عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-04-2008, 01:31 PM   #9
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

3ـ الفوارق الواضحة بين مردود العمل بالزراعة والعمل بالقطاعات الأخرى، وهروب العاملين بالقطاع الزراعي الى قطاعات أخرى.

لماذا يجب على الفلاحين تأمين طعام الآخرين دون مكافأة؟

قامت معظم الحضارات القديمة على سواعد العبيد والفلاحين. وإن كان العبيد يحملون صفاتهم من اسمهم، والمقترن بالعبودية وملكية الأرض، فإن الفلاحين لا يبتعدوا كثيرا عن تلك الصفة في عهد الإقطاع والملكيات الواسعة.

وبعدما تغيرت الأوضاع، واختفى عصر العبودية كما اختفى عصر الإقطاع، فإن النظرة الى الممتهنين للزراعة والفلاحة، لا زالت تحتل مقعدا في أسفل الرتب الاجتماعية، وقد كانت النظرة واضحة لأواسط القرن الماضي في العراق ـ مثلا ـ عندما كان (الحساوي) أي من يزرع وينتج الخضراوات، نادرا ما يطرح عليه التحية من قبل غير صنفه. وحتى أيامنا الحاضرة تستنكف بنات المدن من الزواج من أبناء الفلاحين، حتى لو غيروا مهنهم!

هذه النظرة، تجسدت في أسعار منتجات الفلاحين من حبوب وخضراوات ولحوم وغيرها، فقد تمعنت بمفكرات*1 والدي رحمه الله الذي كان يثبت بها أسعار المواد منذ عام 1925 وحتى وفاته عام 1984، فوجدت أن سعر القمح الذي كان سائدا عام 1955 مثلا يساوي نصف سعر القمح الذي كان عام 1995، حيث كان المُد (20كغم) يساوي 2 دينار أي 6 دولارات عام 1955 في حين كان سعر المُد عام 1955 يساوي 4 دنانير أردنية، ولو حسبنا سعر الصرف عام 1995 لكان المد يساوي 6 دولارات، أي لم يتغير شيئا، في حين كان سعر الليرة الذهبية عام 1955 يساوي دينارا تقريبا، كانت الليرة الذهبية تساوي حوالي 112 دينارا أردنيا.

لقد أحس الفلاح، أن وضعه أشبه بالقاعدة التي لا تتغير كمسألة الثأر والشرف، وغيرها، فأضيف إليها احتقار الفلاح واحتقار تعديل أسعار منتجاته. مما جعل الفلاحين يحلمون بمستقبل أفضل لأولادهم يخلصهم من البؤس الذي عاشه آباؤهم. فكانوا يبعثون بأولادهم للمدارس والجيش ويبيعون أراضيهم لتكملة دراسة أبنائهم.

فروق في أجور العاملين

حتى أن نظرة الرواتب لاحقت العاملين في القطاع الزراعي (الاشتراكي)، ففي العراق مثلا، كانت الرواتب الشهرية لعمال الزراعة حوالي 22.5 دينار، أي ما يعادل 70 دولارا في وقتها (حسب سعر الصرف آنذاك 1976), بالمقابل كان عمال مناجم الكبريت في المشراق 65 دينار، والعاملين في النفط يصل الى 90 دينارا، (200ـ 300 دولار حسب سعر الصرف آنذاك). ولم تكن الأقطار العربية الأخرى تختلف في سياساتها نحو رواتب العاملين في الزراعة عن العراق.

الوافدين والعمل بالزراعة

لم أجد عام 1982 إلا عاملين من أهل منطقة الأغوار الأردنية، بين العدسية وتل الأربعين، في حين كان بقية العمال من أقطار عربية أخرى. ولما كان هؤلاء العمال الوافدين باستطاعتهم التنقل بين قطاع وقطاع، فإنهم حتما سيختارون القطاعات التي تدفع لهم أجورا أعلى، مما وضع أصحاب المزارع المحليين أمام خيارين : إما أن يدفعوا القيمة المعادلة لسعر العمالة في السوق، فترتفع كلفة الإنتاج، في حين لم تتغير الأسعار بشكل يعادل تلك التكاليف، وإما أن يتركوا أراضيهم دون زراعة، وهو الأكثر شيوعا، هذا في المناطق الإروائية.

أما في المناطق البعلية أو الديمية (التي تعتمد على الأمطار) فغالبا ما يتم خذلان المزارعين دون الحصول على موسم جيد، وإن جاء موسم جيد فإن أجور الحراثة والحصاد والنقل ستأكل المربح كاملا، فيضطر المزارعون لبيع مزروعاتهم لمربي الأغنام الذين لا تقل معاناتهم عن معاناة الفلاحين، فيدفعوا القليل من المال بحيث يبقى خيار بيعهم المزروعات أقل سوءا من حصدها واستخلاص الحبوب منها.

رواتب مجزية لأعمال تقل أهمية عن الزراعة

وجد المزارعون، أن راتب حارس العمارة، أو آذن في دائرة حكومية يساوي ما ينتجه 40 هكتار (400 دونم) من القمح كمتوسط في سنين متوسطة الإنتاج، وأن تلك المهنة أي الحراسة والخدمة لا تحمل معها أي معاناة للتلاؤم مع الأحوال الجوية. فلماذا يجب على المزارع أن يختار الزراعة بشقائها وقلة أرباحها، ويترك تلك المهن المريحة والنظيفة؟ هل من أجل خدمة المواطن والوطن وحسب؟ ولماذا على المزارع أن ينفرد بتلك التضحيات؟ أليس الوطن للجميع.

اتهامات متبادلة

إن قلت على الدولة أن تدفع رواتب كريمة لعمال الزراعة، فسيقول لك قائل: ولماذا نعطيهم رواتب وعملهم لا يكاد يساوي قيمة تلك الرواتب؟ لقد أجريت دراسة (لم تنشر مع الأسف) بالاشتراك مع عشرة من المختصين في عشر محطات للبحث العلمي في محافظة نينوى (الموصل/ العراق) بين عامي 1975 و1978، وكان متوسط عمل العامل الفعلي يوميا ساعة واحدة و13 دقيقة خلال ثلاث سنوات من المراقبة غير الظاهرة، في حين دوامه الفعلي يجب أن يكون 8 ساعات حسب قوانين العمل.

وإن قلت للعامل: لماذا لا تزيد من وتيرة إنتاجك؟ فيبتسم ويقول: أمن أجل هذا الراتب الحقير أزيد عملي؟

تسرب الأرباح بين المنتج والمستهلك

لتعقيد عمليات الإنتاج وطرق تصريفه، فإنه في بعض الأحيان لا يساوي السعر الذي يدفع في أرض المزرعة ربع السعر الذي يدفعه المستهلك الأخير للسلعة. هذه الحالة تكون جلية وواضحة في السودان وأغوار الأردن. والثلاثة أرباع الأخرى تذهب للوسطاء والناقلين والمضاربين وتجار الجملة الخ.

خلاصة:

إذا كانت المشاريع الزراعية تقوم على أربع ركائز (العمل ورأس المال والإدارة ومستلزمات الإنتاج) فإنها في حالة ملكية المشروع من قبل صاحبه، فإنه سيصطدم بعدم جدوى مشروعه الاقتصادية. وإن كانت للدولة أو للشركات فإن قوانين السوق وسوء الإدارة وضعف المال والمكائن وترهل العمالة ستجعل المشروع خاسرا، لا محالة .. فالبحث بتلك المسألة يتطلب البحث بمسائل كثيرة.

هامش
المفكرة: هي دفتر جيب يحتوي صفحات بعدد أيام السنة، يذكر بأوقات الصلاة، وبعض المواسم الزراعية، كان البعض يقتنيه ليدون عليه حالة مزروعاته ومن توفى ومن تزوج وحالة الطقس وأسعار المواد (تبن، لحم، قمح، قماش الخ).
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس