عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-12-2008, 02:56 PM   #8
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


المرأة والحياة العامة

العام والخاص والمختلط، مصطلحات أطلقها السياسيون والاقتصاديون على أقسام النشاط في المجتمع، فاعتبر النشاط الذي يقتصر على الحكومات عاما، والنشاط الذي يقوم به الأشخاص فرادى أو جماعات دون اشتراك الحكومة به خاصا، وما اشتركت به الحكومة مع الأهالي مختلطا، هذا في النشاط الاقتصادي، أما في النشاطات التي يتعلق جهدها بما تشرعه الدولة بوجهها السياسي كالنقابات والجمعيات والأحزاب وغيرها من الهيئات التي يكون نشاطها مكملا أو معارضا للحكومة فهي تحسب على الجانب العام.

وعلى هامش اصطلاح العام أيضا، يكون هذا الشارع أو الطريق عاما، لأنه متاح لكل الناس، وهذا طريق خاص، يؤدي لبيت أو مزرعة فهو يقتصر على فئة ضيقة دون غيرها.

في مسألة المرأة والأنثى بشكل عام، وبتجريد عن الأيديولوجيات المعنية بهذا الشأن، تكون الأنثى ضمن عموميات ما يمتلك الذكر السيد، سواء كان إنسانا أو أسدا أو ديكا، فمن يحدد المساحة التي تطلق فيها سيادة الذكر السيد هم الذكور وليس الإناث، ويحدث الصراع عندما يتم تجاوز حدود مساحة سيطرة السيد.

إذن، فاشتراك المرأة بالحياة العامة، هو اختراع آدمي تستحدثه المدنيات وتستعين في ترشيده بتعليمات ينص عليها التشريع الديني بنصوص واضحة، أو بنصوص استشعارية تحذر من عواقب معينة في حالة تجاوز المعقول، ونقول المعقول تدليلا على ما قد يؤول إليه ذلك التجاوز وفق ظنون الفرد المعني بتصنيف ذلك الاشتراك السامح للمرأة في العمل العام.

هل المرأة قادرة على ممارسة العمل العام؟

سنجيب بسرعة هائلة، ونقول نعم هي قادرة على القيام بذلك، وقد امتلأت صفحات التاريخ القديم والحديث بنماذج تسنمت فيها المرأة أعلى المناصب في الدولة، من (بلقيس) الى (نفرتيتي) و (كيلوباترا) و(زنوبيا) وانتهاء بمئات النساء المعاصرات، في بريطانيا والهند و سيلان وغيرها.

إذن أين تكمن المشكلة؟
ليس هناك مشكلة خارجة عن إطار ما يسمى بالعامية (التوليف)، ولتقريب هذا المصطلح، علينا التمعن بحياة الطيور، العصافير، الحمائم، إنها لا تخضع الى قواعد صارمة دينية أو تشريعات وضعية أو قيم وعناصر خلقية، فنجد زوجا من الحمام أو العصافير (يتوالفان) ويبقيا على صلتهما حتى تنتهي حياة أحدهما. وإذا تدخل الإنسان في تربية الحمام وحبسهما وقص جناحي كل منهما فإنه يفاجأ بعد مدة، أن الأنثى طارت وهجرت عش الزوجية تاركة بيضها (في بعض الأحيان) في العش. ويطلق العامة على ذلك ب(التخريب) لأن الأنثى (عشقت).

قد نجد زوجا من البشر يتفاهمان على اشتراك الزوجة بالحياة العامة، دون أن تظهر أي علامة من علامات ضجر الزوج، وتكون حياتهما ناجحة جدا، وهذا يندرج تحت (التآلف أو التوليف)، في حين لا يكون ذلك المثال يصلح للكثير من الأزواج. ولا يخضع هذا المثال لورع أو وعي الزوج أو الزوجة، فقد يكون الزوج ورعا ومثقفا والمرأة تقية ونجيبة، لكن ذلك يكون مبعثا لتخريب (التآلف) لنتأمل ذلك المثال من التاريخ العربي الإسلامي:

كان أبو الأسود الدؤلي من أكبر الناس عند معاوية بن أبي سفيان وأقربهم مجلساً وكان لا ينطق إلا بعقل ولا يتكلم إلا بعد فهم فبينا هو ذات يوم جالساً وعنده وجوه قريش وأشراف العرب إذ أقبلت امرأة أبي الأسود الدؤلي حتى حاذت معاوية وقالت السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ان الله جعلك خليفة في البلاد ورقيباً على العباد يستسقي بك المطر ويستثبت بك الشجر وتؤلف بك الأهواء ويأمن بك الخائف ويردع بك الجانف فأنت الخليفة المصطفى والإمام المرتضى فاسأل الله لك النعمة في غير تغيير والعافية من غير تعذير لقد ألجأني إليك يا أمير المؤمنين أمرٌ ضاق علي فيه المنهج وتفاقم عليّ فيه المخرج لأمرٍ كرهت عاره لما خشيت إظهاره فلينصفني أمير المؤمنين من الخصم فإني أعوذ بعقوبته من العار الوبيل والأمر الجليل الذي يشتد على الحرائر ذوات البعول الأجائر

فقال لها معاوية ومن بعلك هذا الذي تصفين من أمره المنكر ومن فعله المشهر قال فقالت هو أبو الأسود الدؤلي قال فالتفت إليه فقال يا أبا الأسود ما تقول هذه المرأة قال فقال أبو الأسود هي تقول من الحق بعضاً ولن يستطيع أحد عليها نقضاً أما ذكرت من طلاقها فهو حق وأنا مخبر أمير المؤمنين عنه بالصدق والله يا أمير المؤمنين ما طلقتها عن ريبة ظهرت ولا لأي هفوة ولكني كرهت شمائلها فقطعت عني حبائلها فقال معاوية وأي شمائلها يا أبا الأسود كرهت قال يا أمير المؤمنين إنك مهيجها عليّ بجواب عتيد ولسان شديد فقال له معاوية لا بد لك من محاورتها فاردد عليها قولها عند مراجعتها فقال أبو الأسود يا أمير المؤمنين إنها كثيرة الصخب دائمة الذرب مهينة للأهل مؤذية للبعل مسيئة إلى الجار مظهرة للعار إن رأت خيراً كتمته وإن رأت شراً أذاعته قال فقالت والله لولا مكان أمير المؤمنين وحضور من حضره من المسلمين لرددت عليك بوادر كلامك بنوافذ أقرع كل سهامك وإن كان لا يجمل بالمرأة الحرة أن تشتم بعلاً ولا أن تظهر لأحد جهلاً فقال معاوية عزمت عليك لما أجبته قال فقالت يا أمير المؤمنين ما علمته إلا سؤلاً جهولاً ملحاً بخيلاً إن قال فشر قائل وإن سكت فذو دغائل ليث حين يأمن وثعلب حين يخاف شحيح حين يضاف إن ذكر الجود انقمع لما يعرف من قصر شأنه ولؤم آبائه، ضيفه جائع، وجاره ضائع، لا يحفظ جاراً، ولا يحمي ذماراً ولا يدرك ثأراً، أكرم الناس عليه من أهانه وأهونهم عليه من أكرمه

فقال معاوية سبحان الله لما تأتي به هذه المرأة من السجع فقال أبو الأسود أصلح الله أمير المؤمنين إنها مطلقة ومن أكثر كلاماً من مطلقة؟ فقال لها معاوية إذا كان رواحاً فتعالي أفصل بينك وبينه بالقضاء قال فلما كان الرواح جاءت ومعها ابنها قد احتضنته فلما رآها أبو الأسود قام إليها لينتزع ابنه منها، فقال له معاوية يا أبو الأسود لا تعجل المرأة أن تنطق بحجتها قال يا أمير المؤمنين أنا أحق بحمل ابني منها فقال له معاوية يا أبا الأسود دعها تقل، فقال يا أمير المؤمنين حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، قال فقالت صدق والله يا أمير المؤمنين حمله خفاً، وحملته ثقلاً، ووضعه بشهوة، ووضعته كرهاً أن بطني لوعاؤه وإن ثديي لسقاؤه وإن حجري لفناؤه قال فقال معاوية سبحان الله لما تأتين به فقال أبو الأسود أنها تقول الأبيات من الشعر فتجيدها، فقال معاوية أنها قد غلبتك في الكلام فتكلف لها أبياتاً لعلك تغلبها قال فأنشأ أبو الأسود يقول:

مرحباً بالتي تجور علـينـا ثم سهلاً بالحامل المحمـول
أغلقت بابها عليّ وقـالـت إن خير النساء ذات البعول
شغلت نفسها عليّ فـراغـاً هل سمعتم بالفارغ المشغول

فأجابته وهي تقول:

ليس من قال بالصواب وبالحمق كمن جار عن منار السـبـيل
كان ثديي سقاءه حين يضحـي ثم حجري فنـاؤه بـالأصـيل
لست أبغي بواحدي يا بن حرب بدلاً ما علمتـه والـخـلـيل

فأجابها معاوية:

ليس من غذاه حيناً صغيراً وسقاه من ثديه بـخـذول
هي أولى به وأقرب رحماً من أبيه بالوحي والتنزيل
أم ما حنت عليه وقـامـت هي أولى بحمل هذا الضئيل

فقضي لها معاوية عليه واحتملت ابنها وانصرفت.*1

من يتأمل تلك القصة، سيجد أن الزوجين لا ينقصهما رجاحة عقل، ولكن هي فقدان الألفة بينهما. وأحيانا تكون الألفة متوفرة في زوجين يتفوق أحدهما في شيء كالحسن والجمال عند المرأة وقبح المنظر عند رجلها، فقد نظر عمران بن حطان إلى امرأته. وكانت من أجمل النساء، وكان من أقبح الرجال، فقال: إني وإياك في الجنة إن شاء الله. قالت له: كيف ذاك? قال: إني أعطيتُ مثلك فشكرتُ، وأعطيتِ مثلي فصبرتِ*2

ماذا تريد النساء من النشاط العام؟

المرأة كالرجل في مشاعرها تجاه توكيد ذاتها، فالرجل إذا صار شيخا، يخدمه أبناؤه وبناته، لا يفتأ أن يخترع مشكلة من لا شيء، ويذكر أبناءه بأن ما بهم من عز ومال هو من صنعه، هذا إن كان في حالة ميسورة، وإن لم يكن كذلك، فإنه يبقى يكد ويعمل حتى يموت. وإن كان شابا، ولكن لا عمل له ولا شأنا يقضي به يومه، فإن أمامه عدة احتمالات، إما أن يصبح متسولا أو مجرما أو يبحث له عن شأن عام يقضي به وقت فراغه.

تحدثنا سابقا عن الأدوار التي انتزعت من المرأة، ليزيد عندها وقت الفراغ، فإن كانت بنت مدينة فإن كثيرا من الأعمال التي كانت تقوم بها في السابق أصبحت متيسرة، خصوصا لمن يكون لديها خادمة، فتبدأ بالطلب من زوجها برغبتها في العمل، حتى تقتل وقت فراغها! ثم تبدأ بتلبية طلبات زميلاتها في الاشتراك بناد أو جمعية أو يتوجهن لحضور ندوة أو ورشة عمل في شأن يبتكرنه من خلال اطلاعهن الإعلامي المتيسر، وبالتدريج ترى المرأة أن لديها قضية عامة اسمها (قضية المرأة)، وقد تستمر بهذا النهج وقد تتعرض لقمع زوجها أو محيطها، فتصبح القضية قضية.

كيف ينظر المجتمع للمهتمات بالقضايا العامة؟

ترغب كل النساء في الخروج من دوائرها الضيقة التي وضعتها بها التقاليد الاجتماعية، فإن لم يكن متيسرا لها ذلك، فإنها ستوجه نقدها للمجتمع وبالذات النسوة المهتمات بالشأن العام.

عمليا النساء نصف المجتمع، إن لم يكن يزدن عن ذلك، ولكن البرلمانيات لا يساوي عددهن عدد الرجال البرلمانيين، لماذا لم تعط النساء في مصر والأردن والكويت أصواتهن للنساء؟

بالمقابل، فإن الرجال الذين عارضوا ولا زالوا يعارضون إعطاء المرأة حق التصويت، يقولون: هل من الضروري جعل التصويت كتسجيل الأهداف في لعبة (كرة السلة)؟ ويقصدون أن كل امرأة تتبع زوجها في التصويت؟

لقد استمعت لتبريرات قالتها النساء اللواتي لم يعطن أصواتهن لامرأة فاضلة ترشحت للبرلمان، فقالت إحداهن: من لا خير فيه لأهله لا خير فيه لأمته، وعددت عدة مسائل استحقت موقف النسوة من عدم إعطائها أصواتهن، منها: أنها لا تزور مريضة، وأنها لا تهتم بحماتها، وأنها لا تطبخ لزوجها الخ. لقد استخدمت النسوة مسطرة لقياس مواقفهن تختلف عن تلك التي يذكرها أنصار خوض المرأة غمار العمل العام
.


يتبع في هذا الباب





هوامش
*1ـ من كتاب بلاغات النساء لابن طيفور
*2ـ من العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي في (صفات النساء)
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل