(4)
عندما كان يعد لمشروعه ، نعم مشروعه ، هكذا كان يحب أن يطلق عليه ، لم يكن يرغب في استشارة أحد يتوقع أن يثنيه ويمنعه من تكملة مشروعه ، حتى لم يكن على استعداد أن يسمع أي نصيحة من أي إنسان ..
كان يرغب بالتحدث لمن يشجعه ، ويبتسم له ليأخذ منه تزكية ، على إبداعاته ويغذي بها قرارة نفسه ، فتزداد همته نحو المضي الى البدء في تنفيذ ما أزمع على تنفيذه ، و يزداد إصرارا وحتى عمى لا يريد الا أن يرى غير ما أراد أن يراه ، كمن تحزم بحزام ناسف ، لا يشغله الا الموت في سبيل ما هو عازم عليه.
ان معظم الشباب ، يستقون عناصر إراداتهم ، من خلال مشاهدات سطحية ينسجون حولها منظومات ذهنية رجراجة ، غير حقيقية ، ويساعدهم في ذلك أصحاب المشروعات الذين يتصرفون في كثير من الأحيان ، تصرفات توحي بنجاح مشروعاتهم ، يقصدون بتلك التصرفات ، تغليف أوضاعهم ، بهالة من الغموض والتزييف أحيانا ، لبقاء علاقاتهم مع من يورد لهم من مواد أولية أو سلع ، فان ظهر منهم ما يوحي بفشل مشروعاتهم ، ستتوقف تسهيلات الموردين ، و أحيانا تكون الغاية من إظهار نجاح مشروعاتهم ، هي جذب من يحاول شراء تلك المشروعات للتخلص من تبعيات فشلها !
كان المشروع يتعلق بشراء ماكنة حصاد للقمح ، تلك الآلة التي تحصد نباتات القمح المصفرة بعد نضجها كاملة ، من أجل الحصول على التبن والقش إضافة للقمح ، وهي نمط من المشاريع المنتشرة في بعض مناطق الريف ..
كانت دراسة الجدوى الإقتصادية تجري بالمشافهة ، وليست على أسس محاسبية حديثة و محترفة . فكان صاحبنا عندما يتكلم عن (مشروعه ) ، يبدأ بأنه لو حصدت تلك الآلة باليوم ، عشرة هكتارات فعلى مدى شهرين وهي موسم الحصاد ستكون قد أنجزت ستمائة هكتار ، ولو كان الناس يأخذون ستين دولار عن حصاد كل هكتار ، فيكفي أن نأخذ ثلاثين دولارا ، وعندها سيكون عندنا هامش يقل عن ألفي دولار بقليل ..ولو دفعنا كذا بدل وقود وكذا بدل مصاريف لأصبح هامش الربح يزيد عن ثمن الآلة ..
كان وهو يتكلم عن ( مشروعه ) يبدو متساهلا ، فيبالغ بتخفيض السعر ويبالغ في تخفيض مدة العمل ، ويزيد في المصروفات ، ويبتسم ، ملتفتا شمالا ويمينا ، عل أن يقوم أحد ويعلق على صدره نيشانا ..
تعيش الأسرة كلها ، بالأخوة الخمسة والكنات الخمسة و الأب و الأم الكبيرين كلهم حالات ولادة المشروع ، وكأنهم ينتظرون ولادة مولود بكر من أم تولد بعد طول انتظار سنين ..
في أول يوم عمل ، بعد أن تم بيع جزء من مصوغات النساء وشراء تلك الآلة . والتعاقد ( بالمشافهة ) مع أحد المزارعين ، فالتف حول الآلة كل المشاركين بثمنها ومن تابع عمليات الدعاية والتخطيط ..
قام أحد الأخوة بتشغيل الآلة وقيادتها بالحقل .. بعد أن استفسر من الوكيل عن الكيفية اللازمة للتشغيل ، ولما كانت قيمة التعاقد ، هي فعلا نصف ما كان يتقاضى غيرهم من أصحاب مثل تلك الآلات ، ولما كان المتعاقدين المتهافتين من المزارعين مستغلين السعر المنخفض .. فان الأمور الآن أصبحت على المحك !
لم يأخذ صاحب (المشروع ) في الحسبان ، موضوع ( الشحم ) ، فكون الآلة بدائية بعض الشيء ، فإن استهلاكها للشحم يقارب استهلاكها للوقود .. كما لم يأخذ بالحسبان كلفة خيوط الربط ، حيث كانت تقارب قيمة ما تعاقدوا عليه من سعر للتنفيذ !!
__________________
ابن حوران
|