عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-08-2008, 02:36 PM   #2
doktor
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2008
المشاركات: 83
Exclamation

كانت "حرب أوسيتيا" أشبه بشرارة انتظرتها موسكو طويلا لتستعرض إلى أي مدى يمكن أن تمضي في رفضها للسياسات الأمريكية والأطلسية الماضية في إحاطتها بسور يزداد اقترابا من حدودها، ولا يختلف كثيرا بمفعوله على المدى البعيد عن سياسة الحصار بمسلسل الأحلاف كما مارستها واشنطن ضد الاتحاد السوفييتي ومعسكره الشرقي عقب الحرب العالمية الثانية، إنما كان العداء آنذاك علنيا مباشرا، وهو الآن - بالمنظور الروسي - صراع على النفوذ، وإن تستر بقناع العلاقات الودية والوفاق الدولي.

وكشفت "حرب أوسيتيا" في الوقت نفسه أن منطقة القوقاز بشماله وجنوبه أشبه ببرميل بارود، تحمل موسكو نفسها المسئولية عن تراكم طاقة الانفجار فيه منذ عهد "إيفان الرهيب" وعبر العهود القيصرية والشيوعية، وتجد مع الحصيلة الآن بين يديها مأزقا سياسيا كبيرا، فتأييدها لاستقلالية أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عن جورجيا لا يمكن أن يبقى دون أثر على معارضتها لاستقلالية أوسيتيا الشمالية والشيشان وبقية المناطق الإسلامية في القوقاز، وجميعها دون استثناء شهدت مراحل تاريخية و"قانونية دولية" متماثلة، مثلما تشهد أوضاعا متشابهة أسفر عنها انهيار المعسكر الشرقي وسقوط الشيوعية.

صناعة مرجل الصراع.. تاريخيا

أوسيتيا الجنوبية لا تزيد مساحتها على 4 آلاف كيلومتر مربع، ولا يصل عدد سكانها (المقيمين داخلها أو دون المشردين) إلى مائة ألف نسمة، أي نصف ما كان عليه عددهم عام 1989 قبل سقوط الاتحاد السوفييتي، أما مساحة أوسيتيا الشمالية (وراء الحدود الروسية الرسمية) فتناهز 8 آلاف كيلو متر مربع، ويصل عدد سكانها إلى حوالي 700 ألف نسمة.

تحيط جورجيا شرقا وجنوبا وغربا بأوسيتيا الجنوبية، ويحيط الاتحاد الروسي (وعلى وجه التحديد أراضي القوقاز الشمالي التي يسيطر عليها، مثل الشيشان وإنجوشيا وقبرضاي بلكاريا) بأوسيتيا الشمالية شرقا وغربا وجنوبا، ويفصل شمال أوسيتيا عن جنوبها خط حدود رسمية، هي من إرث الخطوط الإدارية التي رسمتها اليد الشيوعية على خريطة القوقاز، بهدف تمزيقه وإضعاف الثورات فيه.

المنطقة بمجموعها - مثل أوسيتيا - مجزأة إلى قطع جغرافية صغيرة بمساحتها، وشعوبها مقسمة عشوائيا، وتوجد في كل منها أقلية روسية نشأت نتيجة سياسات الاستعمار الاستيطاني، وسط غالبية من السكان الأصليين (أوسيتيون - آلانيون يتكلمون الإيرانية)، ووجدت معهم أقلية من الجورجيين في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، نشأت نتيجة السياسات الشيوعية عينها.

إداريا كانت الإجراءات الروسية التاريخية للغرض نفسه، مع تبديل الحدود وتعديلها مرة بعد أخرى، ومع تغيير الصفة القانونية لكل قطعة أرض مرارا (ولا يقر القانون الدولي بتغيير إداري أو سكاني تصنعه اليد الاستعمارية) فكثير مما كان يمثل جمهورية مستقلة في إطار "اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية" أي من مستوى قازاقستان مثلا، أصبح جمهورية بحكم ذاتي، أو مقاطعة تخضع لهذه الجمهورية اليوم ولسواها غدا، في هذا الإطار وبإيجاز شديد:

- كانت أوسيتيا تحمل اسم مقاطعة أوكروج الإدارية في العهد القيصري الروسي.

- 1918 إلى 1921 كان الجزء الجنوبي ملحقا بجمهورية جورجيا الديمقراطية.

- 1920 أعلن عن جمهورية أوسيتيا الجنوبية السوفييتية.

- 1922 أعلن عنها باسم منطقة أوبلاست (تقسيم إداري لمناطق حكم ذاتي) ذات الحكم الذاتي، تابعة للجمهورية الاشتراكية السوفييتية لاتحاد القوقاز، وذلك بعد أن اجتاح الجيش الأحمر الروسي جورجيا في عام 1921.

- 1936 ألحقت المنطقة بجمهورية جورجيا الاشتراكية السوفييتية.

في الوقت الحاضر تبلغ نسبة الروس في أوسيتيا الشمالية الواقعة داخل نطاق الحدود السياسية الرسمية للاتحاد الروسي حوالي 23%، وفي أوسيتيا الجنوبية أقل من 5%.

المواجهات المسلحة الأولى

يتردد في المصادر الغربية والروسية أن الأوسيتيين انفردوا من بين شعوب القوقاز بقبول الخضوع للاستعمار الروسي عام 1874، وتقول المصادر الجورجية والغربية إن موسكو تستخدمهم أداة للنفوذ في جورجيا، وقد بدأت مساعي الاستقلال في أوسيتيا (وكذلك أبخازيا ومناطق القوقاز الأخرى) قبل استقلال جورجيا نتيجة تفكك الاتحاد السوفييتي، فيوم 10/11/1989 أعلن مجلس السوفييت المحلي في أوسيتيا الجنوبية تأسيس جمهورية سوفييتية باستقلال ذاتي، وجاء الرفض من جانب الحكم السوفييتي المركزي في موسكو سريعا، وآنذاك بدأت المواجهة المسلحة الأولى مع سلطات جورجيا التابعة للحكم المركزي بموسكو قبل تفكك الاتحاد السوفييتي، وآنذاك قتل حوالي 2000 من الأوسيتيين، وشرد زهاء مائة ألف شمالا، كما شرد زهاء 20 ألفا من الجورجيين عن منطقة أوسيتيا.

وتكرر إعلان الاستقلال مرة ثانية يوم 20/9/1990 - وما زال الاتحاد السوفييتي قائما رسميا - وكانت المواجهة المسلحة الثانية أشد من الأولى، على أن الأوسيتيين حافظوا على سيطرتهم على عاصمتهم، وإن اعتبروا جمهوريتهم "جمهورية سوفييتية".

ومع تفكك الاتحاد السوفييتي رسميا يوم 19/8/1991 سارع الأوسيتيون في 1/9/1991 إلى تأكيد استقلالهم مجددا باسم "جمهورية أوسيتيا الجنوبية" دون إلحاق وصف السوفييتية بها، وبعد خمسة أيام وفي 6/9/1991 أعلنت جورجيا أيضا استقلالها عن الاتحاد السوفييتي.

كان سكان أوسيتيا الجنوبية آنذاك في حدود 125 ألفا، منهم 36 ألفا من أصل جورجي، وكانت القوات الجورجية تسيطر على مناطق تجمع الجورجيين فقط، وعندما أجرت حكومة أوسيتيا الجنوبية يوم 19/1/1992 استفتاء شعبيا على الاستقلال أسفر عن موافقة 90% دون مشاركة الجورجيين.

في تلك الفترة وبصورة موازية لتطورات مماثلة في أبخازيا على ساحل البحر الأسود اندلع القتال العنيف مجددا بين دعاة الاستقلال في المنطقتين وبين القوات الجورجية، ولحقت بها الهزيمة بعد أن انسحبت (25/4/1992) القوة الخاصة التابعة لوزارة الداخلية في موسكو من المنطقة.

جورجيا اتهمت موسكو بدعم "الانفصاليين" في المنطقتين آنذاك، ولا يوجد ما يؤكد ذلك، لا سيما عند النظر في الاتفاقيات المعقودة بين تبليسي وموسكو خلال السنوات التالية، فقد عقدت الحكومتان الجورجية والروسية اتفاقية أولى (24/6/1992) تشكلت بموجبها قوة سلام مشتركة من الطرفين ومن الأوسيتيين للحفاظ على وقف إطلاق النار، وبعد أقل من عام (15/5/1993) عقدت اتفاقية ثانية بشأن انسحاب القوات الروسية، وتضمنت بناء على طلب جورجي أن تبقى قوة روسية لحماية طرق المواصلات الرئيسية، ثم عقدت اتفاقية أخرى (3/2/1994) حول بقاء ثلاث قواعد عسكرية روسية تضم 20 ألف جندي روسي.

وعندما طرح الرئيس الجورجي السابق شيفاردنادزه (27/8/1996) أمام الأمم المتحدة خطة من ثلاث مراحل، تنتهي واقعيا بإعادة أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا إلى السيادة الجورجية، رفضت الحكومتان في الإقليمين هذه الخطة، وهي الخطة عينها التي تبنتها لاحقا مجموعة تحمل اسم "لجنة الأصدقاء الدولية" برئاسة ألمانيا، ومشاركة روسية وأمريكية وجورجية.

تكرر الصدام المسلح عام 2004 وأمكن التوصل (5/11/2004) دون مشاركة الأوسيتيين إلى اتفاق روسي - جورجي لتجريد أوسيتيا الجنوبية من السلاح، ولتنسحب منها تبعا لذلك "قوات السلام" الروسية والجورجية، ولم يتحقق ذلك، بل تعرضت العاصمة تسينخفالي لقصف مدفعي جورجي في سبتمبر 2005، واقترن القصف بتهديد جورجي بالانسحاب من اتفاقية وقف إطلاق النار من عام 1992 ما لم تنسحب القوات الروسية حتى منتصف عام 2006.

في نهاية عام 2006، أجرت حكومة أوسيتيا الجنوبية استفتاء شعبيا آخر على الاستقلال أسفر عن موافقة بغالبية 99% من سكان المنطقة، وفي الفترة نفسها بدأت تظهر الأبعاد الدولية للنزاع، وتغلب في متابعته على أصل المشكلة الكامنة في رفض الأوسيتيين الخضوع للسيادة الجورجية التي فرضت عليهم في إطار التعديلات الإدارية والسياسات الاستيطانية الاستعمارية في العهد السوفييتي.


إسلام أون لاين.نت
doktor غير متصل   الرد مع إقتباس