عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 30-05-2008, 02:38 PM   #5
محى الدين
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2007
الإقامة: إبن الاسلام - مصر
المشاركات: 3,172
إفتراضي



أما الحكمة الثالثة فهي الحكمة الاجتماعية، وهذه تظهر بوضوح في تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بابنة الصديق الأكبر أبي بكر رضي الله عنه، وزيره الأول، ثم بابنة وزيره الثاني الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه، ثم باتصاله عليه السلام بقريش اتصال مصاهرة ونسب وتزوجه العدد منهن مما ربط بين هذه البطون والقبائل برباط وثيق وجعل القلوب تلتف حوله وتلتقي حول دعوته في إيمان وإكبار وإجلال.

لقد تزوج النبي صلوات الله عليه بالسيدة عائشة بنت أحب الناس إليه وأعظمهم قدرًا لديه ألا وهو أبو بكر الصديق الذي كان أسبق الناس إلى الإسلام، وقدم نفسه وروحه وماله في سبيل نصرة دين الله والذود عن رسوله وتحمل ضروب الأذى في سبيل الإسلام حتى قال عليه السلام كما في الترمذي مشيدًا بفضل أبي بكر: ((ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه بها ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدًا يكافيه الله تعالى بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر، وما عرضت الإسلام على أحد إلا تردد ما عدا أبا بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، إلا وإن صاحبكم خليل الله تعالى)).

فلم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم مكافأة لأبي بكر في الدنيا أعظم من أن يقر عينه بهذا الزواج بابنته ويصبح بينهما مصاهرة وقرابة تزيد في صداقتهما وترابطهما الوثيق، كما تزوج صلوات الله عليه بالسيدة حفصة بنت عمر، فكان ذلك قرة عين لأبيها عمر على إسلامه وصدقه وإخلاصه وتفانيه في سبيل هذا الدين، وعمر هو بطل الإسلام الذي أعز الله به الإسلام والمسلمين، ورفع به منار الدين، فكان اتصاله عليه السلام به عن طريق المصاهرة خير مكافأة له على ما قدم في سبيل الإسلام، وقد ساوى صلى الله عليه وسلم بينه وبين وزيره الأول أبي بكر في تشريفه بهذه المصاهرة فكان زواجه بابنتيهما أعظم شرف لهما بل أعظم مكافأة ومنة ولم يكن بالإمكان أن يكافئهما في هذه الحياة بشرف أعلى من هذا الشرف فما أجل سياسته، وما أعظم وفاءه للأوفياء المخلصين.

كما يقابل ذلك إكرامه لعثمان وعلى رضي الله عنهما بتزويجهما ببناته وهؤلاء الأربعة هم أعظم أصحابه وخلفاؤه من بعده في نشر ملته وإقامة دعوته فما أجلها من حكمة وما أكرمها من نظرة.

رابعًا: الحكمة السياسية:

لقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ببعض النسوة من أجل تأليف القلوب عليه وجمع القبائل حوله، فمن المعلوم أن الإنسان إذا تزوج من قبيلة أو عشيرة يصبح بينه وبينهم قرابة ومصاهرة، وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرته وحمايته ولنضرب بعض الأمثلة على ذلك لتتضح لنا الحكمة التي هدف إليها الرسول الكريم من وراء هذا الزواج.

أولاً: تزوج صلوات الله عليه بالسيدة جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق وكانت قد أسرت مع قومها وعشيرتها، ثم بعد أن وقعت تحت الأسر أرادت أن تفتدي نفسها، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه بشيء من المال فعرض عليها الرسول الكريم أن يدفع عنها الفداء وأن يتزوج بها فقبلت ذلك، فتزوجها فقال المسلمون: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أيدينا ـ أي أنهم في الأسر ـ فأعتقوا جميع الأسرى الذين كانوا تحت أيديهم، فلما رأى بنو المصطلق هذا النبل والسمو وهذه الشهامة والمروءة أسلموا جميعًا ودخلوا في دين الله وأصبحوا من المؤمنين، فكان زواجه صلى الله عليه وسلم بها بركة عليها وعلى قومها وعشيرتها لأنه كان سببًا لإسلامهم وعتقهم وكانت جويرية أيمن امرأة على قومها.

أخرج البخاري في صحيحة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني المصطلق فأخرج الخمس منه ثم قسمه بين الناس فأعطى الفارس سهمين والراجل سهمًا فوقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس، فجاءت إلى الرسول فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابني من الأمر ما قد علمت، وقد كاتبني ثابت على تسع أواق فأعني على فكاكي فقال عليه السلام: ((أو خير من ذلك؟)) فقالت: ما هو؟ فقال: ((أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك)) فقالت: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله: ((قد فعلت)) وخرج الخبر إلى الناس فقالوا: أصهار رسول الله يسترقون؟ فأعتقوا ما كان في أيديهم من سبي بني المصطلق فبلغ عتقهم مائة بيت بتزوجه عليه السلام بنت سيد قومه.

ثانيًا: وكذلك تزوجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة صفية بنت حيي بن أخطب التي أسرت بعد قتل زوجها في غزوة خيبر، ووقعت في سهم بعض المسلمين فقال أهل الرأي والمشورة: هذه سيدة بني قريظة لا تصلح إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرضوا الأمر على الرسول الكريم فدعاها وخيرها بين أمرين:

أ ـ إما أن يعتقها ويتزوجها عليه السلام فتكون زوجة له.

ب ـ وإما أن يطلق سراحها فتلحق بأهلها.

فاختارت أن يعتقها وتكون زوجة له، وذلك لما رأته من جلالة قدره وعظمته وحسن معاملته، وقد أسلمت وأسلم بإسلامها عدد من الناس.

روي أن صفية رضي الله عنها لما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: لم يزل أبوك من أشد اليهود لي عداوة حتى قتله الله، فقالت يا رسول الله: إن الله يقول في كتابه: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18]، فقال لها الرسول الكريم: اختاري فإن اخترت الإسلام أمسكتك لنفسي، وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك، فقالت: يا رسول الله: لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني إلى رحلك وما لي في اليهودية أرب وما لي فيها والد ولا أخ وخيرتني الكفر والإسلام فالله ورسوله أحب إلي من العتق وأن أرجع إلى قومي، فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه.

ثالثًا: وكذلك تزوجه عليه الصلاة والسلام بالسيدة أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان الذي كان في ذلك الحين حامل لواء الشرك وألد الأعداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أسلمت ابنته في مكة ثم هاجرت مع زوجها إلى الحبشة فرارًا بدينها، وهناك مات زوجها، فبقيت وحيدة فريدة لا معين لها ولا أنيس، فلما علم الرسول الكريم بأمرها أرسل إلى النجاشي ملك الحبشة ليزوجه إياها، فأبلغها النجاشي ذلك فسرت سرورًا لا يعرف مقداره إلا الله سبحانه؛ لأنها لو رجعت إلى أبيها أو أهلها لأجبروها على الكفر والردة أو عذبوها عذابًا شديدًا، وقد أصدقها عنه أربعمائة دينار مع هدايا نفيسة، ولما عادت إلى المدينة المنورة تزوجها النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام. ولما بلغ أبا سفيان الخبر أقر ذلك الزواج وقال: "هو الفحل لا يقدع أنفه"، فافتخر بالرسول ولم ينكر كفاءته له إلى أن هداه الله تعالى للإسلام، ومن هنا تظهر لنا الحكمة الجليلة في تزوجه عليه السلام بابنة أبي سفيان، فقد كان هذا الزواج سببًا لتخفيف الأذى عنه وعن أصحابه المسلمين سيما بعد أن أصبح بينهما نسب وقرابة مع أن أبا سفيان كان وقت ذاك من ألد بني أمية خصومة لرسول الله ومن أشدهم عداء له وللمسلمين، فكان تزوجه بابنته سببًا لتأليف قلبه وقلب قومه وعشيرته كما أنه صلى الله عليه وسلم اختارها لنفسه تكريمًا لها على إيمانها لأنها خرجت من ديارها فارة بدينها فما أكرمها من سياسة وما أجلها من حكمة.

__________________
كـُـن دائــما رجـُــلا.. إن
أَتـــوا بــَعــدهُ يقـــــــولون :مَـــــرّ ...
وهــــذا هــــوَ الأثـَــــــــــر


" اذا لم يسمع صوت الدين فى معركة الحرية فمتى يسمع ؟؟!!! و اذا لم ينطلق سهمه الى صدور الطغاة فلمن اعده اذن ؟!!

من مواضيعي :
محى الدين غير متصل   الرد مع إقتباس