عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 15-12-2007, 12:13 AM   #32
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل العاشر

التطور التاريخي لسياسة وأهداف أمريكا الشرق أوسطية

برز الاهتمام الأمريكي في الشرق الأوسط ببداية القرن العشرين، وقد تزامن ذلك مع بروز النفط وأهميته من ناحية، ومع ما سمي بسياسة (الباب المفتوح) التي ظهرت مع تقسيم البلدان العربية بين بريطانيا وفرنسا، لتصل بها الى الاستقلال التام، فاتحة الباب أمام الشركات العالمية للاستثمار في المنطقة العربية، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تطالب باستمرار بتطبيق سياسة الباب المفتوح لتسمح الدولتان المستعمرتان للشركات الأمريكية بالمشاركة في استثمار أموالها بالمنطقة العربية ..

لكن لم يأخذ النشاط الأمريكي شكله القوي إلا في بداية الأربعينات من القرن العشرين، واكتفوا بالدخول بهدوء بحثا عن موطئ قدم في الأقطار العربية .. وما أن انتهت الحرب العالمية الثانية حتى استطاعت أمريكا أن تقنع بريطانيا بلزوم المشاركة الفعلية بل والقائدة للشركات الأمريكية ..

من جانب آخر وبعد صدور وعد بلفور المشؤوم عام 1917 استطاعت جماعات صهيونية عام 1922 إقناع الكونجرس الأمريكي بالوقوف الى جانب فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين .. فتأسست فكرة لدى الأمريكان بربط دعم المطامح اليهودية بالمطامع الأمريكية في المنطقة.

الحركة الصهيونية والسياسة الأمريكية

شهدت فترة سيطرة القوة النازية على ألمانيا وأثناء الحرب العالمية الثانية، إيجاد أجواء من التعاطف مع اليهود، وحالة من التفكير لاستغلال الحالة اليهودية، ومن الغريب أن الولايات المتحدة التي كانت تشجع الإنجليز الذين كانوا يشرفون على صناعة وطن قومي لليهود في فلسطين كونهم هم المحتلون الرسميون لفلسطين، على فتح باب الهجرة أمام اليهود في أوروبا الشرقية والمضطهدين من النازيين الى فلسطين، في حين شددت بقوة على منع دخول أي يهودي في تلك الفترة لأمريكا!

ولما كانت الحركة الصهيونية قد مهدت منذ بداية العشرينات على ترتيب علاقاتها مع الإدارة الأمريكية، فقد أثمرت جهودها في جعل أمريكا حليفا أساسيا لها عندما كانت بصدد إعلان دولتها.. فهذا الرئيس الأمريكي (ترومان) يعترف بقوة الضغط الصهيوني (إن الضغوط التي تعرض لها البيت الأبيض خلال تلك الفترة لم يكن قد سبق لها مثيل) كما أشار الى (أن بعض القيادات الصهيونية اقترحت عليه القيام بالضغط على بعض الدول من أجل حملها على التصويت الى جانب قرار التقسيم في الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة) .. وهكذا استطاع الصهاينة بمعاونة أمريكا من انتزاع 78% من أرض فلسطين عام 1948

بعد تولي إيزنهاور مقاليد الحكم عام 1953 حاول اتباع سياسة متوازنة في الشرق الأوسط، وجعل وزير خارجيته (جون فوستر دالاس) يقوم بجهود كبيرة في تلك المسألة والذي كلف أحد قيادات (الكويكز) وكان اسمه (جاكسون) صاحب المبادرة التي تحمل اسمه عام 1955 والذي قام بثلاث زيارات لكل من القاهرة والقدس لتحقيق تسوية سريعة .. إلا أن جهود إيزنهاور ودالاس وجاكسون كلها باءت بالفشل للأسباب التالية:

1ـ سيطرة موجة معادية للشيوعية على الأمريكية واتجاه أتباع وقيادات تلك الموجة الى اعتبار كل الدول غير الموالية لأمريكا، هي مع الشيوعية، وكان هذا الحال مع مصر وشقيقاتها العربيات اللواتي لم يعجبهن ما حدث لفلسطين.

2ـ قيام حركة التحرر العربية بتبني فكرة معاداة الصهيونية والفكر الإمبريالي الغربي والذي أعتبر مساندا للصهيونية .. وتبني الفكر الاشتراكي ..

3ـ إصرار الكيان الصهيوني على فرض شروط مهينة على العرب، حتى يقبل بتسوية ..

وقد نسفت الحركة الصهيونية كل تلك الجهود، بتكرار اعتداءتها على غزة وهدم بيوتها (ثلاث مرات) كما قامت بعدة مذابح داخل الأرض المحتلة .. ثم توجت ذلك بالعدوان الثلاثي الذي اشتركت به معها كل من بريطانيا وفرنسا.. ورغم أن موقف الرئيس إيزنهاور الذي أجبر تلك الدول على سحب قواتها من مصر، فإن عام 1956 كان عاما تمهيديا لجعل أمريكا السند الأقوى للكيان الصهيوني ..

الكيان الصهيوني كأداة أمريكية

في عام 1962 وصل الرئيس (جون كندي) الى سدة الحكم ب 82% من أصوات يهود أمريكا .. لقد شهدت فترة حكمه رغم قصرها، حالة انتعاش لليهود في احتلال مواقع هامة في إدارة الدولة الأمريكية .. وبعد وصول (ليندون جونسون) للحكم على إثر اغتيال (كندي) .. كانت فكرة استخدام (إسرائيل) كأداة بيد الأمريكان قد اختمرت لدى النخبة الحاكمة الأمريكية ..

وقد كان جونسون من المشجعين لتلك الفكرة، أو بالأحرى ممن نذروا أنفسهم لخدمة تلك الفكرة، مستغلا ظهور موجة عداء لأمريكا بعد هزيمة 1967، ونشاط بعض الدول العربية في حركة عدم الانحياز، وكانت هزيمة العرب في حزيران يونية عام 1967 مشجعا إضافيا على المراهنة على الكيان الصهيوني باعتباره أداة مهمة للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط.

زاد الدعم الحكومي 500%، كما زاد الدعم الشعبي، فقد كتب (إدوارد تفنان) في كتابه (اللوبي) أن (كرم يهود أمريكا تجاوز الخيال إذ قامت الجالية اليهودية بجمع 100 مليون دولار خلال شهر حزيران 1967 .. وفي حفل غداء بنيويورك تم جمع 15 مليون دولار خلال 15 دقيقة !..


التحالف الأمريكي ـ الصهيوني

برز الكيان الصهيوني بعد حرب 1967 كدولة قوية راسخة تستحق الإعجاب والتحالف معها .. وبعد تلك الحرب بأيام ظهرت 38 منظمة صهيونية ارتبطت جميعها به وأهمها : (لجنة العلاقات الأمريكية ـ الإسرايلية) و (اللوبي الصهيوني) و (مجلس رؤساء الجمعيات اليهودية الرئيسية) و (جمعية بناي بريث) .. تقول الدكتورة (شيريل روبينبيرغ) وهي أستاذة جامعية يهودية إن سرعة حصول القوى المساعدة لاسرائيل على الدعم الأمريكي الكبير يرجع الى:

1ـ قوة ايمان الطبقة الحاكمة بأهمية اسرائيل الاستراتيجية.
2ـ تزايد إعجاب الأمريكيين باسرائيل بعد انتصارها عام 1967
3ـ النشاط الكبير للحركة الصهيونية داخل أمريكا

في عام 1969 انتقل الحكم من الديمقراطيين الى الجمهوريين حيث استلم نيكسون في فترة كثيرة الاضطراب .. فكان نشاطه الرئيسي منصبا على جنوب شرق آسيا .. حرب فيتنام .. غزو كمبوديا .. ثم أخذ يغير من سياساته تمهيدا لانهاء حرب فيتنام والتقارب مع الاتحاد السوفييتي والصين (وقد مررنا على ذلك)

لكن لم تحظ المنطقة العربية باهتمام كبير، خصوصا للأجواء التي كانت القوى المعادية للعرب تصويرهم بالهمجية من خلال موجات خطف الطائرات الخ.. واقتصرت نشاطات نكسون في المنطقة على مبادرة (وليام روجرز) وزير الخارجية ومساعده (جوزيف سيسكو) .. والتي لم يشجعها (كيسنجر) مستشار الأمن القومي آنذاك، بل اقترح على نكسون إهمالها ..

لكن ما حدث في أعقاب حرب أكتوبر عام 1973، أعاد الأمريكان الى اهتمامهم الشديد بالمنطقة وفق أسس التزموا بها في نشاطهم:

1ـ إعادة تأكيد التزام أمريكا بوجود وأمن اسرائيل.
2ـ الإعلان عن الرغبة في بدء عملية سلام جديدة بهدف التوصل الى حل شامل
3ـ البدء في بلورة سياسة محددة تجاه منطقة الخليج بهدف تفريغ البترول من قوته السياسية وإخضاع تلك المنطقة للسيطرة الأمريكية (كان هذا بعد أن استخدم العرب النفط كسلاح).
4ـ اعتماد اسرائيل وإيران أداتين من أدوات السياسة الأمريكية الخارجية.

في عام 1977 حاول الرئيس كارتر (1977ـ1981) تعديل مجرى السياسة الأمريكية وجعلها متوازنة، لكنه فشل في إقناع اسرائيل المدعومة من الكونجرس الأمريكي باجبارها على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967 ونجح في إتمام عملية التسوية مع مصر .. وإخراجها من حالة الصراع العربي الصهيوني وهذا أكبر إنجاز للصهيونية وأكبر أذى حل بالأمة العربية ..

في المرة القادمة سنتناول سياسة أمريكا تجاه الخليج العربي ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس