عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-08-2008, 02:15 AM   #4
صتيمه
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 561
إفتراضي

تعرف على هذه الدوله العظيمه التي كادت ان تبني خلافه سلفيه عربيه

تجربة نجد العربية التوحيدية

لقد رأينا كيف استتبت أوضاع خطوط التجارة الدولية للأوروبيين خلال تلك الأعوام الثلاثين منذ أواخر القرن الخامس عشر وأوائل السادس عشر، وكيف نهضت وأضاءت عواصم عالمية أوروبية جديدة، بينما انطفأت أضواء العواصم العربية والإسلامية، فخيم الظلام الدامس على الجزيرة العربية، مهد العصر العربي الإسلامي العالمي، وعلى مجمل الأقطار العربية والإسلامية بواسطة الأساطيل الحربية الأوروبية، أما الدولة العثمانية فقد أخذت فرصة كافية في قيادة العرب والمسلمين وفي التعامل مع الأوضاع المستجدة التي نجمت عن سيادة العصر الأوروبي الأميركي الجديد ونظامه العالمي، خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، وها هي تدخل مرحلة الأفول بدورها، بعد معركة فيينا عام 1683، ثم تبدأ الأمراض تدب في أوصالها، وتبدأ بالتحول إلى دولة مديونة، منكفئة، تثقلها الأعباء الجسام، وتحارب تراجعياً على جميع الجبهات الداخلية والخارجية، ابتداء من مطلع القرن الثامن عشر.
في تلك اللحظة بالذات مطلع القرن الثامن عشر بعد مئتي عام من الحروب الضارية والحصارات الرهيبة التي أهلكت الزرع والضرع، وبعد أن استنفدت الإدارة العثمانية جميع وسائلها، انطلق من واحة الدرعية في نجد، من وسط لجزيرة العربية، بدايات حركة عربية استنهاضية توحيدية كبرى، لم تتوقف على مدى مئة عام، وحتى أتمت تقريباً توحيد شبه الجزيرة العربية، وكادت تلحق بها بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام، فهل كانت تلك الحركة مجرد رد فعل على السياسات الظالمة للدولة العثمانية المنكفئة كما يلح الأوروبيون وتلامذتهم النجباء على تأكيده؟ هل كانت تلك الحركة مجرد نزعة السلب والنهب، بسبب الحرمان وشظف العيش بل بسبب العادات المتأصلة كما يحاول الأوروبيون وتلامذتهم النجباء أن يشرحوا؟ أم هي كانت مجرد تطلع إلى مملكة سعودية واسعة الأرجاء، حسبما يشرح الأوروبيون وتلامذتهم أيضا؟ إن الدراسات والاستنتاجات الأوروبية الناطقة بجميع الألسن تركز على خليط من هذه العوامل وما يشبهها وتعرض الحركة النجدية الأوضاع والظروف التي انطلقت ضمنها على هذا الأساس، متجنبة تماما الإشارة إلى المقدمات التاريخية الحقيقية وإلى الأحداث العظمى التي ترتبت على عملية الانتقال من عصر إلى عصر، وإلى واقع الحصار الأوروبي المحكم من جميع الجهات ضد البلاد العربية والإسلامية، وبخاصة الجزيرة العربية، وإن في إغفالهم المتعمد لهذه الأسباب الحقيقية محاولة يفترض أن تكون مكشوفة للانتقاص من قيمة تلك الحركة العملاقة التي دامت قرنا كاملا من الزمان محققة الانتصار تلو الانتصار، ومنطلقة في اتجاه عام يشير أفقه إلى أنها لم تكن مجرد حركة محلية إقليمية ضيقة الأفق ومحدودة الدوافع والأهداف.
لقد نعت الفيلسوف الألماني اوسوالد شبينغلر الحضارة الأوروبية بالحضارة الفاوستية التي باعت روحها الشيطان لقاء السيطرة المادية، بينما نعت الحضارة العربية بالحضارة الروحية. إن الأوروبيين يعتمدون بالدرجة الأولى على الطاقة المادية، أما العرب فإنهم يعتمدون بالدرجة الأولى على الطاقة الروحية، وهكذا تغدو مفهومة تلك الطريقة الأوروبية في النظر إلى الحركة النجدية وغيرها من مثيلاتها، حيث هم لا يرون في الإنسان من قيمة سوى مظهره الخارجي، إن الفقر المادي من وجهة نظرهم هو الفقر في كل شيء على الاطلاق. بل إن الفقير يكاد أن لا يكون إنساناً، ويسهل عليهم تصنيفه كقوة عضلية أشبه بالكائنات الأدنى.
وهكذا نجدهم يتحدثون عن شبه الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر كأنما هم يكتشفون وجودها على وجه الأرض لأول مرة، مثل أميركا، وكأنها لم تكن مهدا ومركزا لانطلاق حضارة عالمية باذخة دامت تسعة قرون بعد أن نقلت البشرية من عصر إلى عصر، وبعد أن وحدت العالم بكامله، ثم أسست لنهوض أوروبا، وظهور عصرها، وسيادة نظامها العالمي!
على أية حال، كان قد صار للعثمانيين حضورهم في الجزيرة العربية اعتباراً من القرن السادس عشر، وهو الحضور الذي بدأ عبر تلك المواجهات العسكرية ضد طلائع العصر الأوربي الجديد، على سواحل الهند وبحر العرب والبحر الأحمر والخليج العربي . لقد كان لهم والٍ في جدة ، وحاميات عسكرية وموظفين في مكة والمدينة . غير أن السلطة العثمانية في الجزيرة العربية بقيت اسمية عموماً ، وظل الحكام العرب يتمتعون باستقلال كبير .
إن نجد والإحساء المحاطة بالربع الخالي في الجنوب ، وبجبال الحجاز في الغرب ، وبساحل الخليج العربي في الشرق ، وبصحراء النفوذ الكبرى في الشمال ، كانت مهد الحركة النجدية التوحيدية ، الوهابية السعودية . وفي هذه المنطقة، وحسب المعايير والمصطلحات الأوربية ، كانت البنى الاجتماعية والإنتاج وقوى الإنتاج جميعها ثابتة أو شبه ثابتة في مطلع القرن الثامن عشر . إن مثل هذا التصنيف المادي يعني الحكم على المنطقة بالعقم الحضاري. إن دوافعها وأهدافها لا يمكن أن تكون سوى غريزية ويصنعها مجرد الجوع والحرمان. إن منطقة يشكل الرعي مهنتها الأولى، والزراعات البسيطة مهنتها الثانية ومصنوعات الحرفية المحدودة ، الضرورية للاحتياجات الأولية ، مهنتها الثالثة ، لا يمكن أن تنتج مثلاً عليا من وجهة نظر الأوربيين الفاوستيين ، إنهم لا يصدقون ، ولا يقبلون ، أن مجتمعات تعتمد في القيام بأودها على مؤن شحيحة من التمور والحبوب التي تنفد غالبا لتقتات من نباتات الأرض وحيوانات البراري فيهلك الكثيرون منها جوعاً ، يمكن أن تنتج أفكار سامية ، وتتطلع إلى أهداف إنسانية بعيدة المدى . إن منطقة يشكل سعف النخيل مادة مصنوعاتها الأولى، وتشكل الخيول والإبل و التمور مادة تجارتها الساذجة الأولى، المقتصرة على بلاد الشام إلى حد كبير، لا يمكن أن تكون من وجهة نظر الفاوستيين، مركز انطلاق لحركة توحيدية عملاقة واعية كادت تنجز مهمتها في جميع أنحاء آسيا العربية !
ولكن، هل كانت تلك الأوضاع المتأخرة في نجد والإحساء، وفي مجل الجزيرة، أوضاعا أزلية سرمدية، أم طارئة لم تعرف المنطقة لها مثيلا من قبل أبدا، حتى قبل ظهور الإسلام؟ إن الفاوستيين يتحدثون عنها كأنما هي أوضاع أزلية سرمدية، وتلامذتهم من العرب والمسلمين يجارونهم في أحاديثهم!
لقد صار مؤسس السلالة السعودية، سعود بن محمد بن مقرن، أميرا لواحة الدرعية في العقد الثاني من القرن الثامن عشر، أي في الوقت الذي تسجل فيه المراجع الأوروبية بدايات أفول الدولة العثمانية. وهكذا، فمن الطبيعي أن الفتن والقلاقل والأزمات وتفاقم الأوضاع المعيشية وبالتالي الصراعات، أو العمليات العربية وشبه الحربية، كانت جميعها قد استفحلت. وقد توفي الأمير سعود في حزيران/ يونيو 1725 ليشغل مكانه ابن عمه زيد غير أن زيد قتل أثناء محاولة ضم الواحة العينية، فخلفه محمد بن سعود.
في ذلك التاريخ لم يكن التوسع الاستعماري، الإنكليزي الفرنسي، في الجزيرة العربية قد بدأ بعد. لقد كان مقتصرا على بعض الثغور الاستراتيجية البحرية. لكنه سوف يبدأ في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وسوف يصطدم بالحركة التوحيدية السعودية الوهابية. ولذلك يمكننا القول أن هذه الحركة تطلعت إلى تجديد حياة الأمة العربية والإسلامية بدءاً بالعرب، ومن خلالهم، وبواسطتهم بعيدا عن أي تأثيرات أوروبية.
وقد انطلقت الحركة الوهابية في بداية الثلاثينيات من القرن الثامن عشر ، معلنة باستقامة صارمة عن اتجاهاتها الإصلاحية التوحيدية، الدينية والدنيوية، الاجتماعية والإدارية، الجغرافية والسياسية، فبمن كانت تصطدم مباشرة إن لم يكن الأوضاع المحلية متردية، ومن ثم بالنظام الفارسي في الخليج شرقا وبالنظام العثماني في الحجاز غربا؟ غير أن قصير النظر وسيء النية هما وحدهما اللذان لا يريان في عمق تلك الاشتباكات وفي حقيقتها اصطداماً غير مباشر بالنظام العالمي الأوروبي/ الأمريكي، وهو الأمر الذي برهنت عنه بوضوح مسارات الأحداث في المراحل التالي، حيث أوضاع مجتمعات الجزيرة والدولة الفارسية والدولة العثمانية ليست أوضاع أصلية وإنما هي مجرد نتائج لوضع دولي أوروبي، وكما ستثبت الأحداث بصورة قاطعة، لا يمكن أبداً معالجة مثل هذه الأوضاع في حدودها وفي حد ذاتها. لقد صارت الوهابية مرتكزا عقيدياً، فكريا، يوجه حركة التوحيد المركزية في شبه الجزيرة العربية، ثم في العراق وبلاد الشام تلك الحركة التي انصرف السعوديون بالكامل لقيادتها على مدى مائة عام.
ففي عام 1744 استقر الفقيه محمد بن عبد الوهاب في الدرعية، واتصل بأميرها محمد بن سعود الذي كان مطلعا على مذهبه، فالتقت تطلعاتهما وإرادتهما النهضوية التوحيدية، وتحقق التحالف وانطلقت العمليات بصورة أرقى وأكبر للبدء بتوحيد الجزيرة العربية كاملة.


يتبع
__________________
ان لم تكن معي والزمان شرم برم...لاخير فيك والزمان ترللي
صتيمه غير متصل   الرد مع إقتباس