عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-01-2009, 07:01 AM   #16
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

شمس نهار جديد


قام الإفرنج بخمس حملات على مصر، فاخترقوا سيناء، وأحرقوا بلبيس، واحتلوا القاهرة، وحاصروا الإسكندرية، ودمروا دمياط….. كل ذلك طمعا في مصر و تثبيتا لأقدام الإفرنج في ديار الشام، وفي بيت المقدس على وجه التحديد.
وكان الإفرنج، وفي النصف الأول من القرن الثاني عشر، قد استكملوا احتلالهم لما نعرفه اليوم باسم فلسطين وشرق الأردن وسوريا ولبنان وشمال العراق، وأنشأوا فيها أربع دول- إمارة الرها، إمارة أنطاكية، إمارة طرابلس ومملكة بيت المقدس.

وما استكانت الأمة للإفرنج، فقد كانت غارات الشعب على مواقع الإفرنج تتكاثر يوما بعد يوم، ولم يبق إلا أن تنبثق الوحدة، وأن ينطلق بطل الوحده ، والشدائد والأزمات تلدن البطولات كان ذلك دوما هو حكم التاريخ.

وانطلق بطل الوحدة، وقامت دولة الوحدة ، وكان البطل الذى ظل يجاهد للوحدة، والوحدة جهاد، حتى شمل سلطانه الشام وشمال العراق، ولم يبق أمامه إلا أن يدخل مصر في إطار الوحدة.

وإن وحدة فيها مصر، شاملة للشام والعراق، لا بد قادرة على قهر الإفرنج وتحرير الأرض العربية.

كان ذلك ما عاش نور الدين زنكى من أجله ، ويكفي للتدليل على ذلك أن نور الدين نفسه قد حدد أهدافه بكلماته، وهذه إحدى رسائله يقول فيها إلى حكام دمشق :

"أنا ما أوثر إلا جهاد الإفرنج، فإن ظهرتم معي في معسكر دمشق وتعاضدنا على الجهاد، فذلك غاية المراد…


ومع هذه الوحدة العربية، وكانت ما تزال في بواكيرها، استيقظت مخاوف الإفرنج، واستشعروا أن التجزئة العربية التي مكنت لهم في الأرض العربية، ستأخذ بالزوال، وستزول معها دول الإفرنج الأربع، من بيت المقدس إلى أنطاكية.

وكان على عرش بيت المقدس في تلك الحقبة الملك عموري الأول (1161-1174) ولم يكد يرث المُلكْ عن أخيه حتى رأى أن الملك نور الدين قد استطاع أن يقيم نواة الوحدة الأولى بين دمشق وحلب وحماه وحمص ودمشق وبعلبك، وشمال العراق.

وثارت مطامح الملك عموري مع مخاوفه…. وكانت مصر هي مقر المطامح و المخاوف , فإن مصر هي مركز الثقل في الوطن العربي، فيها الخيرات الوفيرة، والقدرات البشرية الكثيرة، وكانت مصر هي التي انتزعت من يدها سواحل الشام، فلا بد من السيطرة على مصر، واحتلالها، أو إخضاعها، على الأقل.

ولم يكن عموري"غريبا" عن حال البلاد العربية وشؤونها، فقد كان حاكما على يافا وعسقلان بل لعله كان من مواليد فلسطين، فقد كان عمره حين اعتلى العرش (1162) سبعة وعشرين عاما، بعد غزوة الإفرنج بما يزيد على ستين عاما... وهو بهذا مثله مثل الجيل الثاني من الغزاة الإسرائيليون.

كان عموري يخشى أن تتعاظم دائرة الوحدة العربية فتمتد إلى مصر، ويقع الإفرنج عند ذلك بين فكي الكماشة، بين مصر والشام "ولا يبقى للإفرنج مقام".

وعبارة " لا يبقى للإفرنج مقام" ليست كلامي، ولكنها كلام عمره ثمانية قرون، سطره مؤرخو العرب، وهم يستعرضون حركة الوحدة العربية وخطرها على الإفرنج، عاجلا أو آجلا.

وفي ظل هذه المخاوف- مخاوف الإفرنج، من الوحدة، تجلى الصراع بين نور الدين ممثلا للوحدة والنضال, وعموري ممثلا للغزو والاحتلال واندفع الإفرنج على مصر في ست حملات متواليات , وكانت الحملة الأولى في شهر أيلول 1163 فقد قام الملك عموري بالهجوم على مصر، واجتاز سيناء والعريش وبرزخ السويس، واقتحم الدلتا، حتى وصل إلى مدينة بلبيس وضرب عليها الحصار.. ولكن فشلت الحملة الأولى وارتد عموري خائباً مهزوما، لسببين رئيسيين:

الأول أن الأهلين في مصر، وما أعظم الشعب دائما، قد أغرقوا الأراضي بمياه فيضان في النيل، وبذلك حالوا دون تقدم الإفرنج…والثاني وهو الأهم، أن نور الدين قد فتح على الإفرنج "جبهة ثانية" في ديار الشام، حسب التعبير الحديث فهاجم مواقع الإفرنج في حارم وإماره طرابلس وحصن الأكراد، مما اضطر الملك عموري إلى العودة إلى فلسطين قبل أن تسقط مملكته في بيت المقدس… ولم يكن قد مضى على تتويجه ملكا على بيت المقدس إلا بضعة أشهر.

وكانت الحملة الثانية في تشرين الأول 1164، فقد قام الملك عموري بالزحف على مصر، عندما استنجده الوزير المصري، ضرغام، وتعهد له أن تكون مصر تابعة للإفرنج، إذا أعانوه على خصمه ومنافسة الوزير شاور.

ولم يكتف نور الدين إزاء هذه الحملة بفتح جبهة ثانية في ديار الشام كما فعل بالحملة الأولى، ولكنه أرسل جيشا بقيادة أسد الدين الأيوبي ومعه ابن أخيه صلاح الدين، وكانت هذه النجدة كما عبر عنها الملك نور الدين "قضاء لحق المستصرخ، وحبسا للبلاد" ، ومعنى ذلك منعها من السقوط في حوزة الإفرنج.
وكانت هذه النجدة من السرعة والعزيمة بحيث وصل الجيش الشامي إلى دلتا نهر النيل قبل وصول الملك عموري على رأس جيش الإفرنج.. واحتل أسد الدين الأيوبي بلبيس والشرقية ودامت المعارك بضعة أشهر أضطر بعدها الملك عموري إلى الانسحاب ، وخاصة بعد أن أرسل نور الدين أعلام الإفرنج التي غنمها من قلاعهم في ديار الشام، ورفعها أسد الدين على أسوار بلبيس، فأدرك الملك عموري أن حصون الإفرنج سقطت الواحدة بعد الأخرى في يد نور الدين .
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس