عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-11-2007, 12:15 AM   #3
الفارس
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
الإقامة: مصـر
المشاركات: 6,964
إفتراضي

الصورة المصنوعة

على الرغم من اضطرابات شخصية فاروق وتناقضاته إلا أن رجال الحاشية استطاعوا صناعة صورة جيدة لملك شاب محبوب يفعل أشياء عكس ما كان يفعل أبوه (الذي كان قاسيا عصبيا متعاليا, ويحتقر الشعب المصري), فيظهر فاروق محبا للشعب المصري, متواضعا يقود سيارته بنفسه ويظهر من وقت لآخر في الشوارع وبعض المحلات, ويشارك في الاحتفالات الدينية بجوار علماء الدين ذوي المكانة العالية في نفوس المصريين (وخاصة الشيخ المراغي), وشاعت بين المصريين صورة "الملك الصالح" في الفترة الأولى من حكم فاروق, وكان رجال القصر قادرين على تغطية جوانب قصوره, وعلى الاحتفاظ بالصورة الجميلة أمام الشعب طول الوقت.

وكان فاروق حريصا على أداء صلاة الجمعة في رمضان وإقامة الحفلات الدينية ودعوة طوائف الشعب إليها. وصورة الملك الصالح هذه كان وراءها حسن حسني باشا السكرتير الخاص للملك, والذي كان يرى أن الشعب المصري متدين بطبعه فلعب عل هذه الورقة الرابحة وكسب بها جولات من حزب الوفد (الغريم التقليدي للقصر) فقد كان حزب الوفد لا يخفي ليبراليته وعلمانيته, فكان القصر يصنع شعبية الملك من خلال مغازلته للنزعة الدينية لدى الشعب المصري (وهو نفس الشيء الذي فعله السادات حين أطلق على نفسه أو أطلق عليه رجاله لقب "الزعيم المؤمن"). حقا لقد كان وراء فاروق متخصصون في الصناعة الملكية نجحوا في مهمتهم فصنعوا ملكا شابا متوهجا يحرص على الاقتراب من شعبه ويتواصل معه في كل المناسبات خاصة الدينية منها, ويجل علماء الدين ورموزه, ويحرص على الزيارات الميدانية, وحضور المباريات الرياضية. ولم يفوّت صانعوا هذه الصورة أي فرصة إلا واستفادوا منها, فمثلا عندما تعرض فاروق لحادث سيارة في القصاصين على طريق الإسماعيلية عام 1930, راحت الآلة الإعلامية في ذلك الوقت تزف التهاني للمصريين بنجاة ملكهم المحبوب وتوافدت الجماهير لتهنئة الملك بسلامته والدعاء له بطول العمر.

وهكذا أصبحت للملك شعبية جارفة مما هز التوازن التقليدي بين الوفد والإنجليز والقصر ففكر الإنجليز في كسر شوكة فاروق وذلك من خلال فرض حكومة النحاس باشا عليه بالقوة, ولكن هذا الأمر زاد من شعبية فاروق وقلل من شعبية الوفد .

الصورة الحقيقية

هذه الصورة هي أن فاروق كان ينادي بلقب "ولي النعم" أو "مولانا", وكل من يلقاه ينحني له, وقام بتغيير شعار الجيش فبعدما كان "الله.. الشعب.. الملك" جعله " الله.. الملك.. الشعب". وكان رئيس الوزراء ملزما بأن يسبح بحمد مولاه وولي نعمته ملك البلاد في كل أحاديثه, وأن يشير إلى أنه وراء كل فكرة وكل خطة وكل إنجاز. وكانت تتم الاحتفالات بعيد مولده وعيد جلوسه على العرش وعيد زواجه, وأعياد ميلاد أولاده وذكرى نجاته في حادث القصاصين..... إلخ, ويفرض على الشعب المشاركة في كل هذه الأعياد على أنها أعياد وطنية. وتسمى الكثير من المستشفيات والمدارس والشوارع باسمه, وتوضع صورته على كل العملات الورقية والمعدنية وطوابع البريد, وتوضع صوره وتماثيله في كل مكان على أرض مصر. وكل يوم تبث الإذاعة المصرية المقولة التالية لأحمد نجيب الهلالي باشا: "سبحانك اللهم ما أعظم شأنك, وأعز سلطانك, وأوضح برهانك, آتيت فاروقً الملك والسداد, فأصبح عرشه في وادي النيل قبلة آمال المواطنين, ومعقد رجائهم وأطماعهم, وآية وحدتهم وكلمة إجماعهم, وقد ملكت قلوبنا سجاياه وشفانا الطيب من رياه, وآمال مصر بين يديه, في عزه الذي لا يرام وكنفه الذي لا يضام, لا زال ظله على الوطن مديدا ضافيا, ونوره للبلاد مضيئا هاديا".

أما خاصته الملكية فكانت عبارة عن 15400 فدان (خمسة عشر ألفا وأربعمائة فدان) يعمل فيها حوالي 600000 ألف (ستمائة ألف) من الفلاحين المصريين يبذلون العرق والدم والجهد طيلة عمرهم مقابل ملاليم يأخذونها ولقمة عيش خشنة يأكلونها في حين تأكل أجسادهم البلهارسيا وغيرها من الأمراض, بينما يتنعم هو بريع هذه الأرض الشاسعة فينفقها على ملذاته النسائية وعلى القمار على موائد مصر وأوروبا. وكان إذا احتاج إلى مزيد من العمال للعمل في أراضيه الزراعية يبعث بسيارات تجمع الفلاحين قسرا من قراهم (كما كان يجمع الأمريكان العبيد من إفريقيا) ليسخروا في العمل ليل نهار ولا يعفيهم مرضهم أو ضعفهم من هذا العناء, وكثير منهم يموت وهو يحفر بفأسه ترعة هنا أو مصرفا هناك فلا يجد كفنا يكفن به، أما المخصصات المالية فكانت عام 1951/1952 : 1315916 (مليونا وثلاثمائة وخمسة عشر ألفا وتسعمائة وستة عشر جنيها) وقتما كان الجنيه المصري يساوي جنيها ذهبيا.


يتبع ،،،

__________________
فارس وحيد جوه الدروع الحديد
رفرف عليه عصفور وقال له نشيد

منين .. منين.. و لفين لفين يا جدع
قال من بعيد و لسه رايح بعيد
عجبي !!
جاهين
الفارس غير متصل   الرد مع إقتباس