الحال(1)
الحال: اسم نكرة، فَضْلة(2) منصوب. يبيّن هيئة صاحبه. نحو: [سافر خالدٌ حزيناً] و[جاء زهيرٌ ثعلباً. (أي: مراوغاً)](3).
أحكام ستّة:
1- تتعدّد الحال وصاحبها واحد، نحو: [جاء خالدٌ مسرعاً باسماً]. وتتعدّد ويتعدّد صاحبها، فتكون القريبة للقريب والبعيدة للبعيد، نحو: [لقي خالدٌ زهيراً مُصعِداً مُنحدِراً]. فـ [منحدراً] حال من [خالدٌ]، و[مصعداً] حال من [زهيراً].
2- تتأخر الحال عن الفعل وشبهه(4) وتتقدّم عليهما، نحو: [جاء خالدٌ راكباً، فسرّني رجوعه منتصراً] و[راكباً جاء خالدٌ، فسرّني منتصراً رجوعه].
3- تتأخّر الحال عن صاحبها، وتتقدّم عليه، نحو: [سافر زهيرٌ مُعْجَلاً] و[سافر مُعْجَلاً زهيرٌ].
4- يكون صاحب الحال معرفةً ونكرة، نحو: [جاء عليٌّ مستعجلاً]. و: [جاء ضيفٌ مستعجلاً].
5- إذا تقدّمت صفةٌ نكرة على موصوفها، انقلبت إلى حال. نحو: [لِزيدٍ ممزَّقاً كتابٌ]. والأصل قبل التقديم: [لِزيدٍ كتابٌ ممزَّقٌ].
6- قد تأتي الحال مستقلّةً بنفسها، بدون فعل، فتقترن:
إمّا بالفاء: إذا أردتَ الدلالة على تدرّج في نقص أو زيادة، نحو فصاعداً، فنازلاً، فأكثر، فأقلّ، فأطول، فأقصر... تقول مثلاً: [يباع الكتاب بدينار فصاعداً] و[أستريح ساعةً فأكثر].
وإمّا بهمزة: للدلالة على استفهام توبيخيّ، نحو: [أقاعداً وقد سار الناس؟!].
الحال الجملة
قد تكون الجملة حالاً(5)، وذلك إذا وقعت موقع الحال. نحو: [جاء خالدٌ يضحك = جاء ضاحكاً]. ويربطها بصاحب الحال عند ذلك وجوباً، ضميرٌ أو واو؛ وقد يجتمع الرابطان.
فمن مجيء الرابط ضميراً: [سافر خالدٌ محفظتُه بيده] (الضمير المتصل، أي الهاء، مِن محفظته هو الرابط).
ومن مجيئه واواً: [سافرت والشمسُ طالعةٌ](6).
ومن اجتماع الرابطَين: [أَقْبَل زهيرٌ ويدُه على رأسه].
أحكام واو الحال:
قاعدة كليّة: [إذا خَلَت الجملةُ من ضميرٍ يربطها بصاحب الحال، وجبت الواو]، نحو: [سافر زهير و الشمس مشرقة].
1- أحكامها مع الجملة الاسمية:
¨ تجب الواو قبل الجملة الاسمية، إذا خَلَتْ من ضميرٍ يربطها بصاحب الحال (القاعدة الكلية). وتجب أيضاً إذا كان صدر الجملة ضميراً منفصلاً، نحو: [جاء زهيرٌ وهو يضحك]. ويجوز الوجهان بعد [إلاّ]، نحو: [ما جاء إلاّ وبيده كتاب = إلاّ بيده كتاب].
2- أحكامها مع الجملة الماضوية:
¨ تجب الواو - وتلزمها [قد] - قبل الجملة الماضوية، غير المشتملة على ضمير صاحب الحال(7). وتمتنع إذا كان بعد الماضوية [أو]، نحو: [اُنصرْ أخاك جارَ أو عَدَلَ].
¨ ويجوز مجيئها وعدمُه، قبل الجملة الماضوية في ما يلي:
- إذا كان في الجملة ضمير رابط، نحو: [زارني زيدٌ وما قال كلمةً = زارني ما قال كلمةً]، ونحو: [هذه كتبنا وقد أعيدَت إلينا = هذه كتبنا أعيدَت إلينا].
- أو سبقتها [إلاّ]، نحو: [ما زارنا زيدٌ إلاّ وكان مستعجلاً = إلاّ كان مستعجلاً].
3- أحكامها مع الجملة المضارعية:
¨ تجب الواو مع الجملة المضارعية، إذا خلت من ضمير يربطها بصاحب الحال (القاعدة الكلية)، وسبقتها [لم]، نحو: [جاء زهيرٌ ولم تطلع الشمس]. فإن وجد ضمير رابط، جاز الوجهان، نحو: [زارنا خالدٌ ولم يتأخر = زارنا لم يتأخر].
¨ كما تجب الواو مع الجملة المضارعية المقترنة بـ [قد]، نحو: [نجح زهيرٌ وقد ينجح المجتهد].
¨ وتمتنع قبل الفعل المضارع المثبت، نحو: [جاء زهيرٌ يسعى]، والمنفي بـ [ما] أو [لا]، نحو: [عرفتك ما تحبّ التهاون] فـ [ما لك لا تجدّ](8).
4- حكمها مع [لَمّا]:
قال ابن مالك عن المضارع المسبوق بـ [لمّا]: "لم أجده إلاّ بالواو"(9). فقلْ إذاً: [حضر خالدٌ ولمّا أَرَه].
صيغٌ وتراكيبُ حاليّة:
في اللغة صيغ لا تكاد تتغير، تُستعمل كأنها الرواسم، وتُعرب حالاً. دونك أهمّها، مع شيء من التعليق لمزيد إيضاح. مِن هذا قولهم مثلاً:
· سلّمته الكتابَ (يداً بيد): يلاحظ هاهنا اشتراك جانبين.
· جاء خالدٌ (وحدَه): الحال هنا معرفة، (تَعَرّفَت بإضافتها إلى معرفة هي: هاء الضمير) ومجيء الحال معرفةً، قليل في كلامهم.
· رجع (عودَه على بدئه): الحال هنا معرفة أيضاً، والشأن فيها كالشأن في [جاء وحدَه]، فلا نعيد.
· اُدخلُوا (واحداً واحداً): و[اثنين اثنين، وثلاثةً ثلاثةً...] و[تمر السنون شهراً شهراً، وتنقضي الشهور أسبوعاً أسبوعاً، وتنصرم الأسابيع يوماً يوماً...]، ومنه: [قرأت الكتاب باباً باباً] إلخ... والحال في كل ذلك نكرة - على المنهاج - ولكنها قد تكون معرفة، كقولهم: [اُدخلوا الأولَ فالأول]. وهاهنا مسألتان: الأولى: مايلاحظ من الترتيب في كل ذلك. والثانية أنّ العطف [بالفاء وثمّ] واردٌ في كلّ ذلك، أي: واحداً فواحداً، أو واحداً ثمّ واحداً.
· أمّا (عِلْماً) فعالِمٌ: ومثله: أمّا شجاعةً فشجاعٌ... وذلك في وصفك مَن تعلم فيه ذلك.
· تفرّقوا (شذَرَ مذَرَ): أي: مشتَّتين. والكلمتان مركّبتان تركيباً مزجياً.
· زهيرٌ جاري (بيتَ بيتَ): أي: ملاصقاً. والكلمتان مركّبتان تركيباً مزجياً.
· ذهبوا (أياديَ سَبَأ): أي: مشتَّتين.
· حاوِل النجاح (جهْدَك): أي: جاهداً.
· اُدرس (طاقتَك): أي: مطيقاً، يعني: باذلاً طاقتك.
· لقيته (وجهاً لوجه): أي: متقابلَين.
· كلّمته (فاهُ إلى فيّ): أي: فمه إلى فمي، مشافهةً، وفيه معنى الاشتراك.
· بعنا الزيت (رطلاً بدينار): يكثر استعمال هذه الصيغة في البيع والشراء، لما فيها من الدلالة على سعر.
· كافّةً، وقاطبةً، وطُرّاً: كلمات ثلاث، لا تكاد تُستعمل إلاّ [حالاً].
وظائف الحال المعنوية:
للحال وظائف معنوية نوردها فيما يلي:
آ- قد تأتي للتبيين، وهي التي لا يُستفاد معناها إلاّ بذكرها نحو: [جاء زهيرٌ ماشياً]. ويسمّونها: [الحال المؤسسة].
ب- أو تأتي لتوكيد عاملها، نحو: ]فتبسّم ضاحكاً[. أو توكيد مضمون الجملة قبلها نحو: [هو الحقّ واضحاً]. ويسمّونها: [المؤكدة].
ج- وقد تأتي توطئةً لصفةٍ بعدها نحو: ]إنّا أنزلناه قرآناً عربياً[. ويسمّونها [الموطّئة].
د- وقد تأتي لتبيين هيئةِ ما يتعلّق بصاحبها، نحو: [جاء سعيدٌ ممزّقاً قميصه]. ويسمّونها [السببية].
ملاحظة: في كتب الصناعة أنّ الحال تكون شبه جملة. ولم نعرض لهذا هنا، إذ عالجنا مسألة التعليق بالمحذوف، في بحث [التعليق = الربط]. وقد يكون مفيداً الاطّلاعُ على ذلك في موضعه.
* * *
نماذج فصيحة من استعمال الحال
· [صلّى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم قاعداً، وصلّى وراءه رجالٌ قياماً]. (حديث شريف)
[قياماً]: حال، صاحبها: [رجالٌ]، وهو نكرة. وهذا شاهدٌ لا يُدحَض، على أنّ ذلك في العربية أصلٌ صحيح. ولقد وقف سيبويه عند هذه المسألة، فأجازها جوازاً مطلقاً بغير قيد.
· ومن مجيء صاحب الحال نكرة، قولُ قطريّ ابن الفجاءة:
لا يَركَنَنْ أحَدٌ إلى الإحجامِ يومَ الوغى متخوِّفاً لِحِمامِ
[متخوِّفاً]: حال، صاحبها: [أحَدٌ]، وهو نكرة.
· ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ]وما أهلكنا من قريةٍ إلاّ ولها كتابٌ معلوم[ (الحجر 15/4)
جملة: [ولها كتاب] حالية، صاحبها نكرة، وهو: [قرية]. وفي الآية مسألة أخرى هي أنّ [لها كتابٌ معلوم] جملة اسمية، سبقتها [إلاّ]. ومتى سُبِقَت الاسمية بـ [إلاّ] جاز بعدها مجيء واو الحال - كما في الآية - وجاز عدم مجيئها، نحو: ]وما أهلكنا من قرية إلاّ لها منذرون[ (الشعراء 26/208) فجملة: [لها منذرون] حالية، لم تسبقها واو الحال بعد [إلاّ]، وذلك جائز على المنهاج.
· قال طرفة بن العبد (الديوان /88):
فسقى ديارك غيرَ مفسِدِها صوبُ الغمامِ وديمةٌ تَهْمِي
[غيرَ]: حال تقدَّمت على صاحبها وهو [صوبُ]. وتقدُّمُها هذا، على المنهاج، إذ الحال تتقدّم على صاحبها وتتأخّر عنه.
· قال كثيّر عزة (الديوان /522):
لئن كان برْدُ الماء هيمانَ صادياً إليَّ حبيباً، إنها لَحبيبُ
[هيمانَ صادياً] حالان، تقدَّمتا على صاحبهما وهو الياء [الضمير المجرور بـ (إلى)]. إذ الأصل قبل التقديم: [لئن كان بردُ الماء حبيباً إليَّ - هيمانَ صادياً - إنها لحبيب]. وفي البيت مسألتان: الأولى تعدُّدُ الحال وصاحبها واحد، والثانية تقدّمُها عليه. وذلك جائز بغير قيد.
· قال كثيّر عزة (الديوان /506):
لِميّةَ موحشاً طلَلُ يلوح كأنه خِلَل
(شبّه آثار منْزلها، بخِلَل السيوف، أي: وشْي أغمادها).
* * *
|