أما الأمر الثاني الذي أود الحديث عنه فهو؛ عن النهب الاقتصادي الذي تتعرض له أمتنا في مصر وغيرها من بلدان المسلمين. فقد وصل الفساد والسرقة إلى تجويع الناس وحرمانهم من الأقوات الأساسية.
والذين يسرقون أقوات أهل مصر هم الذين يمنعون الأقوات عن أهل غزة، بحجة التزاماتٍ دوليةٍ مشبوهةٍ بيتوها مع اليهود والأمريكان بليلٍ، ليتسنى لإسرائيل احتكار تموين غزة، ليرغموا أهلها على الاستسلام لشروطهم، والذين يسرقون أقوات أهل مصر هم نفس الذين ينشرون ويروجون لثقافة الركوع لأمريكا والتطبيع مع إسرائيل ثم الاستسلام والهروب في وثائق الترشيد.
وتجويع الناس في مصر وحرمانهم من رغيف العيش ومن الماء في دلتا النيل هو جزءٌ من المخطط الأمريكي الصهيوني، الذي يسعى لإذلال أمتنا والمزيد من تقسيمها.
والحرمان من الخبز وسرقة ثروات الأمة وتجويع الناس وتسميم الهواء والتربة ونشر الفشل الكلوي ليست إلا أعراضاً لذلك السرطان، الذي يستشري في أنسجة الأمة.
والذين سرقوا الأقوات، ولم يتركوا حتى رغيف الخبز، وصلوا لهذا الحد لأن الأمة لم تتصد لهم التصدي الذي يردعهم، ولو استمرت في تركهم فغداً يبيعون أبناءها.
سلموا مصر لإسرائيل، فلم تردعهم الأمة، وأدخلوا القوات الصليبية الأمريكية لمصر، فلم تتصد لهم الأمة، وأعانوا على قتل المسلمين في العراق وأفغانستان، فلم توقفهم الأمة عند حدهم، وتواطئوا على حصار المجاهدين في غزة، فلم يقم في وجههم أحدٌ، وانتهكوا الحرمات في السجون والمعتقلات وأقسام الشرطة، فلم يقتص منهم أحدٌ، وكلما سكتنا كلما نهشوا في لحومنا، وولغوا في دمائنا.
عن أبي بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه قال: أيّها النّاس إنّكم تقرءون هذه الآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾. وإنّي سمعت رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: "إنّ النّاس إذا رأوا الظّالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم اللّه بعقابه"[1].
وهؤلاء الذين سرقوا الرغيف والأقوات هم الذين سدوا كل وسائل التغيير السلمي. فما حدث في انتخابات مجلس الشورى ثم المحليات في مصر، ومن قبلهما ما حدث في الانتخابات الأردنية والانتخابات المغربية، ثم تهديد حزب العدالة بالحل في تركيا، هو النهج الأمريكي الجديد بعد أن استنفذ تيار التغيير عبر الانتخابات دوره، واستغله الأمريكان لصرف الأمة عن الجهاد والمقاومة الجادة ضد أعدائها الداخليين والخارجيين، ولما لم يفلح في صد موجة الصحوة الجهادية المتعاظمة، انتقلوا للمنهج الحالي؛ منهج الصحوات في العراق والتعديلات الدستورية والسيطرة التامة على الانتخابات ووثيقة الترشيد في مصر، منهج فرض الواقع المذل المهين الفاسد على الأمة بالقهر والتزوير والبطش والكذب.
ثم إمعاناً في التضليل يصدر البيت الأبيض -راعي الحريات في الدنيا- تصريحاً بعد انتخابات المحليات المصرية، يعرب فيه عن قلقه لتعرض ناشطي المعارضة ومرشحيها للمضايقات من قبل الحكومة[2]! الحكومة التي يدعمها الأمريكان، ويؤيدونها ويمدونها بالأموال والإعانات وأدوات التعذيب.
هذا الدجل الأمريكي لم يعد ينطلي على أحدٍ، وهذا النظام الفاسد الخائن، الذي سد كل أبواب التغيير السلمي، يجب أن يخلع إذا أردنا أن نعيش كآدميين.
ولن ينقذنا إلا حكومةٌ إسلاميةٌ مستقلةٌ عن أكابر المجرمين الدوليين، تحمي مصالح الأمة، وتدافع عن حرماتها، وتصون حقوقها. وأي حلٍ دون ذلك هو عبثٌ لن يؤدي إلا لمزيدٍ من الخسارة والذل والهوان.
ولم يقتصر الأمر على مصر، فالأمة تضج من نقص الأقوات في عديدٍ من البلدان كاليمن، بل حتى في جزيرة العرب، التي تعد حكومتها من أغنى الحكومات في الدنيا، لا يجد كثيرٌ من سكان الأحياء الشعبية في جدة الماء، ويحملون أوعيتهم للحصول على الماء من المساجد، ولكن الحكومة تمنع المؤذنين من إعطائهم المياه، وتطفح المجاري في الشوارع، وتنقطع الكهرباء في حر جدة الخانق. ويسكن الفقراء في مكة والرياض في أحياءٍ من الصفيح، فأين ذهبت ثروات الأمة في جزيرة العرب؟ لقد سلط الأمريكان عليها أسرةً من سبعة آلاف أميرٍ، تنهب ثروات الجزيرة نهباً، وفي المقابل تسلم الحصة الأعظم من ثرواتنا للأمريكان، وتمنح لهم الأرض والقواعد والمطارات والموانئ، لينطلقوا منها لقتل المسلمين.
وينشغل عبد الله بن عبد العزيز بزيارة البابا، الذي تهجم على الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، وينشغل بالدعوة للحوار بين الأديان، ليلمع صورته أمام الصليبيين والأمريكان.
أيها المتلهف على رضا الصليبيين بدلاً من أن تتحاور مع غير المسلمين استمع أولاً لشعبك المسلم، الذي تفشت فيه البطالة والمخدرات والجرائم، ولا يجد ماء الشرب ولا الكهرباء ولا المسكن اللائق، ورد إليه حقوقه التي سلبتموها، وكف عن الاستسلام للأمريكان، ونهب وسلب ثروات الأمة.
ولذا يجب على طليعة الأمة الواعية أن تتحرك قبل فوات الأوان.
يجب على الطليعة المسلمة الواعية أن تتحرك قبل أن نرى بترايوس غداً في القاهرة والرياض يقود عصابات الصحوات لسفك الدماء وانتهاك الحرمات.
إذن ما هو المطلوب من المسلم اليوم؟
المطلوب من المسلم أن يتمسك بإسلامه، لأن الإسلام هو طريق النجاة، وفي كل المعارك التاريخية لم يدافع عن الأمة إلا المسلمون، والذين يدافعون عنها اليوم في الشيشان وأفغانستان والعراق والصومال وفلسطين هم المسلمون.
والمطلوب من المسلم أن يعمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"[3]
المطلوب من الجميع أن يتحركوا بكل ما يستطيعون بالقتال والبيان والتظاهر والإضراب والاعتصام، وألا نترك سبيلاً لتغيير هذا الواقع الفاسد إلا ونسلكه، فلن ننتزع حقوقنا إلا بأيدينا، وليس بالتوسل ولا التسول ولا بالانتخابات المزورة.
وسيسعى ذئاب الحكم عملاء الصليبيين واليهود لقمع التحركات الشعبية بكل ما يستطيعون، كما حدث في المحلة الكبرى، ولكن مع استمرار الصمود والتضحيات سينهزمون بإذن الله، ولا بد من الصبر والمثابرة، فإن الحقوق تنتزع ولا توهب.
على العمال والموظفين والطلاب أن ينقلوا غضبهم للشارع، وعليهم أن يجعلوا المساجد والمصانع والجامعات والمعاهد والثانويات بؤراً لدعم الجهاد والمقاومة.
المطلوب من الجميع أن يتحركوا، لإن المعركة ليست معركة جماعةٍ أو تنظيمٍ، ولكنها معركة الأمة كلها، يجب أن تتكاتف الأمة المسلمة بمجاهديها ورجالها ونسائها وأطفالها وشيوخها وعلمائها ومفكريها وقياداتها وجماهيرها، لطرد الغزاة الصليبيين واليهود من ديار الإسلام ولإقامة الدولة الإسلامية، التي تحكم بالشريعة، وتدافع عن حقوق المسلمين، وتأخذ على يد السراق الناهبين لثروات الأمة، فهل يعقل أن مصر المباركة لا يجد أهلها الخبز ولا الماء. فأين ذهبت ثرواتها؟
وقيام هذه الدولة يستلزم تحرك الطليعة المسلمة المضحية في سبيل دينها والمتوكلة على ربها، التي يجب أن تتجمع وتخطط وتقود التغيير نحو الحرية والاستقلال والعزة والكرامة والدولة المسلمة.
وفي ختام كلمتي أحيي عمال المحلة الكرام، الذين تصدوا للسرقة والفساد، وأحيي أهلها الشجعان، الذي نفذوا الإضراب العام، وأحيي كل حرٍ وشريفٍ يسعى لمقاومة عملاء الحملة الصليبية اليهودية في مصر والعراق وفلسطين والجزائر وأفغانستان والشيشان وفي كل مكانٍ، وأذكرهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزّرع وتركتم الجهاد سلّط اللّه عليكم ذلًّا لا ينزعه حتّى ترجعوا إلى دينكم"[4].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمدٍ وآله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.