عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-02-2009, 06:05 PM   #14
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة المشرقي الإسلامي مشاهدة مشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ والأب الغالي السيد عبد الرازق :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.وبعد،
أشكرك على ردك هذا وهذه عادتك دائمًا لا تهمل شيئًا مما تجود به أفكار أعضاء الخيمة الثقافية ..باركك الله . ربما لو رفعت صوت الجهاز أو سماعة الجهاز سمعتني لأني جربت ذلك ، وكما قال لي مصطفى يحبي لقد سمع الحديث كله .. عمومًا كان صوتي خفيضًا وبإذن الله أرفعه أكثر من ذلك .
الحديث عن تضليل الكتب الدارسية للأدب الجاهلي بالعبارة إنه كان أدبًا جزلاً اتسم بقوة الألفاظ وصعوبتها ورصانتها .
والرد أن ذلك أولاً : التعميم على إطلاقه خاطئ لأن شعرهم آنئذ كان مفهومًا كما نفهم نحن نزار قباني وفاروق جويدة ، ولا يجب أن نقيس شعر عصر على عصور تالية عليه لأن في ذلك ظلمًا وإجحافًا له .
فيجب قياس كل عصر وتسمية خصائصه وفقًا لظروفه هو وليس قياساً على العصر الحديث لا سيما أن الشعر الجاهلي كان يُلجأ إليه في تفسير القرآن الكريم .
ثانيًا : هناك أبيات في غاية السلاسة والسهولة للنابغة وامرئ القيس ، وعنترة، ولبيد بين ربيعةرضي الله عنه تحسبها كتبت في العصر الحديث ، كان ينبغي الإتيان بهذه الأبيات جنبًا إلى جنب حتى يأخذ القارئ الصورة بشكل إجمالي صحيح ..الأبيات التي ذكرتها سأوضحها لك فيما بعد لأنني الآن على عجلة من أمري وأستكمل لقائي بكم بعد 9 ساعات من الآن تقريبًا ....يرعاك الله
لابد أن نفهم أنه لا شيء يدعى قيمة مطلقة في الأدب والشعر ، فالقول بأن هناك جزالة مطلقة يعني أن اللغة حينئذ اتسمت بالجمود وعدم قدرتها لمواكبة العصر . الشعر الجاهلي كان مفهومًا للغاية بالنسبة لمعاصريه ،بل لمدة تربو عن نصف القرن بعد البعثة النبوية .
كذلك ينبغي الإشارة إلى أننا حين نحكم هذا المعيار فإننا نعني بشكل غير مباشر أن ما بعد العصر الجاهلي يمثل انحدار اللغة العربية وتشتتها بين القبائل ... وهذا هراء بطبيعة الحال ، لأن لكل عصر طبيعته التي من خلالها نشأت طرائق استخدام الألفاظ وتكوينها.. حتى العصر الجاهلي اقترض كلمات من الفارسية والرومية ككلمة استبرق ، بطاقة ،أرائك ، صحف .
إذًا هذه اللغة كانت لغة سلسلة ومفهومة للجمهور ،ولا يقصد من ذلك أنها يجب أن تنفذ حتى يفهمها شعراء القرن العشرين بالشكل الذي فهمها به شعراء الجاهلية لأن معنى ذلك أن العصر لا يتغير.
ونحن في عصرنا الحديث نرى شعر العباسيين صعبًا ، والعباسيون يرون شعر صدر الإسلام جزلاً ...إلخ.
الاختلاف في أن كلمة جزالة أعطت انطباعًا بالصعوبة المؤدية إلى الوعورة . والمناهج الدراسية لابد أن تقول إحقاقًا للحق أن شعر الجاهليين اتسم بالقوة والجزالة أو الرصانة بالنسبة للعصور التالية عليها وأنه كان مفهومًا ببساطة في ذلك العصر ، حتى لا يفهم الناشئة أن الجاهليين تعمدوا تشكيل اللغة بهذه الطريقة وأنه كنت أمامهم طرق أخرى لجعل القصيدة أسهل لكنهم تعمدوا الإشقاق .
ورغم ذلك كان في الشعر الجاهلي بعض الأبيات التي تدل على عبقرية الجاهليين وقدرتهم على طرح أفكار ورؤى تغاير عصورهم .. هذه الأبيات المفهومة ببساطة هي أكبر دليل على أن الجاهليين استخدموا اللغة على سليقتهم وأن المواقف والأحداث هي التي شكلت بناءهم اللغوي .
الأغبياء الذين وضعوا المناهج الدراسية تناولوا أبياتًا تقارب هذين البيتين للنابغة :
فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له
وانم القتود على عيرانه أجد ِ
من وحش وجرة موشى أكارعه
طاوي المسير كسيف الصيقل الفرد
ولم يدرسوا أبياته :
المرء يأمل أن يعيش وطول عيش قد يضُرُّهْ
تفنى بشاشته ويبقى بعد حلو العيشِ مُرُّهْ
وتخونه الأيام حتى لا يرى شيئاً يسرُّه
كم شامتٍ بي إن هلكتُ وقائلٍ للهِ درُّه

وهي قصيدة ذات طابع فلسفي نوعًا ما تغاير الطبيعة المباشرة للجاهليين في ذلك العصر.
امرؤ القيس درسوا أبياته :
مكر مفر مقبل مدبر معًا
كجلمود صخر حطه السيل من عل
كميت يزل اللبد عن حاله متنه
أو كما زلت الصفواء بالمتنزل
ولم يدرسوا أبياتًا له مثل :
ولو أنني أسعى لأدنى معيشة
لكفاني ولم أطلب قليلاً من المال
ولكنني أسعى لمجد مؤثل
وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

وهنا نجد امرءا لقيس قد طرح إشكالية المنفعة أو البرجماتية في مجتمع لا يرى المال فخرًا بقدر
ما يرى عدد الدماء المراقة في الحروب ، بمعنى أن العرب لم تقرن المجد بالمال وهو في هذين
البيتين خالفهم منذ قديم الأزل
وأبيات للبيد بن ربيعة رضي الله عنه على شاكلة :
زجلاً كأن نعاج توضح فوقها
وظباء وجرة عطفًا آرامها
فصوائق إن أيمنت فمظنة
فيها وحاف القهر أو طلخامها
دون أن يتم تدريس أبياته الواضحة للغاية على شاكلة :
وما المال والأهلون إلا ودائعًا
ولابد يومًا أن ترد الودائع
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه
يحول رمادًا بعد إذ هو ساطع

درسوا أبياتًا لعنترة على شاكلة :
خطارة غب السرى زيافة
تطس الإكام بوخد كف ميثم
وكأنما تطس الإكام عشية
بقريب بين المنسلين مصلم
دون دراسة أبياته السهلة :
إني امرؤ سمح الخليقة ماجد
لا أتبع النفس الجموح هواها
ولئن سألت بذاك عبلة خبّرت
ألا أريد من الحياة سواها

وأخيرًا للشاعر حطان بن المعلى البيتان الرائعان
وإنما أبناؤنا بيننا
أكبادنا تمشي على الأرض ِ
إن هبت الريح على بعضهم
لامتنعت جفوني عن الغمض ِ

إذًا لقد كان العرب على سجيتهم في الأشعار ، فالذي نراه صعبًا كان نتيجة مواقف الحروب
والتباهي بين القبائل و في نفس الوقت كانت لهم أبيات سهلة نفهمها في القرن الحديث
مما يدل على عبقرية التدرج في لغة الخطاب وفقًا للموقف ... وهذا ما أهمله الأغبياء الذين
الفوا كتب اللغة العربية .جل ما عملوه هو أنهم صنعوا فكرة مقززة عن التراث القديم ولم
يحسنوا التناول فيها ثم بعد ذلك أغمضوا الجفن عن أبيات الجاهليين التي ظلت على طول
العصور مفهومة رغم عوامل التاريخ وذلك يرجع كما أسلفت إلى الموقف النفسي . .
ولو أنهم ما عاشوا حروبًا لرأيناهم أربوا جمالاً على ما جاء به الأندلسيون .(أبالغ)
هذا في الوقت الذي تدرس فيه آداب اليونان على أنها رغم مرور ما يزيد عن عشرين قرنًا
عليها دررًا من الأد ب العالمي.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس