قال لي أحدهم .. وقد رقَّ لحالي :
أيحملُ قلبك كل هذا الحب .. وكل هذا العذاب ؟
تشكلت في خيالي صورة كلماتها .. فرددتُ عليه فورًا بما أحفظه من بيتٍ لا أعرف صاحبه :
لو كان لي قلبان عشـتُ بواحـدٍ ** وتركت قلبًا في هواك يعذبُ !!
بل يا صاحبي ..
لمنحتها القلبين معًا .. ولعشتُ على نبضاتٍ احتضنتها العروق، فحركتِ الدماء بدفقِ الحنين !
قال صاحبي وقد فارقت عيناه دمعاتٍ .. كنتُ أظن أن لا أحد في الكون يعرف لها طعمًا سواي :
أعرفت لها يا صاحبي وصفًا ؟ كيف تراها .. عَبر كلماتها ؟
قلتُ له .. وقد منح الشوق لوجنتيَّ ضياءً خاصًا :
إنما أتخيلها يا صاحبي .. رقيقةً أنيقةً خلوقةً مهذبة ..
يخجل الهواء من لمس بشرتها .. مثلما تخجل من أحلامها ..
أراها بلينِ الماء .. وطراوةِ العسل ..
أراها بأبياتِ "ابن المعز" :
نضَّت عنها القميص لصـبِ مـاءٍ ** فورد خدهـا فرطُ الحـياء ِ !
وقابلتِ الهواءَ وقد تعرت ** بمـعـتدلٍ أرق ُ من الهواء ِ
ومدت راحةً كالماء ِمنها ** إلى ماء ٍ مُـعدٍ في الإناء ِ
فلما قضت وطرًا وهمت ** على عَجلٍ إلى أخذ الرداء ِ
رأت شخص الرقيب على التداني ** فأسبلت الظلام على الضياء ِ !
فغـاب الصبحُ منها تحـت ليلٍ ** وظل المـاءُ يقطـرُ فوقَ مـاء ِ !!
=======
اقترب صاحبٌ آخرٌ من الأصحاب ليدفع ذاك الذي تدافع الدمعُ من عينيه، وقال محاولاً أن يهمس له بعصبيته وصوته المرتفع كالعادة :
عليك من الله ما تستحق !
لقد أتينا بك لتفيقَ الرجل من سكرةِ الغرام .. أفتسكرُ أنت أيضًا ؟!
قال الرجل وهو يدفع من الدمع ويرد :
لا تكثر عليه اللوم ! إني لأظنك تملك قلبًا من حجر ! ألم تسمع أيها الأحمق بما قاله "ابن الرومي" ؟
لا تُكْثِرَنَّ مَلامَةَ العُشَّاقِ ** فَكافاهُمُ بِالوَجْدِ والأشْوَاقِ !
إن البلاءَ يُطاق ُ غَيْرَ مُضاعفٍ ** فإذا تضاعفَ كانَ غيْرَ مُطاقِ !
لا تُطْفِئَنَّ جَوًى بلومٍ إنَّه ** كالرِّيحِ تُغري النَّار بالإحراقِ !
دفعه ُ صاحبنا العصبي .. ثم التفتَ إلي ليقول :
أنتَ أيها الأحمق ! ألا تعلم بأن النساء .. كلُ النساء .. ذوات غدرٍ ونقضٍ للعهود ؟
فقلتُ وقد قفزتُ من مكاني :
أيا ليتها تغدرُ هي الأخرى !
ألا تعرف يا صاحبي .. ما قال "المتنبي" ؟ لقد قال :
إذا غدرت حسناءُ وفت بعدها ** فمن عهدها ألا يدومَ لها عهدُ !!
أما وأن عشقي لتلك المرأة لا نهاية له !! وإني لأعلم أنها إن كان طبعها الغدر، فهي غادرةٌ بذاك الطبع حبًا بي وعشقًا !!
قال ذاك الصاحب العصبي، وقد أزعجه ردي :
فعلاً أنت أحمق ! أنت تداهمك الأمراض ويضربك الهزال، وهي ربما تشرب كأسًا من الشاي وهي تضغط أزرار لوحة مفاتيح حاسوبها، أو لعلها تستاكُ بسواكٍ صغير وقد ..
قاطعته وصوتي ينتقل على ذبذبات الولهِ .. وموجاتِ الغيرةِ .. بأبياتٍ حفظتها منذ أحببتها :
أحللتَ يا عودَ الأراكِ بثغرهـا ؟ ** ما خفتَ يا عود الأراكِ أراكا ؟!
لو كنتَ من أهل ِ القتال ِ قتلتك ! ** ما فاز مني يـا سـواكُ سواكـا !!
يتبع