عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-03-2009, 06:52 PM   #9
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

المحاضرة الرابعة

الضمير

يحاول المؤلف في بداية محاضرته هذه، التذكير بأن الهدف الرئيسي من تلك المحاضرات، هو تبسيط مفهومي الخير والواجب. يضع هذا الفيلسوف (ثنائيات) نواجهها يوميا في حياتنا الوجدانية، تكون ثنائياتها محيرة، وقد تكون متناقضة في نفس الوقت.

(1)

مصادر الأخلاق التقليدية عند البشر، مصادرها متعددة، منها: ما هو آتٍ من الديانات، ومنها ما هو آت من تراكم تراث أمة، من خلال قيمها وأعرافها وأمثالها وحِكَمِها. وليس بالضرورة أن تكون تلك المصادر متوافقة عند كل الأمم بقومياتها ودياناتها ومذاهبها، بل قد نجد أن أخلاق شعب يدين بديانة معينة تفرض عليه السلوك غير الودود وغير الأخلاقي تجاه شعب معين.

وقد نجد في تراث شعب وقيمه ما هو متناقض فيما بين عناصر ذلك التراث. (كن عادلا، ورحيما في نفس الوقت!) و (كن كريما، ولكن لا تنس حقوقك!) و (عِش من أجل الآخرين، ولكن حافظ على كرامتك وابحث عن حقوقك!) و (كن محبا للإنسانية ولكن لا تقبل الإهانة، ومستعدا لمحاربة أعداء وطنك!) و (لا تفكر في الغد كثيرا، ولكن عليك بالادخار للمستقبل!) و (اعتنِ بمصلحتك لأقصى درجة، ولكن كن مستعدا للتضحية بها!) و (أنكر ذاتك، ولكن لا تصل الى المرحلة التي يذكرك الآخرون بأنك نسيت نفسك!) و (كن معتدلا في كل شيء، ولكن لا اعتدال في الدفاع عن الحق!).

يحاول المؤلف تقديم تفسير (تصالحي) لتلك التناقضات، فيعيدها الى تقدير الفرد وفهمه لموضوع (الولاء للولاء). ويضرب بعض الأمثلة: فيقول في حالة توجيه شخص مهموم أو مخطئ، فإن الموجه قد يقدم نصائح أخلاقية (لا يلتزم بها هو شخصيا)، ولكن بمجرد أن تقفز تلك النصائح الأخلاقية فإنه يعني أن سيادتها على توجيه دفة الأخلاق لا يزال يعمل بشكل جيد.

ثم يضرب مثلا آخرا: أنه في حالة تقديم المساعدة لشخص ما لتحقيق السعادة له، فهي في شكلها المجرد تصنف مع الأعمال الخيرية الموجهة لخدمة الآخرين، لكنها من زاوية أخرى فهي تشجع هؤلاء على الكسل والكف عن البحث والاجتهاد في الخلاص مما هم فيه بجهودهم الذاتية. لكن، في حالة الامتناع عن تقديم مثل تلك المساعدة فإن الآخرين سيبحثون عنها عند طرف ثالث، بعد أن يكون الطرف الممتنع عن تقديم المساعدة قد تم تصنيفه مع البخلاء أو الأنانيين.

يدعو هنا، على تقديم المساعدة مع الارتقاء بالطرف الذي قُدمت له المساعدة لينهض بذاته قارنا تلك المساعدة بالقدر الذي يتقدم فيه نحو الولاء للمثل العليا.

هو هنا يخاطب فاعل الخير والملتزم بالولاء للولاء، فيقول: إذا كنت تحت إمرة قائد يفترض أنه نذر نفسه لخدمة الوطن (الولاء للوطن) واكتشفت أن هذا القائد خائنا للوطن، فعليك أن تمتنع أن تكون مواليا لذلك القائد، ولكن لا تمتنع عن إعلان ولائك للوطن وتمسكك بذلك الولاء.

(2)

يعود الكاتب لتفكيك التناقضات. مثلا: عندما يقال (كن عادلا وكن رحيما) بنفس الوقت، فهو خضوع لمبدأين خيرين العدل والرحمة. وعندما يُطالب الفرد بالاعتناء بذاته وفي نفس الوقت يُطالب في التضحية بنفسه فداء للآخرين، فعليه أن يعتني بنفسه جيدا، ولكن لتتوقف تلك العناية بالنفس عندما يتم تهديد الوطن وتكرس الجهود لحماية الوطن الذي يتفوق على النفس بمسألة الولاء. وهكذا تنبع معالم الضمير الذي ينشده الفيلسوف (جوزايا رويس).

(3)

يجتهد الفيلسوف في إيجاد علاقة عضوية بين (الولاء للولاء) وما يسمى ب(الضمير)، حيث يعتبر مسألة الضمير من المسائل المعقدة والصعبة والتي لم يهتد علماء الاجتماع والفلاسفة على تعريف واحد يتفقون عليه للضمير.

ما هو الضمير؟ قد نتفق جميعا على أن الكلمة تعني ملكة عقلية لدينا، تمكننا من إصدار أحكام صحيحة أو خاطئة، تجاه المسائل الأخلاقية التي تواجهنا. إذن فإن ضميري ينتمي الى عقلي، ويرشدني عن الصواب والخطأ في السلوك، كذلك قد يوافق على سلوكي بالرضا أو بالتأنيب [ضميري مرتاح، ضميري يؤنبني].

(4)

من الواضح أننا نتفق جميعا بالنسبة للطبيعة العامة للضمير ووظائفه، ولكن الاختلافات تبدأ بيننا، إذا طرحنا الأسئلة التالية: هل الضمير فطري؟ هل يُكتسب من التدريب؟ هل أوامره واحدة لكل الناس؟ أَيُعَدُ هِبة إلهية؟ أهو معصوم من الخطأ؟ أَيُعَدُ قوةُ منفصلة عن العقل؟ أم أنه ببساطة عبارة عن مجموعة من الأحكام الأخلاقية التي اكتسبناها من التدريب الاجتماعي، ومن التفكير، ومن الخبرة الشخصية بنتائج السلوك؟

قبل أن يجيب الفرد على تساؤله عن (ما هو الضمير؟) يتساءل عن من هو؟ وإن أراد الإجابة بشكل مفصل سيقول: أنا فلان الذي يعمل بالمجال الفلاني ويدعو لتحقيق الأهداف الفلانية، والذي يعارض الذين يعملون كذا الخ. أي أن يحدد في إجابته الأهداف التي يعيش من أجلها. فإن لم يكن له أهداف سيكون (نفساً) (كائنا) يعيش بدون شخصية ولن يكون بحاجة الى ولاء أو بحاجة الى ضمير.

(5)

إذن، سيكون بين الذات والضمير علاقة قوية، ولن تكتمل تلك العلاقة إلا بوجود الولاء للولاء. يضرب الكاتب مثلا: أنه إذا كانت وظيفة الفرد (قاضيا) وكان أمام قضية، ووجد نفسه أمام حالة انحياز لأحد طرفي القضية، فإنه سيستحضر مثله الأعلى الذي يطالبه بالتزام الحيادية المؤدية للعدل.

وهنا، يكون المثل الأعلى حاضرا، في التراث والآداب والقصص الشعبية، وسيقوم بدور المرشد لتوجيه الضمير.

(6)

من الحالات التي تعتبر معقدة في امتحان الضمير، هي تداخل الولاءات، مثلا تكون هناك امرأة شابة ناجحة في عملها التمريضي، وتقدم خدمات هائلة للمجتمع ويدر عليها العمل ربحا طيبا، وإن استمرت به تطور وضعها المالي والوظيفي. ولكن تحدث وفاة لأحد معيلي أسرتها، ولا بد من وجودها قرب الأطفال الصغار، فستكون أمام خيارات صعبة يمتحن فيها ضميرها.

هذه المسألة لا يُشترط فيها أن يكون صاحب الضمير الآمر، متعلما، أو مثقفا أو اطلع أصلا على موضوع الضمير وعلوم الاجتماع، فقد يتطوع فتى رأى والده يقترب من العجز لأن يترك الدراسة مبكرا ليؤمن تدريس أخوته الآخرين الذين يصغرونه في العمر. فولاءه لأسرته ولرسالة استشعرها خلق عنده ضميرا لم يوجهه عليه أحد. ( سيناقش المؤلف مسألة الضمير والدين في محاضرة أخرى).

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس