15-الطريق إلى رُوما
توطئةٌ :
وَعْدَ تحدثنا به كتب الصحاحْ
الفَجْرُ فى الآفاق متقٌدُ الوشاحْ
وبقلبِ ” روما ” سَوْفَ تصهل خيلُنا
وبقلبِ ” روما ” سَوْفَ تحملُنا البِطاحْ
وَعْد ” سراييفو ” ستكتُبه …
ليمتدَّ المدى نُوراً ، ويمتدٌ الصباحْ
وَعْدٌ لنا … أنا سنفتحها …
سندخل قَلبها ، وسنلتقى فى كل ساحْ
ونقيمُ فى أرجائها منْ هَدْى مصحفنا
دعائمَ للهدايةِ والصَّلاحْ
(1)
…” وزينبُ ” تعرف وِجْهَتهَا
وتعرف أن الطريقَ طويلْ
وتعرف أن الأسى والتوحُّشَ …
والضَرْبَ فى طرقاتِ المدى المستحيلْ
رداءٌ لها فوقَ هذى الخيولْ
( الخيول التى يشهَق الجمرُ فى جَوْفها
وتعيد كتابةَ أيامها باللظى … والصهيلْ )
…و ” زينبُ ” تعرف وجهتها ،
والمدى حالمٌ فى رؤاها ، …
المدى حالمٌ والزمان القتيل
و”زينب”تعرف وجهتها
هلْ لها أن تهاجرِ فى وَحْشَةِ الدربِ … ؟
تكتب فوق المفازاتِ أحلامها …؟
وتؤمُّ السرابَ الجميلْ ؟
هلْ لها أنْ تعاوِد إيقاظ فرسانها
بين هذى الطلولْ ؟
هل لها
وَهْى تدخل فى ساحة الموتِ … ؟
أن تشترى وَجْهها …
من أيادى القراصنةِ المستبدَّينَ …
بالصُبْح فوق ثراها الظليلْ ؟
هلْ لها … والليالى تعاوِدها بالتشرُّدِ
تقتل أبناءَها …
وتحاصرِ فيها الحدائق بالنارِ …
تَمْحو من الكونِ رسماً لها ؟
هل لها أن تبوحَ
بكل الذى فى الفؤادِ العليلْ
(2)
آهِ … يا زينبُ المستبدَّةُ بالقلبِ …
( قلبى الذى تتغشاهُ هذى الرزايا
وهذى الفُصول )
آهِ … يا زينبُ المستبدَّةُ بالروحِ …
( روحى التى أثقلتْها المساءاتُ بالحزنِ …
إذ تشتهى أن تطولْ )
آهِ … يا زينبُ المستريحةُ مِنْ زَمَنٍ …
فى مروج النخيلْ
لستُ أعرفُ من أين جئتِ بكل الذى
فى الفؤادِ من الوَجْدِ … ؟
من أين جئتِ بكل الذى
فى البكاءِ من السُهْدِ … ؟
من أين جئت ِ بكل الذى فى الحنينِ …
من الودَّ ؟
من أينَ جئت بهذا الغرامِ النبيلْ ؟
آهِ … يا زينبُ المستبدةُ بى
هلْ ترى تستبدين بى مرةَّ واحدَه
أمْ ترانىَ انتظر المستحيلْ ؟
(3)
هى الأرضُ …
تعرفُ منْ قتلوا الوردَ فى وَجْهِها
والحدائقْ
هى الأرضُ …
تعرفُ مَنْ يشْنُقُونَ ابتهال المواسم فيها
وتعرف من أشعلوا فى ذراها الحرائقْ
هى الأرضُ …
لا قطرةُ الماءِ جفَّتْ بها
ولا صَوَّحتْ فى ربُاها الزنابِقْ
هى الأرضُ …
فتح الجدودِ على خدَّها …
مشرقٌ كالحقاقْ
هى الأرضُ نورّ مسابِقْ
هى الأرضُ نورٌ ونارٌ …
وميعادُ فَجرٍٍ مسابِقْ
هى الأرضُ … وَجْهى وروحى …
وقيثار حرفى الذى لا يُنافِقْ
هى الأرضُ … والمسْجِدُ المترامى
- الترابُ الطهورُ -
وصَوْتُ المآذنُ …
والريحُ تَصْفُر فى كل شَاهِقْ
هى الأرضُ … عِرضى …
وعمرى الذى حاصرتْهُ المطارِقْ
وصَوْتٌ لهذا المدى المتسربلِ بالدمَ …
فى كل باكٍ وعاشِقْ
هى الأرضُ …
وَهْى دماى التى باركتْها الفتوحْ
وزَفَّتْ إليها الخيول التى …
طهَّرتْها الرقائِقْ
هى الأرضُ … نورٌ من الله يزهو بأبهائها
وبأحنائها …
وبكل المغاربِ فيها … وكل المشارقِ
هى الأرضُ … نسكنُها وَهْى تسكننا …
وتمدُّ البسائط فى جوفنا …
وترصُّ النمارِقْ
نستريحُ … إليها …
ولا تستريح إلى غَيْرنا …
عَرَفتَنْا زماناً وما عَشِقَتْ غَيْرنا
رَفَعَتْنا عن الدنس النرجسىَّ …
وطارتْ بنا نحو أسمى العلائِقْ
هى الأرضُ …
فيها أخى … وصغيرتُهُ …
والجديلةُ – ذيل الحصانِ – على ظَهرْها
ذكرَّتْنى بأمى التى غيبَّتها الجراحات …
فى جوفها فى زمانِ التراشُقْ
ذكرَتْنى بأمى التى ترقب الآن وجهى
وتمسحُ عَنْ جبهتى حُزْنى الأخرسَ …
المشرئبَّ – كألسنةٍ من لهيبٍ بصدرى –
- وسَوْسنةٍ مِنْ وجيبٍ بروحى -
- التى عَذَّبَتْها المشانِقْ -
هى الأرضُ …
إرثى … ومن باعَ إرث الجدودِ …
فلابَد يوماً يبيع الطفولةَ …
لا يحتفى بالوليدِ …
ولا يحتفى بالحفيدِ …
ولا يحتفى بالعقيدةِ …
يسكُبها فى ضلوعِ الصغارِ = الشقائِقْ
هى الأرضُ …
” زينبُ ” حين يخالجها وَجْهُ أبنائها …
فى شعاب الحياةِ …
فتشهقُ فى وجنتيها الدقائِقْ
هى الأرضُ …
يا أيها العِرضُ …
يا أيها الرفضُ …
يا أيها الثَمَرُ الغضُّ … في مهجتى
هلْ يجئُ زمانٌ …
نحاول فيه التردّى من القاعِ …
يقذفنا القاعُ نحو السَوَامِقْ
هى الأرضُ …
وَهْى الجِنانُ …
وهذا الزمانُ الأبىُّ …
الذى يصهل الآنَ فى قلبِ ” روما ”
ويملؤها بالفيالقْ
هى الأرضُ
نرسمها فى كراريسنا …
حين كنا على مَقْعَدٍ الدرسِ …
نُنْشِدُها … ونغنى لها …
خالداتِ اللآلى … فى الأمسياتِ السوابقْ
هى الأرضُ …
هذا اللظى … والجَنَى … والندى
والمروج التى تعرف القادمين إليها
على متن هذا الغبارِ الكثيفِ …
ومن فوق هذى السوابقُ
هى الأرضُ … يعرفها الصالحونَ وتعرفُهم
هى الأرضُ يعشقها الفاتحونَ وتعشقهم
وتبوح لهمْ بالذى فى الفؤادِ مِن الوَجْدِ …
حين تعاودهم – وتعاوِدها –
غَمَراتُ الأسى …
وتحاصِرُهم
– وتحاصرِها – ضائقاتُ البوائقْ
(4)
دمى يتسربُ … فى الأرضِ …
يُعْلن عشق الورودْ
و” زينبُ ” تعرفنى حين يهطل هذا الدمُ …
المستهامُ الفريدْ
دمى يتسربُ فى الأرضِ…
يغذو عناقيدَها ، ويزفُّ القصيدْ
و ” زينب ” … تبصرِنى …
حين مرَّ الشهيدُ على جَفْنها …
فى صلاة التهجُّد عِنْد السُجُودْ
دمى يتسرَّبُ فى الأرضِ …
يكتب بعض الحروفِ التى …
سَوْف يطلع مِنها الربيع الوليدْ
و ” زينبُ ” تهتف بى … أن : تقدَّمْ
دماؤك عنقودُ ضَوْءٍ …
وذكرى صلاةٍ ، وخفق سُجُود
دماؤكَ …
لا يعرف الخانعُون بأن الذى …
أَهْرقُوهُ سيطلع مِنْ كل صَوْبٍ …
ويُزْهِرُ فى كل عيدْ
دماؤك …
لا يعرف الميتونَ بأن الحياةَ …
التى غرسوا – حينما قتلوكَ –
ستقتلهمْ
وترصُّ الأزاهرِ مِنْ فوقِ شاهدةِ القَبْرِ
قَبْرِكَ هذا الذى فيه نَفْحَةُ مسكٍ …
وَرَيَّا شهيدْ
و “زينب ” تهتفُ بى أنْ : هلمَّ …
على ساحة النورِ للحقَّ خَطْوٌ …
وللفَجْرِ أنْشُودَةُ تُسْتَعَادُ …
وأنت الذى سيعيدْ
وأنت الذى سيعيدُ … إلى الأرضِ …
فرحتها
حينما يلتقى ذا الشَجَى بالشَجَى
والغريبُ المصفَّدُ فى قَيْدِهِ …
بانفساحَِ الوُجُودْ
جناحكَ … طِرْبهما حيث شِئْتَ …
ورفرفْ كما شِئْتَ …
ها أنتَ حُرٌ … وها همْ عبيدْ
و ” زينبُ ” تهتفُ بى :
إنّ روما التى عَشَقَتْكَ …
تظلُّ على لهفِ الانتظارِ …
فتطفُر فى مقلتيها الدموعُ …
ويصهلُ فى وَجْنَتَيْها النشيدْ
وروما التى عَشَقَتْكَ …
ترفرفُ فى شَفَتَيْها النبوءَةُ …
تعرفُ أنك فارِسهُا المرتجى …
وفتاها المجيدْ
وروما التى عشقتْكَ …
على صَدْرِها يرقُدُ الطيرُ …
فى شوقهِ السرمدىّ الودودْ
على صَدْرها يتوهَّج عِطْرٌ
أعَدَّتْهُ مِن ْزمنٍ …
خبَّأتْهُ بصندوقها للحبيب الوحيد
* * *
هى فى انتظارك … واللهيبُ بصَدْرِها
حُرقٌ … ، وفى العينينِ يطفُر نُورُ
عَشَقتْكَ منذ تَسَمَّعَتْ فى الأرضِ …
خطوكَ فَرَّ مِنْهُ الظلمُ والديَجورُ
ورأتْكَ تفتتح المدائنَ فارتدتْ
حُلاً أعَدَّتْ وَشَيْهُنَّ الحُورُ
هى فى انتظااركَ … شرفةُ التاريخِ فى
لهف إليكَ وَوَجْهها المأسورُ
هى فى انتظاركَ ، والطريقُ لقصرها
وَحْشٌ وثعبانٌ يَصئُ وجُورُ
حيناً ترفرفُ حَولْ “مكة ” روحُها
ويرقَّ فى أحْشائها البلَورُ
حيناً تسافِرُ فَوْق مَتْن أنينها
للقدسِ … يَجأَرُ فى سُراها النورُ
وإلى المدينة شَجْوُها وحَنينها