عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-02-2009, 02:51 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

التنظيم والانضباط


يقاس حُسن الانضباط، بمقدار سرعة الاستجابة، وجودة تنفيذها. فإن صدرت إشارة عصبية من الجهاز العصبي المركزي في جسم الإنسان للقدم اليسرى، مثلا، وطالبتها الإشارة بالابتعاد عن شوكة أو ركل كرة ولم تستجب تلك القدم، فإنها ببساطة تكون في حالة شلل أو أن الجهاز العصبي يعاني من خلل ما.

في الآلات كالسيارة مثلا، تختلف المهام التي تؤديها أجهزة السيارة، فهذه للحركة وهذه لفتح النوافذ وهذه للفرامل وهذه للإضاءة وهذه التدفئة الخ، قد تتحرك السيارة، وتنتقل من مكانها، لكن الفرامل لا تعمل جيدا، أو أن جهاز مسح الزجاج قد يتوقف فجأة، وإن خللا مثل ذلك قد يسبب حادثا خطيرا، لعدم ضبط الأجهزة وإعدادها بشكل دوري، لذلك تجري للطائرات والمصانع صيانة دورية تجعل من أجهزة المصنع أو الطائرة والسيارة في حالة من انضباطها.

في الحالة الإنسانية، يقاس تقدم الأمم على ضوء تقسيم العمل والمهام بين أفراد المجموعة (أسرة، نقابة، حزب، دولة الخ) وتضبط الحركة بين أقسام المجموعة وفق لوائح تحدد واجبات كل قسم وتوزيع المهام بين مسئولي ذلك القسم. فتكون مراتب الجيش بين (ضباط) لهم مهامهم المختلفة، من بينها الإشراف على رسم الخطط العسكرية، وتأمين التعبئة العامة والتوجيه المعنوي، والإمدادات والعلاجات الخ، وينضبط كل ضابط بما لديه من أفراد في إنجاز ما أوكل إليهم من مهام.

كما أن الدولة (بجانبها الحكومي) تقسم قطاعات العمل العام بسميات مختلفة، وزارات، مديريات، أقسام وشعب في المديريات، الخ.

من يُقسم المجتمع ويوزع المهام فيما بين أفراده؟

يكون الفرد في المجتمع مادة من مواد عدة اختصاصات، فهو فرد واجب الدفاع عنه عند الجيش والأمن العام، ويكون الفرد (نفر) عند وزارة التموين، يجب مراعاة تأمينه بالغذاء، ويكون الفرد مصدرا للقلق عند بعض الدوائر الأمنية فهو قد يكون ضحية لجريمة معينة وقد يكون صانعا للجريمة. لذلك تكون اللوائح التي تناقش الفرد كثيرة ومتنوعة، يحفظ أفراد الدائرة المعنية جانبا منها دون التدخل بما يحفظه غيرهم من أفراد الدوائر الأخرى. وحتى أفراد الصنف الواحد من دوائر الدولة يحفظون تعليمات محددة لا يحفظها أبناء الصنف نفسه الآخرون، فشرطي المرور يحفظ لوائح محددة غيرها عند شرطي الجوازات.

لكن هل على المواطن أن يحفظ كل القوانين التي سُنت من أجل تنظيم حركته؟ وكيف يكون ذلك والمشرعون أنفسهم ورجال الدولة (بوجهها الحكومي) تسهل مهمة الحفظ على أفرادها بتجزئة تلك القوانين وتوزيعها فيما بينهم؟

ممثليات الشعب وتنظيمها

لو كان لدينا دولة سكانها أربعون مليونا، وأردنا تشبيهها بشركة مساهمة عامة أسهمها أربعون مليون سهم. إنه يُستهجن على صاحب السهم الواحد (المواطن) أن يرفض السياسة القائمة عليها الشركة (الدولة) ويبرر عدم انضباطه بعدم الرضا عن تلك السياسة، إنه والحالة تلك سيجيز لغيره من مالكي الأسهم أن يكون لكل واحد منهم مبررا يجعله يتملص من الانضباط العام لأنه لم يقبل بسياسة الشركة (الدولة)، وعندها تعم الفوضى، أو أن تكون حالة القبول بفرض العقوبات تجاه غير المنضبطين.

حسنا، حتى لا يصبح التعامل مع المواطن كرقم من بين 40 مليون رقم، وصل العالم لما يسمى بالممثليات، فقد يكون أحد البنوك مساهما ب 5 مليون سهم، وعدم رضاه عن سياسة الشركة (الدولة) غيره عند المساهم بسهم واحد، فلذلك ستسترضي إدارة الشركة (البنك) صاحب الخمسة ملايين سهما، وتجعل له ممثلا أو أكثر في إدارة الشركة (الدولة) وستعيد صياغة لوائح الشركة وفقا لمطالبات البنك (الكتلة الاجتماعية أو السياسية).

سيقول أحدٌ: ولكن الأفراد فتحوا عيونهم ووجدوا قسيمة اشتراكهم بسهم كل واحد فيهم بين أيديهم، فلم يستشاروا في إنشاء تلك الشركة ولم يشتركوا في صياغة لوائحها الداخلية، هل أصبح قدرهم أن يتعايشوا مع تلك الشركة (الدولة) كما هي دون تغيير؟

استحداث الممثليات

كل مواطن له أكثر من تعريف فيما يخص هويته بأقسامها المختلفة، فهو عضو في أسرة وهو عضو في عشيرة وهو عضو في حي وهو عضو في مدينة وهو عضو في مهنة وهو عضو في جماعة دينية أو عرقية أو سياسية، فليختر أي موقع من مواقع عضويته، تكون إبداعاته فيها أكثر.

تكره الكثير من الحكومات في دول العالم الثالث أن تتواجد في ساحات عملها ممثليات ترصد أخطاءها وتتعبها في بث خطابها (الأيديولوجي : الدعائي) والتي تنظر له الدولة على أساس أنه خطر يهدد وجود النظام، لذلك تباشر منذ البداية بمنع تأسيس مثل تلك التنظيمات، وتعد خطابا دعائيا مضادا تتهم فيه المطالبين بتأسيس مثل تلك التنظيمات بأنهم يرتبطون خارجيا بأعداء الدولة، أو أن ذلك التنظيم مخالف للشريعة أو مخالف للأخلاق الخ. وتدخل في قوانينها ولوائحها فقرات تجيز لها أن تزج بهؤلاء المطالبين بالسجون.

وأحيانا، تقبل الدولة (بوجهها الحكومي) تأسيس مثل تلك التنظيمات، إما استجابة لدعوات في الخارج، أو تحايلا منها لكسر حدة الحراك الداخلي، ولكنها تكبل حركة تلك التنظيمات باشتراط موافقة الحاكم الإداري، أو ملاحقة المتجاوبين من المبتدئين في الانخراط بتلك المنظمات، وتربط إعطاءها شهادات (حسن سلوك) لمواطنيها بعلاقاتهم بتلك المنظمات، فيفضل المواطن الابتعاد عن تلك التنظيمات ليبتعد عن (وجع الرأس).

في حين، تسعى الدول المتقدمة لتشجيع مثل تلك التنظيمات، وتدعمها ماليا، وتسمح لها بالتعبير عن آراءها، لأنها تساعدها في كشف حالات الفساد التي تأكل اقتصاد البلاد، وتشحذ همم القائمين على الدولة (بوجهها الحكومي) على أن يتحروا الدقة لأنهم سيكونون عرضة لانتقاد تلك الجيوش من الأفراد المنخرطة في تلك التنظيمات والتي تتنوع مهامها بين مراقبة البيئة والصحة والعلاقات الخارجية وحقوق الإنسان الخ.

يتبع في هذا الباب
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس