أخي الفاضل أبا عُبيدة
السلام عليكم ورحمة الله
هواجس، تؤرق الأب والزوج والأخ والصديق، تنبع من فكرة إلحاق الأذى بأختنا وابنتنا وزوجتنا وكل أنثى تهمنا، تلك الهواجس تتعلق بما يسببه الاختلاط غير المراقب.. وهي متوطدة في نفوسنا كمسلمين، وشرقيين، وعرب، أي وصاية الذكورة المطلقة على الأنوثة المطلقة، من زوايا شتى، دينية، وأخلاقية وأسطورية..
إن الرقابة غير ممكنة (فيما لو أجيز مبدأها) بشكل مطلق، فلو كان لأحدنا عشر بنات في عدة مدارس وكليات أو أمكنة عمل، فإننا سنحتاج الى عشرة مراقبين، لا يغمضون جفنا حتى يتسنى لهم إحكام المراقبة.
وإن قُدِر لأحد منا أن يجبر بناته على المكوث بالبيت، وأغلق عليهن الأبواب، لما تيقن بأنه أنجز ما كان يرمي إليه، لدخول الفضاء من النوافذ والمعلومات من التلفزيون والراديو وصوت الجيران.
وإن أحكم المنافذ الإعلامية وألغى أجهزتها، فإنه لن يغامر بمنع زيارات الأقارب أو الجيران، أو ارتياد المؤسسات العلاجية، فالأنثى إنسان لا يمكنها العيش بدون وسطها الاجتماعي الأكثر رحابة.
نعود للهواجس من (الشبكة العنكبوتية)، والتي لو تأملناها لوجدناها لا تختلف كثيرا عن قنوات الاتصال الأخرى التي مررنا عليها بسرعة (مدرسة، كلية، تلفون، مكان عمل، جيرة الخ) ..
هناك من الآباء من يكون مطمئنا على نشئه من أبناء وبنات ولا يؤرقه ما سيواجههن أو يواجههم من مصادر خطر .. وهناك من يتوجس ويفلسف توجسه بدعم فكري ديني أو أخلاقي أو اجتماعي عام.
برأيي أن الابن أو البنت كالشتلة، إن تم تنشئتها أو تنشئته بشكل جيد، فلا يحتاج الى إبقاءه مربوطا بالحبل السري لذويه، في حين تكون الشتلة المبالغ في رعايتها (بدلال) تجف وتذوى بسرعة هائلة إذا انحبس عنها المطر ليومين أو أسبوعين ..
إن القاعدة الخلقية التي تستمد فقهها من ثلاثة مصادر، هي التراث (بفروعه المختلفة : الدين، والأدب والقيم والعادات)، وقوانين الدولة، وما تنتجه الصحبة أو الجماعة التي يتواجد بها الفرد (أنثى أو ذكر) هي في تغير مستمر، وعلى الآباء عدم التجمد عند صيغة بعينها، بل يتهيئوا لمواكبة تلك التغيرات، حتى تكون سلطة القاعدة الخلقية مقبولة لدى من يتعامل معها من أبناء النشء الجديد ..
تقبل احترامي وتقديري
__________________
ابن حوران
|