خرج عبد الله بن المبارك ـ رحمه الله مرةً ـ إلى الحج ، فاجتاز ببعض البلاد ، فمات طائرٌ معهم ، فأمر بإلقائه على مزبلة هناك ، وسار أصحابُه أمامه ، وتخلَّف هو وراءهم .
فلما مرَّ بالمزبلة إذا جاريةٌ قد خَرَجَت من دار قريبة منها ، فأخذت ذلك الطائر الميت ، ثم لَفَّتْهُ ، ثم أسرعت به إلى الدار ، فَتَبِعَها ، وجاء إليها فسألها عن أمرِها ، وأخذِها الميتة ؟!.
فقالت : أنا ، وأخي هنا ، ليس لنا شيءٌ إلا هذا الإزار ، وليس لنا قُوتٌ إلا ما يُلقى على هذه المزبلة ، وقد حلَّت لنا المَيْتَةُ منذ أيام ، وكان أبونا له مال ، فظُلِم ، وأُخِذَ مالُه وقُتِل !!.
وأمام هذه الحال المؤثرة ، كيف صنع ابن المبارك ؟!.
لقد أمر بِرَدِّ أحمال القافلة ، وقال لوكيله الذي معه المال : كم معك من النفقة ؟.
قال : ألف دينار .
فقال ابن المبارك : عُدَّ منها عشرين ديناراً تكفينا للرجوع إلى مَرْو ( بلدته ) ، وأعطها الباقي ، فهذا أفضل من حجنا هذا العام ، ثم رجع .

فكم مثلها يقاسى الجوع والفقر وينام طاوى البطن ؟

كم يكفى ثمن رغيف خبز وقطعة جبن تفى بجوع مضنى ؟

بلى هو خير من حج أو عمرة فالنفس البشرية أكرم عند الله من تلبية شعائره وقدر رتب الله الفرائض فجعل الزكاة قبل الحج ..

إبحث عن جار لك ترسل له من طعام إفطارك أو ابحث عن ذوى رحمك الفقراء ..

أو هب لمن له فى هذه الأمور سبيل ما فاض عن حاجتك ..

إنما شرّع الصوم كى نتذوق طعم الجوع .. تذكر قبل إفطارك بلحظات كل أخ مسلم لك فى الأرض قد لا يجد مما تحويه مائدتك سوى الماء .. ولربما لم يجده كثيرون ..