حوار الخيمة العربية

حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com:1/index.php)
-   صالون الخيمة الثقافي (http://hewar.khayma.com:1/forumdisplay.php?f=9)
-   -   حصريا... روايتي "الاحلام النائمة" (http://hewar.khayma.com:1/showthread.php?t=66589)

حسناء 04-11-2007 09:53 PM

حصريا... روايتي "الاحلام النائمة"
 
الأحلام العائمة

الفصل الأول:

* الحياة الهادئة *


بين شوارع الحي الهادئ، كان الليل يتسلل ببطء إلى المنازل ليبعث في الجو سكونا ينوب عن صخب يوم ربيعي مشمس، تصارعت ساعاته وتسابقت أحداثه ومات مثلما ماتت أيام من قبله في ذاكرة الزمن.
أما أنا فكنت استقبل الغروب على حافة شرفة غرفتي كما أفعل غالبا، أمتع ناظري بسحر الغروب ومنظر الشمس وهي تلفظ آخر كلمات وداعها للسماء، فبعدما تربعت فوق عرشها لساعات طويلة، هاهي الآن تنسحب خجولة هزيلة النور من وراء الجبال.
لطالما كنت أستغل هذا الوقت في استرجاع أحداث اليوم وتذكر تفاصيلها وما استهلكت من الساعات سلبا وإيجابا، وأحاول عبثا تصحيح بعض الأحداث التي يزعجني تواجدها بين تفاصيل يومي، وفي النهاية استسلم لما حدث لأنه ما من امرئ يخط بيده أسطر حياته.
تذكرت حصة التاريخ وكيف كان أستاذ المادة يحكي لنا بشغف تفاصيل الثورة الجزائرية، مصرا على التواريخ والأماكن والأشخاص، هذه الثورة التي أخالني حفظت أحداثها عن ظهر قلب، فمذ عرفت مادة التاريخ ما خلى برنامجها السنوي من أحداثها، كثيرا ما تساءلت هل هذا التاريخ الذي بين أيدينا دقيق دقة أستاذ التاريخ؟ و هل سنجد من المؤرخين من سوف يدونون الحياة التي نعيشها اليوم بكل دقة؟
أخذني التفكير في التاريخ إلى أسطر المسرحية التي سأشارك في تمثيلها قريبا، فمع اقتراب موعد الاحتفال بيوم العلم الوطني تكثر الأنشطة الثقافية في الثانوية- وأنا من هواتها- من مسرحيات ومعارض ومسابقات فكرية، كان ميولي للمسرح أحد الأسباب التي جعلتني أستمر في الدراسة لأنني لم أجد فضاء آخر يسمح لي بالوقوف فوق خشبة المسرح كالأبطال وكأنني ربان سفينة وسط يم هائج، أوَفق دائما في جعل عجلة القدر تدور في اتجاه شاطئ نجاتي، رددت هذه العبارة كثيرا أما والدتي التي كانت تقول لي في كل مرة ناصحة إياي « هذا فوق خشبة المسرح أما خشبة الدنيا فتجري الرياح غالبا بما لا تشتهيه السفن ».



يتبع...

salsabeela 04-11-2007 10:01 PM

مرحبا بحسناء

قد طالت غيبتك اختاه

حمدا لله على سلامتك

فدائما كنت اتساءل لماذا كل هذا الغياب

دمتى بخير حبيبتى

حسناء 04-11-2007 10:18 PM

تسلمي حبيبتي لقد عدت لكم بالجديد روايتي التي لم تنشر بعد أحلام عائمة
وأتمنى أن تنال اعجابكم
تحياتي

السيد عبد الرازق 05-11-2007 12:24 AM

شكرا حسناء علي الرواية الجادة الهادفة .
دمت ألقة مبدعة .
تحياتي وتقديري
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حسناء 05-11-2007 01:04 AM

تتمة
 
طويل القامة عريض الكتفين ليس بالنحيف ولا البدين، أبيض البشرة، أسود الشعر تتخلله بعض النقاط من البياض، يزيد من نضارة وجهه لحية خفيفة المنبت وعيونا زرقاء تنتهي بتجاعيد قصيرة، انه سعيد مصالي أحد أبرز وأنجح الصحافيين الجزائريين وأكثرهم صمودا وهو حاليا رئيس جريدة «المرآة» اليومية، قضى معظم حياته في فرنسا ولما قرر الاستقرار والزواج عاد إلى مسقط رأسه مدينة « جيجل » وواصل مهنة الصحافة رغم كل المشاكل التي رفضت صراحته ومصداقية ريشته، واختار رفيقة لدربه ، امرأة نشأت في أسرة فقيرة قسنطينية الأصل، نحيفة الجسد، خمرية البشرة تضفي عيناها العسليتان إلى وجهها جمالا وسحرا ملائكيا.
بدءا حياتهما في بيت متواضع ورثه عن والده يتقاسم مع البحر مكانا جبليا خلابا تكثر فيه المنعرجات والصخور بعيدا عن صخب المدينة، ولكن سرعان ما أصبح المنزل مصدر خطر لهما بعدما قلْ الأمن في المنطقة وكثرت الغارات والهجمات الإرهابية، وعلى غرار سكان المناطق النائية، لجآ إلى النزوح نحو المدينة طلبا للأمن والرزق.

يتبع...

welaa 05-11-2007 01:43 AM

شكرا حسنا كتا باتك جميله

حسناء 05-11-2007 11:14 AM

أرخى الليل سدوله لينشر الظلام في كل أرجاء السماء، أغلقت النافذة واتجهت إلى المطبخ أساعد أمي في تحضير مائدة العشاء، أخذت أمي تحكي لي - كعادتها- عن الجيران، وقد التفت انشغالها هذه المرة إلى قصة جارتنا زينب وكيف أن زوجها انصرف عنا وعن عائلته مذ مرضت بمرض السكر ، كنت أستمع إلى أمي غير آبهة بتفاصيل ما تسرده لأنني قد أكون سمعت هذه القصة عدة مرات، فغالبا ما تعيد أمي هذه القصص على مسامعي، وانصرف فكري إلى ما ذكره والدي صباحا عن مشروع دار نشر يحلم بإنشائها، وبين الحلم والحقيقة يجد نفسه مكبلا بمسؤولياته العائلية والمصاريف اليومية، ولكن الجريدة هي الأخرى كانت مجرد حلم في الوقت الذي كان أبي صحفيا بسيطا يتقاضى مرتبا شهريا بالكاد يغطي حاجاته الضرورية، واليوم - الحمد لله - أصبحت جريدته من أشهر الجرائد التي يبتاعها الجزائريون كل صباح.
لطالما كان والدي المثال الذي أقتدي به وكنت أحلم أن أصبح صحفية في المستقبل، في الوقت الذي كانت فيه أمي ترسم لي مستقبلا بألوانها الخاصة و تحلم أن أصبح طبيبة، هذا الحلم الذي أورثتني إياه بعدما عجزت لظروفها العائلية الصعبة أن تحققه، وبين هذا وذاك كانت أحلامي تائهة عائمة لا ترسوا على بر.

حسناء 05-11-2007 12:01 PM

اجتمعت العائلة الصغيرة حول طاولة العشاء، هذا الفضاء الذي يكاد أن يكون الأوحد الذي يسمح لنا بالاجتماع بوالدي، حيث كان يقضي نهاره منكبا على أوراقه في الجريدة وليله متجولا بين المحطات الفضائية، يترقب آخر المستجدات على الساحة الدولية.
حمل أبي الملعقة وأخذ يحرك الحساء وكأنه يفكر في فتح موضوع للحديث، نظر في عادل هنيهة ثم قال له :
- ما أخبار الجامعة ؟ هل هدأت بعد توقف المظاهرات ؟
يسمر عادل بصره في صحن البطاطا الذي بين يديه ثم يقول متحاشيا نظرات أبي وغير مبال بما يحدث في الجامعة :
- عدنا مؤقتا إلى الدراسة، أما الإضراب فلا يزال مستمرا مادمت المطالب لم تلب بعد.
صمت أبي مليا ثم قال في تذمر :
- عجبا ! تدرسون مجانا وتأكلون وتتنقلون مجانا، ثم تتظاهرون وتضربون! ويواصل مستحدثا ذكريات دراسته الجامعية :
- في وقتنا يا ولدي كانت الغربة تبلي زهو شبابنا، نعمل ليلا لندرس نهارا وننام في الشارع تحت مطر الشتاء وحر الصيف، نكتب تحت ضوء المصابيح العمومية وأحيانا على ضوء شمعة تحت سلالم العمارات، وما أضربنا يوما وما تظاهرنا لأن هدفنا كان أسمى من الأكل والنوم.
فلاذ عادل بالصمت، لأنه لا مجال للمقارنة بين ما عاشه والدي بين أحضان الغربة وما نعيشه اليوم، ضف إلى ذلك أن والدي يملك حجة قاطعة وحكمة بارزة وأسلوبا شرسا في الهجوم حيث ينقض من الوهلة الأولى على الطرف الآخر ويزرع أنيابه في كل نقاط ضعفه ولا يترك له مجالا لدفاع عن فكرته وان صدقت .

حسناء 06-11-2007 04:44 PM

يعلو الصف ضجيج عارم بعد انتهاء حصة الرياضيات التي حبست أنفاس كل الطلبة، أستغل الفرصة لتصفح نص المسرحية، فلطالما اعتدت على قراءة نصوص المسرحيات التي سوف أشارك في تمثيلها مرارا وتكرارا لكي أندمج مع بيئتها ومع الشخصية التي سوف أمثلها، بدأت أفكر في محتواها وشرد دهني في تفاصيلها وبدأت أتصور نفسي "جميلة بوحيرد" المناضلة الجزائرية وهي ترتدي "حايكا" وتحمل قفة فيها قنبلة يدوية، كنت أحس بتسارع دقات قلبها حين تمر على الحواجز الأمنية الفرنسية وحدة نظرات الكره في عينيها التي تكاد تلتهم الجنود الفرنسيين ، وكيف تدخل حي القصبة بطرقاته الضيقة التي لا تخلوا من الأولاد الصغار والنسوة المتقابلة في النوافذ تحكي همومها ومشاغلها، عشت المشهد وكأنه حقيقة لدرجة أنني لم ألحظ توقف الضجيج الذي كان يسود الصف .
اخترقت حواسي رائحة عطر أيقظتني من قصة جميلة وأدخلتني إلى عالم آخر، كانت هذه الرائحة تعني لي شيئا ولكنني لم أدركه، وانتشرت ببراعة في هوائي فلم أعد أتنفس سواها، بين الحدة والانتعاش بين الصفاء والغموض رحت أمتع نفسي باستنشاقها، حتى لمحت طيف شاب يقف أمامي توقعت أن يكون من حمل هذه الرائحة في جسده.
كان الشاب وسيما جدا، نظر الوجه، طويل القامة، خمري البشرة، له عيونا ملائكية يتخللها بريق ساحر ورموش سوداء طويلة تحوم حول العيون العسلية الرائعة، تعلو خديه حمرة خفيفة، نظيف الهندام، يرتدي قميصا ناصع البياض وسروالا أسود .
يتقدم بخطوات ثقيلة يكاد لا يصدر أي صوت في مشيه وكأن الأرض تمشي به لا يمشي عليها، تمثلت لي صورته رائعة، لم أفهم هل تخدرت بحدة عطره فرأيتها بهذا الجمال والسحر، أم أنه كان فعلا ساحرا إلى هذا الحد، بل وكأنه أمير في ثياب أنيقة يتقدم في بهو قصره نحو فتاة أحلامه لكي يراقصها، استمر شرودي لبضع دقائق ولم أفق إلا بعدما ابتسم لي قائلا:
- لقد بدأنا الدرس يا آنسة.


Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.