عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-02-2008, 11:55 AM   #2
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

" نبوغ مبكر "

لنتعرف على جانب من حياة خالد تعالوا نتأمل هذا المشهد من طفولته :

حملق خالد والفتى الطويل القامة كل منهما فى الآخر وبدآ بالدوران ببطء وكل منهما يبحث عن ثغرة يهاجم بها الخصم ، لم يكن فى عينيهما عداوة بل مجرد منافسة وتصميم ثابت على الفوز . لقد وجد خالد أن من الضرورى أن يكون حريصا ، لأن الغلام الطويل القامة كان أعسرا قوى البنية وكان بحق أقوى فتيان قريش .
كانت المصارعة تسلية شائعة بين الفتيان فى شبه الجزيرة العربية ، لم يكن يوجد حقد فى هذه المبارزات ، مجرد رياضة . كان هذين الفتيين أقوى من الجميع كما كانا زعيمين للفتيان الذين فى سنهم ، كانا متقاربين فى العمر وكلاهما فى سن المراهقة . كان الفتى الطويل القامة أطول من خالد ببوصة واحدة وكان وجهيهما متشابهين بحيث يصعب التمييز بينها ، قذف خالد الفتى الطويل لكن هذه السقطة لم تكن عادية إذ عندما سقط سمع صوت قرقعة عالية وبعد دقيقة تبين من شكل ساقه الغريب أنها قد كسرت فقد استلقى الفتى المضروب على الأرض بدون حراك وحدق خالد بفزع إلى ساق صديقه المكسوره .
علينا هنا أن نتذكر هذا الفتى الطويل لأنه سيغير وجه التاريخ فيما بعد .
لم تكن لتؤثر هذه الحادثة طبعا على فتانا المهزوم فقد عرف عنه القوة والصلابة وهو ما سيثبته التاريخ فيما بعد ولم تؤثر على صداقتهما معا بل ظلا قريبين يتمتعان بمكانتهما فى قريش ومكانة أبيهما الوليد بن المغيرة سيد بنى مخزوم والخطاب سيد بنى عدى ..
نعم هو هو عمر بن الخطاب . وكان حريا بمن يتغلب عليه وهو من هو أن ينال المجد ويدخل التاريخ من أوسع أبوابه .

قسمت قريش المفاخر والمراسم على بطونها وانتهى الشرف إلى عشرة بطون هم :

( هاشم وأمية ونوفل وعبد الدار وأسد وتيم ومخزوم وعدى وجمح وسهم )

، فكانت لهاشم سقاية الحاج وكانت لأمية راية الحرب وكانت لنوفل الرفادة وهى إعانة الحجاج المنقطعين بالمال وكانت لعبد الدار السدانة والحجابة واللواء وكانت لبنى اسد المشورة وكانت لبنى تيم الديات والمغارم وكانت لبنى مخزوم القبة وهى مجتمع الجيش والأعنة وهى قيادة الفرسان وكانت لبنى عدى السفارة ولبنى جمح الأيسار والأزلام ولبنى سهم الحكومة والأموال المحجرة وظلوا هكذا يتولونها جيلا بعد جيل حتى ظهور الإسلام .
وكانت السلطة الفعلية مقسمة إلى ثلاث : " السلطة الروحية لهاشم وعبد الدار والسلطة السياسية لأمية والسلطة العسكرية لمخزوم " .

كان بطلنا من أشراف بنى مخزوم وكانوا فى ثروتهم وعدتهم وبأسهم أقوى البطون القرشية حين ينفرد كل بطن منها عن سائر البطون .

والوليد بن المغيرة سيد بنى مخزوم رأس الرؤوس فى قريش ، نشأ خالد فى كنفه واكتسب منه بعضا من خلقه وعقله ، كان الوليد أغنى أغنياء زمانه حتى لقبوه بريحانة قريش . وهو الذى قال فيه القرآن الكريم :" ذرنى ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا "
ويروى سفيان الثورى أنه كان يملك ألف ألف دينار ، وكان ينهى أن توقد غير ناره فى منى لإطعام الحجيج ، وكان يأنف لنفسه فى الجاهلية أن يرى سكران على إباحة الخمر وشيوعها فانتهى عنها بغير ناه ،وقد كان من أصحاب الحيلة والإقدام وله ضرباته فى مواقف اللبس والتردد منها حين تداعت الكعبة وأوجس المشركون أن يهدموها ليعيدوا بناءها لحرمتها فتناول المعول وضرب الضربة الأولى بيديه وهو يقول اللهم لم ترع ، اللهم لا نريد إلا الخير ، وكان من أفقه الناس لمعانى الكلام ومن أحفظهم للشعر .

وكانت ولا شك لمكانته العظيمة فى قريش أثرا عظيما فى نفسه حتى نجده فى موقف جد عجيب حينما استمع لقراءة النبى وأتى قومه يقول :" والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو وما يعلى " وإذا به حائرا مشدوها تتنازع فى داخله قوى الخير والعقل وقوى أعظم هى قوى السلطة والمكانة .. حتى إذا حان القرار وجد لنفسه مخرجا يرضاه ضميره بأن نفى عن محمد الجنون والكهانة والشعر والكذب وارتضى أقل هؤلاء فقال :" ما هو إلا سحر يؤثر"

وكان يزعم أنه هو أحق الناس بالنبوة والقرآن ويقول :" أينزل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها " فقال فيه القرآن :" وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم "

وفى حمى بنى مخزوم تعلم خالد كل فنون الفروسية ، وتعود شظف العيش وراض نفسه على الخشونة عمدا ليصبر على مضانك الحرب وشدائد الجوع والظمأ فى البادية ، جاء فى بعض الأحاديث أنه كان يأكل الضب ويشتهيه كما يأكله الأعراب وهو أغنى فتيان مكة .

وكان يركب الخيل المدربة وغير المدربة ، وتعلم إستخدام كل الأسلحة : المزراق والرمح والقوس والنشاب والسيف . وتعلم القتال على ظهر الحصان ومترجلا ، وكان متفوقا فى إستخدام الرمح وهو على صهوة جواده .

وكان على علم بالبادية العربية وكان كثير السفر والترحال قبل الإسلام فى كل أنحاء الجزيرة ولعله عرف فى تلك الأسفار دروبها العصية التى كان يطرقها من العراق إلى الحجاز ومن الحجاز إلى اليمن ومن نجد إلى الشام وبعضها كان يسلكه بغير أدلاء .

من كل هذا نشأ بطل عبقرى مدخر للقيادة والرئاسة بميراث حسبه وطبعه وملكات نفسه وجسده ، جاءته البطولة وهو ينتظرها ولا شك ، بل ويكاد الصدق والإشاعة معا يتوافيان إلى دلالة واحدة فى تربية هذا البطل المنذور للبطولة والعبقرية من قبل ميلاده .

وقد لعب أصدقاءه دورا هاما فى حياته ومن هؤلاء : عمرو بن العاص وأبو الحكم بن هشام وسنعرفه لاحقا بأبى جهل وهو ابن عم خالد وعكرمة بن أبى جهل صديق خالد الحميم .
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس