عضو جديد
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
المشاركات: 44
|
ما سر هذا الأمر النبوي الحكيم ؟
إن ابن أُنيس أنصاريٌ خزرجي , ولو انتسب إلى الأنصار فسوف يكتشف أمره , ويفشل في تحقيق مهمته, فلا بدَّ أن ينتسب إلى قبيلة ٍ أخرى . اختار له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتسب إلى قبيلة خـُزاعـة ! فـلـمـاذا ؟؟؟
إن خـُزاعة قبيلة عربية كبيرة , تقيم في تلك المنطقة الواسعة على الطريق إلى مكة , وكان ابن نُبَيح الهُذلي يتصل بزعمائها لينظّم أفرادها إلى جيشه , وهي قبيلة كبيرة , يصعب حصر أفرادها , فإذا قال ابن أُنيس : أنا خُـزاعي , فيصعب التأكُّد من ذلك , لأن بطون خُـزاعة عديدة , فمن أيَّ بطنٍ هو ؟
وبما أن مهمته الجهادية لا تحتاج إلى سلاح كثير , لأنها محصورة في قتل الشيطان ابن نُبَيح الهُذلي فلم يأخذ معه إلا السيف فقط !. فحمل عبدالله ابن أُنيس رضي الله عنه سيفه في مطلع شهر محرم من السنة السادسة للهجرة وغادر المدينة وحده , متوجها إلى هدفه لتنفيذ مهمته[3] .
ابن أُنيس يخترق ويتغلغل
في معسكر ابن نُبَيح الهُذلي!
ومرَّ على منطقة " قُديد) ووجد فيها تجمعاً كبيراً لخُزاعة , فانتسب إلى خُزاعة فرحبوا به باعتباره واحدا من قبيلتهم وأخبرهم أنه متوجهُ إلى مكة فعرضوا عليه أن يُزوِّدوه بالظَّهر- فرسٌ أو جمل – ليقطع به المسافة إلى مكة فأبى وعرضوا عليه أن يرافقه أفرادٌ منهم ليأنس بهم في الطريق فأخبرهم أنه لا يحتاج إلى ذلك .
واصل عبدالله بن أُنيس رضي الله عنه سيره وحيدا وكلما قابل قبيلة أو مجموعة يخبرهم أنه ذاهب إلى ابن نُبَيح الهُذلي للالتحاق بجيشه المتوجه إلى حرب المسلمين في المدينة .
وبعد صلاة الظهر وصل ابن أُنيس إلى مقر قيادة الهُذلي بمنطقة عـُرنـة التي حددها له رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد فيها معسكر ابن نُبَيح الهُذلي كبيرا , يضم الكثير من أفراد القبائل الذين انضموا إليه ويعدون بالمئات , وهم متفرقون في المنطقة ينتظرون انضمام الآخرين إليهم ليتوجهوا إلى غزو المدينة .
ودهش ابن أنيس من الجموع الكثيرة التي يراها وأدرك خطورة ابن نُبَيح الهُذلي على الإسلام والمسلمين وأنه إن وصل بهذه الجموع إلى المدينة فستكون المعركة عنيفة , وأدرك هنا حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في تكليفه بقتل ( الزعيم – القائد ) لهذه الجموع والتأثير الشامل للعملية الجهادية على الأوضاع بأسرها .
أخذ يتجوّل في المعسكر باحثا عن الزعيم الخصم , ولفت انتباهه من بعيد رجل يمشي من بعيد تحيطه مجموعة من النساء يريد ان يختار لهن موضعا مناسبا ينزلن فيه
فلما اقترب من الرجل , ونظر إليه فهابه وخاف منه واحسَّ بالقشعريرة والرعدة تسري في عروقه .. وتذكَّر ما قاله له رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفه . انه هو . الزعيم الخصم . وهذه هي العلامة التي ذكرها له رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحققت . قال في نفسه : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان الخوف الذي أصابه عرضاً قد زال سريعاً , والقشعريرة قصيرة لم تستمر إلا لحظة سريعة , فزالت الرعدة والقشعريرة فوراً ونتج عنها عرق غزير صار يقطر من جسمه . وهي علامة على تجاوز الخوف وزوال الخطر واسترداده لهدوئه ورباطة جأشه , وعودة شجاعته له , لقد تداركته رحمة الله , فأزال الله عنه الخوف والفرق العرضي وأحلَّ محلَّه الطمأنينة واليقين وهدؤ الأعصاب وسكينة النفس , وهذه أمور ضرورية لبطلٍ مجاهد مقبل على عمل كبير...!
المجاهد يصلي العصر ماشياً نحو هدفه !!
رأى ابن أنيس خصمه بعد دخول وقت صلاة العصر وهو على وضؤ وخشي ان تفوته صلاة العصر إذا التقى به , وحصلت مصاولةٌ ومجاولةٌ بينه وبينه ! فماذا سيفعل ؟؟ هل يؤخِّر الصلاة إلى ما بعد اجتماعه به ؟ وكيف سيصلي ؟ إنه سيقدم نفسه له باعتباره كافراً لا يصلي فكيف يصلي أمامه صلاة المسلمين ؟ هل يصلي الآن قبل أن يلتحق به ؟ وكيف ؟ لو أنه وقف واستقبل القبلة وصلىّ صلاة عادية بقيام وركوع وسجود فسيراه جنود الهُذليّ ويلقون القبض عليه باعتباره عيناً للمسلمين ولرسول الله صلى الله عليه وسلم في المعسكر ! هل يترك الصلاة ؟ باعتباره مكلفاً بمهمة جهادية ؟ لا لا لا يجوز لأن الصلاة كانت على المؤمنين كتباً موقوتاً.
هداه الله إلى تصرف رائع !!!
يتوجه إلى الزعيم ابن نُبَيح الهُذلي الذي كان لا يزال بعيدا عنه , وفي أثناء سيره إليه يدخل في الصلاة , ينوي صلاة العصر ويكبِّر تكبيرة الإحرام وهو يمشي فإذا أراد الركوع أو السجود أوماء برأسه إيماء وأحناه قليلا وهو يمشي !!
مـا أجمل هـذه الصـلاة !! التي يؤديها هذا المجاهد !! يصلي وهو يمشي, يركع ويسجد وهو يمشي , ينظر أثناء صلاته إلى ( هـدفـه ) وقلبه مشغول بذكر الله , وكيانه متصل بالله , على هذه الصورة العالية من الاتصال .
قال عبدالله بن أنيس رضي الله عنه عن هذا المشهد من القصة " ... ثم عدلت حتى خرجت على عُـرنة وجعلت أُخبر من لقيت أني أريد الزعيم القائد ابن نُبَيح الهُذلي لأكون معه حتى إذا كنت ببطن عُـرنة لقيته يمشي ووراءه ( الأحابيش) ومن انظّم وضوى إليه ومعه ( ظـُعـنٌ ) له يرتاد لهن منزلا .. فلما رأيته هبته ، وعرفته بالنعت الذي نعت لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووجدت ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من القشعريرة ورأيتني أقطر فقلت : صدق الله ورسوله ودخلت في وقت العصر حين رأيته ، وخشيت أن تكون مجاولة بيني وبينه تشغلني عن الصلاة , فصليت وأنا أمشي نحوه أومئ برأسي ،)
المجاهد المؤمن والزعيم الكافر وجهاً لوجه !!
لما فرغ ابن أنيس من صلاته , توجه نحو ( الهدف ) ودنا من خصمه .
قال له الزعيم القائد ابن نُبَيح الهُذلي : من أنت ؟
أجابه : أنا رجل من خُـزاعة , سمعت بجمعك لمحمد , واستعدادك لقتاله فجئت إليك , لأكون جندياً معك !!.
قال الزعيم القائد ابن نُبَيح الهُذلي : أجل . أنا اجمع الجموع لغزو المدينة وقتال محمد.
بقى على ابن أنيس أن يتقرب إلى الزعيم القائد ابن نُبَيح الهُذلي , وأن يحادثه ويكلّمه ليأنس الأخير إليه , ويثق به , ليتمكَّن منه بعد ذلك . مشى معه مسافة و الزعيم القائد ابن نُبَيح الهُذلي يتجوّل وسط معسكره وابن أنيس يحادثه ويسليه وينشده الأشعار المختلفة , ويقص عليه القصص المسلية, ويسمعه الأقوال الحكيمة .
أنس الزعيم القائد ابن نُبَيح الهُذلي إلى ابن أنيس وأُعجب به وبكلامه , واستمر ابن أنيس يحدّثه إلى أن قال له : يا ابن نُبَيح .. عجباً لِما أحدث محمدٌ من هذا الدين المحدث ,فارق الآباء , وسفه أحلامهم !!
فردَّ عليه ابن نُبَيح : لقد حارب رجالٌ كثيرون محمدا , ولم ينتصروا عليه, وأنا صمَّمت على حربه وقتاله والقضاء عليه ! وأنا الذي سأقضي عليه وأُريح الناس منه !.
واستمرا يسيران حتى ابتعد عن رجاله , وانتهى ابن نُبَيح إلى خيمته وهي بعيدة عن أصحابه , دخل خيمته , ودخل ابن أنيس معه فقال له : هـلمَّ يا أخا خُزاعة! فجلس بجانبه وحادثه وانبسط معه وتصرَّف على سجيته ولاطفه وأكرمه , وبعد فترة من جلوسهما أمر ابن نُبَيح جاريته ان تحلب له , ولما حلبت له وناولته الحليب دفعه إلى ابن أنيس فشرب منه قليلا , ثم أعاده إلى ابن نُبَيح فعـبَّ منه كما يعُبُّ الجمل , وشرب منه حتى ارتوى . وغابت الشمس وهما جالسان يتحدثان , وحلَّ الظلام , ومرت ساعات الليل وهما يتسامران , ونام الناس في الخيام الأخرى.
ميـعـاد الضربـة قـد حـان
, وأوان الـنصر لـقـد آن .
أضرب ضربتك المنتظره ,
واقتل من شئت من الكفره
بداء النعاس يدبُّ إلى الزعيم القائد ابن نُبَيح الهُذلي والبطل المجاهد عبدالله بن أنيس يرقبه . واستأذن محدِّثه لينام .. ونام الزعيم القائد ابن نُبَيح الهُذلي الذي يجمع الجموع للقضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم , نام وهو يمنّي نفسه بذلك , ولعله كان يحلم بهذا ! وما درى هذا العدوُّ المغرور أن الله له بالمرصاد , وأن الله سيسخر جندياً من جنوده ليهلكه ويقضي عليه وعلى أحلامه بعد قليل , وأن هذا الجنديَّ الربانيَّ قريبٌ منه , وجالس بجانبه !!
نظر عبدالله بن أُنيس إلى الزعيم القائد ابن نُبَيح الهُذلي فوجده يغطُّ في نومه , والجند كذلك في المعسكر يغطون في نوم عميق , نام جنود الباطل جميعاً.
وبقى جنديُّ الحق متيقظاً , لينفذ حكم الله في زعيم البغي والعدوان , وينصر دين الله .
وبعدما أطمأن إلى الأمر , استل سيفه , وأهوى به على عدوَّ الله ورسوله , على الزعيم القائد ابن نُبَيح الهُذلي وما هي إلا ضربةٌ أو ضربتان حتى قضى عليه وخمدت أنفاسه , وزهقت روحه .
حَــــزَّ رأســــــه بالسيف , وفصله عن جسده, وحمله بيده , وتهيأ للخروج من الخيمة !!.
وبينما كان يهمُّ بالخروج أحست إحدى نساء ابن نُبَيح الهُذلي بالحركة , فاستيقظت ونظرت إلى الزعيم القائد ابن نُبَيح الهُذلي , فإذا به جسمٌ بدون رأس,جـثـةً هامـدة, فصاحت , واستيقظت النساء على صيحتها , وصرن يصرخن ويولولن, ويبكين رجلَهُنَّ القتيل . وسمع الرجال الصراخ والعويل .. فاستيقظوا .. ودبت الحركة في معسكر الكفار .. وفوجئوا بقائدهم قتيلاً , جــثــة بلا رأس . توزعوا في المناطق المحيطة بالمعسكر يبحثون عن الفاعل الجريء الذي حمل الرأس معه .
__________________
|