شيء.. عبر لا شيء
============
'يبزغ الشيء
في الحلم، أو في الحقيقة
بعد غياب طويل'
أحمد عبدالمعطي حجازي: قصيدة 'الشيء'
من ديوان 'أشجار الأسمنت'
أيٌها المبدعونْ:
ها هوّ الشيء: يبدو
علي وجههِ
وكما ينبغي
لا كما تّدٌّعونْ!
فاحْبسوا الآن أنفاسّكمْ
وقِفوا مهْطِعين!
*****
أيها الناقدِونْ:
ها هو الشيء..
هذا الذي عنه * من زمني
* تبحثون..
فلا تجدونْ!
وإذا ما وجدتمْ
فسرعانّ ما تفقدونْ!
*****
ها هو الشيء:
يسطع كالشمس..
أو كالمنارِ..
احتّفوا بالنهارِ..
عساكمْ بهِ
تستطيعون إصلاح ما تفسِدونْ!
*****
ها هو الشيء يسطع..
فلتهرِعوا
قبل أن تّرجِعوا بالندامةِ
أو قبل أن تّبخّعوا *
بالملامةِ.. أنفسّكمْ
أسرِعوا أيها الجاحِدونْ!
*****
ها هو الشيء..
فّلْتركعوا الآنّ بين يديْه..
اجْمعوا شمْلّكمْ
وقّعوا ساجدينْ!
*****
* كلاٌّ..
لن تركعّ * مهما صارّ
ومهما سيصير *
بلا ثمني!
إنٌّا أقسّمْنا ألاٌّ نسجدّ..
إلا بين يدّيْ وثني!
نحن ولدِنا..
فوجدنا الآباءّ *
وهم الأجداد*
علي سّنّني
وكما كانّ الآباء *
أو الأجداد *
نكونْ!
*****
أيها العارِفونْ:
ليس من أحدي غيرِكمْ
خّبّر الشيءّ..
مهما تخٌّرصّ في شأنِهِ:
الواصفونْ!
*****
فّدعوهمْ * بما عندهم
يهرِفونْ
وأسِرٌوا إليٌّ بما قدْ كشفتمْ
وكيفّ اهتديْتمْ
لهذا الذي تكشِفونْ!
*****
فأنا سّأسِرٌ إليكمْ
بما دارّ عبْر الحِوارِ..
وأعلم أني:
أسِرٌ إلي معشري..
ينصفونْ
*****
فتعالّوا إليٌّ..
سأفضِي إليكم بأسرارِ ما دارّ..
كونوا علي أهْبةي
وّجِموا.. واجِفينْ!
*****
* ها نحن أتينا
باسمِ الشيءِ تلاقينا
ولدعوتِهِ لبٌّيْنا..
فتجمٌّعْنا
نحن سمِعنا وأطعْنا
وبأمرِ الشيءِ..
صّدّعْنا
فأّسِرٌّ بما شئتّ
إلينا
هاتِ..
فأمتِعْنا
إنا سنظلٌ علي ما نحن:
قريبِينّ إلي الشيءِ..
بعيدِينّ عن السٌّوْءِ..
ومنفرِدينّ
إلي يومِ الدينْ!
*****
لا شيءّ إلاٌّ وهو من شيءي
علي هذا اتفقنا..
ثم قلنا:
إننا لا نعرف الأشياءّ..
إلاٌ إن تأمٌّلنا الوشيجةّ..
ثم أدركْنا:
تّسلسلّها الصٌّحيحّ..
بحيث تستدعي المقدمة:
النتيجةّ..
نحن آمنٌّا بأن لا شيءّ
من لا شيءْ
*****
ثم اختلفنا..
حول كنْهِ الشيءِ..
فاستمرار إصرارِ العقولِ
علي النٌّفاذِ إليهِ
لا يفضِي إلي شيءي..!
*****
فليس يفيد..
إلا تركّه للمرْءِ
بين مماحّكاتي..
تنتهي بمسلٌّماتِ البّدْءِ..
عن ماهيٌّةِ الأشياءِ
أوشّيئيٌّةِ الشيءِ!
اتٌفقنا يا صديقي..
واخْتّلفنا
حولّ معني الشيءْ
يا صاحبي:
لا خيْرّ فيمنْ
ليس يعرف جهلّهأنا لست أعلم ما يكون الشيء..
أو ما كنْهه في ذاتهِ!
لكن أكاد أراه..
حتي دونما نظري
أكاد أذوق ملمّسّهبكفٌِي هاتِهِ!
وأكاد أسمع شكلّه!
*****
أنا يا صديقي
لست أدرِي ما الذي تعنيهِ
بالمعني!
ولكنٌِي أقول:
الشيء لا يّفنّي
ولا يأتِي من العدمِ..
*****
المعاني حيلة منٌّا
لِنبدوّ عارِفِينّ..
بما جّهِلْنا!
إنما في الشيءِ: شيء ما
خبِيء
وهو مضنون بِهِ
إلا علي من كانّ * حقٌا
* أهلّه
*****
ولقد نظنٌ الشيءّ:
لا معني لّهلكنه يبدو لنا
بصفاتِهِ
ويفيض بالمعني
علي ما حّوْلّهولربٌّ شيءي قد كسّا
بعباءةِ المعني
وجودّكّ كلٌّه!
فاذهبْ مباشرة إليهِ..
وإن يكن شكٌ لديْكّ..
فهاتِهِ!
*****
اذهبْ مباشرة إليهِ..
تجدْه * رغم ثباتِهِ
* متأهٌِبا يوحي بحكمتِهِ
ويفعل فعلّه!
*****
كم ذا أقّرٌّ بحكمةِ الشيءِ:
الحكيمالفيلسوف الحقٌ قدٌّرّ فضلّهفاذهبْ إليهِ.. ولا تسّلْ
عما وراءّ الشيءِ
أو ما بعدّه..
ما قبلّه!
الشيء:
لا شيء من الأشياءِ..
يمكن أن يحلٌّ محلٌّه
*****
هو قد يلوح لنظرةِ الرٌّاني:
كِيانا واحدا
لكنه جّمٌ المعانِي!
ربٌّ شيءي * واحدي
* هو عينهكم من أناسي أهمّلوه..
ومن أناسي قدٌسوه..
وألٌّهوا!
فتخاصّمّ الطٌّرفانِ..
وأتٌّهمّ اللبيبّ الأبلّه!
*****
يا ليتّنا ندنو قليلا..
كي نبادِلّه الحِوارّ
لعلٌّنا نفضِي إليهِ بحاجةي
ولعلٌّه!
*****
* حاورته يا سيٌِدي
من قبل..
يا ليتّ الزمانّ الأوٌّليٌّ..
يعود!
*****
إن الشيءّ أقربّ * كانّ
* من حبلِ الوريدِ إليٌّ..
كم جرٌّبت ملمسّه الطريٌّ
فردٌّنِي لطفولتي
فأخذت أسبح في شرودي
عكْسّ تيارِ الزمنْ!
*****
وجعلت ألعب من جديدي:
قطعة الصٌّلصالِ..
بين يديٌّ..
تقترح الحلوّل عليٌّ..
تمنّحنِي الشكولّ
لأستقرٌّ بها علي الشكلِ الحسّنْ!
*****
الشيء: ملمسّه الطريٌيرشٌني بندّي الطفولةِ
بالرٌّذاذِ الرٌّطبِ
حتي يستحمٌّ القلبمن درّني
ويغتسِلّ البدّنْ!
*****
من لي بملمسِهِ الخشِنْ!
لأعودّ: أمكرّ فِطرة
وأحدٌّ وعْيا بالظواهرِ..
في الكهولةِ..
مستشِفٌا من خلالِ الشيءِ:
ما سيكونمما كانّ..
أو مالم يكنْ!
*****
من لي بمن يقوي
علي إخراجِ هذا الشيءِ *
نصف! دقيقةي *
عن صمتِهِ
وله الثمنْ!
*****
* الشيء يصمت دائما
أبدا..
ولكن * يا صديقي
* ربما لو نحن أصغّيْنا
لصمتِ الشيءِ..
أسمّعّنا
الشيء:
لو أنٌّا أصّخْنا السمعّ..
قالّ..
ولو تحدٌّثّ مرة عن روْعِ ما يخفيهِ
أفزّعّنا!
*****
هو لو تكلٌّمّ بالحقيقةِ
هالّنا..
وأقّضٌّ مّضْجّعنا
فالشيء يعلم أنه
لو لم يلذْ بالصمتِ..
أوْجّعّنا
لكنْ لأنٌّ لكلٌِ شيءي حكمةّ
فالشيء حكمته الحياد..
فلا عليْنا الشيء..
لا مّعّنا!
*****
فلو انٌنا شِئنا الذٌّهابّ
إلي نِهاياتِ الجّحيمِ..
الشيء راحّ بنا
ولو خِفنا الهلاكّ..
الشيء أرجّعّنا!
*****
فلتقتربي يا صاحبي شيئّا
لتشهدّ معجزاتِ الشيءِ..
تعرفّ * من خلالِ الشيءِ
* نفسّكّ..
تدرِكّ الذٌّاتّ الخفيٌّةّ..
مستغلا:
لحظةّ الصمتِ الغنيٌّةّ
عندما يجري حوار
بين إنساني وشيءي
حيث نصحو فجأة
ونصيح ملْءّ حواسٌِنا:
ما كان أسرّعّنا
حين افتّقرْنا للرٌّويٌّةِ..
فاختزّلنا الشيءّ
في إحدّي السٌِماتِ!
الشيء مرآة الذواتِ..
إذا التّمسناه.. اكتشفنا أننا:
لم نكتشفْ شيئا فحسب..
بل اكتشفنا *
من خلالِ اللمسِ *
إِصبّعّنا!