عضو جديد
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
المشاركات: 44
|
دور متجدد للغار ( الكهف ) في الجبل !!
كان البطل المجاهد يجري حافيا, لأنه من سرعته لم يتمكّن من لبس حذائه , وارتقى الجبل , ووجد فيه غاراً , فدخل الغار ودعا الله مخلصاً , أن يحميه في الغار وان يعمي عنه عيون الكافرين ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) , وصدقه الله فلم يصلوا إليه رغم كثافة المشاة والخيّالة يفتشون ويبحثون وجاء أحدهم ووقف بباب الغار ولكن الله سلب منه خاصية الإبصار فلم ير ابن أنيس رضي الله عنه حمى الله هذا الجنديَّ الربانيَّ المجاهد في سبيل الله .
وأكثر من ذلك وأعجب كان مع الرجل الكافر _ إدواةٌ ) ضخمة مملؤة بالماء , ومعه نعلان يحملهما بيديه ويمشي حافيا ! نظر ابن أنيس إلى ( إدواة ) الماء والنعلين فطمع فيهما لأنه كان قد عطش عطشاً شديداً بسبب جريه وصعوده الجبل , وهو بحاجة ماسةٍ إلى شربة ماء , وهو حافي القدمين , وسفره الطويل إلى المدينة عائدا إلى مقر قيادته بعد توفيق الله له بتنفيذ المهمة النبيلة وبحاجة إلى النعلين فتمّنى لو يستطيع أن يشرب من الأدواة وأن يأخذ النعلين .
ويسَّر الله له ذلك , فأقبل الرجل نحو الغار وسط الظلام وقال لأصحابه : ليس في الغار أحد . ثم شعر بالحاجة إلى قضاء الحاجة , فوضع الإدواة والحذاء وجلس يبول على باب الغار , فاستفاد ابن أنيس من هذا الوضع وأخذ الإدواة وشرب ما فيها ولبس الحذاء وخرج من الغار كالسهم تحرسه عناية الله . وكتب الله له النجاة فأنجاه من فرق التفتيش وجموع الكفر الذين ارتاعوا للخبر الصاعق الذي ترك أثره السريع والشامل وتفرق معسكر الكفر وانفض التجمع الكافر فهم عناصر من قبائل شتى لا يجمعهم إلا الزعيم القائد ابن نُبَيح الهُذلي وقد قتل .
وهنا تجسدّت من جديد الحكمة النبوية في توجيه الضربة إلى رأس الكفر الزعيم القائد ابن نُبَيح الهُذلي الذي كان شخصية تجميعية جذبت إليه القبائل والتفت حوله الجنود من أماكن شتى . وبذلك انفضّ الجمع الكافر وأزال الله عن المسلمين الخطر وكفاهم شرَّ القتال, وردَّ الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا.
كان البطل المجاهد يسير فرحاً بنجاح مهمته الجهادية, نجاح العملية الخاصة حاملا معه رأس عدو الله ورسوله . وكان حذرا طوال مسيرة العودة , حريصا إلا يراه احد من المشركين لذلك كان يسير بالليل حيث لا يراه أحد , ويكمن بالنهار , متواريا عن عيون الكفر والفساد , واستمر كذلك حتى اجتاز تجمعات المشركين بين مكة والمدينة بشجاعة وفطنة وحذر وكتب الله له النجاة . ووصل المدينة سالما مفلحا.
بــشـارة نـبـويــة ( أفــلح الوجــه !! ) .
توجه فورا إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد , فسلَّم عليه , فردَّ عليه السلام
وبشره الرسول صلى الله عليه وسلم بما يُسرُّه فقال له : أفلح الوجـــه !.
فقال ابن أنيس: ووجهك المفلح يا رسول الله .
وهذه البشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن أنيس بشرى عظيمة . ملأَته سروراً وطمأنينة وسعادة , وهذه معانٍ جليلة , لا تقف أمامها المشقات التي مرّت به أثناء أداء مهمته الجهادية .
لقد تضاءل ما مرَّ به من سير وتعب وإرهاق , ومن جوع وعطش , ومن خوف وقشعريرة وفرق, ومن جهد وسهر , وتفكير وحذر, إنها مشقات كثيرة , لكنها هانت أصبحت هينة أمام النتيجة : ( الـفــلاح ) .. ( أن يكون مفلحا ) ومن فم رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنها ضريبة الفلاح . والطريق الحتمية إليه لابد أن يقطفها وأن يتحملها وأن يصبر عليها ويجاهد نفسه عليها ويستعلي بهمته عليها ليصل إلى غايته وهي أن ( يفلح وجهه ) ويكون رجلاً مفلحاً من ( المفلحين ) . الله اكبر .
ولهذا سارع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبشيره بالفلاح , جائزة ومكافأة له . قبل ان يستمع إليه , ثم استمع الخبر منه : يا رسول الله لقد قتلت ابن نُبَيح الهُذلي .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صـدقت .
فأخرج رأس الهذلي , ووضعه أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكر الله على فضله بأن خلصه من عدوَّه .
ابن أنيس يؤرخ للعملية الجهادية شـعراً !!
ثم جلس البطل المجاهد عبدالله بن أنيس مع الصحابة الكرام يخبرهم بتفاصيل مهمته الجهادية الجليلة , منذ أن خرج من المدينة إلى أن عاد إليها منتصرا متحدثا بنعمة الله .
كان ابن أنيس شاعرا , فسجل خلاصة عمليته الجهادية , وأثبتها في أبيات من الشعر , تناقلها الرواة من بعده , وأثبتها الإخباريون والمؤرخون .
ومما ورد فيها قوله :
تركت ابن ثور ٍكالحُوار وحولَهُ نوائحُ تـَفـري كُـلَّ جيبٍ مُقدَّدِ
تناولتُهُ والظُّعن خلفي وخلفه بأبيض من ماء الحديد مُهـنـَّدِ
عـجُوم ٍلِهامِ الدّارعين كأنّه شهابُ غـضاً من مُلهب مُتوقَّـدِ
أقول له والسَّيف يُعجم رأسه أنا ابن أُنيسٍ فارساً غـيرقعددِ
أنا ابنُ الذي لم يـُنزل الدَّهر قـدرهُ رحيب فـِناء الدارغيرمُزنَّد
وقلتُ له خُذها بضربة ماجدٍ حنيفٍ على دين النَّبـِيِّ مُـحـمّــَد
وكنتُ إذا هــمَّ النَّبيُّ بـكـافــرٍ سبقت إلـيـه بـاللَّسان وبـالـيـد
خاص جداً وعجيب ..
الوسام النبوي لابن أُنيس !
ولما قدم عبدالله بن أُنيس رضي الله عنه تقريره المفصّل عن عمليته الجهادية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وأدخله بيته .. وتناول من بيته ( عــصــا ) وناوله إياها وقال له : أمسك هذه العصا عندك يا عبدالله بن أنيس .
أمسك ابن أنيس بالعصا
وهو لا يعرف المراد بها , ولماذا أعطاه إياها الرسول صلى الله عليه وسلم
وخرج بها على الناس .
ولما رآه الصحابة يحملها قالوا له : ما هذه العصا؟؟؟
أجاب : لا أدري , لقد أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أمسكها عندي .
قالوا له : أفلا ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتسأله : لِمَ أعطاك العصا ؟؟
فرجع رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله: يا رسول الله : لماذا أعطيتني هذه العصا؟؟؟
فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتفظ بهذه العصا , لتتخصَّر بها في الجنة , فـإن الـمـتـخـصـِّريـن فـي الـجـنـة قـلـيـل! وهي آيـةٌ وعلامةٌ بيني وبينك يوم القيامة !.
والتخصَّرُ هو الاتكاءُ على العصا عند السير
وهذه مزيةٌ لعبدالله بن أنيس رضي الله عنه ميَّزه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه قام بعملية جهادية عظيمة . قضى فيها على عدوٍّ من أقوى الأعداء ,وأشدهم عداوة . إنه يأتي يوم القيامة يتخصَّر بتلك العصا , ويمشي متوكِّاً عليها لا لحاجته إليها ولكنها علامةٌ مميزةٌ له , يعرف بها بين الخلائق فإذا رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفه فأكرمه .
وعندما يدخل الجنة يدخلها ومعه تلك العصا يتوكَّأُ عليها وتكون وساماً مميزاً له !
وقد احتفظ عبدالله بن أنيس رضي الله عنه بتلك العصا , وقرَنها بسيـِفه , ولم تزل معه طيلة حياته .. ولما حضرته الوفاة أمر أن تُضمَّ العصا إلى كفنه !! فضُمَّت معه في كفنه , ودُفنت معه[4] !! رضي الله عنه وأرضاه , آمــيــن آمــيــن آمــيــن .
__________________
|