23-02-2009, 05:35 PM
|
#26
|
|
قـوس المـطر
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
|
إسلام خالد
"ما من ليلةٍ يُهدى إلى فيها عروسٌ أنا لها مُحب ، أو أُبشّر بغلام ، أحبُ إلىّ من ليلة شديدة البرد كثيرة الجليد فى سريّة أصبّح بها العدوّ"
إلى هذا الحد يبلغ عشق خالد للجهاد ؟ّ
التاريخ يحكى لنا عن عظماء وُلدوا لتحقيق غاية بعينها كأنهم لم يولدوا سوى لهذا الهدف تحديدا .. كما كان لخالد مقدرا أن يحمل راية الحرب ضد المسلمين فقد آن له الأوان أن يحملها دفاعا عن الإسلام ، إن التاريخ الآن على مقربة من حدث خطير ولا نبالغ إذ نقول أن هذا الحدث على وشك تغيير مجرى التاريخ ومن أوسع ابوابه .. إسلام خالد ..
وُقّعت معاهدة الحديبية فى أوائل نيسان عام 628 م ولم يكن فى حسبان النبىّ توقيع هذه المعاهدة حين توجه من المدينة إلى مكة لقضاء العمرة ومعه من المسلمين 1400 وعد كبير من المواشى للتضحية ..
على أية حال خشى القرشيون أن يكون المسلمون قادمين لقتالهم فى عقر دارهم خاصة وقد اصبح زمام المبادرة الآن فى أيدى المسلمين .. ونتيجة لذلك خرج القرشيون من مكة وتحشدوا فى معسكر قريب وأُرسل خالد إلى الأمام على رأس 300 فارس وسار على الطريق المؤدية إلى المدينة لاعتراض جيش المسلمين ، ووصل إلى "كراع الغميم" ووضع قوته فى ممر لإغلاق الطريق أمام المسلمين فى هذه المنطقة الجبلية .

وعندما وصل المسلمون إلى عسفان ، كانت تتقدمهم مفرزة من 20 فارسا لمهمة الإستطلاع ، واصطدمت هذه المفرزة بقوة خالد فى كراع الغميم وأعلمت النبى الموجود فى عسفان عن موقع خالد وقوته .
قرر النبىّ ألا يضيع وقتا فى القتال وكان حريصا على تجنب سفك الدماء وأداء العمرة فحسب .. أمر النبى فرقة الإستطلاع الصغيرة بالبقاء على تماس مع خالد وجذب إنتباهه لها فى حين حرّك جيشه من اليمين سالكا دروب ضيقة فى منطقة جبلية ليست بعيدة عن الساحل وكان المسير شاقا لكنه تحقق بنجاح وأمكن تفادى موقع خالد .. وعندما شاهد خالد غبار رتل المسلمين من مسافة بعيدة أدرك ما حدث وأسرع بالإنسحاب إلى مكة وتابع المسلمون مسيرهم حتى وصلوا إلى الحديبية وأقاموا معسكرهم هناك .
وبعد أن تيقن القرشيون أن المسلمين لم يأتوا لقتال تم توقيع معاهدة الحديبية ونتيجة للبند الخامس فيها إنضمت خزاعة لحلف النبى فى حين انضمت بنو بكر لقريش وكانت هاتان القبيلتان فى عداء مستمر ونزاع مستحكم منذ الجاهلية .
بعد مضى بعض الوقت ، حدث تغير فى فكر خالد .. ففى البدء كان يفكر بشكل رئيسى فى الأمور العسكرية ولما كان يعرف مقدار إمكانياته وتفوقه العسكرى ، كان النصر يفلت منه دائما بشكل أو بآخر .. ففى غزوة أحد إستطاع المسلمون أن يتجنبوا هزيمة كبيرة على الرغم من مناورته البارعة وقد أعجبه تراتيب القتال التى نظمها النبىّ وبالطريقة التى قاد فيها المعركة ضد القرشيين رغم تفوقهم عليه عدديا .. كذلك ابتعد النصر عنه فى الخندق رغم القوة الهائلة التى جمعها القرشيون وأخيرا فى الحديبية حين تفوق النبىّ على خالد فى خداعه بقوة إستطلاع المسلمين التى شغلته عن القوة الرئيسية ، كان خالد يفكر فى هذا الرجل ولم يستطع أن يخفى إعجابه بالصفات التى يتحلى بها ..
الحرب فى عقيدة خالد مغامرة لها طعم خاص ، تماما كعشاق الخطر والأدرينالين فهم يشعرون فيه بالحياة .. بات واضحا أنه يشتاق إلى هذا الدين الجديد خاصة أن الأخبار تتوارد إليه عن حملات المسلمين الناجحة والفرق الصغيرة المنتشرة هنا وهناك تحقق نجاحا تلو الآخر ..
وبين غزوة أحد والحديبية قام المسلمون بثمانية وعشرين حملة كلها ناجحة واشهرها خيبر ..
لم يكن خالد يكره الإسلام كراهية عتاة الكفر فى قريش له .. فقد وجد نفسه ملزما بالدفاع عن قريش وعقيدتها وهو حامل لواء بنى مخزوم ومخزوم كما قلنا نواة جيش قريش ..
والأهم ، بات واضحا من وجهة نظره العسكرية أن قضية قريش خاسرة .. فالمسلمون فى إزدياد وصلابة يوما بعد يوم .. وقريش اكثر ضعفا بمرور الوقت .. ومن أهم سمات القائد الناجح ألا يحارب معركة هو موقن بخسارتها ولهذا الأسلوب تحديدا نجاح وبراعة فى تكتيك خالد العسكرى .. فقرار الإنسحاب قد يكون أكثر خطورة وجرأة من قرار الحرب ..
وكان القرار الخطير .. إسلام خالد ..
كان أول المعترضين وبشدة هو صديق الطفولة عكرمة بن أبى جهل .. ولكن عقل خالد يختلف تماما عن عقول قريش ، فقد كان لخالد "فكر متفتح" .. تتصارع الافكار فى عقله بحثا عن الحقيقة لكنه لا يوأدها كلها إنتصارا لفكرة واحدة كما فعل سادة قريش ..
يقول العقاد فى كتابه "عبقرية خالد" :
كان إسلام خالد ضربا من التسليم ..
كان ضربا من التسليم بمعناه العسكرى المصطلح عليه فى عرف القادة ورجال الحرب ..
لأنه أسلم أو سلم تسليم القائد البصير بحركة القتال بين المد والجزر والنصر والهزيمة ، الخبير بموضع الاقدام وموضع الإحجام ، المقاتل والقتال شجاعة ، المسالم والسلم ضرورة لا محيص عنها ..
ولم يكن تسليمه تسليم العاجز ولا المتخاذل بل لعله بلغ من نفسه غاية الثقة حين اسلم ، كأنه آمن بالله لأنه علم من ذات نفسه أنه لن يغلبه إلا الله وكأنه قال فى قرارة نفسه :
أيهزمنى أحد وليس له مدد من النبوة ؟ أيعلو سيف على سيفى وليس له سر من السماء ؟
فبلغ نهاية الإيمان بنفسه يوم بلغ بداية الإيمان بالله ..
لم يكن إسلام خالد وليد اللحظة بل قرار أثرت فيه الأحداث من حوله ليجد نفسه أخيرا فى معسكر الإسلام .. وكأن هذا القرار كان فى مخيلته ومحل تفكيره منذ أيام الإسلام الأولى ..
حين انقسم بيت المغيرة بين معسكر الجاهلية ومعسكر الإسلام وأصبح فى معسكر الإسلام أخوان حبيبان إلى خالد هما الوليد وهشام ..
وحين أصغى ابوه إلى القرآن فحدث آل بيته عنه ذلك الحديث الذى أرابهم وأشجاهم .. فأوشك أن ينطق برسالة السماء إلا أن تراجع عنه واصفا دعوة محمد بالسحر الذى يفرق بين الرجل وزوجه وبنيه وبين السيد ومولاه ..
وحين شهد خالد سكينة المسلمين فى الحديبية وهم قائمون للصلاة .. وهجس فى خاطره أن يغير عليهم فصدته عنهم رهبة الصلاة ونخوة الفارس المحجم عن الغدر والغيلة وسرى فى روعه أن لمحمد لسرا وأن الرجل ممنوع ..
مات الشيوخ الذين كانوا يخيمون بوقارهم وعقولهم على العقول وتهيأ الجو للسؤال :
فيم هذا العداء والنضال ؟ أمن أجل الكعبة ومحمد يرعاها ويحترم جوارها ويحج إليها ؟ أم من اجل العصبية والقومية وشرف محمد شرف العرب أجمعين ؟ أم من أجل الكرامة ومحمد يصون للعزيز كرامته ويعرف للحسيب قدره ؟
ومن اين لمحمد ذلك النصر المبين بعد النصر المبين ؟
ومن اين له ذلك العون الذى يدركه وقد احاطت به الهزيمة من كل فج فإذا هو ناصل منها وإذا هو الطارد الظافر وقد خيل إليهم أنه الطريد المخذول ؟
ومن أين للمسلمين ذلك الأدب وذلك الخشوع .. ومن اين للنبى بينهم ذلك السلطان الصادع والصوت المسموع ؟
حانت الساعة لوزن الأمور إذا .. وإذا بذات التفكير يشغل عقل رجلين هما عبقريا قريش ..
خالد بن الوليد وعمرو بن العاص ..
وتلك رسالة له من أخيه الوليد يقول فيها :
"... أما بعد .. فإنى لم ار أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام ، وعقلك عقلك ، ومثل الإسلام ما يجهله احد ؟ ..."
ثم مضى يقول :"سألنى رسول الله عنك فقال : أين خالد ؟ فقلت : يأتى به الله .. فقال : ما مثل خالد يجهل الإسلام ، ولو كان جعل نكايته وحده مع المسلمين على المشركين لكان خيرا له ولقدمناه على غيره"
تلك كانت الدعوة التى جاءت فى أوانها ..
وكان إسلام خالد هو الجواب ..
|
|
|