيات الحضارية لهذا الشعب .. وقد رأينا أمثلة كثيرة، فاليهود يسبتون قرونا طويلة، وما أن تتاح لهم الفرصة حتى يعاودوا نشاطهم العقلي الذي يتطابق مع سالف عهدهم، وكذلك أهل الهند والأتراك وغيرهم ..

وهذا ما يؤكد أهمية مناقشة النظم المعرفية التي تحرس نمطية الجهد العقلي لأي شعب، وهو ما سنناقشه ببعض التفصيل لاحقا..

هوامش
ــــ
*1ـ سلسلة من المؤلفات نشر معظمها من خلال مركز دراسات الوحدة العربية
*2ـ هل هناك عقل عربي/قراءة نقدية لمشروع محمد عابد الجابري/ هشام غصيب/المؤسسة العربية للدراسات والنشر/بيروت/ ط1/1993
*3ـ ثقافتنا في ضوء التاريخ/عبد الله العروي/المركز الثقافي العربي/ الدار البيضاء/المغرب/ط1/1983
*4ـ إصلاح العقل في الفلسفة العربية/أبو يعرب المرزوقي/ مركز دراسات الوحدة العربية/ط1/1994
*5ـ مصطلح قامت بنحته (كروبسكايا) زوجة لينين/ قرأته في كتيب سوفييتي مترجم للعربية، تحت عنوان (تكنيك القراءة والمطالعة) نسيت دار النشر وسنتها .. ولم أعد أملكه الآن..
*6ـ صدام الحضارات/ إصدار خاص قام به مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق/بيروت ط1/1995

ابن حوران 21-06-2007 12:46 AM

التمايز في الوطن العربي وتاريخ ظهوره

مع بداية ظهور الإسلام، ومع بوادر الدعوة منذ لحظاتها الأولى، استقطب الإسلام الأقليات والمستضعفين من ملونين وغيرهم في مجتمع مكة والمدينة، في حين استكبر الملأ الذين كانوا يعتبرون أنفسهم أسياد المكان، واستنكروا مساواة العبيد مع الأسياد .. والآية 13 من سورة الحجرات { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} وكما يذكر الله عز وجل في الآية 70 من سورة الإسراء على تكريم بني آدم على باقي المخلوقات { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا} .. كما أن الرسول صلوات الله عليه، قد قرر نظرة المساواة بين المسلمين والناس، فقال: الناس سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين غربي ولا عجمي إلا بالتقوى .. وما ورد على لسان الصحابة من أقوال تؤكد إيمانهم بالنظرة السماوية تجاه الناس فقد روي أن عمر بن الخطاب قد استمع الى شكوى مصري تسابق مع ابن عمرو بن العاص فسبقه، فقال له ابن عمرو ابن العاص: أتسبق ابن الأكرمين وضربه بالسوط.. فطلب ابن الخطاب عمرو ابن العاص وابنه والمصري وناول المصري سوطا وقال له اضرب ابن الأكرمين .. وأتبع أمره بالقول (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟)* 1

إلا أن النزاهة في التعامل مع الأقليات والتي كانت أجواء حداثة الرسالة السماوية تجعلها أقرب الى العدل بل و (القسط)*2 تجاه أبناء الأقليات، قد تأثرت بتطور الدولة وأداءها، وتأثر هذا الأداء بالعصبية، وقد نوه عن تلك المسألة ابن خلدون في مقدمته إذ قال (إن كل أمر تُحمَل عليه الكافة، فلا بد له من العصبية) ويستشهد بالحديث (ما بعث الله نبيا إلا في متعة من قومه)*3.. ويشرح ابن خلدون تلك المسألة (العصبية) فيقول أنها أساس الملك، وقد ألهم الله رسوله في التعامل مع تلك المسألة بقدرة قيادية هائلة، عندما كان يكرم رؤساء العشائر ويغدق عليهم بالعطاء وهم في طريقهم الى الإيمان الكامل (المؤلفة قلوبهم) وقد نجح هذا النهج، ففي معركة القادسية كان عدد الجنود من جيش المسلمين حوالي 33 ألف جندي، مقابل 120 ألف من الفرس، وجيوش المسلمين في معركة اليرموك تقل عنها في معركة القادسية من حيث العدد، مقابل 400ألف من جنود هرقل .. وقد انتصر المسلمون في المعركتين، لانضوائهم تحت (الديني) مع مراعاة لظروف تجميعهم (الاجتماعي) وفق نظرة سوقية عسكرية واعية ..

أوضاع غير المسلمين

يتجنب كثير من الكتاب والمفكرين الإسلاميين، الذين (يؤدلجوا) الدين سياسيا من استخدام مصطلح الأقليات، بل يميلون الى استخدام مصطلح (التعدد)، كما يفعل (وجيه كوثراني) و (فهمي هويدي) مثلا*4.. ويحاول هؤلاء الكتاب من وضع كلمة أقلية بين قوسين، وكأنهم مجبرين على استخدامها..

وبغض النظر عن التسمية، فإن الإسلام واجه منذ البداية مشاكل رفض تتعلق بالواقع الإثني، ونستطيع تصنيف تلك الإثنيات على طريقة الشهرستاني في كتابه (الملل والنِحَل) *5، حيث قسم الناس في بداية كتابه الى أهل الديانات والملل، وأهل الأهواء والنحل .. فأهل الديانات مثل النصارى والمجوس واليهود والمسلمين، وأهل الأهواء والآراء مثل : الفلاسفة، والدهرية، والصابئة وعبدة الكواكب والأوثان، والبراهمة .. هذا بعد أن مهد لتصنيف الناس حسب عروقهم، فهذا هندي وهذا عربي وهذا فارسي الخ ..

ولو سرنا على تقسيم الشهرستاني، لخرج اليوم علينا كميات هائلة ممن تنطبق عليهم صفة الأقلية، وستكون عندها الأحزاب والنقابات وحتى الطوائف الدينية وأصحاب الطرق أقليات .. وعندها سيضيع جهدنا ويتشتت في إعطاء الموضوع حقه، وقد لا يرغب القارئ بالغوص بتلك التفاصيل، بل إنه يقبل أن يطلع على الكيفية التي كانت الحكومات الإسلامية تتعامل فيها مع أقليات قومية، وقد لا تكون أقليات بل تكون هي الغالبية في مناطقها كأكراد شمال العراق، والأمازيغ في الأقطار المغاربية، والزنج في جنوب السودان وموريتانيا، وأقليات أخرى هاجرت الى منطقتنا في ظروف شتى كالأرمن والشركس وغيرهم .. وإن مررنا على كل ذلك فإننا قد نؤسس للنظرة المستقبلية التي تساعد في التمهيد لوضع تصورات في الكيفية التي يجب مناقشة بها موضوع الأقليات، بما يقود لمناقشة وضع الأوطان بطرح يقبل به كل من يعيش في تلك الأوطان ..

لنمر سريعا على الكيفية التي تعاملت به دولة صدر الإسلام مع موضوع الأقليات:

أولا: المواطنة وقضية الأقليات في الفكر السياسي الإسلامي :

أ ـ حرية التدين والعقيدة:

وهذا يعني عدم إكراه غير المسلمين على اعتناق الدين الإسلامي، وتركهم ببناء كنائسهم والقيام بممارسة شعائرهم الدينية. وهنا علينا أن نتذكر، كيف ميزت الإدارة الإسلامية بين الأمصار التي فتحت عنوة (بالقوة) والأمصار التي بناها المسلمون، ولم يكن لها وجود كالبصرة والكوفة والفسطاط وبغداد و واسط والقيروان .. ويمكن إرجاع المعايير التي قام هذا التقسيم على أساسها*6:

1ـ الأمن القومي للمجتمع المسلم، حيث يفترض أن الدول التي فتحت عنوة هي أكثر تهديدا للأمن القومي للدولة المسلمة.. فالاحتياطات واجبة.

2ـ الأمصار التي فُتحت صلحا يتم ضبط هذه المسألة من خلال الشروط التي يتفق عليها الطرفان. وبشكل عام فإنه يجوز لأهلها تجديد ما تهدم من معابدهم، وبعد أخذ إذن الدولة إذا أريد بناء الجديد من المعابد.

3ـ في البلاد التي مصرها المسلمون، حيث لا يسكنها سواهم، وتقام فيها شعائرهم كالجمعة والجماعة، لا يجوز بناء المعابد غير الإسلامية فيها.

ب ـ تكافؤ دماء المسلم وغير المسلم في القصاص والدية:

الجمهور يستندون الى الحديث المشهور( لا يُقتَل مسلم بكافر) فيمنعون أن يُقتص لغير المسلم من المسلم إذا قتله.. والأحناف يخالفون الجمهور في ذلك ويذهبون الى أنه يُقتص للمُعاهِد غير المسلم من المسلم.. لقول الرسول صلوات الله عليه (من قَتَل مُعاهدا لم يُرَح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما) .. والعلماء مجمعون على أن قتل الذمي كبيرة من كبائر المحرمات لهذا الوعيد، والأحناف والنخعي وابن أبي ليلى وعثمان البتي يقولون باستوائهما في عصمة الدم المؤبد .. فقد قتل النبي مسلما بمعاهد وقال (أنا أكرم من وفى بذمته، وأمر علي رضي الله عنه بقتل رجل من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة، وقامت عليه البينة فجاء أخوه فعفا عنه .. فقال علي: من كان على ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا.. وفي رواية أخرى : إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا*7

ج ـ واجبات أهل الذمة :

منذ حروب الردة، التي خاضها الخليفة أبو بكر الصديق رضوان الله عليه، ضد من امتنع عن أداء الزكاة مرددا قوله الشهير (إنما أنا مُتَبِع ولست بمبتدع)*8، وقد كانت تلك الحروب مع مسلمين غير ملتزمين بدفع الزكاة. وإن الجزية كانت تؤخذ من أجل حماية حقوق المواطنين غير المسلمين، والذين لم يٌطلب منهم حمل السلاح والدفاع عن البلاد .. وتتعدد اتجاهات الفقه الإسلامي بالنسبة لتكييف الجزية، فهناك آراء ثلاثة في هذا الشأن:

1ـ الرأي الأول يذهب الى أن الجزية هي أجرة السكن بأمان في الديار الإسلامية وهم الشافعية ( راجع ابن القيم : أحكام أهل الذمة ص 22ـ24)

2ـ الرأي الثاني: يذهب الى أن الجزية عقوبة على كفرهم ويمثله الحنابلة (راجع الماوردي : الأحكام السلطانية والولايات الدينية ص 144) .

3ـ الرأي الثالث: يذهب الى أن الجزية هي بدل الدفاع عن أهل الذمة، وهو رأي الأحناف ..

يتبع


هوامش
ـــ
*1ـ http://sahab.net/forums/showthread.php?t=324046
*2ـ القسط هو إحقاق العدل مع إرضاء الطرف الآخر ..
*3ـ مقدمة ابن خلدون/ الدار التونسية 1984/ ص 208
*4ـ مشروع النهوض العربي/ بيروت/دار الطليعة 1995/ص 134.. كما يمكن ملاحظة ذلك في مجلة المنهاج /مركز غدير للدراسات الإسلامية/عدد10/ صيف 1998.. ويمكن ملاحظة ذلك في كتابات فهمي هويدي في (حقوق الإنسان في الإسلام) مقالات المؤتمر السادس للفكر الإسلامي/طهران 1988
*5ـ الملل والنحل/ محمد عبد الكريم الشهرستاني/ تحقيق: محمد بن فتح الله بدران/ مكتبة الأنجلو المصرية/ 1956/ص 20
*6ـ الأقليات والسياسة في الخبرة الإسلامية: من بداية الدولة النبوية وحتى نهاية الدولة العثمانية 621ـ 1908م/ د كمال السعيد حبيب/ مكتبة مدبولي/ 2002/القاهرة/ ص 80ـ 86
*7ـ غير المسلمين في المجتمع المسلم/ يوسف القرضاوي ص 12
*8ـ الأمة والدولة في سياسـة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين/ د نزار عبد اللطيف الحديثي/دار الحرية للطباعة/ بغداد1987/ ص 186

ابن حوران 25-06-2007 12:38 AM

أشكر تفضلكم بالمرور الكريم

أخي الشاعر السيد عبد الرازق

احترامي وتقديري

ابن حوران 25-06-2007 12:39 AM

(27)

تتم الولادات عند حيوانات البراري، بطريقة تختلف عما هي عليه عند الحيوانات (الداجنة) التي تتعايش معنا، فالولادات عند حيوانات البراري محكومة بكمية المفاجئات التي قد تتعرض إليها أنثى الحيوان أثناء وضعها لمولودها، فقد يكون هناك حيوان كاسر من وحوش البراري من يتربص بلحظة الولادة، ليحولها الى غنيمة، ووليمة في نفس الوقت، ضاربا بعرض الحائط أشكال اللوعة والحسرة عند الأم التي تلد بعد معاناة الحمل نفسها، وقد لا يوفر الأم إن لم تجتهد في التواري والهرب من فتك الفاتكين، فقد تلتحم بعض أجزاء الأم مع أجزاء من لحم وليدها في بطن أو بطون تلك الوحوش المفترسة ..

وعلى الوليد أن ينهض بعد ولادته، ويبدأ بالركض، ومجاراة والدته حتى ينعم بحمايتها له .. كذلك تفعل الطيور، فما أن يطير (الفرخ) من العش، فإن عليه أن يتوقع انتهاء حياته في أول محاولة طيران، كما عليه أن يستفيد من المهارات التي تم (زقه) بها مع ما ناولته أمه من غذاء..

في المجتمعات البدائية، يتم شيء قريب من ذلك، ففي قبائل (تشمبولي) وقبائل (آرابيش) في غينيا بيساو، يُعهد لأطفال بعمر سبع سنوات بالقيام بتربية من هم بعمر شهرين فما فوق، لذلك لا يزيد عدد أفراد تلك القبائل، وهي مهددة بالانقراض، إن لم تكن انقرضت، فأخبارها أتت من خلال ما دونته عنها (مرجريت ميد) قبل نصف قرن .. وانقراضها يكون مشابه لانقراض بعض أصناف الظباء التي أخل بأعدادها كل من الوحوش الضارية، إضافة للإنسان..

عند (الغجر) وبعض المجتمعات البدائية، لا يكون هناك مراجعة دورية، للعيادات المختصة بالطفل والمرأة الحامل، ولا تكون هناك ولادات في مستشفيات مختصة، ولا يكون هناك برامج للقاحات متسلسلة، بل تتم الولادة، على أيدي من تزعم بأنها أكثر خبرة ودراية في شؤون الولادة، وبأدوات وظروف متواضعة جدا، خالية من التعقيم ومواد الإسعافات الأولية .. وقد تتم الولادة والمرأة راكبة على ظهر حمار، أو وهي تقوم بحلب بقرة، أو توليد بقرة، فتتم الولادتان في آن واحد ..

لم تكن (العتيقة) في وضع أكثر رقيا مما ذكرت، فالأطفال نتاج غير مضمون، وغير نهائي، فالتهيؤ لفقدانهم، كان يحتل مكانا واسعا، ولا يكون هناك مفاجئة من ضياع الطفل أثناء الولادة، أو بعدها بأيام أو شهور، ويبقى كذلك حتى سن سبع سنوات، وأحيانا حتى (يخط شاربه) في موقع احتمالية الاختفاء من الحياة، فإن فلت من مرحلة الولادة، قد لا يفلت من الحصبة أو مرض (ما أدري ماله) .. أي لا أعرف ماذا جرى له حتى توفي، وهي إجابة الوالدة عندما تفقد ابنها، وتسألها أختها أو جارتها : ماله؟ .. فتجيب : (ما أدري ماله) رضعته، وناغيته وضحك ونام، ولم يفق.. وقد يكون مرض (ما أدري ماله) هو التهاب سحايا، أو مرض ينتج عن مسببات (ما أدري ما هي) .. وأحيانا تنتهي التحليلات بإرجاعها للإصابة ب (العين) .. فتروي الوالدة: أن فلانة قد مرت بها بعد العصر، وكان الطفل على صدري، والحليب ينزل من (دلاغمه) فشهقت وما صلت ع النبي ..

وقد ينجو الأطفال، ولكن ماذا يعني؟ .. إنهم سيبقون يكابدون حتى يدخلون في نمط آخر من المكابدة، فتكون سنين ربيع حياتهم كربيع العتيقة، ففي كل بلاد العالم تقسم السنة الى أربعة فصول، إلا في العتيقة، فتقسم الى فصلين، صيف حار جاف، وشتاء بارد جاف! .. وتأتي عينة من الربيع، تُعرض على أهل العتيقة، فما أن يقبلوا بها، حتى تختفي.. تماما كسنين فرح أهلها ..

كنت تمر من جنب طفل يجلس جنب بوابة دار أهله، يبكي على طريقة (أم كلثوم) بالغناء، يقنن نبرة البكاء حتى تطول لساعات، وقد تراه يمسك حجرا ويطرق به حجرا آخرا، ويولول (إلا.. إلا .. إلا .. آه) ويبقى على هذا اللحن، وتعود إليه بعد ساعات، وستجده، مواظبا صبورا، على بكاءه، فتجاربه بالبكاء، علمته التفنن بها .. وقد يسكت لفترة ليراقب (جندبا) يقفز من مكان لآخر، أو طابور نمل، فيلهيه هذا المشهد عن مواصلة عمله .. لكنه سينتبه في النهاية، أنه في مهمة أكثر قدسية من تلك العبثية، فيشغل (زاموره) .. (آه .. إلا.. إلا)

لم يكن هناك من ينتبه إليه، فقد يكون قد طلب خبزة، أو بيضة، أو شيئا ما، ولا يوجد هناك إمكانية لتلبية طلبه، أو يكون قد تجاوز في طلبه، فأراد أن تضع والدته قليلا من السكر على خبزة مدهونة بالزيت، فرفضت والدته، لمعرفتها بأن التساهل بتلك المسألة سيجعل نظام التموين مختلا ..

كان هناك من الأطفال، من يتباهى بشيء، أي شيء، فقد يخرج الى الشارع بماعون صغير فيه عينة من الطعام النادر، وهي لحظات نادرة أيضا، ويقوم بالأكل أمام أترابه ليضطهدهم، فقد يكونوا قد عملوا ذلك به سابقا، ويتوقف الأطفال، ويقتربون منه ويقولون له: (إطعم) أي أعطنا قليلا منه، فلا يجيب، بل يبقى يتلذذ بمارقبة لعب و حركة (زور) خصمه الذي أوحى له بفكرة الاضطهاد وكانت تلك الحركات تسمى (حرقنة) ولا أدري من أين أتوا بجذرها اللغوي، وقد تكون من (حرق) والنون للتوكيد و (المقاهرة) ..

وقد تتم حركات (الحرقنة) بين الأخوة أنفسهم، فقد يخفي أحد الأخوة حصته من بعض الحلويات الصلبة (قوم، فيصلية، كعكبان)*1 وبعد أن يتيقن من أن أخوته قد أتوا على حصصهم، يخرج قطعة من التي أخفاها ويقوم بمصها أمامهم، لتدور المشاكل من إيقاد تلك الفتنة! .. وتبدأ موجات بكاء كالتي عهدناها.

هناك أشكال أخرى من (الحرقنة) تتم عند بعض الأطفال من أبناء الأسر الأقل فقرا (وليس الموسرة) .. فيشتري أهلهم لهم (كرة مطاطية) ببعض قروش، وقد يشتروها لأن طفلهم هذا وحيدا. فيأتي الطفل (يطب) بالكرة أمام أترابه من الحي فيتزلفون لديه وهم يعلمون أن ليس لديه صفات قيادية، وليس هو بالطفل المحبوب، حتى يلاعبهم بها، وإن (زعل) منهم أخذ كرته وانصرف .. فيعودون الى ألعابهم الأقل كلفة .. ولكنها أكثر خشونة .. فيضربون حجرا مسطح بحجر مكور، وأحيانا (يطفر) أحد الأحجار على ساق أحدهم، فيجرحها ولكنه لا يشتكي، ولا يبكي، وإنما تلحظ والدته أثناء حمامه الأسبوعي، أن هناك بقعا زرقاء على سيقان ابنها، فتسأله عن سببها، فينسى من أين منشأها، فهي كثيرة ومتشابهة. وكثيرا ما كنا نرى طفلا يضع بين رجليه رمحا من قصب وثبت برأسه قطعة قماش ويتعامل مع ذلك الرمح وكأنه حصان ..ولكن الطفل هو من يصهل وليس الحصان ..

أما البنات فكن يحظين بلعبة صنعتها عجوز في الدار، من عظام حنك الجمل وكستها بقطع ملونة من قماش، زادت عن تفصيل ثوب لأحد أفراد الأسرة، أو تضع عودين متصالبين وتكسيهما بقطعة قماش، وتضع (زرا) مقطوع من معطف قديم ليكون رأسا ووجها لتلك اللعبة التي تضع خصلة من شعر بنت عليها لتكون بمثابة شعر للعبة .. أو تجلس البنات الصغار، يضعن خرزة في كومة من تراب، من بين مجموعة من كومات مشابهة، لتقوم أخرى، بمعرفة أي تم إخفاء الخرزة، أو أنهن يضعن خمس قطع من الحصى المكور والمصقول نوعا، يحضرنهن من الوديان، فيرمينهن ويلقفنهن وفق أسس بسيطة للعبة ..

هذا نمط من طفولة العتيقة ..

ابن حوران 28-06-2007 12:34 AM

أشكركم أخي على مروركم ..
ولست مؤرخا تاريخيا .. بل مجرد مهندس زراعي له بعض الاهتمامات

احترامي و تقديري

ابن حوران 28-06-2007 12:35 AM

مستقبل الاسكندرونة في ضوء الاتفاقيات والوثائق الدولية

أ ـ مراسلات حسين ـ مكماهون

اندلعت ثورة العرب على الأتراك في 10/6/1916 وكان من ضمن الخطوات التي تم الاتفاق عليها بين الشريف حسين و الجمعيات العربية الاتصال بالسلطات البريطانية للحصول على دعمها، وهكذا بدأت سلسلة من الاتصالات والمراسلات التي عرفت باسم (مراسلات حسين ـ مكماهون) ومكماهون هذا هو السير هنري مكماهون المندوب السامي البريطاني في القاهرة ..

وقد تضمنت المراسلات إشارة واضحة الى تبعية المناطق الواقعة جنوب جبال طوروس ومن ضمنها منطقة (الاسكندرونة). فقد جاء بمذكرة الشريف حسين الأولى الى مكماهون والمؤرخة في 14/7/1915 تعيينا للحدود الشمالية للوطن العربي بخط يقع شمال مرسين ـ أدنة الموازي لخط 37 شمالا الذي تقع عليه المدن والقرى ( بيره جك، أورفة، ماردين، فديان، جزيرة ابن عمر، عمادية، حتى حدود فارس). وعندما رد مكماهون بأن بحث مسألة الحدود ليس هذا وقته لأن الحرب العالمية الأولى لم تنته بعد، وتلك المناطق لا تزال تحت حكم الأتراك،
عاد الشريف حسين في رسالته الثالثة المؤرخة في 9/9/1915 ليؤكد( أن تلك الحدود (مرسين، أدنة، الاسكندرونة) والتخوم المطلوبة ليست لشخص متعلق إرضاءه والبحث معه فيها عندما تضع الحرب أوزارها، بل أقوامنا رأوا أن حياة تشكلاتهم الجديدة الضرورية القائمين في أمرها، مربوطة على تلك الحدود والتخوم، وعقدوا الكلمة عليها...) ويضيف ( وفوق هذا فإن العرب لم يطلبوا في تلك الحدود مناطق يقطنها شعب أجنبي وكان ما يصرون عليه توحيد البلاد التي تسكنها فروعهم المنحدرة من أصل واحد...) ثم يوضح ( بأني لست شخصيا الذي يطلب تلك الحدود التي يقطنها عرب مثلنا، بل هي مقترحات شعب بأسره يعتقد أنها ضرورية لتأمين حياته الاقتصادية).

ولكن حكومة بريطانيا لم تقبل ضمها للحكومة العربية المقبلة، بل كانت التوجيهات العليا للسير هنري مكماهون تستثني بوضوح مرسين ، الاسكندرونة، بل واستثنت أجزاء ساحلية غرب حماة ودمشق وحمص وحلب .. وافق الشريف حسين على استثناء أدنة .. لكنه لم يوافق على استثناء الاسكندرونة والأجزاء الأخرى .. وقد وافق الشريف على التريث لحين انتهاء الحرب، بناء على طلب هنري مكماهون ذلك ..

وتوضح المراسلات السابقة والتي أثارت جدلا واسعا بين المؤرخين العرب، بأن العرب بكل مواقفهم وأصنافهم ومنذ البدء، لم يتخلوا عن الاسكندرونة ..

ب ـ اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916

في الوقت الذي كانت فيه مراسلات حسين ـ مكماهون قائمة، كانت بريطانيا تعقد صفقة مهمة مع حلفائها في الحرب وبالذات (فرنسا و روسيا) لتحديد مناطق نفوذهم في التركة العثمانية، تفاديا لوقوع خلاف فيما بين هؤلاء الحلفاء في المستقبل، ففي 18/3/1915 عقدت معاهدة (القسطنطينية) بين الأطراف الثلاثة، وقد نصت المادة الثالثة من الاتفاقية على جعل منطقة ميناء الاسكندرونة بأكملها والواقعة أصلا تحت الإدارة السورية التابعة للعثمانيين .. ميناءا دوليا وتعلن حريته.. ولكن جرى تعديل على ذلك باتفاقية سايكس ـ بيكو الموقعة في 16/5/1916، حيث حددت منطقة النفوذ الفرنسي باللون الأزرق، وكان لواء الاسكندرونة من ضمنها.. مع جعل حرية الملاحة للبريطانيين محفوظة في الميناء و مياهه الإقليمية .. وأن تتمتع البضائع البريطانية بحق المرور (الترانسيت) في الاسكندرونة.

ج ـ مؤتمر الصلح في باريس

حضر الأمير فيصل ابن الحسين، ممثلا عن العرب، مؤتمر الصلح المنعقد في باريس بشهر كانون الثاني يناير/1919 وتقدم بمذكرتين، الأولى في 1/1/1919 والثانية في 29/1/1919، ثم ألقى خطابا في 6/2/1919، وكل كلامه كان تأكيدا لما ورد في المراسلات آنفة الذكر، إذ جاء في المذكرة الثانية: ( جئت ممثلا والدي الذي قاد الثورة العربية ضد الأتراك.... لأطالب بأن تكون [الأقطار] الناطقة باللغة العربية في آسيا من خط الاسكندرونة ـ ديار بكر حتى المحيط الهندي جنوبا، معترفا باستقلالها و سيادتها بضمان من عصبة الأمم)

د ـ معاهدتا (سان ريمو) و (سيفر)


في 10/8/1920 عقد الحلفاء المنتصرون معاهدة صلح مع الدولة العثمانية، عرفت بمعاهدة سيفر، اعترفت فيها الحكومة العثمانية بارتباط كل من منطقتي (الاسكندرونة وكليكية ) معا، جزءا متمما للأقطار العربية، وذلك ما تضمنته المادة 27 من المعاهدة.

وفي المعاهدة نفسها (سيفر) أقرت الحكومة العثمانية في المادة 94 ما ورد في اتفاقية سايكس ـ بيكو، باستثناء ما ورد فيها بخصوص (الموصل) إذ اتبعتها اتفاقية سايكس ـ بيكو بفرنسا، في حين ألحقتها معاهدة سيفر ببريطانيا.

على ضوء المادة 94 من معاهدة سيفر، تم فرض الانتداب على العراق وسوريا وفلسطين بقرار صدر في 25/4/1920

بعد التعقيد الذي أحدثه تدخل اليونان في تركيا، وما نجم عنه من رجحان كفة كمال أتاتورك، استطاع الأتراك أن يستثمروا التناقضات فيما بين الدول المنتصرة عليهم في الحرب العالمية الأولى، حيث وقع الكماليون اتفاقية مع الاتحاد السوفييتي في 16/3/1921، جعلت تلك الاتفاقية الحلفاء يعدلوا من بنود معاهدة سيفر القاسية بما يؤمن لهم رضا الحكومة التركية.

هيثم العمري 28-06-2007 02:22 AM

العرب في ورطة لايعلمون أنهم مستهدفونا
أنت تنفخ في قربة فارغة كما
أنا أبيع الشعر في سوق الكساد
دمت ودام الحب

مازن عبد الجبار 02-07-2007 04:11 PM

موضوع جدير بالاهتمام والمراجعة والناحية التاريخية بالغة الدقة فيه

بسمة امل 03-07-2007 07:29 AM

السلام عليكم
تحية طيبة لكم جميعا

معلومات مهمة و مشيقة حقيقة تستدعي للقراءة أكثر حول الموضوع.

حقيقة أؤمن بأن هناك دائما حلقة مفقودة في تسلسل التاريخ..و أحيانا أشعر بأن الكاتب أو من يعد كتب التاريخ يقوم بإضافة أمورا يتخيلها هو وحده و يصنفها في مجلدات و تحت عنواين!
فهل كتاب التاريخ من عاشوا ذلك الزمان أم هم من خلفهم بعدهم؟
لا تبدو لي المدة الزمنية بين أوائل الـ 1900 و اليوم بذلك الطول مقارنة بتاريخ البشرية لكن مع ذلك فهناك حلقات مجوفة في التاريخ لا نعرف لها مكانا و لا أثرا.
ثم ماذا عن اليوم و تاريخنا هل يوجد من يدونه؟ هل سيقرأون أحفادنا عننا؟! هل ؟!

مجرد تساؤلات تأملتها و أنا اقرأ هذا المقال المثير للفضول..

شكرا لكم أخي و أستاذنا المهندس الزراعي

بسمة أمل

ابن حوران 04-07-2007 04:04 AM

برز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا

ومشى في الأرض يهدي ويسب الماكرينا

ويقول الحمد لله إله العالمينا

يا عباد الله توبوا ، فهو كهف التائبينا

واطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا

فأتى الديك رسول من إمام الناسكينا

عرض الأمر عليه وهو يرجو أن يلينا

فأجاب الديك عذراً ، يا أضل المهتدينا

بلغ الثعلب عني ، عن جدودي الصالحينا

من ذوي التيجان ممن دخل البطن اللعينا

مخطيء من ظن يوما أن للثعلب دينا

للشاعر : أحمد شوقي

ابن حوران 07-07-2007 03:10 PM

(28)



عندما تتقلص الفرص أمام الناس، في الحصول على غذائهم، أو أمنهم أو رفاهيتهم، فإن قوة غريبة تنبت في أعماق النفس الفردية، تُستنبت لكي تقوم بدور المفتي و المحلل و المحرم، ليس وفق دراسات فقهية والرجوع الى مرجعيات دينية مختصة، بل بالاعتماد على الحاجات الضرورية، وقد تجد تلك الفتاوى استحسانا من الجماعات، التي تنظر إليها بابتسامة تتفهم الدوافع لتلك الفتاوى، لكن دون تعليق كثير ..

كان الأطفال، يصنعون فخاخا من أسلاك معدنية، توضع عليها بعض حبات قمح أو نوعا من حشرات أو ديدان، تدفن (الفخاخ) بالتراب في أمكنة تبيت بها طيور ضئيلة الحجم، وتبقى (الطعوم) واضحة أمام أعين الطيور، وما أن يحاول الطير التقاط حبة القمح أو الحشرة، حتى تلتف قطعة السلك المعدني المدفونة تحت التراب، على جسم الطير فتقتله. فيعود الأطفال في اليوم الثاني ليتفقدوا فخاخهم وما أمسكت من طيور، ويأخذونها لبيوتهم ويحضرون منها طعاما بعد إزالة الريش عنها .. وإن صدف أن انتقد أحدٌ مثل ذلك العمل، بحجة أن الطير ميت، والميت حرام ـ وهي صدف نادرة الحدوث ـ فإنه سيسمع من يقول له : ( صيد الفخ لخ ) ولا أحد يسأل ما هو (اللخ) ولكن سيفهم من تلك العبارة التي هي بمثابة (فتوى) أن أكل تلك الطيور (حلال) .. ولن يظهر من يطالب بصاحب القول أو المرجع الذي تم الاعتماد على هذا القول منها ..

وأحيانا كنت تجد من يقتل ضبعا ويجره معه للعتيقة ويقوم باقتطاع بعض أجزاءه، فيقول أن الجنب اليمين من الضبع هو (حلال) أكله، ولكن لن يرمي الجزء اليسار ! وكذلك يتم التعامل مع الثعالب وبنات آوى، فإن سأل أحد عن مدى مطابقة ذلك للشرع، كون تلك الحيوانات ذات ناب، وذات الناب حرام، فإنه سيجيب بأن الثعلب يأكل العنب والبطيخ فهو حلال!

وإن صدف أحدهم طائر (هدهد) أو (لقلق) أو حتى (نسر) كُسر جناح أي منهم، فإنه سرعان ما يأتي به ويأكله، متناسيا أنه من ذات المخالب .. ولا أظن أن المثل القائل : (من لا يعرف الصقر يشويه) آت من فراغ ..

كان خميس وأخوه يقتنيان كلاب من نوع (السلوقي) الذي يرتفع عن الكلب العادي بجسمه الضامر الممشوق، وأذنيه اللتين تنزلان على رقبته كأذني (السخلة) .. وكانت تلك الكلاب لا تنبح نهائيا، ولا تتحرش بمن يقترب منها، ولم يؤذها أحد، ليس لعدم رغبة العابثين بإيذائها، بل لأنها تحت حراسة خميس أو أبنائه، فقد تكون شروط العقد فيما بين تلك الحيوانات وأصحابها، أن تعاونه في الصيد، مقابل تقديم الحماية لها.. وعلى العموم، فإن حالات امتحان بنود العقد كانت قليلة، فحالات الصيد هي قليلة كما هي حالات إيذاء العابثين ..

كانت الكلاب تتبع خميس وأخاه في رحلات الصيد النادرة، وكان استعراض الرحلة لا يلفت انتباه أحد، فلم يتناقل أهل العتيقة، أخبار بطولة تلك الكلاب ولا ما أحرزته من صيد وفير .. ولم يسأل الناس من أين أتى خميس بهذا الصنف من الكلاب النادرة في وقتها ..

كان خميس يذهب الى (خربة) تبعد عن العتيقة، حوالي عشرة كيلومترات، و بها من الآبار المتروكة، والمهجورة، ونادرا ما يرتاد تلك الخربة من زوار أو حتى مالكيها .. فكانت الطيور (حمام بري) تنام في تلك الآبار، هاربة من الضواري من الطيور ك (الباشق) أو (العقاب) .. فكان خميس يضع شبكة تتدلى داخل البئر وعندما يذهب، يجمع أطراف الشبكة ويحمل ما علق بها من طيور..

في أحد الأيام، بينما خميس يقف على حافة البئر ليجمع أطراف الشبكة، انزلقت قدماه فسقط الى أسفل البئر، فاستقرت قدماه على قدمي جثة ميت تم رميه في البئر بعد قتله منذ مدة، وقد تحلل وبقي هيكله العظمي وبعض ملابسه عليه. فما أن داس خميس قدمي الميت حتى انتصب الميت بموازاة جسم خميس الساقط، فكان هول السقوط ومعانقة الجثة سببان كافيان لربط لسان خميس عدة أسابيع ولم يدل أهل العتيقة على ما أصاب خميس إلا كلابه التي عادت الى البلدة دون صاحبها ..

لم تكن تجارب أهل العتيقة تقتصر على الحيوانات والطيور، بل كانت تتعدى ذلك الى المملكة النباتية، ولكن تلك المهمة كانت تترك للنساء اللواتي كانت تجوب البراري باحثة عن نباتات، قررت التجارب المتكررة لأجيال سابقة أنها نباتات ذات فائدة، ويمكن أن تؤكل. فكان هناك نبات شوكي يسمى (العكوب) أو الكعوب (كما يسميه أهل العراق) .. يحفظ تحت الأرض نسيجا جذريا مكتنزا، تبحث عنه النسوة وتخلطه بالبصل والزيت وتعمل منه عدة أشكال من الفطائر أو الطبخات .. وهناك نبات يسمى (الجعدة) أو (الدنيدلة) له أوراق سميكة خضراء، تؤخذ وتشك في خيوط وتجفف، ثم تنقع عند الاستعمال ويتم سلقها ثم تخلط مع البيض والبصل والعدس وتطبخ بلبن قديم، بعدما يتم تكويرها وجعلها بحجم البيضة تقريبا .. وقد يخطئ بعض الأطفال فيتناولون تلك النباتات وهي طازجة، فيسمع القريب والبعيد صراخهم مستنجدين بمن يخلصهم من الآثار السيئة التي يتركها النبات على جذور ألسنتهم، فكأنما أمسك عفريت سام جذر لسان الطفل وأخذ يبرم به ويشده باتجاهات مختلفة وبنفس الوقت يلدغ به ويطعنه برؤوس مدببة حادة .. فعندها كنت تسمع قهقهة رجل مسن على حماقة الطفل في تناول هذا النبات السام .. لا أدري كيف تم ترويض هذا النبات ليحتل مكانة محترمة بين النباتات، تطلبه (الوحامى) والنفس (أي النساء في مرحلة الوحام والولادة)، وأي المختبرات التي قررت أن هذا النبات صالح للاستعمال في المطبخ .. وكم ضحية ماتت في مراحل التجريب .. كل تلك الأسئلة وغيرها، لا زالت ألغازا لم يتم كشفها ..

انتهى الجزء الأول من ذكريات قرية لم تعد موجودة .. سنلتقي في الجزء الثاني منها وهو (التشرنق) ..

ابن حوران 21-07-2007 01:51 PM

منظمات المقاومة في الأحواز :

جبهة تحرير عربستان :

نتيجة لتنامي الشعور القومي العربي في الأحواز، والذي كان بشكل رد فعل للعنت الفارسي سواء بالاحتلال أو بالاضطهاد تحت الاحتلال، ونتيجة لامتداد الشعور القومي العربي في الخمسينات في معظم البلدان العربية، نتيجة لكل ذلك، تنادى أبناء الأحواز في تطوير نضالهم ضد الاحتلال الفارسي، فانبثقت (جبهة تحرير عربستان) في عام 1956على المبادئ التالية:

1ـ لا يمكن تحرير عربستان إلا بثورة شاملة، فهي المنطلق السليم لاسترداد حرية الإقليم وتحقيق آمال الأمة العربية في تحريره.

2ـ لا يمكن قيام أية ثورة في غياب تنظيم سياسي جماهيري واضح الأهداف مرسوم الخطوط يستوعب كافة أفراد شعب عربستان في طريق النضال الموحد.

3ـ من أجل سلامة التنظيم لا بد من تعميق أهدافه وترسيخها، في قلوب أبناء الشعب العربي في الأحواز لتكون إيمانا ينبعث من قوة الكفاح المسلح.

4ـ القضاء على كل السلبيات التي تحد من إرادة الفرد العربي، وتحول دون انطلاقه بعزل أعوان الاستعمار عن التنظيم .. وسيادة مبدأ نكران الذات..

وقد خاضت الجبهة معارك، وقامت بعمليات ضد الاستعمار الفارسي وكبدت القوات المحتلة خسائر فادحة.. وكانت أفضل أوقاتها نشاطا عام 1963 حيث استمدت قوتها من الحكم الجديد في العراق آنذاك .. وقد انبثقت من الجبهة قيادة أعطت لنفسها اسم (اللجنة القومية العليا) وقد وضعت الجبهة ميثاقا حددت فيه الأهداف التي من أبرزها:

1ـ القضاء على الاستعمار الفارسي وأعوانه.
2ـ اتخاذ الاشتراكية العربية مبدأ للحياة الاقتصادية ووسيلة لتحرير الجماهير من الظلم الاجتماعي للوصول الى مجتمع الكفاية والعدل.
3ـ تأسيس جيش عربي قوي، يعد جزءا من جيش أمة العرب.
4ـ الإيمان بالوحدة العربية الشاملة الدستورية والعمل الجدي من أجلها.
5ـ إقامة حياة ديمقراطية شعبية.

غير أن السلطات الإيرانية، سرعان ما اخترقت صفوف تنظيمات الجبهة، وقد ألقت القبض في 25/11/1963 على عدد من قيادييها في عبادان، وحاكمتهم محاكمة صورية، تم تنفيذ حكم الإعدام في ثلاثة منهم في مدينة الأحواز في 13/6/1964 وهم : (محيي الدين حميدان الناصر، وعيسى مذخور نصاري، ودهراب شميل الناصري) ..

ورغم ذلك قامت الجبهة بانتخاب قياديين لها وواصلت كفاحها، وردا على هزيمة حزيران/1967 وتأكيدا لوحدة الكفاح العربي، وللصلة الوثيقة بين نظام إيران و الكيان الصهيوني، تم تفجير أنابيب ومستودعات النفط في عبادان والأحواز .. وقد تم اغتيال 15 قياديا من الجبهة في (المحمرة) إثر كشف مخطط للجبهة بنسف جسر كان سيمر عليه الشاه يربط بين مدينة المحمرة ومنطقة (المحرزي) ..

وكان الى جانب هذا التنظيم مجموعة من التنظيمات الأخرى منها:
1ـ الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز، تأسست في أواخر 1958 وكان شعارها : الكفاح حتى النصر .. وقدمت تلك الجبهة العديد من الشهداء الذين أعدموا أو سقطوا في ساحات القتال ..
2ـ الجبهة القومية لتحرير عربستان والخليج العربي.. وقد تشكلت عام 1960 في منطقة (البسيتين والخفاجية) ثم وصلت تنظيماتها الى الحويزة والأحواز والمحمرة و عبادان .. وأكدت في ميثاقها أن الأحواز جزء من العراق الذي هو جزء من الوطن العربي..
3ـ الجبهة القومية لتحرير عربستان، وقد تشكلت سنة 1967 ومقر نشاطها مدينة المحمرة وما حولها، ثم غيرت اسمها عام 1969 الى جبهة تحرير الأحواز .. وقد انتهى نشاطها ..
4ـ حركة الثورة العربية لتحرير عربستان .. ولدت عام 1968 .. وقد تذبذب قادتها بين الولاء لتيارات سياسية عربية .. ولكن هدفها تجسد بتقويض أركان النظام الإيراني وطرده من الأحواز
5ـ الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز، تأسست عام 1968وقامت حتى عام 1975 ب 150 عملية ضد الاحتلال الفارسي ومنشئاته في الأحواز.

لقد بلغ النضال العربي في الأحواز في أواخر حكم الشاه (محمد رضا بهلوي) 1978ـ 1979 مرحلة عالية من القدرة العسكرية والتنظيمية، وأسهم في الثورة ضد الشاه، لتطمينات المتعاطفين من الفرس بعدالة القضية العربية بالأحواز، ولكن النقمة الخمينية كانت تزيد عن عدوانية الشاه .. فقد قتلت قوات خميني بيوم واحد في 30/5/1979 أكثر من 200 عربي في (المحمرة ) وحدها..

وهكذا يبقى شعب عربي في بقعة عربية محتلة دون دعم حقيقي من أشقاءه المنشغلين في مهاترات لا مبرر لها سوى حماية الوضع القطري أو بالتحديد حماية امتياز الحكم على جزء ضئيل من أجزاء الوطن العربي المهدد من قبل أكثر من صنف من الأعداء ..

انتهى

ابن حوران 10-08-2007 11:09 PM

إخضاع المخزون المعرفي لنظم تتدخل في أداء العقل

لا يستطيع كائن من كان أن يحكم على المستوى العقلي لشعب وفق حالة سياسية معينة أو حالة تقنية تتعلق بكمية براءات الاختراع التي يسجلها أبناء ذلك الشعب أو الأمة، أو كمية الكتب ورسائل الأبحاث التي تُنسب الى أبناء تلك الأمة أو الشعب، فالأسود والأفيال تلغي كثيرا من خصائصها الطبيعية عندما تخضع لإرادات مدربيها في (سيرك)، أو عندما تعيش في حدائق للكسب السياحي والتجاري عليها ..

ولو تساوت الظروف السياسية والمدنية لكل شعوب الأرض، لكانت الأحكام المطلقة على الحالة العقلية لتلك الشعوب والأمم مختلفة عما هي سائدة عليه الآن، ولكانت فرص الإنتاج التقني والعلمي والحضاري، مختلفة عما هي عليه. ولكن سيبرز هنا تساؤل هو ما الذي يمنع تلك الشعوب والأمم من أن تنتزع فرصتها التي تأخذ بها دورها في النشاط الحضاري بكل أشكاله، أليس للمستوى العقلي العام لأفراد تلك الشعوب والأمم دور فيما هي عليه؟ وهو تساؤل وجيه ومهم في نفس الوقت .. واكتسابه وجاهته آتية من إعطاء الحالة المدنية باعتبارها مؤشرا للنشاط الكلي لعموم أفراد الشعب وما ينتج عنه من هياكل تنظم عطاء ذلك الشعب بما فيها مؤسسات الدولة والمجتمع المدني .. واكتسابه أهميته قادمة من أنه فيما لو تم حل هذا اللغز سنقترب حينها من التمهيد للدخول في الكيفية التي سيقوم بها العقل (الكلي) للشعب في أدائه للخروج مما هو فيه من حالة مترهلة مقززة، تثير سخرية من هم خارج هذه الأمة، وتجعل أبناء الأمة أنفسهم يحسون بانعدام وزنهم وعبثية دورهم العالمي..

يحاول بعض المفكرين العرب الإجابة عن تلك التساؤلات، بإرجاعها للنظم المعرفية التي تكون بمثابة رافعة تحمل ما يعرض عليها لتدخله لمختبر يحدد نوعية المعروض وصنفه وكيفية التعامل معه.. وهذه المسألة كونها تقبل الخضوع الى انتسابها لأمة أو شعب، فهي تقبل الخضوع ـ بكل تأكيد ـ لتطبيقها على الأفراد، حيث يطرح كل فرد يوميا كميات هائلة من الأسئلة على نفسه: هل أصمت .. هل أتكلم .. هل أقبل .. هل أشتري .. هل أبيع .. هل أهاجر .. هل أنتحر .. هل وهل .. ثم يتخذ ما يراه مناسبا وفق الإجابات التي يضعها لنفسه، وفق ما قاس عليه من مواقف متشابهة ..

أما في الأمة والشعب ذي الحضارة، فإن التناوب بالأجوبة على الأسئلة قد وصل من خلال ما تبقى من تراث مكتوب أو متناقل بين النخب الثقافية والسياسية والدينية والعلمية .. حقا، أن ليس هناك علما مطلقا، أو رأيا مطلقا، أو موقفا نهائيا في أي مسألة من تلك المسائل، فلا النظريات السياسية في العالم قد توقفت عند حد، ولا النظريات العلمية في العالم قد توقفت عند حد، فكل يوم نرى أجيالا جديدة من أصناف العلاجات البشرية وأجيالا من أجهزة الحاسوب والطائرات والآلات الخ .. كما كل يوم نرى مجتهدا في تفسير القرآن وتأويل الأحاديث، وتفسير العلمانية والاشتراكية والديمقراطية، يختلف مع من سبقه من مفسرين ولكنه يؤسس خلافه على ما قبله، يجاوره ولا يعاديه يرتكز عليه ويدعي أنه متفوق عليه ..

كل هذا يحصل وفق نظم معرفية ثلاث كما ركز عليها الفيلسوف محمد عابد الجابري، ( العرفاني والبياني والبرهاني) .. ونسب النظام العرفاني لشعوب شرق آسيا من الهند والصين واليابان وغيرها، والتي مفادها بأن هناك علاقة خفية بين ما يقوم به الإنسان مع السلطة والقوة الخفية للأبراج والكواكب، ولا زالت الصين تسمي العقود والسنوات والقرون بأسماء تلك الأبراج والكواكب، فهذا عقد العقرب وهذا عقد القوس وهذه السنة الفلانية الخ ..علما بأن النظام الرسمي للدولة يفترض أن ينتمي لبيئة مادية شيوعية، لا تعطي وزنا لمثل هذا الكلام!

أما النظام البرهاني الذي يسير عليه الغرب (بشكل عام) فيطلق العنان للخيال العلمي وما يرتبط به من نمو رياضي في تتابع الجدلية الحياتية، فتنعكس تلك المحاكمة على الأداء الفلسفي منذ بدايات وجوده قبل حوالي 25 قرنا، ثم ينعكس على طبيعة الأبنية والاختراعات فنمط أبنية الكاتدرائيات والكنائس وما يتعلق بها من إضافات شاهقة. تتناغم مع نمط ناطحات السحاب الحالية .. كذلك كان النشاط العلمي يصب في نفس الاتجاه فاختراع التلفون و بحوث الفضاء تنسجم مع هذا النظام المعرفي، ولم تقف نوعية الديانة أو الإلحاد عائقا أمام تلك الأنشطة، فتشابهت عند الروس والأوربيين الغربيين والأمريكان بغض النظر عن الانتماء الطائفي (أرثوذكس، بروتستانت، كاثوليك) ..

في حين كان النظام المعرفي البياني، وهو النظام السائد عند العرب (المسلمين) منهم بالذات، والذي لم يلتزم به المسلمون الآخرون من غير العرب، قوامه اللغة والفقه .. فقد غطى هذا النظام معظم أنشطة العقل العربي سواء من العرب أو من المسلمين من غير العرب الذين كانوا ينتهجون نفس منهج العرب المسلمين في التعاطي مع أنشطة العقل المختلفة .. فعالم الفلك وعالم الطب والرياضيات والحديث و التاريخ والفلسفة، لن يتخلوا عن الالتزام بهذا النهج (البياني) إطلاقا، فهم إن تحدثوا عن سبب من أسباب الأمراض، لن ينسوا تدخل الله عز وجل في تقدير ذلك السبب، وإن كانوا في صدد تقييم رسالة دكتوراه، فقد تسقط تلك الرسالة إن لم تكن متقنة من حيث اللغة، حتى في عصرنا الحديث .. فكان تلازم الفقه واللغة من مميزات النظام المعرفي البياني ..

ولو تعرض أحد أبناء الأمة العربية في عصرنا الحاضر، لطارئ مرضي أو جنائي، فإن أي مراقب متوسط الثقافة سيلاحظ بسهولة تداخل الأنظمة المعرفية الثلاثة على سلوكه وتعاطيه مع الموقف الذي يتعرض له .. فالمريض يذهب لأخصائي (طبيب) ويعرض حالته عليه، وهي حالة تلتقي مع نتاج النظام البرهاني. فإن لم يستفد من تكراره لمراجعاته، فإنه لن يتوانى عن مراجعة شيخ يقرأ عليه بعض الأوراد أو الآيات أو غيرها ، ويطمئنه بأن العمر محدود وأن المرض هو ابتلاء يتعرض إليه المؤمن لامتحان إيمانه من خلال صبره، وهو نشاط ينتمي للنظام المعرفي البياني. ولكن هناك من يذهب الى عراف يعلم بالسحر والفلك والنجوم ودورها بالتأثير على ما في داخل المرء من مرض وغيره، ومن يقلب محطات التلفزيون سيجد من بين مائة محطة أربع أو خمس محطات تتعامل مع الأبراج، وتنصح السائلين بالسفر أو إلغائه أو تأجيله، كما تنصح بإلغاء مشروع اقتصادي أحيانا! .. وهذا يتعلق بالنظام المعرفي العرفاني.

نحن أمة متوسطة، اختلطنا بكثير من أبناء الأمم وتثاقفنا معهم وتبادلنا الكثير من معارفهم فاختلطت معارفنا ونظمنا المعرفية مع الكثير من الأمم .. فلذلك لا غرابة أن ترتج رؤانا ويرتج عطاؤنا العقلي ويتصف بعدم الثبات ويصعب تصنيفه من خلال ما يُطرح من نشاطات عقلية مختلفة .. وكوننا في حالة من عدم الثبات وفي حالة من التراجع الحضاري والانكسار النفسي .. فلا شك أن المطالبة بالعودة الى الالتزام بالنظام المعرفي البياني هي التي ستطفو على السطح بعد كل حالة انكسار .. وستكون المقالات أو الردود على المقالات أو التحليل السياسي أو التحليل الاقتصادي والاجتماعي متسمة في أغلب الأحيان بسمة المطالبة بالعودة للالتزام بالنظام المعرفي البياني ..

ابن حوران 16-08-2007 01:42 AM


الحريات و الأقليات :


لو دخل شخصان الى ديوان يجلس فيه مجموعة من الرجال، فلم ينتبه من كان في الديوان للرجل الأول ولم يرحبوا به أو يقفوا بوجهه .. ولكنهم قاموا ورحبوا بالرجل الثاني الذي دخل المكان بعده بقليل، وأكرموا الرجل الثاني في إفساح صدر المكان له.. فإن الرجل الأول الذي لم يتلق أي ترحيب سيكون أمام خيارين: إما أن يسكت و يعترف بضآلة أهميته، أو أنه يعترض بصوت عال أو يخرج احتجاجا على موقف من في الديوان .. فإن سكت، فإنه لن ينسى هذا الموقف طيلة حياته، وسيتحين الفرص للتعبير عن استياءه بانتقام بأي شكل، وإن مات قبل أن ينتقم فإن تلك الحادثة ستنتقل الى أبنائه ليعاودوا التأسيس عليها بما يترجم عدم رضاهم عن الجماعة ..

هذا المثل يندرج تحت موضوع التراتب الاجتماعي الذي مررنا عليه .. لكن التعبير عن عدم الرضا، يندرج تحت باب القدرة على المطالبة بفرض الاعتبار، لكن، هل هناك شيء مثل هذه الأبواب، بمعنى آخر: هل يقوم الأشخاص في مكان ما بالمطالبة باحترامهم من قبل الآخرين؟ .. إن الناس في كل بقاع الأرض تحترم من يمتلك خصال الاحترام .. وقد تكون تلك الخصال مزيفة بكاملها إذا أخضعناها للمنطق، فقد يتولى زمام أمور بقعة ما سواء كانت سياسية أو إدارية أو اقتصادية رجال حقراء ضمن المنطق العام لمفاهيم القدرة والكفاءة والوجاهة الحقيقية، ولكن جموع الناس ستحترمهم وفق معطيات الضرورة، أو تمثل احترامهم ظاهريا .. وتتناولهم بأقسى أنواع الصفات السيئة في منأى عن الظاهر وإذا قدر لهؤلاء الناس الذين ضمروا السوء وعدم الاحترام لمن أجبروا أنفسهم على احترامهم، فإنهم سيخرجون كل ما في دواخلهم للتعبير عن عدم احترامهم.

هذا الشأن يرتبط بالظرف السياسي، في لحظة معينة، ولا أظن أن هذا الأمر سيقتصر على أبناء الأقليات، بل يتجاوزه الى كل شرائح المجتمع بما فيهم الأكثرية بأفرادها ورموزها ومفاصلها. لكن سيبدو الأمر واضحا بصورة أكبر عند أبناء الأقليات، لأسباب معروفة: أولها تلك التي ترتبط بالعنوان كونهم (أقلية) .. وبالمناسبة فإننا لم نجد بتاريخ الدولة العربية أو الإسلامية مصطلحا يشير الى الأقلية بهذا الاسم. فلم تسمى الفئات التي لا تتوافق مع الأكثرية في دينها أو عرقها باسم (الأقلية) .. بل كانت تسمى بأسماء تنبه الكتاب العرب المعاصرون في استخدامها ك (أهل الذمة)، حيث أن وقعها على أذن السامع أو عين القارئ أشد أذى من مصطلح (الأقلية). هذا إذا استثنينا بعض الكتاب الإسلاميين الذين يستخدمون مثل هذا المصطلح.

لقد بان العجز العربي خلال قرن من الزمان، أمام أبناء العرب ومن يتعايش معهم من أبناء القوميات الأخرى، والديانات والملل الأخرى على نفس البقعة أو البقاع العربية .. فاستكثر أبناء تلك (الإثنيات) على أنفسهم أن يقترنوا بالعرب، بل أصبحوا هما إضافيا يضاف لهموم العرب، واستغلوا حالة الضعف والهوان أسوأ استغلال للغمز والنيل من القومية العربية، ملتقين بذلك من حيث لا يدروا ـ غالبا ـ أو يدروا ـ أحيانا ـ مع أعداء الأمة في معاونتها على الإجهاز على الأمة ..

مقاربة الحرية

لم يكن لفظ (الحرية) في التاريخ العربي والإسلامي القديم، إلا نقيضا للعبودية، فكانت ترد في القرآن الكريم (تحرير رقبة)، حيث تكون كفارة من ذنب عظيم كالقتل غير العمد، فتكون الكفارة تخليص إنسان من العبودية، و (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) .. وهو تعبير ضد العبودية .. لكن استخدام اللفظ جاء في أدبيات العثمانيين بعد حملة نابليون بونابرت على مصر، عندما خاطب أهل مصر باسم (الجمهورية الفرنسية القائمة على الحرية والمساواة والإخاء).. وقد استخدمها (رفاعة الطهطاوي) في ترجمته للدستور الفرنسي*1 وقد أشار الى انعدام مقابل لها في التراث الفكري والسياسي عموما لذلك يكتب الطهطاوي ( وما يسمونه الحرية ويرغبون فيه هو عين ما يطلق عندنا العدل والإنصاف. وذلك لأن معنى الحكم بالحرية هو إقامة التساوي في الأحكام والقوانين بحيث لا يجور الحاكم على الإنسان، بل القوانين هي المحكمة المعتبرة)*2

يقول الدكتور حيدر ابراهيم علي في كتابه الموسوم ب (أزمة الأقليات في الوطن العربي) : الوعي بوضعية الأقلية في الحالة العربية ـ الإسلامية هو أشبه بالمياه الجوفية: موجود وغير مرئي، ولكن عند الحاجة يمكن التنقيب والحفر لإظهاره. *3 من يتمعن هذا القول سيعترف لصاحبه بالتوفيق في اختياره، فالمشكل موجود في كل العصور وفي كل الدول، كوجود المياه الجوفية، ولكن من ينقب عليه هو من يريد استثماره في وقت تنضب موارد المياه الأخرى، أو في وقت يراد فيه استثمار الكثير من المياه لإحداث فيضان يقضي على الحياة في بقعة ما..

فبحجة الحريات ترتفع أصوات هنا وهناك في أطراف الوطن العربي على وجه الخصوص، العراق، السودان، دول المغرب العربي، ولا يستثنى قلب الوطن العربي من ذلك فلا مصر تسلم من تلك الحملة و لا لبنان ولا أي دولة ..

حقا أن الحريات ليست موجودة لتلك الجماعات والأعراق، ولكنها ليست موجودة أيضا للعرب أنفسهم، فالهم سواء لدى عموم الموطنين. ومن يدري فإن استثمار تلك الظاهرة العادلة (الحرمان من الحريات) ستكون عاملا إضافيا لتوحيد شرائح التكوين الكاملة لسكان الوطن العربي وإعطائها سببا للنهوض!

يخلص كثير من الكتاب العرب في هذا الخصوص الى (أن بناء مجتمع عربي معاصر يمتلك القدرة والاقتدار مهمة مستحيلة، إلا إذا استطاع الفكر العربي المعاصر أن يبلور صيغة عصرية جديدة قومية أو (إقليمية) قادرة على استيعاب كل الفئات الاجتماعية والطائفية والقبلية على امتداد وطننا الكبير)*4

وعلى رأي الباحثة العربية (منى مكرم عبيد) ( إن التعصب نتاج لفعل استبداد سياسي يتم في غياب الديمقراطية وتنتهي بالقول : أن أهم المشاكل التي تتجسم فيها إشكاليات الفكر العربي المعاصر هي مشاكل بنيوية فكرية واجتماعية في مقدمتها:
1ـ ظاهرة التطرف الديني والتعصب المذهبي الى درجة القتل والقتال.
2ـ مشكلة الأقليات في البلدان العربية التي فيها أقليات ..*5


هوامش
ـــ
*1ـ الفكر الإسلامي المعاصر/ قيس خزعل العزاوي/ بيروت/ دار الرازي 1992 / صفحة 96
*2ـ تخليص الإبريز/ أورده احمد السماوي في (الاستبداد والحرية في فكر النهضة) / اللاذقية/ دار حوار/1989/ صفحة 42
*3ـ أزمة الأقليات في الوطن العربي/ حيدر ابراهيم علي/دار الفكر/بيروت/ 2002/ صفحة 91
*4ـ إشكالية الهوية والانتماء/ علي أسعد وطفة/ مجلة المستقبل العربي/ بيروت/ عدد282/آب/أغسطس 2002/ صفحة 106
*5ـ مداخلة للباحثة وردت في مجلة (عالم الفكر ) في شهري 1و6 من عام 1998/ في مناقشة أزمة الفكر في الوطن العربي.. تعقيبا على بحث علي الدين هلال.


Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.