الموضوع: مؤازرة
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-10-2008, 11:13 PM   #8
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


( 20)

ازدادت حركة الوفود الى المقر الانتخابي للمرشح (غانم)، وأصبح نشاط الإذاعة الداخلية للمقر مخصصا للإعلان عن البطاقات الانتخابية التي أعدتها اللجنة التنظيمية وكان يكتب عليها اسم الناخب أو الناخبة ومكان الاقتراع ورقم الصندوق وتسلسل الناخب بين جداول الناخبين، وذلك لتسهيل عملية لجان الاقتراع الحكومية ولكي لا تعيق عملية التصويت وما يؤثر ذلك على نفسيات المقترعين وعودتهم الى بيوتهم دون أن يدلوا بأصواتهم.

امتلأت البيوت المجاورة للمقر الانتخابي بلجان مختلفة، كون اليوم الذي يليه هو يوم الاقتراع. فمن تلك اللجان ما ترشد المندوبين الذين يشتركون بمراقبة عملية الاقتراع، حيث توزع عليهم قوائم المتوفين أو الطلاب خارج البلاد أو المسافرين، والتي تم استخراج أسمائهم من القوائم النهائية التي أعدتها الهيئة العليا للانتخابات بعد فترة الاعتراض على المرشحين.

في بيت آخر، كانت لجنة أخرى تنظم حركة السيارات والحافلات التي تنقل الناخبين، وكان كل سائق من السواق المتعاقد معهم يستلم نصف المبلغ المتفق عليه، واسم ضابط الارتباط الذي يوجه حركته.

كانت لجنة التنظيم توجه التعليمات للمندوبين الذين يراقبون فرز الأصوات، فكان من بين المرشحين من تتشابه أسماؤهم الأولى (محمد .. كذا) أو من يتشابهوا باسم العائلة، أو اللقب، كأن يثبت المرشح لقبه بأبي محمود، فكانت التعليمات للمندوبين أن يعترضوا بقوة على الأسماء المثيرة للبس لكي يحرموا الخصوم من الاستفادة من الأصوات الموجودة في ورقة الاقتراع.

في ردهات الساحة والشوارع القريبة من المقر، كان أشخاص يطلبون من المرشح أو بعض أعضاء الهيئة العليا التنظيمية تفسيرا للبطء الذي لم يحلّوا فيه مشكلة أحد الموقوفين للتوسط في الإفراج عنه، ويعرضون بعض المشاكل التي تحتاج بعض المال لحلها. لقد عرف هؤلاء، خصوصا إذا كانوا يملكون القدرة على حشد مجموعات من الناخبين، أن تلك الفرصة من أفضل الفرص لابتزاز المرشحين. كما أن منهم من كان يذكر أن بعض أقاربه قد التقى ببعض المرشحين الآخرين وعُرض عليه بعض الأموال للتصويت لصالح ذلك المرشح!

استغل بعض المخبولين تلك المناسبة، للدعاء للمرشح بالنجاح وكيل المديح الطريف له، وكانوا يحظون ببعض النقود لقاء (النِمرة) التي يقدمونها.

اصطف أكثر من مئة رجل في حلقة (جوفية) وهي حركات رقص بطيئة تعتمد على رتابة الخطوات، مع ترديد عبارات التبجيل والمديح بالمرشح، وتنتقل تلك العبارات للافتخار بهمة وقوة هذا الجمع الواسع.

يقوم عشرات الشباب بتوزيع الحلوى على كل الموجودين، وكان هذا الطقس يتم يوميا دون أن تدفع اللجنة المالية ثمن تلك الحلوى، بل كان بعض الوجهاء من المؤازرين هم من يشترونها لإثبات التفافهم حول المرشح بصدق.

(21)

في ديوان أبي محمد، وبعد أن خف التواجد بالمقر الرئيسي للمرشح، اجتمع أصدقاء أبي محمد (مقبل وجماعته)، وقد كانت تبدو على وجوههم علامات من المشاعر غير المصنفة بدقة، فلم يعودوا يعلموا إن كان فضلهم في هذا الالتفاف الجماهيري واضحا أم لا. فتكتّل الناس بهذا الشكل أخفى أثر القيادات المحركة للعمل الانتخابي.

ضحك أستاذ الرياضيات فجأة، فانتبه الجميع إليه، فكرر ضحكته، فشاركه الجميع بالضحك دون أن يعلموا ما هو دافع ضحكه المفاجئ.

بعد انتهاء نوبة الضحك، قال معلم الرياضيات: إن نجح غانم في تلك الانتخابات ستكون مصيبة، وإن رسب ستكون كارثة!

أدرك الجميع ما قصده معلم الرياضيات بما فيهم الشيخ (أبو محمد)، فعلّق مقبل على ذلك بقوله، إن نجح وهذا مؤكد حسب المؤشرات الظاهرة، فسنكون أحد أركان المجتمع المحلي التي لا يمكن تجاوزها في اتخاذ قرارات تعني بشؤون الانتخابات، وعندها نستطيع أن نثبت أقدامنا كقوة وطنية حقيقية مؤثرة في الساحة.

انتبه الدكتور عبد القادر لما قاله مقبل، وفكر بأنه ليس ممن يؤمنون بما يؤمن به مقبل، فلماذا يترك له تلك الفرصة ليجير ذلك الانتصار له، وبالأساس لماذا استمر بمجاراة تلك العصبة بما ذهبت إليه، بلع الدكتور عبد القادر أفكاره ولم يعلن عن ردة فعله، وإن كانت تبدو تعبيراتها على وجهه.

أطرق أبو محمد وعبث في جمرات النار أمامه، وقام بسكب القهوة السادة وناولها ليوسف الذي كان جنبه، فارتشف يوسف ما في الفنجال ثم ناوله الآخر ليناوله لمن في جنبه حتى شرب الجميع. كان أبو محمد بحركته تلك يداري عدم رضاه عما صرح به مقبل، فالشيخ لم يكن من المصنفين من المعارضين السياسيين، ولم يكن يخشى مساءلته عن صحبته مع تلك الجماعة، فسنّه وتعدد نشاطاته لا تجعله في دائرة الشبهات، لكنه لم يرغب أن يعتبره الغير (متراسا) ينفذون من ورائه خططهم!

(22)

صلى الشيوخ الفجر، وتوجهوا الى صناديق الاقتراع، يلبسون ملابسهم الثقيلة حيث إن صباحات نوفمبر/تشرين الثاني باردة جدا.

تفاجأ أعضاء اللجان التنظيمية عندما أفاقوا مبكرين على غير عادتهم أن الطوابير أمام المدارس (مراكز الاقتراع) يصل بعضها عدة مئات، وموعد بدء الاقتراع لا يزال أمامه حوالي الساعة.

دخل أعضاء اللجان مع المراقبين من قبل المرشحين واحتلوا مقاعدهم، فيما انتشر أفراد الشرطة والأجهزة الأمنية ضمن الخطط الأمنية التي وضعت لهم.

تتابع الناخبون في الدخول الى الغرف المخصصة للاقتراع، يسأل رئيس اللجنة الناخب عن اسمه وإبراز بطاقته الشخصية. كان الناخبون مهيئين سلفا لمثل هذا الموقف، حيث يمسكون بطاقاتهم الشخصية والبطاقة التي استلموها من اللجان التنظيمية للمرشحين، لكي يسهلوا مهمة مساعدي رئيس اللجنة في إيجاد أسمائهم ضمن القائمة التي يحق لها الاقتراع في هذا الصندوق، فبدل من أن يفتش المساعد في خمس وثلاثين صفحة ليعثر على الاسم، فإن البطاقة الانتخابية سترشده بسرعة أفضل.

يبتسم أحد المراقبين المخصصين للمرشحين في وجه من يدخل، عله يتذكر مرشحه ويصوت له، وهو يعرف حق المعرفة أن كل ناخب يدخل الى قاعة الاقتراع وهو يعرف لمن سيعطي صوته.

دخل أحد الرجال، وبعد أن تم إيجاد اسمه، ناوله رئيس اللجنة بطاقة الاقتراع ليذهب الى (الخلوة) ويكتب من يريد بكل سرية، لكنه رفض وقال أنه لا يستطيع الكتابة فسأله رئيس اللجنة: هل أنت أمي؟ وقبل أن يجيب، اعترض أحد المندوبين لمرشح آخر وقال: "سيدي هذا جامعي كل البلد بتعرفه"، ولكن الناخب اعتذر فقال: أعاني من (خدر) في يدي فلا أستطيع الكتابة، قبل رئيس اللجنة العذر وطلب من المعترض السكوت. ذكر الجامعيّ من يريد انتخابهم بصوت عال، لكي يثبت للمرشح أنه انتخبه!

(23)

أغلقت قوات الأمن المداخل التي تفضي الى المدرسة التي سيجري فيها فرز الأصوات، ووصلت السيارات الحكومية تحمل الصناديق المجمعة من سبع وثلاثين قرية ومدينة، ومعها مرافقون من القضاء ومراقبون من أطراف المرشحين.

وزعت اللجنة العليا الصناديق والمندوبين على الغرف المعدة لفرز الأصوات، وكان رئيس اللجنة يذكر للجالسين من المراقبين لوائح الانضباط داخل قاعة الفرز، وبعد أن أكمل قراءته اللائحة، قلب الصندوق وأظهر الشمع الأحمر الذي ثبتته لجنة الاقتراع، استخرج منها تقرير اللجنة التي بيّنت أن عدد المقترعين كان 554 من أصل 682 مسجل كان له حق الانتخاب، وبعد تعداد الأوراق وضعها فوق بعض بنسق معين، حتى يطلع الموجودون على مطابقة العدد مع التقرير.

طلب رئيس اللجنة من الموجودين أن يتطوع منهم اثنان ليسجلوا ما تمليه عليهم اللجنة من أصوات، خرج شابان يتمتعان بطول كاف وقدرة على الانتباه والتقاط الاسم ووضع إشارة مائلة على كل صوت، فكلما أصبحت أربع الإشارات وضعت الخامسة بشكل يتقاطع مع الأربع.

كان بعض المندوبين، يضعون أمامهم علبتين من السجائر وورقة عريضة بها أسماء المرشحين كلهم معدة للتشطيب، وكانت آذانهم صاغية لسماع نطق رئيس اللجنة، ومتابعة تشطيب من يقف أمامهم على (السبورة)، فإن حدث سهو أو خطأ يُسمع اعتراض مفاجئ لكل الحضور، حتى يتم تعديله.

كان كل مندوب مهيأ لنجاح مرشحه إلا مندوب (مفضي) الذي كان يعرف أن مرشحه لن يرى النجاح، فكان لا يكتب ولا يتابع، بل يعلق تعليقات ساخرة، فيضحك الجميع من طرافته، حتى أن رئيس اللجنة كان متسامحا معه.

في أطراف المدرسة، كان يقف لا يقل عن ثمانية آلاف من الجماهير المترقبة للنتائج، كانوا يملؤون الفضاء بأهازيجهم. وما أن انتصف الليل، حتى قاموا بإشعال إطارات السيارات، فأضفوا على المشهد طقسا استثنائيا.

(24)

انتهى الفرز، وكان غانم قد حصل على أكثر من 14 ألف صوت ومن تحالف معه كان قد حصل على 11 ألف صوت، أما الفائز الثالث فحصل على سبعة آلاف صوت، ومن يليه كان ثلاثة أحسنهم حصل على خمسة آلاف صوت، في حين لم يحصل (مفضي) إلا على 250 صوت.

خرج بعض المندوبين قبل إعلان النتيجة الرسمية بحوالي ساعة، وذهبوا لكي يداروا خيبتهم، وأطفأ المرشحون المخفقون أنوار بيوتهم، في حين سارت مواكب السيارات للفائزين الثلاثة في الشوارع، وبقيت حتى بعد الفجر.

في مقر الانتخاب للفائز (الآن) غانم، حمل المحتفلون نائبهم على أكتافهم وهتفوا له، وامتلأت الأجواء بزغاريد النسوة.

لم يحضر واثق ولا مقبل ولا يوسف ولا الدكتور عبد القادر مهرجان النجاح، كما لم يترددوا على بيت النائب غانم طيلة الأربع سنوات التي أمضاها في مجلس النواب.

لكن الشيخ أبا محمد حضر الاحتفالات ووليمة الغداء الكبرى، وكان يتردد على منزل النائب، ويحكي لأصحابه (مقبل وجماعته) الذين لم ينقطعوا عن التواصل معه ما كان يسمع ويشاهد في منزل النائب.

كانت حكايات أبي محمد عما يراه في منزل النائب في مجملها ذات طابع تهكمي، فأحيانا يتندر بما أكل في القصر، وأحيانا يروي لزواره عن كيفية فرح النائب بهدية الرئيس الفلاني أثناء زيارة الوفد البرلماني لبلاده. ومن القصص التي كان أبو محمد ينقلها تلك التي تتناول طلبات الحضور من أقارب النائب، فأحدهم يريد أن يوظف ابنه حارسا في مدرسة والآخر قدم للتوسط بالإفراج عن ابنه الذي شتم القاضي فلان الخ.


انتهى القسم الأول
__________________
ابن حوران

آخر تعديل بواسطة ابن حوران ، 20-10-2008 الساعة 11:58 PM.
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس