.. وعذرًا للتأخير
...وكأن الطرفين لا يعلمان أن بالتقائهما يتكون كيان إنساني جديد اسمه الطفل أو الابن وأن هذا الابن سيكبر ويصير فيما بعد شخصًا له متطلباته وحاجاته الاقتصادية والاجتماعية المختلفة .
بعد مرور مدة وجيزة على الزواج تبدأ ماكينة العد لكل ذرة ينفقها الرجل وكل مثقال يدخره ، وتبدأ المعاناة من ضيق ذات اليد والصعوبة في تحصيل المال الكافي للإنفاق على الطفل لا سيما في ظل غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف الحياة من كل النواحي .
والأمر يمتد بالأب لدرجة أن يكون همه الأهم هو توفير أكبر قدر ممكن من الرعاية الاقتصادية والمادية للطفل حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.
في ظل هذا المناخ : تتآكل الروابط الأسرية ، وقد يكون تحسنها أو تدنيها مرهونًا بالقدرة على التمويل مما يفقد الأب صفته الوجدانية ليستحيل" ممولاً" .
وليس بالضرورة أن يكون ممولاً ناجحًا ،بل إن من الوارد جدًا أن تتحطم الأحلام على صخرة الإنفاق المدرسي فيما يسمى بالدروس الخصوصية. هذه الدروس التي يتعاطاها الفرد بشكل تلقائي آلي قد تثمر فيلتحق الفرد بالكلية التي يريد الالتحاق بها ، وقد يصاب بالفشل وحتى في حالة النجاح والالتحاق بالكلية كالطب أو الهندسة .. قد يفاجأ الفرد بانتكاسة كبرى وهي عدم قدرته على التفاعل الصحيح ورغبته في أن يترك الكلية أو يتحول عنها إلى غيرها .
فشل الطلاب في الالتحاق بالكلية التي كان يحلم بها يعد لدى الأسرة نكسة لا تضاهيها نكسة الخامس من يونيو عام 67 ، وتتردد عبارات أقل ما يقال عنها بأنها سخيفة لا تأتي من إنسان يدرك معنى وجوده في الأرض ، هذه الكلمات مثل :"هذه هي نهاية إنجابنا .. الأبناء أنفقنا عليهم فخذلونا وضيعوا جهدنا " أو :
"وياليت إنفاقنا جاء بنتيجة طيبة ..".
تتزايد الشكاوى – لا سيما إذا كان عدد الأفراد كبيرًا- وكأن نهاية حياة الطالب هي هذه المرحلة الثانوية ويذهب التفكير لإعادة صياغة هدف جديد له بعد أن تجاوز السادسة عشر من عمره .
وقفة مع هذا النموذج المتكرر بشدة في وطننا العزيز وقد يكون كذلك في دول عربية أو دول العالم الثالث الأخرى :
• إذا كان الوالدان يعرفان أن الالتقاء الجسدي بينهما سيترتب عليه وجود كائن يسمى الابن /الابنة : فلماذا لم يأخذا الترتيبات اللازمة لمواجهة هذا الوضع الجديد من خلال تنظيم الإنجاب كل أربع أو خمس سنوات مثلاً ؟
• * وطالما أن الطفل قد صار وجودًا حقيقيًا على أرض الواقع .. فهل لم يعرف الأبوان أنه سيكبر يومًا ما ؟
• هل لم يأخذ الأفراد العبرة مما يرونه حولهم من مشكلات تتعلق بالإنجاب والتكلفة وعدم تحديد هدف للابن بحيث يكون السعي من أجله ؟
• وبما أن الأبوين يبذلان كل هذا الجهد المادي الضخم من أجل شيء قد يتحقق أو لا يتحقق ، فلماذا لا يدخران أموالهما من أجل الإنفاق على ما من شأنه تنمية ميول الابن ؟ لاسيما وأن هذه الميول قد ينشأ عنها ربح اقتصادي كبير .
• المشكلة أن عملية الزواج والإنجاب والتعليم ومن ثم العمل لا تكون معضدة برؤية متكاملة لدور الفرد في الحياة ، بل تكون محدودة في جوانب معينة أكثرها يتجه إلى الراحة والسهولة والرفاهية .. وإن كان هذا هدف مشروع لكن الراحة لا تدرك بالراحة .
يمكن القول بأن الانشغال في هموم الحياة ومشاكلها ينتج عنه عدم انتباه الفرد لطبيعة دوره في الحياة ، والأهداف المنوطة به تحقيقها .
إذا حاولنا الكشف عن أغراض التربية في عالمنا العربي فسنجد أنها تقريبًا تنحصر في نقطتين هما الرفاهية المادية والوجاهة الاجتماعية . هذا وإن كان من حق أي إنسان أن يحلم به إلا أن الوصول إليه لابد أن يراعي جوانب هامة :
• الربح السهل السريع هو أسرع وأسهل طريق للخسارة ، لأن العمل الذي لا يتطلب ميولاً ولا مهارات لا يمكن أن يتميز الفرد فيه بالنضج والخبرة الكافية .
• المهارات والميول والاتجاهات الخاصة بالفرد تلعب دورًا كبيرًا في صقل خبرته بالشيء الذي يميل إليه وحتى وإن كان العمل سهلاً منه تحقيق الرفاهية الاقتصادية والتمايز الاجتماعي فإن الذي لا بد من معرفته هو أن عدم وجود الفرد المؤهل سيؤدي إلى عدم استمراره بشكل كبير في هذا المجال .
الإنسان كائن ميزه الله بالعقل عن سائر الكائنات وإذا فهم الإنسان الحياة على أنها سنون تمضي فحسب فإن رؤيته الكلية للحياة تكون خاطئة وبالتالي يترتب عليها أخطاء جزئية في كل جزئية تتعلق بالتربية مثل :
التوجيه المهني والإرشاد التربوي .
الصحة النفسية .
الخبرة الحياتية .
إن عدم إدراك الإنسان لأهداف حياته ينسحب على الغرض من الإنجاب لاسيما وأن الكثير من المشكلات الاجتماعية ظهرت بسبب هذا العامل ومن هذه المشاكل :
السلطوية الوالدية
الانحراف
تفكك الروابط الأسرية
أين نحن من قول الشاعرالجاهلي حطان بن المعلي :
وإنما أبناؤنا بيننا
أكبادنا تمشي على الأرض ِ
إذا هبت الريح على بعضهم
لامتنعت جفوني عن الغمض ِ
كما ترى كل الفلسفيات الحديثة في التربية أن الطفل هو محور العملية التربوية وليس الأشياء المحيطة بالطفل ، وهنا ينسحب الحديث إلى نظرية القيم ودورها في صياغة أهداف الإنسان ودورها في التنشئة .. موضوع طويل أرجو أن ألم بأكبر قدر ممكن به .. يرعاكم الله .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال
*** تهانينا للأحرار أحفاد المختار
|