وكان خاتمة عقدهم نبينا صلى الله عليه وعليهم جميعا ما تعاقب الليل والنهار فكان من أصبرهم على البلاء والأذى والسخرية والاستهزاء .
يقول صلى الله عليه وسلم :" أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه , وإن كان في دينه رقة , ابتلي على حسب دينه , فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة ".
ولأن الارتداد عن الدين ، أو ترك الالتزام بتعاليمه والتمسك بشعائره ،أو ضعف ذلك ، أو التراجع عن الدعوة إلى الله بشتى وسائلها وطرقها المتاحة والمشروعة ،أو الفتور عن الطاعة وأعمال الخير أصبح ظاهرة لا تخفى على من له اطلاع على أحوال الناس وحياتهم ولا والله لا نبرئ أنفسنا جميعا كان لا بد من معالجة عاجلة وتدارك سريع قبل أن يتفلت الزمام وتنفض العرى ويستشري الداء .
فلننظر جميعا إلى الأسباب . ونتأمل الأعراض ونبحث عن الوقاية وسبل العلاج .
فخسارة فرد واحد من أبناء الأمة ورجالاتها بعد أن هداه الله أو تخاذله ونكوصه أو فساد خلقه وتصوراته لا يعدلها شيء ولا يوازيها خسارة فماذا بعد الزيادة إلا النقصان والصلاح إلا الفساد والطاعة إلا المعصية والإيمان إلا الكفر والعياذ بالله .
أخي المتمسك بدينه :
أي نعمة على العبد أجل من نعمة الهداية للإسلام وقراءة القرآن وتوفيق الله المرء لعمارة قلبه بالإيمان والإحسان وجوارحه بكريم الخصال وجميل الأخلاق . (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ).
ولنا أن نتصور كيف لو كان أحدنا قد تحدر من صلب مجوسي أو بوذي أو شيوعي أو رأسمالي أو.......ثم نشأ في بيئة تعبد الأبقار أو تركع وتسجد للنار أو تأله الأوثان والأحجار أو شب في بلاد الإلحاد حيث الزعم أنه لا إله والكون مادة وأن الطبيعة هي خالقة كل شيء ولا حد لقدرتها على ذلك أن العامل المشترك بين تلك الفرق والنحل والمذاهب كلها فشو الزنا والجريمة والقتل والانتحار والغصب والنهب والقلق والاضطراب . ......الخ
لذا لا يدرك نعمة الهداية والسعادة الحقيقية بالعبودية لله إلا من اطلع على أحوال الآخرين وأبصر الويلات والنكبات التي تحل بهم وتنزل بساحتهم هذا في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأبقى .
ونعوذ بالله أن يكون حالنا كحال من قال الله فيهم . (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) .
وللعلم فهذه ظاهرة من ارتداد أو انتكاس أو ضعف التزام أو تخل عن دين الله لا يدعى إليه ولا يذب عنه ليست وليدة هذا العصر ولا هي مما استجد بل لها فيما سبق من تأريخ شواهد عدة كما أن للثبات على دين الله صفحات مشرقة :
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) .
وروى الحاكم والبيهقي الحديث الصحيح الذي جاء فيه خبر أناس ممن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وصدق به فلما أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصبح الناس يتحدثوا بذلك ارتدوا عن دينهم إذ لم يطيقوا تصديق ذهاب النبي عليه الصلاة والسلام إلى بيت المقدس ورجوعه في ليلة واحدة . أما الصديق فشأن آخر فما زاد على قوله يوم أن قالوا له ذلك وسعوا به إليه إلا أن قال :ذلك ؟؟ قالوا :نعم . قال : لئن قال ذلك لقد صدق ...الحديث .
وحدث مثل ذلك يوم أن أذن الله بتحويل القبلة . (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ) .
|