ثم خضعت مكة المكرمة للقوات السعودية التي اجتاحتها عام 1806 وكانت المدينة المنورة قد استسلمت في عام 1805 كما تمت السيطرة على ينبع في الفترة ذاتها ، وهكذا تحقق ضم الحجاز إلى الدولة السعودية مع احتفاظ شريف مكة بقدر كبير من الاستقلال تقديرا لاسمه ومنصبه الرفيع وتأثيره الشخصي على عدد كبير من القبائل.
أيضا في ذلك العقد الأخير من القرن الثامن عشر بدأت الحملات السعودية في عمان وصارت واحات البريمي ملتقى طرق القوافل قاعدة لها وابتداء من عام 1800 صارت رأس الخيمة تابعة للدولة السعودية وتمت السيطرة كذلك على بقية المشيخات والإمارات الصغيرة على طول شاطئ الخليج العربي كذلك صار حاكم مسقط تابعا للدولة السعودية.
في تلك اللحظة كانت بريطانيا قد رسخت سيطرتها التامة على الهند وها هي في أواخر القرن الثامن عشر تصطدم بحركة التوحيد السعودية في عمان وفي ساحل الخليج عموما، لقد حاولت في البداية إقامة علاقات ودية مع السعوديين حماية ودعما لتجارتها بين بومباي والبصرة، ولتأمين سلامة الطريق البريدي من الهند إلى الشام عبر البصرة لكنها سرعان ما اشتبكت معهم على أراضي الكويت.
ومن موقعهم العالمي المتميز وبفضل مقدرتهم على توظيف الظروف الإقليمية لصالحهم. راح الإنكليز يعززون نفوذهم على الساحل الغربي من الخليج بينما توقف التقدم السعودي في جنوبي شرقي الجزيرة لأسباب عديدة أهمها بداية الغزو المصري للجزيرة العربية.
كانت منطقة عسير قد انضمت إلى السعوديين في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. وقد بدأ الزحف على اليمن، ونفذت حملة ضد نجران 1805/1806 ووقعت مدينة الحديدة في أيديهم مراراً . أما المناطق الجبلية اليمنية فبقيت مستقلة مع أن القوات السعودية حاصرت صنعاء في عام 1808.
كذلك انطلقت الحملات السعودية في اتجاه العراق، واستمرت حتى عام 1810 وعبر تلك الحملات دمرت كربلاء، وهو ما قيل أنه السبب وراء اغتيال الأمير عبد العزيز.
وفي الفترة نفسها انطلقت حملات سعودية أخرى في اتجاه بلاد الشام. وكان الأمير سعود قد بعث برسائل إلى دمشق وحلب وبقيت المدن السورية داعيا عبرها إلى انضمام لدولته. وقد وصلت حملاته العسكرية فعلا إلى اطراف حلب، وتغلغلت في فلسطين. وفي عام 1810 قاد سعود حملة وصل بها تقريبا إلى دمشق. غير أنها كانت آخر حملة في اتجاه الشمال أما في شبه الجزيرة العربية فكانت السيطرة كاملة تقريبا.
لقد اتسمت تلك التجربة الوحدوية، التي غطت الجزيرة العربية بكاملها، بعدد من السمات المتميزة الهامة. فهي أولا كانت حركة عربية خالصة اعتمدت على قواها وإمكانياتها العربية الذاتية الخاصة. وهي ثانيا غطت مساحة مائة عام من الزمن، حفلت بالعمليات الحربية والتعبوية النشطة المتواصلة. وهي ثالثا تطلعت إلى تكرار فتوحات القادسية واليرموك في العراق وبلاد الشام، ولا ريب في أنها لو نجحت كانت ستتابع في اتجاه مصر ووادي النيل عموما وفي اتجاه المغرب العربي بل أنه لمن البديهي أن يتلو ذلك اجتياز الأناضول وفارس إلى مجمل الدول الإسلامية. وهي رابعا لم تعقد أية تحالفات مع دول خارج الجزيرة العربية، لا مع الدول الفارسية ولا مع الدول العثمانية، ناهيكم عن الدول الأوروبية، لكنها حاولت إقناع البلدان الشقيقة بالانضمام إليها عن طريق الدعوة وكسب الأنصار لمذهبها، ومن ثم كانت تلجأ للعمليات العسكرية، وهي خامسا عوملت طوال ذلك القرن كعدو، سواء من قبل الدولة الفارسية والدولة العثمانية ، أو من قبل بريطانيا والدول الأوروبية ولقد تم القضاء عليها بقسوة شديدة. بأمر من السلطان العثماني نفذته الإدارة المصرية. أما الذريعة فكانت استرداد الحجاز وعودته إلى حظيرة الدولة العثمانية مهما كلف الثمن، من أجل عودة انتظام طريق الحج الذي أصابه اضطراب عظيم. غير أنه من العسير استبعاد التأثير الأوروبي في قرار السلطان، وبخاصة التأثير الإنكليزي، لا سيما والسلطان كان ضعيفا حيث نصب حديثا بعد الإطاحة بسلفه سليم الثالث. وقد رأينا فيما بعد كيف حصدت أوروبا وخاصة بريطانيا نتائج العمليات الحربية المصرية في الجزيرة العربية، إضافة إلى حجم ونوعية المرارات والحزازات بين الأشقاء العرب المسلمين والتي لم تزل أثارها حتى يومنا هذا.
لقد كانت خاتمة تلك التجربة التوحيدية العملاقة بسقوط الدرعية في أيدي القوات المصرية عام 1818. ومن أجل تصفية كل نفوذ متبق لها مورست أساليب بالغة الفظاعة ضد قادتها وأتباعها، غير أن ذلك كله لم يمنع أثرها الروحي والفكري من الانتشار في معظم البلاد العربية والإسلامية، من أندونيسيا حتى المغرب العربي الأقصى.
__________________
ان لم تكن معي والزمان شرم برم...لاخير فيك والزمان ترللي
|