![]() |
قواعد الصحّة النفسية للطفل " أ.د.محمد المهدى "
إشكالية العلاقة بين الآباء والأبناء:
من خلال الجلسات النفسية الفردية وجلسات العلاج النفسي الجمعي ينكشف الستار عن اضطراب العلاقة بين الأبناء والآباء, ويكون هذا الاضطراب من أهم العوامل المهيئة والمرسبة للاضطرابات النفسية لدى الطرفين. وفي أغلب الحالات تضطرب هذه العلاقة دون قصد فالوالدان بدافع فطري يريدان السعادة والنجاح لأبنائهما ولكنهما أحيانًا يفقدان الطريق الصحيح عن غير قصد فيتورطان في الإفراط أو التفريط وتكون النتيجة في الحالتين اضطرابًا نفسيًا في الطفل الذي أحباه ودفعا حياتهما ثمنًا ليكون سعيدًا. ومما يزيد الأمر صعوبة في بيئتنا الشرقية أن اضطراب العلاقة بين الآباء والأبناء يظل تحت غطاء ساتر طوال الوقت ولا ينكشف إلا في ظروف شديدة الخصوصية كالعلاج النفسي الفردي أو الجمعي أو العائلي, أما في غير هذه الظروف فإن الأبناء -غالبًا- لا يجرؤن على الاقتراب من هذه المنطقة الحساسة وهم في حالة الوعي العادي, أما الآباء فإن لديهم اعتقادا بأنهم قدموا أفضل ما عندهم لأطفالهم ولكن تمرد الأطفال وعصيانهم للأوامر هو الذي جعلهم في حالة اضطراب. مفهوم الصحة النفسية: تراكمت في السنوات الأخيرة معلومات مفيدة حول أفضل الوسائل للوصول إلى الصحة النفسية للطفل وعلاج الاضطرابات النفسية لديه, وقد حاولنا -بعون من الله- أن ننتقي من المعلومات المتوافرة ما يتمشى مع ثقافتنا ويساعدنا في تربية أبنائنا وبناتنا بشكل صحيح. ولا يعتقد أحد أن عملية التربية عملية سهلة, وإنما هي دائمًا تحتاج إلى جهد وتواجه مشكلات وصعوبات, ونحن هنا نحاول أن يكون الجهد المبذول على الطريق الصحيح. وسنحرص على ألا ندخل في عرض نظريات تربوية ترهق القارئ وربما لا تعنيه كثيرًا وإنما سنتكلم بشكل عملي من خلال الرسائل التي تصلنا كل يوم أثناء الجلسات النفسية العميقة سواء كانت فردية أو جماعية مع الأطفال والكبار. وفي هذا الصدد نواجه سؤالاً بالغ الأهمية، ما هي الصحة النفسية؟ وكيف يصبح الإنسان صحيحًا نفسيًا؟ قد تكون الإجابة ببساطة هي أن الإنسان الخالي من الأمراض النفسية هو الإنسان الصحيح نفسيًا، لكن هذا التعريف للصحة النفسية مختزل جدًا، ولا يؤدي الغرض، لأن هناك بعض الأشخاص لا يعانون من أي مرض نفسي لكن أداؤهم في الحياة أقل مما هو متوقع لأمثالهم، فحركتهم في الحياة وتكيفهم الاجتماعي وإبداعاتهم أقل مما هو متوقع، فلا نستطيع أن نقول عن شخص ما أنه صحيح نفسيًا لمجرد كونه خالي من الأمراض النفسية بالمعنى الإكلينيكي لها، إذًا فهنالك تعريف أكبر وأشمل وأوسع للصحة النفسية. واختصارًا لجهود كثيرة، وصل العلماء إلى أن الصحة النفسية هي مفهوم إيجابي متعدد المستويات يكون فيه الإنسان صحيحًا على المستوى الجسدي ثم على المستوى النفسي ثم على المستوى الاجتماعي، ثم على المستوى الروحي، إذًا فهو مفهوم متعدد المستويات لابد أن يكون في حالة توازن ما بين إشباع هذه المستويات وتنشيطها، فلو بالغ أحدهم في إشباع الجانب الجسماني على حساب الجانب النفسي أو على حساب الجانب الروحي، فبالتالي يكون قد أخل بالتوازن، ويصبح غير صحيح نفسيًا. |
1- التوازن بين التطور والتكيف:
قواعد الصحة النفسية للطفل:
وإذا انتقلنا من العام إلى الخاص وحاولنا الإجابة على تساؤل أحد الأمهات (أو الآباء): كيف أتعامل مع ابني لكي يصبح صحيحًا نفسيًا؟ والإجابة على هذا التساؤل الهام تتمثل في اتباع القواعد التالية: 1- التوازن بين التطور والتكيف: http://www.maganin.com/files/10xx22[1].gif هناك قاعدة تربوية هامة يمكننا اعتبارها قاعدة ذهبية في هذا المجال، وهي أن الطفل كائن نامي، ينمو كل يوم، ينمو في جسده وفي تفكيره وفي طاقاته وفي إدراكه وفي كل شيء، فهذا الطفل النامي يتغير من لحظة لأخرى ومن يوم لآخر، وفي ذات الوقت يحتاج مع هذا التغيير المستمر وهذا النمو المطرد أن يكون في حالة تكيف وانضباط وسلام مع البيئة والمجتمع المحيط به، وبهذا سنقول أن هذا الطفل لكي يكون صحيحًا نفسيًا ونطمئن عليه، فلابد أن يكون هناك توازن بين متطلبات نموه وتطوره ومتطلبات تكيفه مع المجتمع والحياة. ولكي نرى هذا المفهوم بشكل أوضح، سنفترض أن هناك كفتين، الأولى كفة التطور والثانية كفة التكيف، ولكي يكون الطفل صحيحًا نفسيًا، لابد من حدوث توازن ما بين هاتين الكفتين، فلو تخيلنا أن كفة التطور زائدة عن كفة التكيف أو أصبحت هي الحائزة على الاهتمام فسيتطور الطفل وينمو بسرعة في جسمه وفي ذكائه وفي تفكيره وفي كل شيء يخصه، ولكن–وبالمقابل– ليست له علاقة بالمجتمع الذي يعيش فيه ولا يتكيف معه، فهو في حالة تطور مطلق بدون قيود، وإذا ترك بهذا الشكل سيصبح أنانيًا ولديه حالة نرجسية شديدة ولا يفكر إلا في نفسه ونموه وتطوره، وفي النهاية سيكون مدمرًا لمن حوله ولنفسه أيضاً وفي حالة صراع دائم مع البيئة التي يعيش فيها، برغم كونه متطورًا وناميًا ومبدعًا . وعلى العكس، إذا كان هناك طفل آخر متكيف بدون تطور، بمعنى أنه مطيع جداً، هادئ جداً، ولا يفعل شيء إلا بأمر من الأب أو الأم، ويحتاج لأمر آخر ليوقف هذا الفعل، فهو مطيع تمامًا لكل ما يأتي إليه من أوامر وتوجيهات وليست له أي حركة تطور أو نمو أو تفكير أو إبداع أو أي شيء. هذا الطفل في معيار الأب والأم وهو صغير طفل مريح جداً لأنه (بيسمع الكلام) وهذا هو هدف كل أب وأم, ولكن عندما يكبر سيدرك الأبوين أن هذا الطفل عبء شديد جدًا عليهم لأنه لا يمتلك أي مبادرة ولا يمتلك أي ملكات أو قدرات ولا يستطيع عمل أي شيء بمفرده، شخصية اعتمادية سلبية مملة. إذًا ولكي تتحقق الصحة النفسية لأطفالنا لابد من مساعدتهم حتى يتطوروا وينموا وفي نفس الوقت نساعدهم على التكيف مع البيئة التي يعيشون فيها، وهذا التوازن ليس توازنًا جامدًا أو ساكنًا بحيث نزيد هذه الكفة وننقص الأخرى مرة واحدة وتنتهي المهمة، لكن طالما كانت حركة النمو والتطور سريعة ومتغيرة فلابد من أن يواكبها تغير في حركة التكيف، فالتوازن هنا توازن ديناميكي بمعنى أنه يتطلب قدر عالي من المرونة، كلما زادت كفة نزيد الأخرى بمقدار مناسب وهكذا. |
2 - الدوائر المتسعة:
2 - الدوائر المتسعة: صحة الطفل - صحة الأم - صحة الأسرة - صحة المجتمع:
وهذا التوازن (المذكور أعلاه) لا يكون فقط في دائرة الطفل ولكن هناك دوائر أخرى متتالية تحتاج للتوازن فلن ننظر للطفل على أنه كائن وحيد، لكن سننظر إليه باعتباره دائرة تحوطها دائرة الأم تحوطها دائرة الأسرة تحوطها دائرة المجتمع، ولهذا يجب أن تكون هناك حالة توازن بين هذه الدوائر فننظر لصحة الطفل وصحة الأم وصحة الأسرة وصحة المجتمع، فالأم هي الحضن الأقرب للطفل، فلا نتصور وجود ابن صحيح نفسيًا وله أم مضطربة نفسيًا، والأسرة هي الحضن الأكبر الذي يحتضن الطفل والأم معًا، فلا نتصور كون الطفل والأم صحيحين معًا في حين أن الأسرة مضطربة، والطفل والأم والأسرة يحتضنهم المجتمع وهو الدائرة الأكبر فلا نتصور أن يبقى هؤلاء في صحة في حين أن المجتمع في حالة اضطراب. وعندما نقوم كمعالجين بتقييم حالة طفل ننظر لهذه الدوائر ونحدد موضع الخلل, فأحيانًا يأتي الطفل باضطراب معين، وحينما نفحصه نجد أن هناك خلل في أحد هذه الدوائر أو في أكثر من دائرة، فلابد من التفكير في إصلاح هذا الخلل، ولا نتوقف عند الطفل فقط، لأن الطفل هو ممثل هذا الاضطراب، فالطفل أكثر صدقًا وأكثر براءةً وشفافية، فيظهر فيه الاضطراب بوضوح لكن لا يكون هو أصل الاضطراب فقد يكون هذا الاضطراب من أم مكتئبة أو مجهدة أو مدمنة أو الأسرة أو المجتمع، فننظر إلى أصل هذا الاضطراب. أحياناً نتجه مباشرة لعلاج الأم أو لعلاج الأسرة، أو يكون هناك خلل اجتماعي معين ولو تم تصحيح هذا الخلل يكون هذا الطفل في حالة أفضل. يتبع ,,,, |
3- الصحة النفسية بين المطلق والنسبي:
3- الصحة النفسية بين المطلق والنسبي:
وفي الواقع، مفهوم الصحة النفسية لكل هؤلاء (الطفل - الأم - الأسرة - المجتمع) مفهوم نسبي وليس مفهومًا مطلقًا، بمعنى أنه يختلف من بيئة لأخرى ومن مجتمع لمجتمع ومن أسرة لأسرة وما يمكن اعتباره صحيًا في مكان، يمكن اعتباره اضطرابًا في مكان آخر. http://www.maganin.com/files/ex06_bab01[1].jpg ولتقريب الفكرة، سنحكي حكاية صغيرة عن شيخ قبيلة أناني جدًا، هذا الشيخ عرف بطريقة سرية أن البئر الذي تشرب منه القبيلة كلها، سيسمم في يوم من الأيام، ونظرًا لأنانيته وحبه لنفسه، أخذ يخزن مياه كافية من هذا البئر في منزله حتى إذا تسمم البئر، يجد ما يشربه، فجاء اليوم وتسمم البئر بالفعل وأصيب أهل القبيلة كلهم بالجنون ولكنهم لم يموتوا، فظل هو العاقل الوحيد بينهم، طبعًا استغرب أهل القبيلة تصرفاته في وسطهم ولم يحتملوه بينهم وفي النهاية قتلوه. فعلى الرغم من أنه العاقل الوحيد بينهم إلا أن اختلافه جعله في أزمة معهم، وحدث عدم تناسب بين تفكيره وتفكيرهم. إذن فلابد من أخذ هذا العامل في الاعتبار, لأن هناك اضطرابات كثيرة في الأطفال تكون مشكلتها النسبية في الصحة والزمان والمكان، فلابد من وضع اعتبار للزمان والمكان والظروف عند تقييم هذا الطفل. سنعطي مثالاً آخر بسيط ليوضح هذه النقطة: لو أن هناك طفل تشتكي أمه من كونه كثير الحركة ويقفز فوق الشبابيك وعلى البلكونات ويكسر الكراسي والأشياء، وهم يعيشون في شقة غرفتين وصالة، فهذا الطفل لو تخيلنا أنه انتقل من هذه الشقة الضيقة المحدودة الممتلئة بأشياء زجاجية وقابلة للكسر، ووضعناه في بيت واسع حوله ساحة كبيرة وشجر، وعاش الطفل في هذا المكان الجديد يجري في الساحة الخضراء ويقفز فوق الأشجار كما يريد، وقتها لن تحس الأم أي شقاوة منه أو أي حركة زائدة، وفي نهاية اليوم يعود بعد هذا الجهد المضني لينام والأم راضية وهو راض، هنا اعتبار المكان والظروف مهم جدًا. يتبع ,,, |
مهم جداً ان نتعرف على قواعد الصحة النفسية للطفل.. بالطفولة يتكون اساس البنيه الصحيحة للشخص.. مقال رائع جدا يستحق كل التقدير والثناء.. متابعيين التتمة.. جزاك الله كل خير.. |
جزانا وإياكم أيتها الشامخة ومشكورون على المرور
|
4 - الاستقطاب بين النقيضين مقابل الحوار والتعايش:
4 - الاستقطاب بين النقيضين مقابل الحوار والتعايش:
هناك أسر تكون في حالة استقطاب ما بين نقيضين، بمعنى أنها أسرة أحادية النظرة وأحادية التفكير، فلا ترى الأشياء إلا بلونين، أبيض أو أسود، ولا تستطيع رؤية درجات الألوان البينية ما بين الأبيض والأسود، يرون أن ما يفعلوه هو الصحيح المطلق وكل ما عداه خطأ ولا يقبل النظر ولا التفكير ولا الحوار، فينشأ الطفل في هذا الجو وهو مستقطب استقطابًا شديدًا في ناحية واحدة أو اتجاه واحد، أحادي التفكير، لا يستطيع رؤية سوى احتمال واحد في كل شيء ولون واحد من كل الألوان. من هنا عندما يكون الاستقطاب في اتجاه، لابد أن يتصارع مع الاتجاه الآخر أو يضاده، ويفقد هذا الطفل القدرة على التحاور والتعايش مع الآخرين المختلفين عنه، وبهذا الشكل يصبح الطفل دائمًا في صراع مع أصحابه، ومع الجيران، ومع المجتمع، وعندما يكبر، يظهر موضوع الاستقطاب وأحادية التفكير مع الأب والأم، لأنه تعوَّد أن الحقيقة واحدة فقط، الدنيا بها لون واحد، عندما يكبر ويدخل فترة المراهقة، يختلف عن الأب والأم، لا يحتمل هذا الاختلاف فيبدأ بالعدوان على الأب والأم، لأنهم لم يعودوه الاختلاف مع الآخرين، والتحاور والتعايش معهم، فيدفع الأب والأم ثمن هذا الاستقطاب الذي أعطوه للطفل من خلال الجو الأسري القائم على فكرة الاستقطاب أو أحادية التفكير. يتبع ،،، |
5- الاحتياجات بين الإشباع والحرمان :
http://www.maganin.com/files/youthfigure7[1].gif للإنسان عدد كبير من الاحتياجات، وهناك عالم نفس شهير هو أبراهام ماسلو، قام بعمل ما يسمى "هرم الاحتياجات"، فقال إن الإنسان له احتياجات جسمانية بيولوجية عبارة عن الأكل والشرب والمسكن والملبس، هذه الاحتياجات لابد أن تشبع أولاً، وتمثل قاعدة الهرم، يليها احتياج للأمن والاستقرار، يليه احتياج للانتماء -الانتماء لأسرة ولبلد وللإنسانية- يليه احتياج للحب -أن يكون الإنسان قادرًا على أن يُحِب ويُحَب- يليه احتياج للتقدير، أن يحس بأن الناس يقدرونه كشخص، ويقدرون ما يفعله، وسعيدون به، وانتهى "ماسلو" في آخر الهرم بالاحتياج لتحقيق الذات -أن يحقق الإنسان ذاته في هذه الحياة- وتوقف عند هذه النقطة، لأنه كان يتبع المدرسة الإنسانية، التي كانت تنظر للإنسان على أنه هو نهاية المطاف لكننا نضيف إلى هذه الاحتياجات احتياج مهم جداً هو "التواصل الروحي"، فالإنسان لديه احتياج للتواصل الروحي مع الله، مع الكون، مع السماء، مع الغيب، وهذا الاحتياج يمكن فهمه بشكل عملي وعلمي موضوعي من المعابد المنتشرة في كل أنحاء العالم تمثل مراحل التاريخ المختلفة، وكيف أن الإنسان كان محتاجًا لأن يكون على علاقة بالسماء وبالله سبحانه وتعالى, فأنشئت المعابد في كل الحضارات لتمثل هذا الاحتياج الحيوي المهم عند الإنسان. وهذه الاحتياجات لابد من أن تشبع بتوازن، بمعنى أن نبدأ أولاً بالاحتياجات الأساسية، الأكل والشرب والمسكن والملبس، ثم الأمان، والانتماء، ثم الحب، وهكذا.. كل حاجة من هذه الحاجات تشبع وتأخذ حقها، ولا تطغى إحداها على الأخرى، ومع هذا هناك قاعدة مهمة وهي أن إشباع الاحتياجات لدرجة التخمة يؤدي إلى حالة من الترهل والضعف والمرض، فلابد من وجود توازن بين درجة الإشباع ودرجة الحرمان، فالإنسان محتاج أن يشبع وفي نفس الوقت أن يحرم من بعض الحاجات.. لماذا؟ لأن الحرمان ينشط الدوافع، ويجعل الإنسان يتحرك ويعمل ويكون عنده أمل، ويسعى وراء هدف..... لو أشبعت كل حاجة، فسيتوقف الإنسان عن السعي والحركة والتفكير والإبداع..... إذن لابد من وجود أشياء يحتاجها.. أشياء يحرم منها ويسعى إليها ويحلم بها.. إذن فهناك توازن ما بين الإشباع والحرمان، فالطفل لو أخذ كل احتياجاته فلن يكون صحيحًا، ولو حرم حرمانًا شديدًا، ستصبح عنده مشاعر حقد وكراهية وحرمان وكره لمن حوله، لأن كل الذي يحتاجه لا يجده. وقد وضع علماء النفس معادلة يمكن تجربتها، وهي في الحقيقة مفيدة، قالوا أنه يكفي تلبية 70% من احتياجات الطفل، بمعنى: لو الطفل طلب مائة مطلب، يلبي له منها 70 فقط، حتى لو كانت المطالب الـ 100 منطقية وهو يحتاجها بالفعل، لكن تلبية جميع المطالب لن تؤدي إلى سلامة هذا الطفل، فلابد من وجود شيء ينقصه.. يسعى إليه ويحلم به، ويكون عنده الأمل أن يحصل عليه في وقت من الأوقات، ونشجعه أن يعمل ويسعى للحصول عليه. يتبع ،،،، |
6 - مواكبة مراحل النمو :
غالبًا ما تأتي الأم وتقول أن أولادها عندما كانوا صغارًا كانت تحبهم وتحس بأنهم جزء منها، وكانوا منسجمين جداً معها، لكن عندما كبروا، أصبحت تحس بغربة معهم، كأنهم لم يعودوا أولادها، ولم تعد منسجمة معهم كما كانت، فهي عاجزة عن فهمهم، وهم بالمثل غير قادرين على فهمها، لا تعرف بالضبط من المخطئ هي أم هم..... هذه الأم نقول لها أنها كانت متفقة مع أولادها في مرحلة معينة وهم أطفال، لكن أولادها يكبرون ويتطورون في تفكيرهم وفي عاداتهم وفي تقاليدهم وفي تطلعاتهم, لكن للأسف هي لم تتمكن من مواكبة هذه المراحل، وقفت عند مرحلة معينة وثبتت عندها في حين أن أولادها مستمرين في النمو والتطور، فهنا نشأت فجوة ما بين الاثنين، فتكون الغربة واختلاف اللغة، فهي لا تفهم دنياهم ولا حياتهم ولا طبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه، وطريقة التعامل بينهم..... وهكذا نقول لها أنها هي والأب لابد وأن يواكبوا مراحل النمو، بمعنى أن يعيشوا معهم مرحلة مرحلة. وهذه المواكبة مفيدة ليس فقط للأبناء، بل للأب والأم لأنهما أيضًا محتاجين لأن يعيدوا هذه المراحل مرة أخرى لأنفسهم، فمثلاً هناك أب لم يعش مرحلة طفولته جيدًا، ولم يعش مرحلة مراهقته جيدًا، لأي سبب من الأسباب، فيعيد التجربة مرة أخرى مع أولاده في هذه المرحلة، وكأنه يعيش المرحلة التي فقدها أو التي أفلتت منه بدون ذنب منه، أو لأي ظروف حدثت، هذا يفيد نفسيًا، لأن الأشياء التي لم يتمكن من فعلها، سيعود لمعايشتها مرة أخرى، فيكمل النقص، أو الأماكن التي كانت مؤلمة نتيجة للحرمان في مرحلة معينة، وفي نفس الوقت سيكون على نفس الموجة مع أبنائه، فتعطي فائدة مزدوجة للطرفين، وتجدد دائمًا طفولة ومراهقة وشباب الأب والأم وتقوم بعمل حالة من التكامل في شخصيتهما. يتبع ،،، |
7 - احترام إرادة الطفل :
كثير من الآباء والأمهات يظنون أن الطفل ليست له إرادة أو أنها تنمو عندما يكبر ويصبح شابًا أو رجلاً، لكن الطفل له إرادة من وقت مبكر جدًا (ويمكن أن تلاحظ الأم هذا من خلال رفضه لأشياء وتمسكه بأشياء) وليس مسلوب الإرادة ويتحرك بريموت كونترول كما يريد الأب والأم، وحتى وهما معترفين بوجود هذه الإرادة، يريدون أن يلغوها، لأنهما يعتقدان أن عندهم خبرة وعندهم معرفة بالحياة أكثر من هذا الطفل فلابد من أن يختاروا له طريقته في التفكير وفي الحياة وفي تحديد الأهداف والأساليب وكل شيء، وكثير من الآباء والأمهات يصلون إلى درجة أن يحاولوا جعل هذا الطفل صورة طبق الأصل منهم، وهم يعتقدون - واهمين- أنهم أفضل صورة إنسانية ممكنة أو أفضل نموذج ممكن، وعندما يواجه الطفل بمحاولة إلغاء إرادته يبدأ في هذه اللحظة في اتباع سلوك العناد، وهذه مشكلة كثير من الآباء والأمهات يشكون منها ويقولون أن ابنهم عنيد، ويحاولون علاجه من هذا المرض، العناد! ، ويحضرون هذا الابن لكي يقوم الطبيب النفسي أو المعالج بترويضه لكي يسمع الكلام ويقوم بتنفيذ كل ما يريدونه، وهذا بالطبع غير ممكن عمليًا, وإرادة الله أعطت لهذا الطفل هذه الملكة ...... أن تكون له إرادة مستقلة، خلقه الله صاحب إرادة، فلماذا نحاول أن نغير خلق الله، وهذا لا يعني أن نتركه تمامًا ليفعل كل ما يشاء بناءًا على كونه لديه إرادة مستقلة . وقد قام العلماء بتقسيم الهداية، وهي نوع من التربية والتوجيه، فقالوا إن الهداية نوعان: النوع الأول "هداية إبلاغ"، والثاني "هداية فعل" . هداية الإبلاغ هذه أن نقول للطفل هذا صواب وهذا خطأ، لابد لكي يكون عنده قانون يتكيف به مع الحياة والبيئة ومع الكون كله ، فلابد أن يبلغ الأب والأم هذا القانون للطفل، ولكن لا يتوقعوا الامتثال التام لهذا القانون بمجرد إبلاغه، لأن هناك هداية أخرى هي هداية الفعل، أن يستجيب الطفل للرسالة التي وصلته لا يعني بالضرورة أن يستجيب لها كلها، يستجيب لأشياء ويؤدي أشياء ويغير أشياء ويعدل أشياء، لأن الله خلق له إرادة ورؤية, وله فكر حتى وهو صغير، لابد أن نتأكد من هذا تمامًا ، فسيبدأ في الاختيار، وسيبدأ بالتجريب . الأب والأم وصلوا لما هما فيه حاليًا بعد مراحل كثيرة من التجارب والأخطاء والنضج والتعلم ، ويريدون أن يأخذ الطفل أو الطفلة نفس النمط الذي وصلوا إليه في هذه المرحلة من العمر، مثلاًَ هما في الأربعين أو الخمسين، يريدون أن يكون لطفل أو طفلة في عمر خمس سنوات أو عشر سنوات نفس آرائهم وتوجهاتهم، وهذا ضد الفطرة، وضد طبيعة الإنسان، وضد إرادته واختياره ومسئوليته التي خلقه الله عليها، ولو أصر الأب والأم على هذا تحدث المشكلة التي نراها دائمًا ويشتكي منها الكثير من الآباء والأمهات: أن الطفل عنيد أو الطفلة عنيدة، لا يسمعان الكلام، لا يريدون تنفيذ سوى ما يرونه. الحقيقة أن ما خلق هذا الموقف المعاند، هو أن الأب والأم دخلوا في شرنقة الماضي، ولم يتمكنوا من رؤية احتياجات الطفل وضروراته ومجتمعه وظروفه والدنيا التي يعيش فيها، فهو يعيش في دنيا مختلفة كثيرًا عن دنياهم، وبما أن لديهم سلطة على هذا الطفل فإنهم يحاولون التحكم فيه، وجعله يمشي على شريط القطار الذي حددوه له، النتيجة ستكون شيئًا من اثنين، إما أن يستسلم الطفل تحت هذا الضغط والقهر من الأبوين، فيكون طفلاً سلبيًا واعتماديًا ليس له إرادة ولا اختيار ولا مبادرة ولا تلقائية ولا أي شيء على الإطلاق، هو أسلم كل شيء للأب والأم، وفي نفس الوقت يقوم بعمل شيء يسمى العدوان السلبي، (مش انتوا عايزين ده؟. شوفوا بقى إيه اللي هيحصل)، من الممكن أن يفشل دراسيًا، أو اجتماعيًا، أو أخلاقيًا، هو قد سلَّم نفسه، ويريد أن يحمل نتيجة هذا الفشل للأب والأم اللذان أصرا على التحكم في خط سيره وعلى جعله صورة طبق الأصل من الذي يريدونه . يتبع ،،،، |
Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.