عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 06-10-2007, 01:17 PM   #2
القوس
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2002
المشاركات: 2,839
إفتراضي

ومن المفارقات الباعثة على الفخر وتحسب لصالح الشاعر أبو الحب الكبير، ان هذا البيت أخذ شهرة منقطعة النظير، بما يمثله من لسان حال صاحب النهضة الكربلائية، حتى صار ومنذ عقود ينسب الى الإمام الحسين (ع) مباشرة، مع ان الفاصلة الزمنية التي تبعدنا عن الشاعر ليست بطويلة، بل ان البعض يصاب بالصدمة عندما يكتشف أن البيت عمره قرن واحد، وقد أحسن صنعا حفيد الشاعر، الأكاديمي الدكتور جليل بن كريم أبو الحب عندما أخرج الديوان المخطوط الى النور في طبعة أولى صدر العام 2003م عن "بيت العلم للنابهين" في بيروت، وتربع هذا البيت قلب الغلاف.


ومن المباراة واستحضار نص تراثي شهير قول الشاعر المعاصر عباس بن كريم الحلي الشهير بـ "أبو يقظان الحلي" مباريا البيتين المنسوبين للإمام الحسين (ع):


تركت الخلق طرّاً في هواكا ** وأيتمت العيال لكي أراكا


فلو قطّعتني في الحب إرباً ** لما مال الفؤاد إلى سواكا


فينشد:


تِخَضَّبِ بِالدِّمَه جِسْمَه وَراكَه


وِتْرَكْتِ آلْخَلَگْ كِلْهَا وَراكَه


أيَتْمِ آعْيالِي بَسْ تِرْضَه وَراكَه


إعْيالِي وِآلْنَفِسْ لَجْلَكْ ضَحِيّه


فالجناس في "وراكه"، فالأولى أصلها ورك من الركاكة بمعنى الضعف، والثانية محرفة وراءك بمعنى خلفك، والثالثة أصلها أراك أي انظر إليك.


وكما يحصل "التناص" في الأدب المنثور يحصل مثله في المنظوم، حيث تتشاكل الخواطر في حدث واحد من قبل كاتبين أو شاعرين فيأتي النص الثاني محاكياً للنص الأول كأنه يصدر عن كاتب واحد، وقد يتحدان زمانا ومكانا أو يفترقان، وفي الشعر تأتي بعض المفردات كقاسم مشترك، وفي الغالب فان المفردات دالة على معنى كبير يلجأ الشاعر لاستخدامها حتى تحرك في المتلقي مشاعره وأحاسيسه.


ومن ذلك قول الشاعر المعاصر السيد سعيد بن كاظم الصافي وهو يتناول فضيلة زيارة الإمام الحسين (ع):


آبْذِكْرِ حْسَينْ اَظَلْ ألْهَجْ وَطافه


آوْ يِلْهَبْ جَمُرْ دَلاّلي وَطافه


هِنْيالَه آلْوِصَلْ گَبْرَه وَطافَه


طَوافِ آلْحَجْ تاسِعْ مِنْ ضَحِيَّه


والجناس في "وطافه" فالأولى وأصلها طفّ وهي من أسماء مدينة كربلاء، والثانية محرفة أطفأه، من أطفأ النار إذا أذهب لهبها، والثالثة من طاف أي دار حول المكان.


فالشطر الثاني تناص مع الشطر الأول لأبوذية الشاعر علي بن شمخي اليوسفي التي يقول فيها:


يلهب جمر دلالي ولطفه


على اللي انتظر عطفه ولطفه


ايحضن أمه وأناغيله ولطفه


اگول ايصير صار وخان بيه


والجناس في "ولطفه"، فالأولى من إطفاء لهيب النار، والثانية من اللطف، والثالثة من الملاطفة والتلاطف.


أما الشطر الرابع فقد تناص مع نظيره في أبوذية الشاعر حسين الكربلائي حيث يقول:


نحت لك ما نحت لمي ولبي


الخمسة رزهن لچبدي ولبي


أطوفن بين نهدينك ولبي


السعي واجب ابتاسع من ضحيه


والجناس في "ولبي"، فالأولى وتعني الأب، والثانية الفؤاد او العقل، والثالثة من التلبية.


كما ويكثر البعض من استعمال مفردات قرآنية أو حديثية لتأخذ الأبوذية موقعها المناسب في قلب المتلقي، ومن ذلك قول الشاعر عباس الترجمان:


أهَلْ بَيتِ آلرِّسالَه بابْ حِطَّه


آلْيِحِبْهُمْ ذَنْبَه آلْمَعْبودْ حَطَّه


وِآلْيِبْچي آلْمُصابِ آحْسينْ حَطَّه


بِآلْفِرْدوسْ يَمْ سَيْدِ آلْبَرِيَّه


والجناس في "حطه"، فالأولى من الحط وهو الوضع يقال حط عن ذنبه أي غفر له، وفي الآية 58 من سورة البقرة: (وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم)، وفي الحديث النبوي الشريف: "مثل أهل بيتي فيكم، مثل باب حطة من دخله نجا ومن لم يدخله هلك"


وقد يستخدم بعض الشعراء مثلا شهيرا ليقوي لدى المتلقي وقع ابوذيته ويختصر المسافات الى مشاعره، بخاصة وان المثل حظه من التأثير حظ الخط المستقيم الذي هو اقصر الطرق لنيل المراد، ومن ذلك قول الشاعر جابر الكاظمي:


سَنَدْ ما سِنَدْ دَوْلَتْهُمْ وَلا مناصْ


وِجَبْ تَفْجيرْ هَآلثّورَه وَلا مناصْ


آلسِّكوتِ آعْلَه آلْعَدو آلْغاشِمْ وِلا مناصْ


مِثِلْ خَرْطِ آلْقِتادْ اَصْبَحْ عَلَيَّه


والجناس في "ولا مناص"، فالأولى مخففة ومركبة من "ولا + من + نص" النص من الكلام هو الصيغة الأصلية والذي لا يحتمل التأويل، والثانية المناص هو الملجأ والمفر، والثالثة من الناصي وهو الداني.


فالشاعر استخدم المثل العربي الشهير "دونه خرط القتاد" الدال على استحالة تحقق أمر ما حتى وان أعد له المرء عدته، والخرط التقشير، والقتاد هو شجر صلب له شوك كالإبر.


الصورة الشعرية


ويستظهر المحقق الكرباسي من خلال تناوله للأبوذيات الخاصة بالنهضة الحسينية، استلهام الشاعر لبيت أو أبيات من شعراء ماضين أو معاصرين من دون أن يشعر المتلقي بذلك، وهذا النوع من الاستلهام يختلف عن التضمين حيث يقوم الشاعر بتضمين صريح لبيت شعر أو شطر من بيت لشاعر آخر، إما ان يؤطره بمعكوفين أو ان يتركه لنباهة المتلقي، وفي الاستلهام لا يتمكن كل متلقي من اكتشاف ذلك، لان الشاعر في هذه الحالة يستلهم من شاعر آخر الصورة الشعرية وليست مفردات بعينها، وهذه الصورة يكتشفها المتلقي الحذق الذي يملك مصرفا من النصوص الشعرية، تتيح له فرصة الفرز السريع، لان الشاعر بقوته الشعرية يستحضر الصورة الأدبية أو انه يعيد خلق صورة جديدة من صورة سابقة، وهذا بحد ذاته نوع من الإبداع، لان الصورة الجديدة هي مخاض انفعال مع صورة سابقة والتفاعل معها لإنتاج صورة أدبية ومخيلة شعرية جديدة.


والمحقق الكرباسي الذي عمد الى ملاحظة الجزئيات في كل أبوذية له اكتشافاته في هذا المجال، ومن ذلك قول الشاعر مهدي بن حسن الخضري (ت 1347 هـ):


مَتَى آتْهَلْهِلْ الْغِيدِ السُمُرْ وَالْبيضْ


او تِتْخالَفِ آرْماحِ السُمُرِْ وَالْبيضْ


آوْ نِسْمَعْ مِنْ رِنْينِ الطوسْ وَالْبيضْ


نَفْخِ الصّورْ بآرضِ الغاضريَّه


والجناس في "البيض"، فالأولى من البيض واحدها البيضاء أو الأبيض، والثانية السيوف، والثالثة مخففة ومركبة "الذي + به + ضوء" قالها مجازا عن السيوف لما فيها من بريق، وفيها قال عنترة بن شداد العبسي (ت 22 ق. هـ) من الكامل:


فوددت تقبيل السيوف لأنها ** ومضت كبارق ثغرك المتبسم


كما ان الشاعر استحضر في الشطر الرابع صورة النفخ في الأموات أو "نفخ الصور"، قال تعالى في الآية 73 من سورة الأنعام: (يوم ينفخ في الصور).
__________________
مأساتي معاك تزيد

واتم بعيد .. وتتم بعيد
وأتم مثل الحزن ..

أنطر سحابة عيد
أجي ملهوف ..
عطش تحت المطر ملهوف
وقتي يطوف .. لوني ضايع ومخطوف
القوس غير متصل   الرد مع إقتباس