الاستصغار ..
(استكبرها ولو عجرة ) مثل أو كلام يقال، لحب الناس بكل حصة كبيرة، فيريد تفاحة أو بطيخة كبيرة ويريد مساحة كبيرة من تركة، ويريد وظيفة كبيرة، يريد أن يصبح كبيرا .. وهنا تصبح صفة الاستكبار ملتصقة بمن يسعى لتكبير مساحة حصته سواء كانت الحصة مالا أو نفوذا .. ومن هنا قيل عن القوى الاستعمارية والإمبريالية قوى الاستكبار .. ويقال للذنب الفاحش (كبيرة) وجمعه كبائر ..
بالمقابل فإن الصغر و الصغيرة والصغائر هي عكس الكبر والكبيرة والكبائر، لكن الاستصغار في نظر المستكبرين هو ما يجعله حقيرا وضيعا تافها .. أما في نظر من يُطلَق عليهم تلك الصفة، فهو حكمة و عقلانية و واقعية .. فلذلك يتواصى المتواضعون بقولهم لمن قد يقع بخطأ ( صغرها تسقفها) أي اجعل غرفتك صغيرة أو سطح بيتك صغيرا تستطيع إتمامه والسكن فيه .. ويقولون لمن يرتكب خطأ من هذا النوع ( فحج فحجة كبيرة) أي قفز أو خطا خطوة كبيرة فسقط فانكسر ..
لكن هناك استثناءات بارزة في هذا التقسيم .. فمن يريد الزواج يبحث عن فتاة صغيرة وأنفها صغير .. والساعة الصغيرة أغلى ثمنا من ساعة الحائط الكبيرة، والقطائف (العصافيري) أي الصغيرة أغلى من القطائف الكبيرة (رغم أنها من نفس العجين) ..
قد تكون النظرة الأخيرة في البحث عن الصغير والصغيرة، هي من اختراع المستكبرين أنفسهم، فيريد فتاة صغيرة (ليربيها على يده!) أي ليضمن عدم اعتراضها على شيء، ويبحث عنها من بين عوائل الفقراء ليضمن غياب المناددة .. ويريد ساعة صغيرة ليستطيع حملها أولا، وحتى لا تغطي على أجزاء من جسمه العظيم، وهذا ما نراه في النياشين التي توضع على الصدر فهي من الصغر بمكان، رغم أن من يضعها هو من يشير بوضعها(في الغالب)، ولا أدري لماذا ينفخ من يتلقى النيشان صدره أثناء وضع النيشان. أما الأنف الصغير وحب الناس له فليس له عندي إلا تفسيرا واحدا وهو أن يضمن من يبحث عنه حصته من الأكسجين!
ومن هذا الباب نجد أن أمريكا تتحرش بدول صغيرة لتضمن قدرتها على تحقيق الانتصار عليها، فتهاجم بنما و جرينادا والعراق، وتتجنب مهاجمة الصين وروسيا ..
في حين لا يفتأ المستكبر أن يتباهى بقوته وذكر ضعف خصومه الصغار، ويلصق بهم أسوأ الصفات، فإنه يدعو الله ليلا نهارا أن يحفظ الصغار لأنهم الدلالة الوحيدة التي تثبت كبره!
__________________
ابن حوران
|