عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-08-2008, 08:44 AM   #3
olaegy
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2007
المشاركات: 34
إفتراضي

ونأتي إلى الباب الثالث من أبواب شخصيته , وهو أنه معلم , فكأنه خلق ليكون معلما , ولا أذكر أنني رأيته لحظة واحدة انصرف فيها عن وظيفة التعليم , حتى في طرائفه ونكاته وفكاهاته تسمع منه شيئا مفيدا وجديدا . ولست أدري كم قضى من ساعات في قاعات الدرس والتدريس وكم قضى من ساعات على منصات الندوات والمؤتمرات المحلية والعالمية , وكم رسالة أشرف عليها , وكم رسالة ناقشها , وكم طالبا امتحنه , وكم ورقة صححها أو قيّمها , وكم بحثا نشره . ولا يوجد طبيب نفسي في مصر أو العالم العربي لم يتتلمذ ساعات طويلة على يديه , بل إن جزءا كبيرا من التكوين العلمي للأطباء النفسيين ينتمي إلى الدكتور عكاشه ومدرسته , وربما يكون هذا قد أتى على حساب مدارس أخرى في الطب النفسي لم تجد نفس الرعاية ولم تحظ بذات البريق على الرغم من أصالتها وأهميتها وعمقها . وربما يكون هو نفسه قد استدرك ذلك خاصة حين بالغ تلاميذه في التركيز على البعد البيولوجي بمعناه الكيميائي وليس بمعناه الأشمل , لذك نراه منذ سنوات عديدة يلفت النظر إلى أهمية العلاجات والتدخلات غير الدوائية , ولعل هذا يصحح اعتقادا كان سائدا بأن مدرسة عكاشه في الطب النفسي هي مدرسة العلاج بالعقاقير دون غيرها , وأن تمدد هذه المدرسة وانتشارها ربما يعود إلى دعم شركات الدواء لتوجهها الذي يوافق هوى تلك الشركات . وللأمانة أذكر أنني سمعت الدكنور عكاشه في التسعينيات في إحدى الندوات بمدينة جده ينبه إلى أهمية التأثيرات غير الدوائية في العلاج وضرب مثلا بالحديث الشريف : "الكلمة الطيبة صدقة " , وتحدث كثيرا عما يمكن أن تحدثه الكلمة الطيبة في نفس الإنسان . وربما كان اهتمام الدكتور عكاشه بإعادة الطب النفسي إلى حديقة الطب كأحد فروعه الأصيلة , والإهتمام بالعوامل التشريحية والفسيولوجية وراء الإعتقاد بأنه يهمل الجوانب النفسية والإجتماعية والروحية , وهذا غير صحيح وأعتقد أنه قد أسئ فهمه , وأن الإهتمام بالجوانب البيولوجية ليس بعيدا عن كل هذه المعاني بل إن البيولوجيا في معناها الأوسع تشمل كل نشاطات الإنسان كما علمنا أستاذنا الدكتور يحي الرخاوي . أو ربما يكون الدكتور عكاشه قد أعطى الجانب العقاقيري جل اهتمامه في مرحلة من مراحل تطوره العلمي , ولكنه بعد ذلك تكامل به مع الأبعاد الأخرى للعلاج وللإنسان , ولكن الدفعة العقاقيرية المبكرة مازالت مستمرة عند بعض التلاميذ لسبب أو لآخر وربما عليهم أن ينتبهوا لتطور وتكامل المدرسة التي ينتمون إليها . نترك هذا الخلاف المنهجي بين مدارس الطب النفسي ونعود إلى شخصية الدكتور عكاشه كمعلم , وننطق الكلمة بالعامية المصري (بكسر الميم وفتح العين) , بمعنى أنه "أسطى" في مهنته يعرف أدق أسرار المهنة ويعرف شيوخها وشبابها ليس فقط على مستوى مصر والعالم العربي بل على مستوى العالم كله , وإنني لأعجب حين أراه في المؤتمرات المحلية والدولية ينادي الناس بأسمائهم ولا ينسى أحدا , ويعرف الكثير عن تفاصيل نشاطاتهم العلمية وربما الإجتماعية .
olaegy غير متصل   الرد مع إقتباس