عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 11-03-2009, 10:01 PM   #1
سيدي حرازم يطرونس
المشرف العام
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
الإقامة: SDF
المشاركات: 1,056
إفتراضي الـفــقــه... كمـا ينبغـي أن يكون ©

يرى ابن رشد أن أسباب هذا التقهقر الفقهي والتخلف العقدي والانغلاق الرجعي راجع إلى أسباب عديدة..

ــ غياب المقاصد الشرعية في فكر مختلف "الفرق الاسلامية التي ضلت وأضلت"، حيث "حدثت فرق ضالة وأصناف مختلفة كل واحد منها يرى أنه على الشريعة الأولى، وأن من خالفه إما مبتدع أو كافر أو مستباح الدم والمال، وهذا كله عدول عن مقصد الشارع صلى الله عليه وسلم، وسببه ما عرض لهم من الضلال عن فهم مقاصد الشريعة".
ونجد أن ابن رشد بسط القول في كتابه الكشف عن مناهج الأدلة محذرا من هذا الطريق.

ــ غياب الإجتهاد، وذلك لأن ابن رشد عندما يتفحص الواقع الديني في بعده الفقهي يجد أن "ههنا طائفة تشبه العوام من جهة والمجتهدين من جهة، وهم المسمون في زماننا بالفقهاء"، وإذ يتتبع أحوال هؤلاء يجد أن الظاهر "من أمرهم أن مرتبتهم مرتبة العوام، وأنهم مقلدون" وأنه إذا كان هناك من فرق بينهم وبين العوام فهو أنهم يحفظون الآراء التي للمجتهدين فيخبرون عنها العوام، ويصنف ابن رشد هؤلاء إلى مجرد مقلدين وناقلين عن غيرهم، ولا يخفى أن عملا كهذا يفضي حتما إلى غياب أكثر الاحكام بغياب الاجتهاد القائم على شروطه، لأنه لو كان يكفي في ذلك أن يكونوا ناقلين عن مجتهد غلب على ظنهم إصابته، ويتحرى ذلك خلفهم عن سلفهم في النقل، حتى يكون القائمون بفرض الإجتهاد غير موجودين في زماننا هذا مثلا، لتعطل الاجتهاد الذي هو فرض من فروض الكفايات وتعطلت أكثر الأحكام، ومن جهة أخرى "فإن النوازل الواقعة غير متناهية وليس يمكن نقل قول عمن سلف من المجتهدين في نازلة نازلة فإن ذلك ممتنع"، ولذلك فقد ألف ابن رشد كتابه بداية المجتهد لتكون مثالا في الاجتهاد وطريقا معبدة لتأهيل المجتهدين.
وهكذا فمن جهة الشريعة نجد ابن رشد يسعى إلى صناعة المجتهد حيث يصرح : "أن هذا الكتاب إنما وضعناه ليبلغ به المجتهد في هذه الصناعة مرتبة الاجتهاد"، بمعنى دلالة الأمة وبخاصة المجتهدين أو من هم في طور الاجتهاد على الطريق السوي الذي من شأنه أن يجعل الأمة قادرة على صناعة مجتهديها الذين باستطاعتهم تبين مصالح الأمة من الكتاب والسنة، ومما راكمه المجتهدون ومما هو خارج عن كل ذلك مما يسمى بالمصالح المرسلة المستمدة من مستجدات الواقع.


ــ غياب الوحدة والبرهان، وفرض التأويلات العقدية : هذا من جهة العقيدة، حيث يلاحظ أن وحدة الأمة في عقيدتها، وهذا ما شغل تفكيره أكثر في كتابه فصل المقال، متلمسا أوجه الإتصال بين الشريعة والحكمة ليرفع ذلك الوهم الذي من أجله "صار الناس فرقتين، فرقة انتدبت لذم الحكماء والحكمة، وفرقة انتدبت لتأويل الشرع وروم صرفه إلى الحكمة"، فيرى أن "أصول الشريعة إذا تؤملت وجدت أشد مطابقة للحكمة مما أول فيها، وأما الرأي الذي ظن في الحكمة أنه مخالف للشريعة، فإنه يعرف أن السبب في ذلك أنه لم يحط علما بالحكمة ولا بالشريعة، وينتقد ابن رشد أصحاب التأويلات المختلفة بقوله : "ما أبعد من مقصد الشرع من قال فيما ليس بمتشابه إنه متشابه، ثم إنه أوّلَ ذلك المتشابه بزعمه، وقال لجميع الناس إن فرضكم هو اعتقاد هذا التأويل".

ــ غياب التمييز، بالخلط بين المعرفة الفقهية في بعدها الكلي وبين المعرفة التي تعطي القوانين والأحوال التي تسدد الذهن نحو الصواب، الخلط بين ما هو متفق عليه كالكتاب والسنة والاجماع، وبين ما هو مختلف فيه كقول الصحابي وشرع من قبلنا والاستصحاب والاستحسان والاستصلاح وسد الذرائع.. وقد تطرق ابن رشد لهذه النقطة بالتفصيل في كتابه الضروري في أصول الفقه، وكذلك في الكشف عن مناهج الادلة.
كما أنه من جهة مادة أصول الفقه التي تعطي القوانين فإن هذه المادة كانت في "نسبتها إلى الذهن كنسبة البركار والمسطرة إلى الحس فيما لا يومن أن يغلط فيه" مادام لنا في الشرع ظاهر وباطن، و"الظاهر هو تلك الامثال المضروبة لتلك المعاني، والباطن هو تلك المعاني التي لا تنجلي إلا لأهل البرهان"، وأما "سبب ورود الظاهر والباطن فهو اختلاف نظر الناس وتباين قرائحهم في التصديق"، ففيهم البرهانيون، وفيهم الجدليون، وفيهم الخطابيون.. ومن ثم كان الظاهر فيه فرض الجمهور والباطن فرض العلماء. وإذا كان العمل الفقهي الاجتهادي يقوم في أكثر المسائل على الترجيح بفكر متميز بين الأقوال فإن ابن رشد هنا نجده يفضل أن يرمي المجتهد بكل الاجتهادات الفقهية جانبا متى ما بدا له ضعفها ليستقل باجتهادات إن لم تبلغ مرتبة القطع فهي تكاد.


وفي الأخير أترك لكم روابط هذه الكتب لمن أراد الإطلاع عليها، وإلا فالمكتبات تقدم النسخة الورقية لمن كان يتغيى مصلحة الأمة وحملته الغيرة للانتداب للدفاع عن هذا الدين ضد الهجمات الشرسة التي يشنها أنصار الانغلاق والتخلف والرجعية.

السلام عليكم.

للتحميل :
الكشف عن مناهج الأدلة
فصل المقــال
بداية المجتهد
الضروري في أصول الفقه
__________________
"Noble sois de la montaña no lo pongais en olvido"

آخر تعديل بواسطة جمال الشرباتي ، 13-03-2009 الساعة 04:00 AM.
سيدي حرازم يطرونس غير متصل