الموضوع: جسد بلا روح
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-02-2004, 12:40 AM   #57
أطياف الأمل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2000
الإقامة: على نفحات الأمل
المشاركات: 3,258
إفتراضي

انها تشبهك


(( ما شاء الله كم هي جميلة ))
كلمة ترددت على افواهنا جميعا ما ان وقع ناظرنا عليها .. لانها بالفعل كانت جميلة .. فلقد جمعت بين جمال الشرق وجمال الغرب .. روز الصغيرة لا تشبه جولي .. رغم ان لها عينان كعينان جولي .. باتساعهما وبزرقتها التي تشبه زرقة البحر الهائج الذي لا يهدا ولا يستكين .. وبشعرها الاشقر كلون الشمس المشرقه في اول النهار ..
اما انفها .. شفتاها .. اذناها .. حاجباها واهدابها .. فكانت عربية بحته .. من يرى روز الصغيرة يهيا له انه يراني .. هذا ما همست به امي بصوت منخفض خشية ان تسمعه جولي فتبدا مشاكل كالزوبعه التي لا اول لها ولا اخر مع فيصل ..
وعندما اقبل الليل ..فاتحا ذراعيه ..ضم العالم باسره واطبق عليه قبضته.. فنشر ظلامه الدامس في كل الارجاء .. الا انه علق القمر والنجوم كمصابيح تخفف للناس ظلمته المخيفه.. وقتها استاذننا فهد ونوره لرحيل .. سلّما علينا وودعانا .. لانه وفي اليوم ذاته وقرابة منتصف الليل سيسافران بالطائرة الى احدى الجزر الهادئه حيث سيقضيان ( شهر عسل ) لوحدهما لا يعكر جوهما اي مخلوق كان ..
وبدموع وقبلات ودعوات ودعناهم .. وعند الساعه الثامنة والنصف كانا في منزلهما يعدان العدة للسفر .. وقد اتفقا مع يوسف وسعود ان ياخذانهم الى المطار عند تمام العاشرة ..
وبعد ذهابهم .. جلست امي على الكرسي عند باب حجرة جولي تذرف دمعها بصمت .. اقتربت منها ويوسف .. جلست امامها على الارض واطبقت بيدي على يدها .. ومن فوقها يوسف الذي طوقها بذراعيه .. فازدادت في البكاء .. قلت لها :
اماه .. اتمنى ان تكون هذه دموع فرح .. لاننا لا نقبل بغيرها ابدا !!
قال يوسف مؤيدا :
اجل يا امي .. لا نقبل بغير الفرح ابدا .. اخبرينا سبب بكائك لنقرر ..
رفعت عيناها الحمراوتين الممتلئة بالادمع وقالت :
اه يا احبتي .. فراق احدكم يقتلني .. بل يدمرني وينحرني حتى الوريد .. فكيف بفراق اثنين منكم ؟؟ لا اقدر انه الموت بعينه !!
اتمت كلامها ودفنت وجهها بين كفيها تبكي بلوعة ..
ابتلعت غصتي التي منعتني من الكلام في حين قال يوسف :
امـاه .. لا تبكي ولا تذرفي دمعك الغالي .. فهد ونورة بخير .. وهما معا ..يرعان بعضهما .. ويشد احدهما ازر الاخر .. يخاف كل منهما على الاخر اكثر مما يخاف على نفسه .. فلم البكاء ؟؟ ابناءك معا .. تجمعوا ولم يتفرقوا يا ام فيصل ..
امي .. ادعي الرحمن لهما بالتوفيق .. سلي من لا يرد سائليه ان يرزقهم بالذرية الصالحة التي تملا حياتهم سعادة وهناء .. ادعي الله ان تكون حياتهم هانئة هادئة يكون الحب والتفاهم اساسها ..
قلت مؤيدة : اجل يا امي .. ارجوك لا تبكي .. فدموعك ترهق قلوبنا بذرفها .. ويعذب اعيننا منظرها على خدك ..
رفعت امي يديها الى السماء وبعينين داميتين مدمعتين قالت بلكنة باكية :
- يــــــارب
قلت لها : اماه .. هيا لندخل عند جولي وفيصل .. افضل من الجلوس هنا امام الناس يا ام فيصل !
همت بالنهوض فساعدها يوسف وتقدمت انا عليهما لافتح الباب ..طرقت الباب وفتحته مفسحة لامي المجال للدخول قبلي .. دخلت امي ويوسف ممسكا بيدها وانا من خلفهم اسير ..
جلسنا حول سرير جولي .. امي على الكرسي وانا بقربها .. ويوسف واقفا بعيدا قليلا .. وفيصل بالطبع بقرب زوجته ..
اخذنا نتجاذب اطراف الحديث ..فتارة نتحدث واخرى نضحك ..وفجاة صاحت امي ضاربة بيدها على صدرها: ويـــحــــــي !
سالتها بهلع : امي مابك ؟
واعاد فيصل ويوسف السؤال ذاته بينما نظرت اليها جولي باستغراب ..
فقالت : ابني احمد !! بالاسفل منذ اتينا لانهم لم يسمحوا لنا بادخاله معنا .. لقد نسيته تماما .. نسيت ولم اذهب لاسال عنه .. اي ام انا؟؟
ابتسم فيصل وقال : اماه .. انت اغلى واعز ام بالوجود .. المسالة ان روز الصغيرة سلبت عقلك واسرت تفكيرك فما عدت تفكرين الا بها .. اما اخي ان شاء الله بخير .. ساذهب لاطمئن عليه .. واخذه الى البيت ..
قالت امي: اذهبي معه يا روز .. فانت تعبه ولم تنامي منذ الفجر واخاك احمد كذلك .. خذها يا فيصل الى المنزل
- ومن قال لكم اني اريد الذهاب.. لا اريد ان اذهب يا امي ..
- اذهبي يا عزيزتي ..هيا يا فيصل حتى لا تتاخروا ..
نظر فيصل الى زوجته وكانه يستاذنها .. فابتسمت له ابتسامة صفراء.. احسست منها انها لا تريده ان يذهب .. وخصوصا معي .. ويحها .. الا زالت تعتقد اني اريده ؟؟
قلت بحنق : فيصل هل ستذهب ام اذهب وحدي ؟؟
التفت الي وقال : لا لا ساذهب .. هيا ..
لم انتظره .. فلقد سبقته الى الخارج دون ان انتظره ان يخرج حتى .. توجهت قاصدة منطقة المصاعد .. سرت قليلا مبتعدة عن الحجرة واذا بي اسمع فيصل يناديني : روز .. روز ..
التفت اليه وقلت : اجل ؟
وصل الي فقال لاهثا : ما بالك تركضين هكذا ؟؟ اتحسبين انك في ماراثون ؟؟
ضحكت وقلت : انا لا اركض .. بل انت من يمشي كالسلحفاة !!
قال بغضب مصطنع : انا سلحفاة ؟؟ حسنا ايتها العجوز .. هيا لنذهب لاخي ...
قلت بغضب وانما حقيقي : انا عجوز ؟؟ اذا ماذا تكون انت ؟؟ شاب ام طفل ؟؟
ضحك بعمق ثم قال : روز ما بك ؟ انا امازحك ..هيا هيا لنذهب لاحمد ..
- حسنا هيا ..
وصلنا الى المصعد ولسوء حظي لم يكن بالمصعد سواي واياه ..
لا احب ان اكون مع فيصل في اماكن مغلقه .. ولوحدنا .. لا ادري ولكني اخاف ان يتكرر ما حصل في زواج نورة .. الا اني استبعده بحق ..
اخفضت راسي ولم اتكلم .. فقال قاطعا لجو الصمت : روز ..
رفعت راسي ونظرت اليه فقال : هل رايت ابنتي ؟
ابتسمت واجبته : اجل رايتها ..انها جميلة جدا .. حفظها الله لكم من كل مكروه ..
- اشكرك ..
اخفض فيصل ناظريه ثم قال : ابنتي تشبهك يا روز .. اني اراها انت .. لذلك بعيني هي جميله .. لان روز الصغيرة .. اصبحت صورة مصغرة لروز الكبيرة ..
تغيرت ملامح وجهي واحسست بالارتباك .. فقال فيصل وكانه قرا افكاري واحس بما في داخلي : روز لا تخافي .. لن يحدث مثلما حدث في المرة السابقة .. لم اكن في وعيي .. كنت ثملا .. ثملا من الحب .. اجري وراء سراب ..انما الان .. لدي واقع ملموس .. لدي حقيقة براقة .. لدي روز الصغيرة ولا اريد في حياتي شيء سواها ..
تنهدت بارتياح وعلت على شفتي شبح ابتسامة كانت كفيلة بان تدله باني اصدقه ..
فتح باب المصعد وخرجنا .. اخذنا نبحث عن غرفة الطبيبة التي اقترحت ان تعتني باحمد .. حتى وجدناها .. دخلنا فوجدنا منظرا اضحكنا حتى البكاء .. كان احمد جالسا على طاولة الطبيبة .. ومن امامه جلست الطبيبة على الكرسي ..
كان يرتدي سماعة الطبيب .. واضعا السماعة على قلب الطبيبة وقال بهلع : ما بالك انت وما بال دقات قلبك ؟؟
قالت ضاحكة: ما بالها يا دكتور احمد ؟؟
- ما بالها ؟؟ لم تجد من تتخاصم معه فتخاصمت مع نفسها ..اسمعي انهم يتخاصمون !!
ضحكت الطبيبة بعمق وقالت متظاهرة بالخوف : والحل يا دكتور ؟؟ ارجوك انقذني !
قال لها والجد يعلو قسمات وجهه : لا بد ان نجري عملية !
فتحت الدكتورة عيناها وقالت : عملية؟ عملية ماذا ؟
- عملية استئصال لاذنك اليمنى .. لانها هي التي تؤثر على حركة عينيك التي تؤثر على دقات قلبك فتحدث النزاع بينها ..
فردت مستغربه : وكيف اعيش باذن واحده يا دكتور ؟
اجابها بثقة : اشتري لك اذن اخرى .. فالسوق مليء بالاذان ..
- وما نسبة نجاح العملية ؟
- العملية فاشلة يا ابنتي ..
- فاشلة ؟ وكيف اجريها اذا ؟
- كما باقي العمليات .. ادخلك غرفة العمليات .. اعطيك (حقنة) ومن ثم ابحث عن اذنك واقطعها بالسكين .. وبعد ذلك اضع لك ضمادة حتى لا يخرج الدم كله ..
وبعد اسبوع ان لم تخرج لك اذن اخرى اذهبي واشتري غيرها ..
نهضت الدكتورة من مكانها وضمته بقوة وقالت ضاحكه : كم انت رائع يا احمد ..
ضربت الباب بعد ان كتمت ضحكي وقلت : السلام عليكم ..
التفت الي الطبيبة واحمد وقالت : وعليكم السلام ..
صاح احمد : فيـــــصــــل .. روز .. اهلا بكما في عيادتي !!
ضحكت وقلت : هل اصبحت عيادتك الان ؟؟
- اجل فلقد عالجت الدكتورة ..
نظر اليه فيصل وقال : مم كانت تشكو ؟؟
- من نزاع حاد في ضربات القلب ..
ضحك فيصل بقوة وقال : نزاع في ضربات القلب ؟ انت تستحق جائزة نوبل يا اخي .. هيا لنذهب ساخذك الى المنزل.. اشكرك يا دكتورة حصة .. واعذرينا على الازعاج ..
اجابت : لا شكر على واجب .. و بالعكس ..احمد امتعني معه واضحكني كما لم اضحك من قبل .. حفظه الله لكم ..
قال احمد مترجيا : فيصل ارجوكم دعوني هنا ..الدكتورة حصة قالت اني لم ازعجها .. فلماذا تريدون ان تاخذوني ؟ دعوني ..
قلت له : نريد ان ناخذك لانك اخانا الذي لا نستغني عنه ونحبه كثيرا ..
اخذ يفكر قليلا ثم قال : في هذه الحالة .. ساتي معكم .. فقط لما بيننا من العشرة ..
ضحكنا جميعا ثم استاذنا الدكتورة حصة بالخروج وخرجنا ...



يتبع..
__________________


أحـــــــ هو حيــــــــــاتــــــي ــــمـــــــــــــد


أطياف الأمل غير متصل   الرد مع إقتباس