عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-04-2008, 12:54 PM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

1ـ تفتيت الملكيات وتغيير النمط الاجتماعي الإنتاجي في الزراعة.

من المعروف أن استمرارية أي صاحب مشروع إنتاجي وحصر اعتماده في موارده على ذلك المشروع سيعطي للمشروع حالة نمو مستقرة، بعكس الأعمال المكملة أو التي تتصف بطابع الهواية في أحد أشكالها. فمن يرتب معيشة أسرته معتمدا على ما ينتجه بستان زيتون، غير الذي يشتري قطعة أرض ويزرعها بالزيتون ليقضي بها عطلة نهاية الأسبوع أو ليتباهى بها كملكية تبعث الترف والمظهر البرجوازي.

ومن المعروف، أن ازدياد حجم المشروع الإنتاجي ووضوح إدارته وشكل الشراكة عند مالكيه، سيزيد من أرباحهم ويقلل من كلفة إنتاج الوحدة الإنتاجية، ويجعل من استخدام المكننة الزراعية أمرا مفيدا، يصب في مصلحة تطوير المشروع.

في الحالة العربية تعرضت الملكيات والحيازات في أراضي المشاريع الى تغيير كبير، أدى الى إهمال الاهتمام بالإنتاج الزراعي. كما أن عقلية المشاركة في منطقتنا العربية لا وجود لها في كثير من المناطق العربية، ففي حين نرى بعض الشركات في الدول الغربية قد مضى على تأسيسها أكثر من قرنين، فإن الشركات في معظم الأقطار العربية لا تدوم إلا سنين قليلة وتتفكك.

تطور حيازات الأراضي في الأقطار العربية

تتصف معظم الأقطار العربية بسعة المساحات الصحراوية والقاحلة فيها، ويلاحظ تركز وجود التجمعات السكنية قرب مصادر المياه والمساحات التي يمكن الاستفادة منها زراعيا، وأن حرم تلك التجمعات السكنية هو ما يحيط بها من الأراضي على مسير يوم أو يومين في أحسن الأحوال. وبالتالي فلم يكن هناك إدعاء بملكية ما هو أبعد من ذلك من قبل الملاك، بل كان متروكا للمراعي أو الصحراء.

بالمقابل، فإن معظم أراضي البلدان العربية التي خضعت للحكم العثماني، كانت تحت ملكية السلطان العثماني كفاتح لتلك الأقطار وكان يُطلق عليها الأراضي (الميرية)، وقد تم توزيع ما يقارب 15% من مساحة الأقطار العربية لكي يتصرف بها الناس وفق قوانين تطورت عدة مرات، وكانت تلك الأراضي الموزعة تحيط بالتجمعات السكنية.

بالأساس، كان نظام التوزيع يتبع فقه اجتماعي وسياسي، يراعي تراتب المجتمع فتتوزع أحقية التصرف بالأراضي على رؤساء ووجهاء القبائل والعشائر الذين يسميهم موظف اسمه (السباهي)*1 أي من يدير أراضي السلطان، ويقوم بجمع عائداتها موظف اسمه (الدفتردار). وكان كبار الملاك والذين أصبحوا بمثابة (باشوات) و(بكوات) في بعض الأحيان، من أعيان المجتمع وحلفاء ضمنا للحكم.

وقد ورثت إدارات الاحتلال البريطاني والفرنسي هذا النظام، واعتمدت التطويرات التي جرت عليه أعوام 1673، 1830، 1840، و1858. وقد استفادت من هذه القوانين سلطات الاحتلال الصهيوني في قضم أراضي فلسطين، حيث لا مالك لتلك الأراضي في نظر تلك السلطات.

الوضع الحالي للحيازات وأثره في انخفاض الإنتاجية الزراعية

زادت أعداد السكان في التجمعات السكنية، وتفتت الملكية نتيجة معاملات نقل الملكية بالإرث، ففي منطقتنا (مثلا) كان 1000 مواطن (عام 1930) يتقاسمون 18 ألف هكتار من الأراضي الزراعية (المعتمدة على الأمطار) أما اليوم فإن تلك المساحة آلت الى أكثر من 100 ألف مواطن!

ولو أردنا وصف تلك الحيازات، لوجدناها محكومة في أكثر الأحيان بما يلي:

1ـ صغر مساحة الوحدة الواحدة، لدرجة أن أصحابها لا يتمكنوا من معرفتها دون الاستعانة بمساح مرخص.

2ـ الخصومة على القرب من الشوارع والطرقات، فقد تجد قطعة بمساحة هكتار عرضها على الشارع 8 أمتار وطولها أكثر من كيلومتر، لا تصلح للزراعة ولا للعمار ولا يمكن أن تتحرك بها (الساحبات / التراكتور) إلا في اتجاه واحد، مما يجعلها عرضة للتعرية، خصوصا إذا كان بها انحدار

3ـ عدم الاهتمام بتلك الملكيات من أصحابها، ونذرها للبيع والشراء، جعلها عرضة للرعي الجائر، فاختفت بذلك أصناف من النباتات الرعوية المستساغة ونقصت كمية الأمطار نتيجة اختفاء الغطاء النباتي.

4ـ عزوف المالكين عن زراعة تلك المساحات الصغيرة لانخفاض المردود الإنتاجي لها.

5ـ اختفاء المهارات المتعلقة بانتخاب الأصناف المؤصلة من بذور المحاصيل.

6ـ ضخ أعداد هائلة من العاطلين عن العمل ممن كانوا يعملون في تلك الأراضي هم وأسرهم.

7ـ انتقال ملكية الكثير من الأراضي الى تجار العقارات وأصحاب المال الذين لا يجدون بالاستثمار الزراعي ـ في كثير من الأحيان ـ عملا مربحا.

باختصار إن تفتيت الملكية، جعل من الأراضي أشبه ما يكون بسندات قيد يتم التعامل بقيمها وقت الحاجة، في حين انتفت الغاية الإنتاجية منها!




هوامش

*1ـ سوس الملكية وصنع الدولة الحديثة (تأليف مارثا مندى وريتشارد سميث)/ أخذت المقالة العارضة للكتاب عن طريق د.لوسين تامينيان/ جريدة الرأي الأردنية.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس