عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-02-2009, 03:02 PM   #10
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي


إننا سجناء حواسنا المحدودة ..

فالنور الأبيض الذى نراه أبيض ، إذا مررناه خلال منشور زجاجى يتحلل إلى سبعة الوان هى ألوان الطيف المعروفة فإذا اقتربنا أكثر من دراسة هذه الألوان لندرك ماهيتها لم نجد أنها ألوان .. بل موجات لا تختلف فى شىء إلا فى طولها ، ذبذبات متفاوتة فى ترددها ولكن أعيننا لا تستطيع أن ترى هذه الأمواج كامواج .. ولا تستطيع أن تحس هذه الذبذبات كذبذبات ، إنما كل ما يحدث أن الخلايا العصبية فى قاع العين تتأثر بكل نوع من هذه الذبذبات بشكل مختلف ومراكز البصر فى المخ تترجم هذه الذبذبات على شكل الوان . ولكن هذه المؤثرات الضوئية ليست ألوانا وإنما هى محض موجات وإهتزازات .. والمخ ، كى يميزها عن بعضها يطلق عليها هذه التعريفات التى هى عبارة عن تصورات وهذه هى حكاية الألوان .

والحقول التى نراها خضراء فى الواقع ليست خضراء ، وإنما كل ما يحدث أن أوراق النباتات تمتص كل أمواج الضوء بكافة أطوالها ما عدا تلك الموجة ذات الطول المعين التى تدخل عيننا وتؤثر فى خلاياها فيكون لها هذا التأثير الذى هو فى إصطلاح المخ "أخضر" ..

وبالمثل .. أى لون .. ليس له لون ، وإنما هو مؤثر يفرقه المخ عن غيره بهذه الطريقة الإصطلاحية .. بأن يلونه ..

أما العسل الذى نحسه فى فمنا حلوا شهيا ونتلذذ به .. لا يكون بنفس حلاوته لدودة المِش .. إن لها رأى يختلف تماما فى العسل بدليل أنها لا تقربه ولا تذوقه بعكس المش الذى تغوص فيه وتلتهمه إلتهاما وتبيض وتفقس وتعشش فيه ..

الحلاوة إذا لا يمكن ان تكون صفة مطلقة موضوعية فى العسل .. وإنما هى نسبية إلى أعضاء التذوق فى لساننا .. إنها ترجمتنا الإصطلاحية للمؤثرات التى تحدثها ذرات العسل فينا ..

وقد يكون لهذه المؤثرات بالنسبة للأعضاء الحسية فى حيوان آخر طعما مختلفا هو بالمرارة اشبه ..

فإذا جئنا للسؤال الثالث لنسأل أنفسنا .. هل الماء سائل ؟ وهل الجليد صلب ؟
فإن المشكلة تتضح أكبر ..

فالماء والبخار والجليد .. مادة كيميائية واحدة تركيبها الكيميائى (هيدروجين 2 : أوكسجين 1) وما بينها من إختلاف ليس اختلافا فى طبيعتها بل اختلافا فى كيفيتها ..

فعندما نضع الماء على النار فإننا نعطيه حرارة أو بمعنى آخر طاقة .. فتزداد حركة جزيئاته وبالتالى تتفرق نتيجة اندفاعها الشديد فى كل إتجاه ويكون نتيجة هذا التفرق أن تتفكك تماما وتتحول إلى جزيئات سابحة بعيدة عن بعضها (غاز) ..

فإذا فقدت هذه الحرارة الكامنة التى أخذتها عن طريق النار فإنها تعود فتبطىء من حركتها وتتقارب إلى بعضها حتى تصل فى لحظة إلى درجة من التقارب التى نترجمها بحواسنا على أنها حالة (سيولة) .. فإذا سحبنا منها حرارة وبردناها أكثر واكثر فإنها تبطىء أكثر واكثر وتتقارب أكثر حتى تصل إلى درجة من التقارب والتى تترجمها حواسنا إلى (صلابة) ..

الحالة الغازية والسائلة والصلبة هى ظواهر كيفية لحقيقة واحدة هى درجة تقارب الجزيئات من بعضها البعض لمادة واحدة هى (الماء) ..

وشفافية الماء وعتامة الثلج سببها أن جزيئات الماء متباعدة لدرجة تسمح لنا بالرؤية من خلالها ..
ولا يعنى هذا أن جزيئات الثلج متلاصقة وإنما هى متباعدة هى الأخرىو لكن بدرجة اقل .. وجزيئات كل المواد حتى الحديد مخلخلة ومنفصلة عن بعضها .. بل إن الجزىء نفسه مؤلف من ذرات منفصلة .. والذرات مؤلفة من إلكترونات وبروتونات هى الأخرى منفصلة ومخلخلة ومتباعدة تباعد الشمس عن كواكبها ..
كل المواد الصلبة عبارة عن خلاء منثورة فيه ذرات .. ولو أن حسّنا البصرىّ مكتمل لأمكننا أن نرى من خلال الجدران لأن نسيجها مخلخل كنسيج الغربال ..

ولو كنا نرى عن طريق اشعة إكس لا عن طريق النور العادى لرأينا بعضنا عبارة عن هياكل عظمية لأن أشعة إكس تخترق المسافات الجزيئية فى اللحم .. وتراه فى شفافية الزجاج ..

مرة أخرى رؤيتنا العاجزة هى التى ترى الجدران صماء .. وهى ليست صماء ..
بل هى مخلخلة اقصى درجات التخلخل .. ولكن وسائلنا المحدودة والاشعة التى نرى عن طريقها لا تنفذ فيها .. وإنما تنعكس على سطوحها وتبدو لنا وكأنها سدّ يقف فى طريق رؤيتنا ..



يُتبع ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس